عربي
Saturday 21st of December 2024
0
نفر 0

باب في غيبة يوسف عليه السلام

5- 

و أما غيبة يوسف عليه السلام فإنها كانت عشرين سنة لم يدهن فيها ولم يكتحل ولم يتطيب ولم يمس النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله وجمع بين يوسف وإخوته وأبيه وخالته كان منها ثلاثة أيام في الجب وفي السجن بضع سنين وفي الملك باقي سنيه وكان هو بمصر ويعقوب بفلسطين وكان بينهما مسيرة تسعة أيام فاختلفت عليه الأحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله ثم إلقائهم إياه في غيابت الجب ثم بيعهم إياه بثمن بخس دراهم معدودة ثم بلواه بفتنة امرأة العزيز ثم بالسجن بضع سنين ثم صار إليه بعد ذلك ملك مصر وجمع الله تعالى ذكره شمله وأراه تأويل رؤياه.

9-  حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن أحمد بن الحسن الميثمي عن الحسن الواسطي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قدم أعرابي على يوسف ليشتري منه طعاما فباعه فلما فرغ قال له يوسف أين منزلك قال له بموضع كذا وكذا قال فقال له فإذا مررت بوادي كذا وكذا فقف فناد يا يعقوب يا يعقوب فإنه سيخرج إليك رجل عظيم جميل جسيم وسيم فقل له لقيت رجلا بمصر وهو يقرئك السلام ويقول لك إن وديعتك عند الله عز وجل لن تضيع قال فمضى الأعرابي حتى انتهى إلى الموضع فقال لغلمانه احفظوا علي الإبل ثم نادى يا يعقوب يا يعقوب فخرج إليه رجل أعمى طويل جسيم جميل يتقي الحائط بيده حتى أقبل فقال له الرجل أنت يعقوب قال نعم فأبلغه ما قال له يوسف قال فسقط مغشيا عليه ثم أفاق فقال يا أعرابي أ لك حاجة إلى الله عز وجل فقال له نعم إني رجل كثير المال ولي ابنة عم ليس يولد لي منها وأحب أن تدعو الله أن يرزقني ولدا قال فتوضأ يعقوب وصلى ركعتين ثم دعا الله عز وجل فرزق أربعة أبطن أو قال ستة أبطن في كل بطن اثنان فكان يعقوب عليه السلام يعلم أن يوسف عليه السلام حي لم يمت وأن الله تعالى ذكره سيظهره له بعد غيبته وكان يقول لبنيه (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وكان أهله وأقرباؤه يفندونه على ذكره ليوسف حتى أنه لما وجد ريح يوسف قال (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) وهو يهودا ابنه وألقى قميص يوسف (عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ).

10-  حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يحيى العطار قال حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي إسماعيل السراج عن بشر بن جعفر عن المفضل الجعفي أظنه عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول أ تدري ما كان قميص يوسف عليه السلام قلت لا قال إن إبراهيم عليه السلام لما أوقدت له النار أتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنة وألبسه إياه فلم يضره معه حر ولا برد فلما حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على إسحاق وعلقه إسحاق على يعقوب فلما ولد ليعقوب يوسف علقه عليه وكان في عضده حتى كان من أمره ما كان فلما أخرج يوسف القميص من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) فهو ذلك القميص الذي أنزل من الجنة قال قلت جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص قال إلى أهله ثم قال كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم . فروي أن القائم عليه السلام إذا خرج يكون عليه قميص يوسف ومعه عصا موسى وخاتم سليمان عليه السلام والدليل على أن يعقوب عليه السلام علم بحياة يوسف عليه السلام وأنه إنما غيب عنه لبلوى واختبار أنه لما رجع إليه بنوه يبكون قال لهم يا بني لم تبكون وتدعون بالويل وما لي ما أرى فيكم حبيبي يوسف (قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا ولَوْ كُنَّا صادِقِينَ) وهذا قميصه قد أتيناك به قال ألقوه إلي فألقوه إليه وألقاه على وجهه فخر مغشيا عليه فلما أفاق قال لهم يا بني أ لستم تزعمون أن الذئب قد أكل حبيبي يوسف قالوا نعم قال ما لي لا أشم ريح لحمه وما لي أرى قميصه صحيحا هبوا أن القميص انكشف من أسفله أ رأيتم ما كان في منكبيه وعنقه كيف خلص إليه الذئب من غير أن يخرقه إن هذا الذئب لمكذوب عليه وإن ابني لمظلوم (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) وتولى عنهم ليلتهم تلك لا يكلمهم وأقبل يرثي يوسف ويقول حبيبي يوسف الذي كنت أوثره على جميع أولادي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي كنت أرجوه من بين أولادي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي أوسده يميني وأدثره بشمالي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي كنت أونس به وحدتي فاختلس مني حبيبي يوسف ليت شعري في أي الجبال طرحوك أم في أي البحار غرقوك حبيبي يوسف ليتني كنت معك فيصيبني الذي أصابك. ومن الدليل على أن يعقوب عليه السلام علم بحياة يوسف عليه السلام وأنه في الغيبة قوله (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) وقوله لبنيه (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأَخِيهِ ولا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ). وقال الصادق عليه السلام إن يعقوب عليه السلام قال لملك الموت أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة قال بل متفرقة قال فهل قبضت روح يوسف في جملة ما قبضت من الأرواح قال لا فعند ذلك قال لبنيه (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأَخِيهِ) فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب زماننا الغائب عليه السلام حال يعقوب عليه السلام في معرفته بيوسف وغيبته وحال الجاهلين به وبغيبته والمعاندين في أمره حال أهله وأقربائه الذين بلغ من جهلهم بأمر يوسف وغيبته حتى قالوا لأبيهم يعقوب (تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) وقول يعقوب لما ألقى البشير قميص يوسف على وجهه فارتد بصيرا (ألَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) دليل على أنه قد كان علم أن يوسف حي وأنه إنما غيب عنه للبلوى والامتحان.

11-  حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن هلال عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن فضالة بن أيوب عن سدير قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول إن في القائم سنة من يوسف قلت كأنك تذكر خبره أو غيبته فقال لي وما تنكر هذه الأمة أشباه الخنازير أن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وهم إخوته وهو أخوهم فلم يعرفوه حتى قال لهم (أَنَا يُوسُفُ) وهذا أَخِي فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله عز وجل في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجته عنهم لقد كان يوسف يوما ملك مصر وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوما فلو أراد الله تبارك وتعالى أن يعرفه مكانه لقدر على ذلك والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة في تسعة أيام إلى مصر فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله عز وجل يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون يسير فيما بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله عز وجل له أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف عليه السلام حين قال لهم (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وهذا أَخِي).

6-  باب في غيبة موسى عليه السلام

12-  وأما غيبة موسى النبي عليه السلام فإنه حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال حدثنا أبي قال حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد الأدمي الرازي قال حدثنا محمد بن آدم النسائي عن أبيه آدم بن أبي إياس قال حدثنا المبارك بن فضالة عن سعيد بن جبير عن سيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام من أبيه سيد الشهداء الحسين بن علي عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما حضرت يوسف عليه السلام الوفاة جمع شيعته وأهل بيته فحمد الله وأثنى عليه ثم حدثهم بشدة تنالهم يقتل فيها الرجال وتشق بطون الحبالى وتذبح الأطفال حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب وهو رجل أسمر طوال ونعته لهم بنعته فتمسكوا بذلك ووقعت الغيبة والشدة على بني إسرائيل وهم منتظرون قيام القائم أربع مائة سنة حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدت عليهم البلوى وحمل عليهم بالخشب والحجارة وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر وراسلوه فقالوا كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر وكانت ليلة قمراء فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى عليه السلام وكان في ذلك الوقت حديث السن وقد خرج من دار فرعون يظهر النزهة فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وانكب على قدميه فقبلهما ثم قال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكرا لله عز وجل فلم يزدهم على أن قال أرجو أن يعجل الله فرجكم ثم غاب بعد ذلك وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الأولى وكانت نيفا وخمسين سنة واشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه فبعثوا إليه أنه لا صبر لنا على استتارك عنا فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم وطيب نفوسهم وأعلمهم أن الله عز وجل أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة فقالوا بأجمعهم الحمد لله فأوحى الله عز وجل إليه قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد لله فقالوا كل نعمة فمن الله فأوحى الله إليه قل لهم قد جعلتها عشرين سنة فقالوا لا يأتي بالخير إلا الله فأوحى الله إليه قل لهم قد جعلتها عشرا فقالوا لا يصرف السوء إلا الله فأوحى الله إليه قل لهم لا تبرحوا فقد أذنت لكم في فرجكم فبينا هم كذلك إذ طلع موسى عليه السلام راكبا حمارا فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه وجاء موسى حتى وقف عليهم فسلم عليهم فقال له الفقيه ما اسمك فقال موسى قال ابن من قال ابن عمران قال ابن من قال ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب قال بما ذا جئت قال جئت بالرسالة من عند الله عز وجل فقام إليه فقبل يده ثم جلس بينهم فطيب نفوسهم وأمرهم أمره ثم فرقهم فكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة.

13-  حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا قالوا حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبان بن عثمان عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن يوسف بن يعقوب صلى الله عليه وآله وسلم حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلا فقال إن هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويسومونكم سوء العذاب وإنما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران عليه السلام غلام طوال جعد آدم فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمي ابنه عمران ويسمي عمران ابنه موسى فذكر أبان بن عثمان عن أبي الحسين عليه السلام من أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال ما خرج موسى حتى خرج قبله خمسون كذابا من بني إسرائيل كلهم يدعي أنه موسى بن عمران فبلغ فرعون أنهم يرجفون به ويطلبون هذا الغلام وقال له كهنته وسحرته إن هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام الذي يولد العام من بني إسرائيل فوضع القوابل على النساء وقال لا يولد العام ولد إلا ذبح ووضع على أم موسى قابلة فلما رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا إذا ذبح الغلمان واستحيي النساء هلكنا فلم نبق فتعالوا لا نقرب النساء فقال عمران أبو موسى عليه السلام بل باشروهن فإن أمر الله واقع ولو كره المشركون اللهم من حرمه فإني لا أحرمه ومن تركه فإني لا أتركه ووقع على أم موسى فحملت فوضع على أم موسى قابلة تحرسها فإذا قامت قامت وإذا قعدت قعدت فلما حملته أمه وقعت عليها المحبة وكذلك حجج الله على خلقه فقالت لها القابلة ما لك يا بنية تصفرين وتذوبين قالت لا تلوميني فإني إذا ولدت أخذ ولدي فذبح قالت لا تحزني فإني سوف أكتم عليك فلم تصدقها فلما أن ولدت التفتت إليها وهي مقبلة فقالت ما شاء الله فقالت لها أ لم أقل إني سوف أكتم عليك ثم حملته فأدخلته المخدع وأصلحت أمره ثم خرجت إلى الحرس فقالت انصرفوا وكانوا على الباب فإنما خرج دم منقطع فانصرفوا فأرضعته فلما خافت عليه الصوت أوحى الله إليها أن اعملي التابوت ثم اجعليه فيه ثم أخرجيه ليلا فاطرحيه في نيل مصر فوضعته في التابوت ثم دفعته في اليم فجعل يرجع إليها وجعلت تدفعه في الغمر وأن الريح ضربته فانطلقت به فلما رأته قد ذهب به الماء همت أن تصيح فربط الله على قلبها قال وكانت المرأة الصالحة امرأة فرعون وهي من بني إسرائيل قالت لفرعون إنها أيام الربيع فأخرجني واضرب لي قبة على شط النيل حتى أتنزه هذه الأيام فضربت لها قبة على شط النيل إذ أقبل التابوت يريدها فقالت هل ترون ما أرى على الماء قالوا إي والله يا سيدتنا إنا لنرى شيئا فلما دنا منها ثارت إلى الماء فتناولته بيدها وكاد الماء يغمرها حتى تصايحوا عليها فجذبته وأخرجته من الماء فأخذته فوضعته في حجرها فإذا هو غلام أجمل الناس وأسترهم فوقعت عليه منها محبة فوضعته في حجرها وقالت هذا ابني فقالوا إي والله يا سيدتنا والله ما لك ولد ولا للملك فاتخذي هذا ولدا فقامت إلى فرعون وقالت إني أصبت غلاما طيبا حلوا نتخذه ولدا فيكون قرة عين لي ولك فلا تقتله قال ومن أين هذا الغلام قالت والله ما أدري إلا أن الماء جاء به فلم تزل به حتى رضي فلما سمع الناس أن الملك قد تبنى ابنا لم يبق أحد من رءوس من كان مع فرعون إلا بعث إليه امرأته لتكون له ظئرا أو تحضنه فأبى أن يأخذ من امرأة منهن ثديا قالت امرأة فرعون اطلبوا لابني ظئرا ولا تحقروا أحدا فجعل لا يقبل من امرأة منهن فقالت أم موسى لأخته قصيه انظري أ ترين له أثرا فانطلقت حتى أتت باب الملك فقالت قد بلغني أنكم تطلبون ظئرا وهاهنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم وتكفله لكم فقالت أدخلوها فلما دخلت قالت لها امرأة فرعون ممن أنت قالت من بني إسرائيل قالت اذهبي يا بنية فليس لنا فيك حاجة فقلن لها النساء انظري عافاك الله يقبل أو لا يقبل فقالت امرأة فرعون أ رأيتم لو قبل هل يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل والمرأة من بني إسرائيل يعني الظئر فلا يرضى قلن فانظري يقبل أو لا يقبل قالت امرأة فرعون فاذهبي فادعيها فجاءت إلى أمها وقالت إن امرأة الملك تدعوك فدخلت عليها فدفع إليها موسى فوضعته في حجرها ثم ألقمته ثديها فازدحم اللبن في حلقه فلما رأت امرأة فرعون أن ابنها قد قبل قامت إلى فرعون فقالت إني قد أصبت لابني ظئرا وقد قبل منها فقال ممن هي قالت من بني إسرائيل قال فرعون هذا مما لا يكون أبدا الغلام من بني إسرائيل والظئر من بني إسرائيل فلم تزل تكلمه فيه وتقول ما تخاف من هذا الغلام إنما هو ابنك ينشأ في حجرك حتى قلبته عن رأيه ورضي فنشأ موسى عليه السلام في آل فرعون وكتمت أمه خبره وأخته والقابلة حتى هلكت أمه والقابلة التي قبلته فنشأ عليه السلام لا يعلم به بنو إسرائيل قال وكانت بنو إسرائيل تطلبه وتسأل عنه فيعمى عليهم خبره قال فبلغ فرعون أنهم يطلبونه ويسألون عنه فأرسل إليهم فزاد في العذاب عليهم وفرق بينهم ونهاهم عن الإخبار به والسؤال عنه قال فخرجت بنو إسرائيل ذات ليلة مقمرة إلى شيخ لهم عنده علم فقالوا قد كنا نستريح إلى الأحاديث فحتى متى وإلى متى نحن في هذا البلاء قال والله إنكم لا تزالون فيه حتى يجي ء الله تعالى ذكره بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران غلام طوال جعد فبينما هم كذلك إذ أقبل موسى يسير على بغلة حتى وقف عليهم فرفع الشيخ رأسه فعرفه بالصفة فقال له ما اسمك يرحمك الله قال موسى قال ابن من قال ابن عمران قال فوثب إليه الشيخ فأخذ بيده فقبلها وثاروا إلى رجله فقبلوها فعرفهم وعرفوه واتخذ شيعة فمكث بعد ذلك ما شاء الله ثم خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجل من شيعته يقاتل رجلا من آل فرعون من القبط فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه القبطي فوكزه موسى فقضى عليه وكان موسى عليه السلام قد أعطي بسطة في الجسم وشدة في البطش فذكره الناس وشاع أمره وقالوا إن موسى قتل رجلا من آل فرعون (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ) فلما أصبحوا من الغد إذا الرجل (الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) على آخر ف (قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) بالأمس رجل واليوم رجل (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ وجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) فخرج من مصر بغير ظهر ولا دابة ولا خادم تخفضه أرض وترفعه أخرى حتى انتهى إلى أرض مدين فانتهى إلى أصل شجرة فنزل فإذا تحتها بئر وإذا عندها أمة من الناس يسقون وإذا جاريتان ضعيفتان وإذا معهما غنيمة لهما قال ما خطبكما قالتا أبونا شيخ كبير ونحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرجال فإذا سقى الناس سقينا فرحمهما موسى عليه السلام فأخذ دلوهما وقال لهما قدما غنمكما فسقى لهما ثم رجعتا بكرة قبل الناس ثم تولى موسى إلى الشجرة فجلس تحتها (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) فروي أنه قال ذلك وهو محتاج إلى شق تمرة فلما رجعتا إلى أبيهما قال ما أعجلكما في هذه الساعة قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا فقال لإحداهما اذهبي فادعيه لي فجاءته تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فروي أن موسى عليه السلام قال لها وجهيني إلى الطريق وامشي خلفي فإنا بنو يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء (فَلَمَّا جاءَهُ وقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ  إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) فروي أنه قضى أتمهما لأن الأنبياء عليه السلام لا يأخذون إلا بالفضل والتمام فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ عن الطريق ليلا فرأى نارا فقال لأهله امكثوا إني ءانست نارا لعلي ءاتيكم منها بقبس أو بخبر من الطريق فلما انتهى إلى النار إذا شجرة تضطرم من أسفلها إلى أعلاها فلما دنا منها تأخرت عنه فرجع وأوجس في نفسه خيفة ثم دنت منه الشجرة فنودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب فإذا حية مثل الجذع لأسنانها صرير يخرج منها مثل لهب النار فولى موسى مدبرا فقال له ربه عز وجل ارجع فرجع وهو يرتعد وركبتاه تصطكان فقال يا إلهي هذا الكلام الذي أسمع كلامك قال نعم فلا تخف فوقع عليه الأمان فوضع رجله على ذنبها ثم تناول لحييها فإذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا وقيل له اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى فروي أنه أمر بخلعهما لأنهما كانتا من جلد حمار ميت وروي في قوله عليه السلام عز وجل (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أي خوفيك خوفك من ضياع أهلك وخوفك من فرعون ثم أرسله الله عز وجل إلى فرعون وملئه بآيتين بيده والعصا فروي عن الصادق عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى بن عمران عليه السلام خرج ليقتبس لأهله نارا فرجع إليهم وهو رسول نبي فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيه موسى عليه السلام في ليلة وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الائمة عليهم السلام يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيه موسى عليه السلام ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور.

14-  حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا المعلى بن محمد البصري عن محمد بن جمهور وغيره عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول في القائم عليه السلام سنة من موسى بن عمران عليه السلام فقلت وما سنته من موسى بن عمران قال خفاء مولده وغيبته عن قومه فقلت وكم غاب موسى عن أهله وقومه فقال ثماني وعشرين سنة.

15-  وحدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق المكتب رضي الله عنه قال حدثنا الحسين بن إبراهيم بن عبد الله بن منصور قال حدثنا محمد بن هارون الهاشمي قال حدثنا أحمد بن عيسى قال حدثنا أبو الحسين أحمد بن سليمان الرهاوي قال حدثنا معاوية بن هشام عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه محمد عن أبيه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المهدي منا أهل البيت يصلح الله له أمره في ليلة وفي رواية أخرى يصلحه الله في ليلة.

16-  حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن عيسى عن سليمان بن داود عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء سنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين فأما من موسى فخائف يترقب وأما من يوسف فالسجن وأما من عيسى فيقال له أنه مات ولم يمت وأما من محمد صلى الله عليه وآله وسلم فالسيف.

7-  باب ذكر مضي موسى عليه السلام ووقوع الغيبة بالأوصياء والحجج من بعده إلى أيام المسيح عليه السلام

17-  حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال حدثنا الحسن بن علي السكري قال حدثنا محمد بن زكريا البصري قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال قلت للصادق جعفر بن محمد عليه السلام أخبرني بوفاة موسى بن عمران عليه السلام فقال إنه لما أتاه أجله واستوفى مدته وانقطع أكله أتاه ملك الموت عليه السلام فقال له السلام عليك يا كليم الله فقال موسى وعليك السلام من أنت فقال أنا ملك الموت قال ما الذي جاء بك قال جئت لأقبض روحك فقال له موسى عليه السلام من أين تقبض روحي قال من فمك قال موسى عليه السلام كيف وقد كلمت به ربي جل جلاله قال فمن يديك قال كيف وقد حملت بهما التوراة قال فمن رجليك قال كيف وقد وطئت بهما طور سيناء قال فمن عينك قال كيف ولم تزل إلى ربي بالرجاء ممدودة قال فمن أذنيك قال كيف وقد سمعت بهما كلام ربي عز وجل قال فأوحى الله تبارك وتعالى إلى ملك الموت لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد ذلك وخرج ملك الموت فمكث موسى عليه السلام ما شاء الله أن يمكث بعد ذلك ودعا يوشع بن نون فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره وبأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر وغاب موسى عليه السلام عن قومه فمر في غيبته برجل وهو يحفر قبرا فقال له أ لا أعينك على حفر هذا القبر فقال له الرجل بلى فأعانه حتى حفر القبر وسوى اللحد ثم اضطجع فيه موسى عليه السلام لينظر كيف هو فكشف الله له الغطاء فرأى مكانه في الجنة فقال يا رب اقبضني إليك فقبض ملك الموت روحه مكانه ودفنه في القبر وسوى عليه التراب وكان الذي يحفر القبر ملك الموت في صورة آدمي وكان ذلك في التيه فصاح صائح من السماء مات موسى كليم الله وأي نفس لا تموت فحدثني أبي عن جدي عن أبيه عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن قبر موسى أين هو فقال هو عند الطريق الأعظم عند الكثيب الأحمر ثم إن يوشع بن نون عليه السلام قام بالأمر بعد موسى عليه السلام صابرا من الطواغيت على اللأواء والضراء والجهد والبلاء حتى مضى منهم ثلاث طواغيت فقوي بعدهم أمره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى عليه السلام بصفراء بنت شعيب امرأة موسى عليه السلام في مائة ألف رجل فقاتلوا يوشع بن نون عليه السلام فقتلهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله تعالى ذكره وأسر صفراء بنت شعيب وقال لها قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن ألقى نبي الله موسى عليه السلام فأشكو إليه ما لقيت منك ومن قومك فقالت صفراء وا ويلاه والله لو أبيحت لي الجنة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتكت حجابه وخرجت على وصيه بعده فاستتر الأئمة بعد يوشع بن نون إلى زمان داود عليه السلام أربعمائة سنة وكانوا أحد عشر وكان قوم كل واحد منهم يختلفون إليه في وقته ويأخذون عنه معالم دينهم حتى انتهى الأمر إلى آخرهم فغاب عنهم ثم ظهر لهم فبشرهم بداود عليه السلام وأخبرهم أن داود عليه السلام هو الذي يطهر الأرض من جالوت وجنوده ويكون فرجهم في ظهوره فكانوا ينتظرونه فلما كان زمان داود عليه السلام كان له أربعة أخوة ولهم أب شيخ كبير وكان داود عليه السلام من بينهم حامل الذكر وكان أصغر إخوته لا يعلمون أنه داود النبي المنتظر الذي يطهر الأرض من جالوت وجنوده وكانت الشيعة يعلمون أنه قد ولد وبلغ أشده وكانوا يرونه ويشاهدونه ولا يعلمون أنه هو فخرج داود عليه السلام وإخوته وأبوهم لما فصل طالوت بالجنود وتخلف عنهم داود وقال ما يصنع بي في هذا الوجه فاستهان به إخوته وأبوه وأقام في غنم أبيه يرعاها فاشتد الحرب وأصاب الناس جهد فرجع أبوه وقال لداود احمل إلى إخوتك طعاما يتقوون به على العدو وكان عليه السلام رجلا قصيرا قليل الشعر طاهر القلب أخلاقه نقية فخرج والقوم متقاربون بعضهم من بعض قد رجع كل واحد منهم إلى مركزه فمر داود عليه السلام على حجر فقال الحجر له بنداء رفيع يا داود خذني فاقتل بي جالوت فإني إنما خلقت لقتله فأخذه ووضعه في مخلاته التي كانت تكون فيها حجارته التي كان يرمي بها غنمه فلما دخل العسكر سمعهم يعظمون أمر جالوت فقال لهم ما تعظمون من أمره فو الله لئن عاينته لأقتلنه فتحدثوا بخبره حتى أدخل على طالوت فقال له يا فتى ما عندك من القوة وما جربت من نفسك قال قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه وأفك لحييه عنها فآخذها من فيه وكان الله تبارك وتعالى أوحى الله إلى طالوت أنه لا يقتل جالوت إلا من لبس درعك فملأها فدعا بدرعه فلبسها داود عليه السلام فاستوت عليه فراع ذلك طالوت ومن حضره من بني إسرائيل فقال عسى الله أن يقتل به جالوت فلما أصبحوا والتقى الناس قال داود عليه السلام أروني جالوت فلما رآه أخذ الحجر فرماه به فصك به بين عينيه فدمغه وتنكس عن دابته فقال الناس قتل داود جالوت وملكه الناس حتى لم يكن يسمع لطالوت ذكر واجتمعت عليه بنو إسرائيل وأنزل الله تبارك وتعالى عليه الزبور وعلمه صنعة الحديد فلينه له وأمر الجبال والطير أن تسبح معه وأعطاه صوتا لم يسمع بمثله حسنا وأعطاه قوة في العبادة وأقام في بني إسرائيل نبيا وهكذا يكون سبيل القائم عليه السلام له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه وأنطقه الله عز وجل فناداه اخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله وله سيف مغمد إذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عز وجل فناداه السيف اخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله فيخرج عليه السلام ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله عز وجل. حدثني بذلك أبو الحسن أحمد بن ثابت الدواليني بمدينة السلام عن محمد بن الفضل النحوي عن محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي عن علي بن عاصم عن محمد بن علي بن موسى عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر حديث طويل قد أخرجته في هذا الكتاب في باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من النص على القائم عليه السلام وأنه الثاني عشر من الائمة عليهم السلام ثم إن داود عليه السلام أراد أن يستخلف سليمان عليه السلام لأن الله عز وجل أوحى إليه يأمره بذلك فلما أخبر بني إسرائيل ضجوا من ذلك وقالوا يستخلف علينا حدثا وفينا من هو أكبر منه فدعا أسباط بني إسرائيل فقال لهم قد بلغني مقالتكم فأروني عصيكم فأي عصا أثمرت  فصاحبها ولي الأمر من بعدي فقالوا رضينا فقال ليكتب كل واحد منكم اسمه على عصاه فكتبوه ثم جاء سليمان عليه السلام بعصاه فكتب عليها اسمه ثم أدخلت بيتا وأغلق الباب وحرسته رءوس أسباط بني إسرائيل فلما أصبح صلى بهم الغداة ثم أقبل ففتح الباب فأخرج عصيهم وقد أورقت وعصا سليمان قد أثمرت فسلموا ذلك لداود عليه السلام فاختبره بحضرة بني إسرائيل فقال له يا بني أي شي ء أبرد قال عفو الله عن الناس وعفو الناس بعضهم عن بعض قال يا بني فأي شي ء أحلى قال المحبة وهو روح الله في عباده فافتر داود ضاحكا فسار به في بني إسرائيل فقال هذا خليفتي فيكم من بعدي ثم أخفى سليمان بعد ذلك أمره وتزوج بامرأة واستتر من شيعته ما شاء الله أن يستتر ثم إن امرأته قالت له ذات يوم بأبي أنت وأمي ما أكمل خصالك وأطيب ريحك ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلا أنك في مئونة أبي فلو دخلت السوق فتعرضت لرزق الله رجوت أن لا يخيبك فقال لها سليمان عليه السلام إني والله ما عملت عملا قط ولا أحسنه فدخل السوق فجال يومه ذلك ثم رجع فلم يصب شيئا فقال لها ما أصبت شيئا قالت لا عليك إن لم يكن اليوم كان غدا فلما كان من الغد خرج إلى السوق فجال يومه فلم يقدر على شي ء ورجع فأخبرها فقالت له يكون غدا إن شاء الله فلما كان من اليوم الثالث مضى حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصياد فقال له هل لك أن أعينك وتعطينا شيئا قال نعم فأعانه فلما فرغ أعطاه الصياد سمكتين فأخذهما وحمد الله عز وجل ثم إنه شق بطن إحداهما فإذا هو بخاتم في بطنها فأخذه فصره في ثوبه فحمد الله وأصلح السمكتين وجاء بهما إلى منزله ففرحت امرأته بذلك وقالت له إني أريد أن تدعو أبوي حتى يعلما أنك قد كسبت فدعاهما فأكلا معه فلما فرغوا قال لهم هل تعرفوني قالوا لا والله إلا أنا لم نر إلا خيرا منك قال فأخرج خاتمه فلبسه فحن عليه الطير والريح وغشيه الملك وحمل الجارية وأبويها إلى بلاد إصطخر واجتمعت إليه الشيعة واستبشروا به ففرج الله عنهم مما كانوا فيه من حيرة غيبته فلما حضرته الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى ذكره فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة ويأخذون عنه معالم دينهم ثم غيب الله تبارك وتعالى آصف غيبة طال أمدها ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله ثم إنه ودعهم فقالوا له أين الملتقى قال على الصراط وغاب عنهم ما شاء الله فاشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلط عليهم بخت نصر فجعل يقتل من يظفر به منهم ويطلب من يهرب ويسبي ذراريهم فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم دانيال واصطفى من ولد هارون عزيرا وهم يومئذ صبية صغار فمكثوا في يده وبنو إسرائيل في العذاب المهين والحجة دانيال عليه السلام أسير في يد بخت نصر تسعين سنة فلما عرف فضله وسمع أن بني إسرائيل ينتظرون خروجه ويرجون الفرج في ظهوره وعلى يده أمر أن يجعل في جب عظيم واسع ويجعل معه الأسد ليأكله فلم يقربه وأمر أن لا يطعم فكان الله تبارك وتعالى يأتيه بطعامه وشرابه على يد نبي من أنبيائه فكان دانيال يصوم النهار ويفطر بالليل على ما يدلي إليه من الطعام فاشتدت البلوى على شيعته وقومه والمنتظرين له ولظهوره وشك أكثرهم في الدين لطول الأمد فلما تناهى البلاء بدانيال عليه السلام وبقومه رأى بخت نصر في المنام كأن ملائكة من السماء قد هبطت إلى الأرض أفواجا إلى الجب الذي فيه دانيال مسلمين عليه يبشرونه بالفرج فلما أصبح ندم على ما أتى إلى دانيال فأمر بأن يخرج من الجب فلما أخرج اعتذر إليه مما ارتكب منه من التعذيب ثم فوض إليه النظر في أمور ممالكه والقضاء بين الناس فظهر من كان مستترا من بني إسرائيل ورفعوا رءوسهم واجتمعوا إلى دانيال عليه السلام موقنين بالفرج فلم يلبث إلا القليل على تلك الحال حتى مات وأفضى الأمر بعده إلى عزير عليه السلام فكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون عنه معالم دينهم فغيب الله عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه وغابت الحجج بعده واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا عليه السلام وترعرع فظهر وله سبع سنين فقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله وأخبرهم أن محن الصالحين إنما كانت لذنوب بني إسرائيل وأن العاقبة للمتقين ووعدهم الفرج بقيام المسيح عليه السلام بعد نيف وعشرين سنة من هذا القول فلما ولد المسيح عليه السلام أخفى الله عز وجل ولادته وغيب شخصه لأن مريم عليها السلام لما حملته انتبذت به مكانا قصيا ثم إن زكريا وخالتها أقبلا يقصان أثرها حتى هجما عليها وقد وضعت ما في بطنها وهي تقول (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) فأطلق الله تعالى ذكره لسانه بعذرها وإظهار حجتها فلما ظهرت اشتدت البلوى والطلب على بني إسرائيل وأكب الجبابرة والطواغيت عليهم حتى كان من أمر المسيح ما قد أخبر الله عز وجل به واستتر شمعون بن حمون والشيعة حتى أفضى بهم الاستتار إلى جزيرة من جزائر البحر فأقاموا بها ففجر الله لهم العيون العذبة وأخرج لهم من كل الثمرات وجعل لهم فيها الماشية وبعث إليهم سمكة تدعى القمد لا لحم لها ولا عظم وإنما هي جلد ودم فخرجت من البحر فأوحى الله عز وجل إلى النحل أن تركبها فركبتها فأتت النحل إلى تلك الجزيرة ونهض النحل وتعلق بالشجر فعرش وبنى وكثر العسل ولم يكونوا يفقدون شيئا من أخبار المسيح عليه السلام.

8-  باب بشارة عيسى ابن مريم عليهما السلام بالنبي محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم

 18-  حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي البصري بالبصرة قال حدثنا محمد بن عطية الشامي قال حدثنا عبد الله بن عمرو بن سعيد البصري قال حدثنا هشام بن جعفر عن حماد بن عبد الله بن سليمان وكان قارئا للكتب قال قرأت في الإنجيل يا عيسى جد في أمري ولا تهزل واسمع وأطع يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول أنت من غير فحل أنا خلقتك آية للعالمين فإياي فاعبد وعلي فتوكل خذ الكتاب بقوة فسر لأهل سوريا بالسريانية بلغ من بين يديك إني أنا الله الدائم الذي لا أزول صدقوا النبي الأمي صاحب الجمل والمدرعة والتاج وهي العمامة والنعلين والهراوة وهي القضيب الأنجل العينين الصلت الجبين الواضح الخدين الأقنى الأنف مفلج الثنايا كأن عنقه إبريق فضة كأن الذهب يجري في تراقيه له شعرات من صدره إلى سرته ليس على بطنه ولا على صدره شعر أسمر اللون دقيق المسربة شثن الكف والقدم إذا التفت التفت جميعا وإذا مشى فكأنما يتقلع من الصخر وينحدر من صبب وإذا جاء مع القوم بذهم عرقه في وجهه كاللؤلؤ وريح المسك تنفح منه لم ير قبله مثله ولا بعده طيب الريح نكاح للنساء ذو النسل القليل إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك لها فرخان مستشهدان كلامه القرآن ودينه الإسلام وأنا السلام فطوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيامه وسمع كلامه قال عيسى يا رب وما طوبى قال شجرة في الجنة أنا غرستها بيدي تظل الجنان أصلها من رضوان ماؤها من تسنيم برده برد الكافور وطعمه طعم الزنجبيل من شرب من تلك العين شربة لا يظمأ بعدها أبدا فقال عيسى عليه السلام اللهم اسقني منها قال حرام يا عيسى على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتى تشرب منها أمة ذلك النبي يا عيسى أرفعك إلي ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب ولتعينهم على اللعين الدجال أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم إنهم أمة مرحومة وكانت للمسيح عليه السلام غيبات يسيح فيها في الأرض فلا يعرف قومه وشيعته خبره ثم ظهر فأوصى إلى شمعون بن حمون عليه السلام فلما مضى شمعون غابت الحجج بعده واشتدت الطلب وعظمت البلوى ودرس الدين وضيعت الحقوق وأميتت الفروض والسنن وذهب الناس يمينا وشمالا لا يعرفون أيا من أي فكانت الغيبة مائتين وخمسين سنة.

19-  حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله جميعا عن أيوب بن نوح عن عبد الله بن المغيرة عن سعد بن أبي خلف عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام بقي الناس بعد عيسى ابن مريم عليها السلام خمسين ومائتي سنة بلا حجة ظاهرة.

20-  حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن سعد بن أبي خلف عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان بين عيسى وبين محمد عليهما السلام خمسمائة عام منها مائتان وخمسون عاما ليس فيها نبي ولا عالم ظاهر قلت فما كانوا قال كانوا متمسكين بدين عيسى عليه السلام قلت فما كانوا قال كانوا مؤمنين ثم قال عليه السلام ولا يكون الأرض إلا وفيها عالم وكان ممن ضرب في الأرض لطلب الحجة سلمان الفارسي رضي الله عنه فلم يزل ينتقل من عالم إلى عالم ومن فقيه إلى فقيه ويبحث عن الأسرار ويستدل بالأخبار منتظرا لقيام القائم سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وآله وسلم أربعمائة سنة حتى بشر بولادته فلما أيقن بالفرج خرج يريد تهامة فسبي.

9-  باب خبر سلمان الفارسي رحمة الله عليه في ذلك

21-  حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن علي بن مهزيار عن أبيه عمن ذكره عن موسى بن جعفر عليه السلام قال قلت يا ابن رسول الله أ لا تخبرنا كيف كان سبب إسلام سلمان الفارسي قال حدثني أبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله وسلم.

وسلمان الفارسي وأبا ذر وجماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال امير المؤمنين عليه السلام لسلمان يا أبا عبد الله أ لا تخبرنا بمبدإ أمرك فقال سلمان والله يا أمير المؤمنين لو أن غيرك سألني ما أخبرته أنا كنت رجلا من أهل شيراز من أبناء الدهاقين وكنت عزيزا على والدي فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا أنا بصومعة وإذا فيها رجل ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله فرسخ وصف محمد في لحمي ودمي فلم يهنئني طعام ولا شراب فقالت لي أمي يا بني ما لك اليوم لم تسجد لمطلع الشمس قال فكابرتها حتى سكتت فلما انصرفت إلى منزلي إذا أنا بكتاب معلق في السقف فقلت لأمي ما هذا الكتاب فقالت يا روزبه إن هذا الكتاب لما رجعنا من عيدنا رأيناه معلقا فلا تقرب ذلك المكان فإنك إن قربته قتلك أبوك قال فجاهدتها حتى جن الليل فنام أبي وأمي فقمت وأخذت الكتاب وإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله إلى آدم أنه خالق من صلبه نبيا يقال له محمد يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن عبادة الأوثان يا روزبه ائت وصي عيسى وآمن واترك المجوسية قال فصعقت صعقة وزادني شدة قال فعلم بذلك أبي وأمي فأخذوني وجعلوني في بئر عميقة وقالوا لي إن رجعت وإلا قتلناك فقلت لهم افعلوا بي ما شئتم حب محمد لا يذهب من صدري قال سلمان ما كنت أعرف العربية قبل قراءتي الكتاب ولقد فهمني الله عز وجل العربية من ذلك اليوم قال فبقيت في البئر فجعلوا ينزلون في البئر إلي أقراصا صغارا قال فلما طال أمري رفعت يدي إلى السماء فقلت يا رب إنك حببت محمدا ووصيه إلى فبحق وسيلته عجل فرجي وأرحني مما أنا فيه فأتاني آت عليه ثياب بيض فقال قم يا روزبه فأخذ بيدي وأتى بي إلى الصومعة فأنشأت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله فأشرف علي الديراني فقال أنت روزبه فقلت نعم فقال اصعد فأصعدني إليه وخدمته حولين كاملين فلما حضرته الوفاة قال إني ميت فقلت له فعلى من تخلفني فقال لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه إلا راهبا بأنطاكية فإذا لقيته فأقرئه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح وناولني لوحا فلما مات غسلته وكفنته ودفنته وأخذت اللوح وسرت به إلى أنطاكية وأتيت الصومعة وأنشأت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله فأشرف علي الديراني فقال أنت روزبه فقلت نعم فقال اصعد فصعدت إليه فخدمته حولين كاملين فلما حضرته الوفاة قال لي إني ميت فقلت على من تخلفني فقال لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه إلا راهبا بالإسكندرية فإذا أتيته فأقرئه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح فلما توفي غسلته وكفنته ودفنته وأخذت اللوح وأتيت الصومعة وأنشأت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله فأشرف علي الديراني فقال أنت روزبه فقلت نعم فقال اصعد فصعدت إليه وخدمته حولين كاملين فلما حضرته الوفاة قال لي إني ميت فقلت على من تخلفني فقال لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه في الدنيا وإن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد حانت ولادته فإذا أتيته فأقرئه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح قال فلما توفي غسلته وكفنته ودفنته وأخذت اللوح وخرجت فصحبت قوما فقلت لهم يا قوم اكفوني الطعام والشراب أكفكم الخدمة قالوا نعم قال فلما أرادوا أن يأكلوا شدوا على شاة فقتلوها بالضرب ثم جعلوا بعضها كبابا وبعضها شواء فامتنعت من الأكل فقالوا كل فقلت إني غلام ديراني وإن الديرانيين لا يأكلون اللحم فضربوني وكادوا يقتلونني فقال بعضهم أمسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم فإنه لا يشرب فلما أتوا بالشراب قالوا اشرب فقلت إني غلام ديراني وإن الديرانيين لا يشربون الخمر فشدوا علي وأرادوا قتلي فقلت لهم يا قوم لا تضربوني ولا تقتلوني فإني أقر لكم بالعبودية فأقررت لواحد منهم فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي قال فسألني عن قصتي فأخبرته وقلت له ليس لي ذنب إلا أني أحببت محمدا ووصيه فقال اليهودي وإني لأبغضك وأبغض محمدا ثم أخرجني إلى خارج داره وإذا رمل كثير على بابه فقال والله يا روزبه لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك قال فجعلت أحمل طول ليلتي فلما أجهدني التعب رفعت يدي إلى السماء وقلت يا رب إنك حببت محمدا ووصيه إلي فبحق وسيلته عجل فرجي وأرحني مما أنا فيه فبعث الله عز وجل ريحا فقلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال اليهودي فلما أصبح نظر إلى الرمل قد نقل كله فقال يا روزبه أنت ساحر وأنا لا أعلم فلأخرجنك من هذه القرية لئلا تهلكها قال فأخرجني وباعني من امرأة سلمية فأحبتني حبا شديدا وكان لها حائط فقالت هذا الحائط لك كل منه ما شئت وهب وتصدق  قال فبقيت في ذلك الحائط ما شاء الله فبينا أنا ذات يوم في الحائط إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة فقلت في نفسي والله ما هؤلاء كلهم أنبياء ولكن فيهم نبيا قال فأقبلوا حتى دخلوا الحائط والغمامة تسير معهم فلما دخلوا إذا فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وأبو ذر والمقداد وعقيل بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لهم كلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئا فدخلت على مولاتي فقلت لها يا مولاتي هبي لي طبقا من رطب فقالت لك ستة أطباق قال فجئت فحملت طبقا من رطب فقلت في نفسي إن كان فيهم نبي فإنه لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية فوضعته بين يديه فقلت هذه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلوا وأمسك رسول الله وأمير المؤمنين وعقيل بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وقال لزيد مد يدك وكل فقلت في نفسي هذه علامة فدخلت إلى مولاتي فقلت لها هبي لي طبقا آخر فقالت لك ستة أطباق قال فجئت فحملت طبقا من رطب فوضعته بين يديه فقلت هذه هدية فمد يده وقال بسم الله كلوا ومد القوم جميعا أيديهم فأكلوا فقلت في نفسي هذه أيضا علامة قال فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفاتة فقال يا روزبه تطلب خاتم النبوة فقلت نعم فكشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجوم بين كتفيه عليه شعرات قال فسقطت على قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقبلها فقال لي يا روزبه ادخل إلى هذه المرأة وقل لها يقول لك محمد بن عبد الله تبيعينا هذا الغلام فدخلت فقلت لها يا مولاتي إن محمد بن عبد الله يقول لك تبيعينا هذا الغلام فقالت قل له لا أبيعك إلا بأربعمائة نخلة مائتي نخلة منها صفراء ومائتي نخلة منها حمراء قال فجئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فقال وما أهون ما سألت ثم قال قم يا علي فاجمع هذا النوى كله فجمعه وأخذه فغرسه ثم قال اسقه فسقاه أمير المؤمنين فما بلغ آخره حتى خرج النخل ولحق بعضه بعضا فقال لي ادخل إليها وقل لها يقول لك محمد بن عبد الله خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا قال فدخلت عليها وقلت ذلك لها فخرجت ونظرت إلى النخل فقالت والله لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة كلها صفراء قال فهبط جبرئيل عليه السلام فمسح جناحيه على النخل فصار كله أصفر قال ثم قال لي قل لها إن محمدا يقول لك خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا قال فقلت لها ذلك فقالت والله لنخلة من هذه أحب إلى من محمد ومنك فقلت لها والله ليوم واحد مع محمد أحب إلى منك ومن كل شي ء أنت فيه فأعتقني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسماني سلمان قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه كان اسم سلمان روزبه بن خشبوذان وما سجد قط لمطلع الشمس وإنما كان يسجد لله عز وجل وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية وكان أبواه يظنان أنه إنما يسجد لمطلع الشمس كهيئتهم وكان سلمان وصي وصي عيسى عليه السلام في أداء ما حمل إلى من انتهت إليه الوصية من المعصومين وهو آبي عليه السلام وقد ذكر قوم أن آبي هو أبو طالب وإنما اشتبه الأمر به لأن امير المؤمنين عليه السلام سئل عن آخر أوصياء عيسى عليه السلام فقال آبي فصحفه الناس وقالوا أبي ويقال له بردة أيضا.

10-  باب في خبر قس بن ساعدة الأيادي

ومثل قس بن ساعدة الأيادي في علمه وحكمته كان يعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وينتظر ظهوره ويقول إن لله دينا خير من الدين الذي أنتم عليه وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يترحم عليه ويقول يحشر يوم القيامة أمة وحده.

22-  حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من القوم قالوا وفد بكر بن وائل قال فهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي قالوا نعم يا رسول الله قال فما فعل قالوا مات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحمد لله رب الموت ورب الحياة كل نفس ذائقة الموت كأني أنظر إلى قس بن ساعدة الأيادي وهو بسوق عكاظ على جمل له أحمر وهو يخطب الناس ويقول اجتمعوا أيها الناس فإذا اجتمعتم فأنصتوا فإذا أنصتم فاسمعوا فإذا سمعتم فعوا فإذا وعيتم فاحفظوا فإذا حفظتم فاصدقوا ألا إنه من عاش مات ومن مات فات ومن فات فليس بآت أن في السماء خبرا وفي الأرض عبرا سقف مرفوع ومهاد موضوع ونجوم تمور وليل يدور وبحار ماء لا تغور يحلف قس ما هذا بلعب وإن من وراء هذا لعجبا ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أ رضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا يحلف قس يمينا غير كاذبة إن لله دينا هو خير من الدين الذي أنتم عليه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحم الله قسا يحشر يوم القيامة أمة وحده قال هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئا فقال بعضهم سمعته يقول في الأولين الذاهبين من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادرو رأيت قومي نحوها تمضي الأكابر والأصاغر لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر  وبلغ من حكمة قس بن ساعدة ومعرفته أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يسأل من يقدم عليه من أياد من حكمه ويصغي إليه سمعه.

 23-  حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد قال حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن إسماعيل قال أخبرنا محمد بن زكريا قال حدثنا عبد الله بن الضحاك عن هشام عن أبيه أن وفدا من أياد قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألهم عن حكم قس بن ساعدة فقالوا قال قس يا ناعي الموت والأموات في جدث عليهم من بقايا بزهم خرق دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم كما ينبه من نوماته الصعق منهم عراة ومنهم في ثيابهم منها الجديد ومنها الأورق الخلق حتى يعودوا بحال غير حالتهم خلق جديد وخلق بعدهم خلقوا مطر ونبات وآباء وأمهات وذاهب وآت وآيات في أثر آيات وأموات بعد أموات ضوء وظلام وليال وأيام وفقير وغني وسعيد وشقي ومحسن ومسي ء نبأ لأرباب الغفلة ليصلحن كل عامل عمله كلا بل هو الله واحد ليس بمولود ولا والد أعاد وأبدى وإليه المآب غدا وأما بعد يا معشر أياد أين ثمود وعاد وأين الآباء والأجداد أين الحسن الذي لم يشكر والقبيح الذي لم ينقم كلا ورب الكعبة ليعودن ما بدا ولئن ذهب يوم ليعودن يوم وهو قس بن ساعدة بن حذاقة بن زهر بن أياد بن نزار أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية وأول من توكأ على عصا ويقال إنه عاش ستمائة سنة وكان يعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم باسمه ونسبه ويبشر الناس بخروجه وكان يستعمل التقية ويأمر بها في خلال ما يعظ به الناس.

24-  حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد قال أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين بن إسماعيل قال أخبرنا محمد بن زكريا بن دينار قال حدثني مهدي بن سابق عن عبد الله بن عباس عن أبيه قال جمع قس بن ساعدة ولده فقال إن المعى تكفيه البقلة وترويه المذقة ومن عيرك شيئا ففيه مثله ومن ظلمك وجد من يظلمه متى عدلت على نفسك عدل عليك من فوقك فإذا نهيت عن شي ء فابدأ بنفسك ولا تجمع ما لا تأكل ولا تأكل ما لا تحتاج إليه وإذا ادخرت فلا يكونن كنزك إلا فعلك وكن عف العيلة مشترك الغنى تسد قومك ولا تشاورن مشغولا وإن كان حازما ولا جائعا وإن كان فهما ولا مذعورا وإن كان ناصحا ولا تضعن في عنقك طوقا لا يمكنك نزعه إلا بشق نفسك وإذا خاصمت فاعدل وإذا قلت فاقتصد ولا تستودعن أحدا دينك وإن قربت قرابته فإنك إذا فعلت ذلك لم تزل وجلا وكان المستودع بالخيار في الوفاء بالعهد وكنت له عبدا ما بقيت فإن جنى عليك كنت أولى بذلك وإن وفى كان الممدوح دونك عليك بالصدقة فإنها تكفر الخطيئة فكان قس لا يستودع دينه أحدا وكان يتكلم بما يخفى معناه على العوام ولا يستدركه إلا الخواص.

11-  باب في خبر تبع

وكان تبع الملك أيضا ممن عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانتظر خروجه لأنه قد وقع إليه خبره فعرفه أنه سيخرج من مكة نبي يكون مهاجرته إلى يثرب

25-  محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي عن عمر بن أبان عن أبان رفعه أن تبع قال في مسيره

حتى أتاني من قريظة عالم حبر لعمرك في اليهود مسود قال ازدجر عن قرية محجوبة لنبي مكة من قريش مهتد فعفوت عنهم عفو غير مثرب وتركتهم لعقاب يوم سرمد وتركتها لله أرجو عفوه يوم الحساب من الجحيم الموقدو لقد تركت له بها من قومنا نفرا أولي حسب وممن يحمد نفرا يكون النصر في أعقابهم أرجو بذاك ثواب رب محمد ما كنت أحسب أن بيتا ظاهرا لله في بطحاء مكة يعبد قالوا بمكة بيت مال داثر وكنوزه من لؤلؤ وزبر جد فأردت أمرا حال ربي دونه والله يدفع عن خراب المسجد فتركت ما أملته فيه لهم وتركتهم مثلا لأهل المشهد. قال أبو عبد الله عليه السلام قد أخبر أنه سيخرج من هذه يعني مكة نبي يكون مهاجرته إلى يثرب فأخذ قوما من اليمن فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج وفي ذلك يقول شهدت على أحمد أنه رسول من الله بارئ النسم فلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيرا له وابن عم و كنت عذابا على المشركين أسقيهم كأس حتف وغم .

26-  حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن تبعا قال للأوس والخزرج كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي أما أنا فلو أدركته لخدمته ولخرجت معه.

27-  حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البزاز قال حدثنا محمد بن يعقوب الأصم قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال حدثنا يونس بن بكير الشيباني عن زكريا بن يحيى المدني قال حدثني عكرمة قال سمعت ابن عباس يقول لا يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلما.

12-  باب في خبر عبد المطلب وأبي طالب

وكان عبد المطلب وأبو طالب من أعرف العلماء وأعلمهم بشأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانا يكتمان ذلك عن الجهال وأهل الكفر والضلال.

28-  حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي قال حدثني الهيثم بن عمرو المزني عن إبراهيم بن عقيل الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس قال كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد إلا هو إجلالا له وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج عبد المطلب فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج وهو غلام فيمشي حتى يجلس على الفراش فيعظم ذلك على أعمامه ويأخذونه ليؤخروه فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم دعوا ابني فو الله إن له لشأنا عظيما إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم وهو سيدكم إني أرى غرته غرة تسود الناس ثم يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقبله ويقول ما رأيت قبلة أطيب منه ولا أطهر قط ولا جسدا ألين منه ولا أطيب منه ثم يلتفت إلى أبي طالب وذلك أن عبد الله وأبا طالب لأم واحدة فيقول يا أبا طالب إن لهذا الغلام لشأنا عظيما فاحفظه واستمسك به فإنه فرد وحيد وكن له كالأم لا يصل إليه بشي ء يكرهه ثم يحمله على عنقه فيطوف به أسبوعا فكان عبد المطلب قد علم أنه يكره اللات والعزى فلا يدخله عليهما فلما تمت له ست سنين ماتت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة وكانت قدمت به على أخواله من بني عدي فبقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتيما لا أب له ولا أم فازداد عبد المطلب له رقة وحفظا وكانت هذه حاله حتى أدركت عبد المطلب الوفاة فبعث إلى أبي طالب ومحمد على صدره وهو في غمرات الموت وهو يبكي ويلتفت إلى أبي طالب ويقول يا أبا طالب انظر أن تكون حافظا لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ولا ذاق شفقة أمه انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك فإني قد تركت بني كلهم وأوصيتك به لأنك من أم أبيه يا أبا طالب إن أدركت أيامه فاعلم أني كنت من أبصر الناس وأعلم الناس به فإن استطعت أن تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك فإنه والله سيسودكم ويملك ما لم يملك أحد من بني آبائي يا أبا طالب ما أعلم أحدا من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه ولا أمه على حال أمه فاحفظه لوحدته هل قبلت وصيتي فيه فقال نعم قد قبلت والله علي بذلك شهيد فقال عبد المطلب فمد يدك إلي فمد يده إليه فضرب يده على يده ثم قال عبد المطلب الآن خفف علي الموت ثم لم يزل يقبله ويقول أشهد أني لم أقبل أحدا من ولدي أطيب ريحا منك ولا أحسن وجها منك ويتمنى أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه فمات عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين فضمه أبو طالب إلى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل ولا نهار وكان ينام معه حتى لا يأتمن عليه أحدا.

29-  حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البزاز قال حدثنا محمد بن يعقوب الأصم قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق بن يسار المدني قال حدثنا العباس بن عبد الله بن سعيد عن بعض أهله قال كان يوضع لعبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فراش في ظل الكعبة فكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي حتى يجلس عليه فيذهب أعمامه ليؤخروه فيقول جده عبد المطلب دعوا ابني فيمسح على ظهره ويقول إن لابني هذا لشأنا فتوفي عبد المطلب والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن ثمان سنين بعد عام الفيل بثمان سنين.

30-  حدثنا علي بن أحمد رضي الله عنه قال حدثنا أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي عن خالد بن إلياس عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال حدثني أبي عن جدي قال سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب قال بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني فأتيت كاهنة قريش وعلي مطرف خز وجمتي تضرب منكبي فلما نظرت إلي عرفت في وجهي التغير فاستوت وأنا يومئذ سيد قومي فقالت ما شأن سيد العرب متغير اللون هل رابه من حدثان الدهر ريب فقلت لها بلى إني رأيت الليلة وأنا قائم في الحجر كأن شجرة قد نبتت على ظهري قد نال رأسها السماء وضربت أغصانها الشرق والغرب ورأيت نورا يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا ورأيت العرب والعجم ساجدة لها وهي كل يوم تزداد عظما ونورا ورأيت رهطا من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجها وأنظفهم ثيابا فيأخذهم ويكسر ظهورهم ويقلع أعينهم فرفعت يدي لأتناول غصنا من أغصانها فصاح بي الشاب وقال مهلا ليس لك منها نصيب فقلت لمن النصيب والشجرة مني فقال النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا بها وستعود إليها فانتبهت مذعورا فزعا متغير اللون فرأيت لون الكاهنة قد تغير ثم قالت لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق والغرب ينبأ في الناس فسرى عني غمي فانظر يا أبا طالب لعلك تكون أنت فكان أبو طالب يحدث الناس بهذا الحديث والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج ويقول كانت الشجرة والله أبا القاسم الأمين فقيل له فلم لم تؤمن به فقال للسبة والعار قال أبو جعفر محمد بن علي مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه إن أبا طالب كان مؤمنا ولكنه يظهر الشرك ويستتر الإيمان ليكون أشد تمكنا من نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

31-  حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أيوب بن نوح عن العباس بن عامر عن علي بن أبي سارة عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن أبا طالب أظهر الكفر وأسر الإيمان فلما حضرته الوفاة أوحى الله عز وجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اخرج منها فليس لك بها ناصر فهاجر إلى المدينة.

32-  حدثنا أحمد بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن أيوب عن صالح بن أسباط عن إسماعيل بن محمد وعلي بن عبد الله عن الربيع بن محمد المسلي عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم يقول والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قط قيل له فما كانوا يعبدون قال كانوا يصلون إلى البيت على دين ابراهيم عليه السلام متمسكين به.

33-  حدثنا علي بن أحمد رضي الله عنه قال حدثنا أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي عن سعيد بن مسلم عن قمار مولى لبني مخزوم عن سعيد بن أبي صالح عن أبيه عن ابن عباس قال سمعت أبي العباس يحدث قال ولد لأبي عبد المطلب عبد الله فرأينا في وجهه نورا يزهر كنور الشمس فقال أبي إن لهذا الغلام شأنا عظيما قال فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض فطار فبلغ المشرق والمغرب ثم رجع راجعا حتى سقط على بيت الكعبة فسجدت له قريش كلها فبينما الناس يتأملونه إذا صار نورا بين السماء والأرض وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب فلما انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم فقالت لي يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له قال أبي فهمني أمر عبد الله إلى أن تزوج بآمنة وكانت من أجمل نساء قريش وأتمها خلقا فلما مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتيت فرأيت النور بين عينيه يزهر فحملته وتفرست في وجهه فوجدت منه ريح المسك وصرت كأني قطعة مسك من شدة ريحي فحدثتني آمنة وقالت لي إنه لما أخذني الطلق واشتد بي الأمر سمعت جلبة وكلاما لا يشبه كلام الآدميين فرأيت علما من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والأرض ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء ورأيت قصور الشامات كلها شعلة نور ورأيت حولي من القطاة أمرا عظيما قد نشرت من أجنحتها حولي  ورأيت تابع شعيرة الأسدية قد مرت وهي تقول آمنة ما لقيت الكهان والأصنام من ولدك ورأيت رجلا شابا من أتم الناس طولا وأشدهم بياضا وأحسنهم ثيابا ما ظننته إلا عبد المطلب قد دنا مني فأخذ المولود فتفل في فيه ومعه طست من ذهب مضروب بالزمرد ومشط من ذهب فشق بطنه شقا ثم أخرج قلبه فشقه فأخرج منه نكتة سوداء فرمى بها ثم أخرج صرة من حريرة خضراء ففتحها فإذا فيها كالذريرة البيضاء فحشاه ثم رده إلى ما كان ومسح على بطنه واستنطقه فنطق فلم أفهم ما قال إلا أنه قال في أمان الله وحفظه وكلاءته وقد حشوت قلبك إيمانا وعلما وحلما ويقينا وعقلا وحكما فأنت خير البشر طوبى لمن اتبعك وويل لمن تخلف عنك ثم أخرج صرة أخرى من حريرة بيضاء ففتحها فإذا فيها خاتم فضرب به على كتفيه ثم قال أمرني ربي أن أنفخ فيك من روح القدس فنفخ فيه وألبسه قميصا وقال هذا أمانك من آفات الدنيا فهذا ما رأيت يا عباس بعيني فقال العباس وأنا يومئذ أقرأ فكشفت عن ثوبه فإذا خاتم النبوة بين كتفيه فلم أزل أكتم شأنه ونسيت الحديث فلم أذكره إلى يوم إسلامي حتى ذكرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

13-  باب في خبر سيف بن ذي يزن

وكان سيف بن ذي يزن عارفا بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد بشر به عبد المطلب لما وفد عليه.

34-  حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال حدثني عمي محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الكوفي عن علي بن حكيم عن عمرو بن بكار العبسي عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس وحدثنا محمد بن علي بن محمد بن حاتم البوفكي قال حدثنا أبو منصور محمد بن أحمد بن أزهر بهراة قال حدثنا محمد بن إسحاق البصري قال أخبرنا علي بن حرب قال حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم قال حدثنا عمرو بن بكر عن أحمد بن القاسم عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسنتين أتاه وفد العرب وأشرافها وشعراؤها بالتهنئة وتمدحه وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه فأتاه وفد من قريش ومعهم عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس وعبد الله بن جذعان وأسد بن خويلد بن عبد العزى ووهب بن عبد مناف في أناس من وجوه قريش فقدموا عليه صنعاء فاستأذنوا فإذا هو في رأس قصر يقال له غمدان وهو الذي يقول فيه أمية بن أبي الصلت اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا في رأس غمدان دارا منك محلالافدخل عليه الآذن فأخبره بمكانهم فأذن لهم فلما دخلوا عليه دنا عبد المطلب منه فاستأذنه في الكلام فقال له إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك قال فقال عبد المطلب إن الله قد أحلك أيها الملك محلا رفيعا صعبا منيعا شامخا باذخا وأنبتك منبتا طابت أرومته وعذبت جرثومته وثبت أصله وبسق فرعه في أكرم موطن وأطيب موضع وأحسن معدن وأنت أبيت اللعن ملك العرب وربيعها الذي تخصب به وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد سلفك خير سلف وأنت لنا منهم خير خلف فلن يخمل من أنت سلفه ولن يهلك من أنت خلفه نحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشف الكرب الذي فدحنا فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة قال وأيهم أنت أيها المتكلم قال أنا عبد المطلب بن هاشم قال ابن أختنا قال نعم قال ادن فدنا منه ثم أقبل على القوم وعليه فقال مرحبا وأهلا وناقة ورحلا ومستناخا سهلا وملكا وربحلا قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم فأنتم أهل الليل وأهل النهار ولكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم قال ثم انهضوا إلى دار الضيافة والوفود فأقاموا شهرا لا يصلون إليه ولا يأذن لهم بالانصراف ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدنى مجلسه وأخلاه ثم قال له يا عبد المطلب إني مفوض إليك من سر علمي أمرا ما لو كان غيرك لم أبح له به ولكني رأيتك معدنه فأطلعك طلعة فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ أمره إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه لأنفسنا واحتجنا دون غيرنا خبرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة فقال عبد المطلب مثلك أيها الملك من سر وبر فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر فقال إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة كانت له الإمامة ولكم به الدعامة إلى يوم القيامة فقال له عبد المطلب أبيت اللعن لقد أبت بخبر ما آب بمثله وافد ولو لا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته عن مساره إياي ما أزداد به سرورا فقال ابن ذي يزن هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد فيه اسمه محمد يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه وقد ولد سرارا والله باعثه جهارا وجاعل له منا أنصارا ليعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه يضرب بهم الناس عن عرض ويستفتح بهم كرائم الأرض يكسر الأوثان ويخمد النيران ويعبد الرحمن ويدحر الشيطان قوله فصل وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله فقال عبد المطلب أيها الملك عز جدك وعلا كعبك ودام ملكك وطال عمرك فهل الملك ساري بإفصاح فقد أوضح لي بعض الإيضاح فقال ابن ذي يزن والبيت ذي الحجب والعلامات على النصب إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب قال فخر عبد المطلب ساجدا فقال له ارفع رأسك ثلج صدرك وعلا أمرك فهل أحسست شيئا مما ذكرته فقال كان لي ابن وكنت به معجبا وعليه رفيقا فزوجته بكريمة من كرائم قومي اسمها آمنة بنت وهب فجاءت بغلام سميته محمدا مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه فقال ابن ذي يزن إن الذي قلت لك كما قلت لك فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فإني لست آمن أن تدخلهم النفاسة من أن تكون له الرئاسة فيطلبون له الغوائل وينصبون له الحبائل وهم فاعلون أو أبناؤهم ولو لا علمي بأن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى صرت بيثرب دار ملكه نصرة له لكني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن يثرب دار ملكه وبها استحكام أمره وأهل نصرته وموضع قبره ولو لا أني أخاف فيه الآفات وأحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنه أمره في هذا الوقت ولأوطئن أسنان العرب عقبه ولكني صارف إليك عن غير تقصير مني بمن معك قال ثم أمر لكل رجل من القوم بعشرة أعبد وعشر إماء وحلتين من البرود ومائة من الإبل وخمسة أرطال ذهب وعشرة أرطال فضة وكرش مملوءة عنبرا قال وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك وقال إذا حال الحول فائتني فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول قال فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول يا معشر قريش لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنه إلى نفاد ولكن يغبطني بما يبقى لي ولعقبي من بعدي ذكره وفخره وشرفه وإذا قيل متى ذلك قال ستعلمن نبأ ما أقول ولو بعد حين وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس يذكر مسيرهم إلى ابن ذي يزن جلبنا الضح تحمله المطايا على أكوار أجمال ونوق مغلغلة مغالقها تغالى إلى صنعاء من فج عميق يؤم بنا ابن ذي يزن ويهدي ذوات بطونها أم الطريق و تزجي من مخائله بروقا مواصلة الوميض إلى بروق فلما وافقت صنعاء صارت بدار الملك والحسب العريق إلى ملك يدر لنا العطايا بحسن بشاشة الوجه الطليق.

14-  باب في خبر بحيرى الراهب

وكان بحيرى الراهب ممن قد عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصفته ونعته ونسبه واسمه قبل ظهوره بالنبوة وكان من المنتظرين لخروجه.

35-  حدثنا أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن محمد ومحمد بن أحمد الشيباني قالوا حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى بن زكريا القطان قال حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي عن الهيثم عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب عن أبي طالب قال خرجت إلى الشام تاجرا سنة ثمان من مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان في أشد ما يكون من الحر فلما أجمعت على السير قال لي رجال من قومي ما تريد أن تفعل بمحمد وعلى من تخلفه فقلت لا أريد أن أخلفه على أحد من الناس أريد أن يكون معي فقيل غلام صغير في حر مثل هذا تخرجه معك فقلت والله لا يفارقني حيثما توجهت أبدا فإني لأوطئ له الرحل فذهبت فحشوت له حشية كساء وكتانا وكنا ركبانا كثيرا فكان والله البعير الذي عليه محمد أمامي لا يفارقني كان يسبق الركب كلهم فكان إذا اشتد الحر جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه فتقف على رأسه لا تفارقه وكانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا وضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا لا نصيب قربة إلا بدينارين وكنا حيث ما نزلنا تمتلئ الحياض ويكثر الماء وتخضر الأرض فكنا في كل خصب وطيب من الخير وكان معنا قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومسح يده عليها فسارت فلما قربنا من بصرى الشام إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتى إذا قربت منا وقفت وإذا فيها راهب وكانت السحابة لا تفارق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساعة واحدة وكان الراهب لا يكلم الناس ولا يدري ما الركب ولا ما فيه من التجارة فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرفه فسمعته يقول إن كان أحد فأنت أنت . قال فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الأغصان ليس لها حمل وكانت الركبان تنزل تحتها فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اهتزت الشجرة وألقت أغصانها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء فتعجب جميع من معنا من ذلك فلما رأى بحيرى الراهب ذلك ذهب فاتخذ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاما بقدر ما يكفيه ثم جاء وقال من يتولى أمر هذا الغلام فقلت أنا فقال أي شي ء تكون منه فقلت أنا عمه فقال يا هذا إن له أعمام فأي الأعمام أنت فقلت أنا أخو أبيه من أم واحدة فقال أشهد أنه هو وإلا فلست بحيرى ثم قال لي يا هذا تأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه ليأكله فقلت له قربه إليه ورأيته كارها لذلك والتفت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا بني رجل أحب أن يكرمك فكل فقال هو لي دون أصحابي فقال بحيرى نعم هو لك خاصة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإني لا آكل دون هؤلاء فقال بحيرى إنه لم يكن عندي أكثر من هذا فقال أ فتأذن يا بحيرى إلى أن يأكلوا معي فقال بلى فقال كلوا بسم الله فأكل وأكلنا معه فو الله لقد كنا مائة وسبعين رجلا وأكل كل واحد منا حتى شبع وتجشأ وبحيرى قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذب عنه ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام وفي كل ساعة يقبل رأسه ويافوخه ويقول هو هو ورب المسيح والناس لا يفقهون فقال له رجل من الركب إن لك لشأنا قد كنا نمر بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البر فقال بحيرى والله إن لي لشأنا وشأنا وإني لأرى ما لا ترون وأعلم ما لا تعلمون وإن تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه والله ما أكرمتكم إلا له ولقد رأيت له وقد أقبل نورا أضاء له ما بين السماء والأرض ولقد رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه ثم هذه السحابة لا تفارقه ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان ولقد كثرت أغصانها واهتزت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء ثم هذه الحياض التي غارت وذهب ماؤها أيام تمرج بني إسرائيل بعد الحواريين حين وردوا عليهم فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت وذهب ماؤها ثم قال متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنه لأجل نبي يخرج في أرض تهامة مهاجرا إلى المدينة اسمه في قومه الأمين وفي السماء أحمد وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه فو الله إنه لهو ثم قال بحيرى يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتنيها فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اللات والعزى وقال لا تسألني بهما فو الله ما أبغضت شيئا كبغضهما وإنما هما صنمان من حجارة لقومي فقال بحيرى هذه واحدة ثم قال فبالله إلا ما أخبرتني فقال سل عما بدا لك فإنك قد سألتني بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شي ء فقال أسألك عن نومك ويقظتك فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته التي عنده فانكب عليه بحيرى فقبل رجليه وقال يا بني ما أطيبك وأطيب ريحك يا أكثر النبيين أتباعا يا من بهاء نور الدنيا من نوره يا من بذكره تعمر المساجد كأني بك قد قدت الأجناد والخيل وقد تبعك العرب والعجم طوعا وكرها وكأني باللات والعزى وقد كسرتهما وقد صار البيت العتيق لا يملكه غيرك تضع مفاتيحه حيث تريد كم من بطل من قريش والعرب تصرعه معك مفاتيح الجنان والنيران معك الذبح الأكبر وهلاك الأصنام أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قميئة فلم يزل يقبل يديه مرة ورجليه مرة ويقول لئن أدركت زمانك لأضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند أنت سيد ولد آدم وسيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين والله لقد ضحكت الأرض يوم ولدت فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحا بك والله لقد بكت البيع والأصنام والشياطين فهي باكية إلى يوم القيامة أنت دعوة إبراهيم وبشرى عيسى أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية ثم التفت إلى أبي طالب وقال ما يكون هذا الغلام منك فإني أراك لا تفارقه فقال أبو طالب هو ابني فقال ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الذي ولده حيا ولا أمه فقال إنه ابن أخي وقد مات أبوه وأمه حاملة به وماتت أمه وهو ابن ست سنين فقال صدقت هكذا هو ولكن أرى لك أن ترده إلى بلده عن هذا الوجه فإنه ما بقي على ظهر الأرض يهودي ولا نصراني ولا صاحب كتاب إلا وقد علم بولادة هذا الغلام ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغينه شرا وأكثر ذلك هؤلاء اليهود فقال أبو طالب ولم ذلك قال لأنه كائن لابن أخيك هذه النبوة والرسالة ويأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى فقال أبو طالب كلا إن شاء الله لم يكن الله ليضيعه ثم خرجنا به إلى الشام فلما قربنا من الشام رأيت والله قصور الشامات كلها قد اهتزت وعلا منها نور أعظم من نور الشمس فلما توسطنا الشام ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحموا الناس وينظرون إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذهب الخبر في جميع الشامات حتى ما بقي فيها حبر ولا راهب إلا اجتمع عليه فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطورا فجلس حذاه ينظر إليه ولا يكلمه بشي ء حتى فعل ذلك ثلاثة أيام متوالية فلما كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتى قام إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا فقلت له يا راهب كأنك تريد منه شيئا فقال أجل إني أريد منه شيئا ما اسمه قلت محمد بن عبد الله فتغير والله لونه ثم قال فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لأنظر إليه فكشف عن ظهره فلما رأى الخاتم انكب عليه يقبله ويبكي ثم قال يا هذا أسرع برد هذا الغلام إلى موضعه الذي ولد فيه فإنك لو تدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي تقدمه معك فلم يزل يتعاهده في كل يوم ويحمل إليه الطعام فلما خرجنا منها أتاه بقميص من عنده فقال لي أ ترى أن يلبس هذا القميص ليذكرني به فلم يقبله ورأيته كارها لذلك فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم وقلت أنا ألبسه وعجلت به حتى رددته إلى مكة فو الله ما بقي بمكة يومئذ امرأة ولا كهل ولا شاب ولا صغير ولا كبير إلا استقبلوه شوقا إليه ما خلا أبو جهل لعنه الله فإنه كان فاتكا ماجنا قد ثمل من السكر.

36-  وبهذا الإسناد عن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي وحدثني عبد الرحمن بن محمد عن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن أبا طالب قال لما فارقه بحيرى بكى بكاء شديدا وأخذ يقول يا ابن آمنة كأني بك وقد رمتك العرب بوترها وقد قطعك الأقارب ولو علموا لكنت لهم بمنزلة الأولاد ثم التفت إلي وقال أما أنت يا عم فارع فيه قرابتك الموصولة واحتفظ فيه وصية أبيك فإن قريشا ستهجرك فيه فلا تبال وإني أعلم أنك لا تؤمن به ظاهرا ولكن ستؤمن به باطنا ولكن سيؤمن به ولد تلده وسينصره نصرا عزيزا اسمه في السماوات البطل الهاصر وفي الأرض الشجاع الأنزع منه الفرخان المستشهدان وهو سيد العرب ورئيسها وذو قرنيها وهو في الكتب أعرف من أصحاب عيسى عليه السلام فقال أبو طالب والله قد رأيت كل الذي وصفه بحيرى وأكثر.

37-  حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان يرفعه قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد أبو طالب أن يخرج إلى الشام في عير قريش فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتشبث بالزمام وقال يا عم على من تخلفني لا على أم ولا على أب وقد كانت أمه توفيت فرق له أبو طالب ورحمه وأخرجه معه وكانوا إذا ساروا تسير إلى رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غمامة تظله من الشمس فمروا في طريقهم برجل يقال له بحيرى فلما رأى الغمامة تسير معهم نزل من صومعته واتخذ لقريش طعاما وبعث إليهم يسألهم أن يأتوه وقد كانوا نزلوا تحت شجرة فبعث إليهم يدعوهم إلى طعامه فقالوا له يا بحيرى والله ما كنا نعهد هذا منك قال قد أحببت أن تأتوني فأتوه وخلفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الرحل فنظر بحيرى إلى الغمامة قائمة فقال لهم هل بقي منكم أحد لم يأتني فقالوا ما بقي منا إلا غلام حدث خلفناه في الرحل فقال لا ينبغي أن يتخلف عن طعامي أحد منكم فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما أقبل أقبلت الغمامة فلما نظر إليه بحيرى قال من هذا الغلام قالوا ابن هذا وأشاروا إلى أبي طالب فقال له بحيرى هذا ابنك قال أبو طالب هذا ابن أخي قال ما فعل أبوه قال توفي وهو حمل فقال بحيرى لأبي طالب رد هذا الغلام إلى بلاده فإنه إن علمت به اليهود ما أعلم منه قتلوه فإن لهذا شأنا من الشأن هذا نبي هذه الأمة هذا نبي السيف.

15- باب ذكر ما حكاه خالد بن أسيد

خالد بن أسيد بن أبي العيص وطليق بن سفيان بن أمية عن كبير الرهبان في طريق الشام من معرفته بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

38-  حدثنا أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن محمد ومحمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنهم قالوا حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثني الهيثم بن عمرو المزني عن عمه عن يعلى النسابة قال خرج خالد بن أسيد بن أبي العيص وطليق بن سفيان بن أمية تجارا إلى الشام سنة خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها فكانا معه وكانا يحكيان أنهما رأيا في مسيره وركوبه مما يصنع الوحش والطير فلما توسطنا سوق بصرى إذا نحن بقوم من الرهبان قد جاءوا متغيري الألوان كأن على وجوههم الزعفران ترى منهم الرعدة فقالوا نحب أن تأتوا كبيرنا فإنه هاهنا قريب في الكنيسة العظمى فقلنا ما لنا ولكم فقالوا ليس يضركم من هذا شي ء ولعلنا نكرمكم وظنوا أن واحدا منا محمد فذهبنا معهم حتى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البنيان فإذا كبيرهم قد توسطهم وحوله تلامذته وقد نشر كتابا في يديه فأخذ ينظر إلينا مرة وفي الكتاب مرة فقال لأصحابه ما صنعتم شيئا لم تأتوني بالذي أريد وهو الآن هاهنا ثم قال لنا من أنتم فقلنا رهط من قريش فقال من أي قريش فقلنا من بني عبد شمس فقال لنا معكم غيركم فقلنا نعم شاب من بني هاشم نسميه يتيم بني عبد المطلب فو الله لقد نخر نخرة كاد أن يغشى عليه ثم وثب فقال أوه أوه هلكت النصرانية والمسيح ثم قام واتكأ على صليب من صلبانه وهو مفكر وحوله ثمانون رجلا من البطارقة والتلامذة فقال لنا فيخف عليكم أن ترونيه فقلنا له نعم فجاء معنا فإذا نحن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قائم في سوق بصرى والله لكأنا لم نر وجهه إلا يومئذ كان هلالا يتلألأ من وجهه وقد ربح الكثير واشترى الكثير فأردنا أن نقول للقس هو هذا فإذا هو قد سبقنا فقال هو هو قد عرفته والمسيح فدنا منه وقبل رأسه وقال له أنت المقدس ثم أخذ يسأله عن أشياء من علاماته فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخبره فسمعناه يقول لئن أدركت زمانك لأعطين السيف حقه ثم قال لنا أ تعلمون ما معه معه الحياة والموت من تعلق به حيي طويلا ومن زاغ عنه مات موتا لا يحيى بعده أبدا هو هذا الذي معه الذبح الأعظم ثم قبل رأسه ورجع راجعا.

 


source : ابي جعفر محمدبن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

العدل في القرآن الكريم
واقعة الغدير و أهميتها (1)
ثالث النواب الأربعة الحسين بن روح النوبختي
برامج الرعاية الاجتماعية في ضوء مقاصد الشريعة
بَينَ يَدَيّ الخِطاب العظيم لِسَيّدَةِ نِسَاءِ ...
أين يقع غدير خُمّ؟
الملكية ووظيفتها الاجتماعية في الفقه الإسلامي
العلاقة بين القضاء والقدر، وإختيار الإنسان
جهاد النفس في فكر الإمام الخميني (قدس سره)
وصايا رمضانية ( ضرورة صلة الرحم)

 
user comment