عربي
Monday 27th of May 2024
0
نفر 0

عالمية الدولة الاسلامية

عالمية الدولة الاسلامية

أهل بيت النبوة مجمعون على أن الإمام المهدي المنتظر سيملك العالم بعد وقت قصير من ظهوره، وستكون له دولة عالمية، تصبح كل أقاليم الكرة الأرضية ولايات لها، ويتحول كل سكان العالم آنذاك إلى رعايا ومواطنين في تلك الدولة، أما عمالها وأمراؤها وقادتها فهم أهل القوة والأمانة من رجال العالم ونسائه.
وستكون المنظومة الحقوقية الإلهية هي القانون النافذ في كل أرجاء العالم، ونقصد بالمنظومة الحقوقية الإلهية: (كتاب الله كما أنزل وبيان النبي لهذا الكتاب تماما كما وعاه أهل بيت النبوة، وتتكون موارد هذه الدولة المالية من إنتاج العالم كله، وموارده وإمكاناته الاقتصادية، ومن خلال إمامته وقيادته الراشدة، ومن خلال تطبيقه للمنظومة الحقوقية الإلهية، ومن خلال توزيعه العادل للموارد العالمية ينشر العدل والرخاء في الكرة الأرضية، ويبدو واضحا من تتبع روايات أهل بيت النبوة وأخبارهم حول هذا الموضوع، بأن المهدي المنتظر سيملك أولا بلاد العرب وبلاد فارس، ومن هذه البلاد سينطلق إلى كافة أرجاء المعمورة، حيث ستدخل في طاعته حربا أو سلما. ويرسل موالي أهل بيت النبوة كافة هذه المعلومات إرسال المسلمات. ويعتبرونها جزءا من قناعاتهم الدينية وسماتهم المذهبية..
ومن المؤكد أن أولياء الخلفاء التاريخيين (أهل السنة) قد توصلوا بوسائلهم الخاصة بهم إلى ذات المعلومات، ونفس النتائج، وتكونت عندهم نفس القناعات المتعلقة بعالمية دولة المهدي، فقد صحت عندهم وتواترت الأحاديث النبوية التي بينت بأن المهدي المنتظر (سيملك) على الإطلاق. ومثله قول النبي عن المهدي، بأنه (سيملك العرب) خاصة..(1)
وقد صحت وتواترت عندهم الأحاديث النبوية التي أكدت تأكيدات قاطعة بأن المهدي المنتظر (سيملأ الأرض عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما) حتى أنهم قد اتفقوا على اللفظ الحرفي للحديث (سيملأ الأرض) و (قسطا وعدلا)، و (ظلما وجورا)، وتلك من الحالات النادرة في علم الحديث، وقد وثقنا ذلك في البحوث السابقة، ومقتضى الحال، يعني أن أهل السنة على يقين من أن المهدي المنتظر سيملك الأرض كلها، وإلا كيف ينشر ويملأ بالعدل والقسط أرضا لا يملكها!!!
وصحت وتواترت عندهم الأحاديث النبوية التي ذكرت بأن السماء ستعطي كل خيراتها، قطرها وبركاتها، وأن الأرض كل الأرض ستخرج كل نباتها وكنوزها ونفائسها في زمن المهدي، لقد جاءت هذه الأحاديث وأمثالها بصيغة العموم، ولم يرد ما يخصصها، وكل هذا يعني بأن ملك المهدي المنتظر سيشمل الكرة الأرضية كلها، وموالي الخلفاء، يتفقون مع أهل بيت النبوة ومواليهم بأن المهدي المنتظر سيملك بلاد العرب وبلاد فارس أولا، ويشكل منها قاعدة قوية ثم ينطلق منها إلى كافة البلاد المعمورة التي ستخضع له في النهاية طوعا أو كرها. ويصبح المهدي المنتظر أول إمام شرعي يمارس السيادة ومهام الحكم على العالم كله. ويطبق الشرع الإلهي على كافة سكانه.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لما عرج به إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى، ومن السدرة إلى حجب النور ناداه جل جلاله... وبك، وبه، وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم (المهدي المنتظر) أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا هي السفلى، وكلمتي العليا وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي، وبه أظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي، وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري، وإعلان ديني، ذلك وليي حقا، ومهدي عبادي صدقا)...(2)

عهد الإمام المهدي المنتظر عهد الكفاية والرخاء المطلق

أهل بيت النبوة مجمعون على أنهم قد سمعوا ووعوا تأكيدات الرسول المتكررة بأن عهد الإمام المهدي سيكون من الناحية الاقتصادية، عهد الكفاية والرخاء المطلق لكافة سكان الكرة الأرضية في عهده، وأن عهده من هذه الناحية سيكون أزهى عهد عاشته البشرية إطلاقا، حيث ستتحقق الكفاية والوفرة للجميع وينعم جميع أبناء الجنس البشري بالرخاء التام في عهده. ولا يختلف في ذلك اثنان من شيعة أهل بيت النبوة.
ويبدو أن شيعة الخلفاء، (أهل السنة) قد وصلوا إلى ذات النتائج، واستقرت في قلوبهم نهائيا ذات القناعات، بعد أن وقفوا على الأحاديث النبوية التي تواترت عندهم، والتي عالجت هذه الناحية معالجات مقنعة.
ويمكنك القول بأن خاصة المسلمين وعامتهم يرسلون هذه المعلومات إرسال المسلمات، لأنه قد تحقق لهم اليقين بصحتها، ومن المستحيل عقلا أن ينطلق ويتكون هذا اليقين العام من فراغ، إنما كان ثمرة طبيعية للتأكيدات النبوية المتلاحقة والتي شقت طريقها بيسر إلى أسماع المسلمين وقلوبهم بعد أن تخطت كل العوائق التي وضعت سابقا للحيلولة دون رواية الحديث النبوي وكتابته.
فالنبي يؤكد بأن السماء في عهد المهدي ستنزل قطرها، وأن الأرض ستخرج له بذرها. (راجع الحديث رقم 66 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي)..
وفي تأكيد آخر يبين الرسول بأن الله سينزل البركة للمهدي من السماء، ويخرج له من الأرض بركتها. (راجع الحديث رقم 73 وفي الحديث 123). وأكد الرسول بأنه لما عرج به إلى السماء السابعة، ثم إلى سدرة المنتهى وإلى حجب النور كلمه الله تعالى عن أمور كثيرة من جملتها المهدي المنتظر، وأن الله تعالى قد وعده وأكد له بأنه سيحيي بالمهدي العباد والبلاد، وأنه سيظهر في عهده الكنوز والذخائر، ويمده بالملائكة لتساعده على تنفيذ الأوامر الإلهية وإعلان الدين.
ويؤكد الرسول في حديث رابع أن السماء لن تدع من قطرها شيئا إلا صبته، وأن الأرض لن تدع من نباتها شيئا إلا أخرجته بإذن الله. (راجع الحديث رقم 141 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي). وفي حديث خامس يؤكد الرسول حجم العطاء الإلهي في عهد المهدي قائلا (تقئ الأرض أفلاذ كبدها) أمثال الاسطوان من الذهب والفضة، ويتابع الرسول تأكيداته موضحا الصورة فيقول: (فيجئ القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجئ القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجئ السارق فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا). (راجع الحديث رقم 142 ج 1). وفي حديث سادس يجزم الرسول قائلا: (تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط، ترسل السماء عليهم مدرارا، ولا تدع الأرض شيئا من النبات إلا أخرجته، والمال كدوس، يقوم الرجل فيقول: (يا مهدي أعطني فيقول خذ) الحديث 139، ويؤكد الرسول بأن المهدي سيعطي المال بغير عد) الحديث 143، وفي الحديث 144 يوضح الرسول الصورة فيقول:
(ويكون المال كدوسا، يجئ الرجل إليه فيقول يا مهدي أعطني، فيحثي له المهدي في ثوبه ما استطاع أن يحمل)، وفي الحديث 146 يؤكد الرسول بأن المهدي: (يحثي المال حثيا ولا يعده عدا)، وفي الحديث 149 يؤكد الرسول أنه في عهد الإمام المهدي (يفيض المال فيضا)، وفي الحديث رقم 151 يقول الرسول: (أن المال سيكثر فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل الصدقة ومتى يعرضه، فيقول الذي يعرضه عليه (لا إرب لي)، وتتكرر الأحاديث النبوية بهذه المضامين، وتتعد الصيغ، ويبدو أن الرسول الأعظم قياما بواجب البيان، وتأكيدا لما أراد تأكيده، وحرصا منه على غرس ما يريد في قلوب السامعين، وتوصيل ما أراد لمن بلغ، قد حدث بهذه الأحاديث في أكثر من مكان وفي أوقات متعددة.
وتحدث الإمام زين العابدين عن الكفاية والرخاء في عهد الإمام المهدي فقال إن القائم: (يعطي الناس عطايا مرتين في السنة، ويرزقهم في الشهر رزقتين ويسوي بين الناس، حتى لا ترى محتاجا إلى الزكاة، ويجئ أصحاب الزكاة بزكاتهم إلى المحتاجين من شيعته فلا يقبلونها، فيصرونها ويدورون في دورهم، فيخرجون إليهم فيقولون لا حاجة لنا في دراهمكم)... ثم قال: ويجتمع إليه أموال أهل الدنيا كلها من بطن الأرض وظهرها فيقال للناس: (تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدم الحرام، وركبتم فيه المحارم، فيعطي عطاء لم يعطه أحد من قبله. (راجع الحديث رقم 867 مجلد 3 من معجم أحاديث الإمام المهدي).
وهذه الصور الحقيقية حتى بموازين البحث الاقتصادي، فأقاليم العالم كله خاضعة لدولة واحدة، وهذه الأقاليم متكاملة بالضرورة، وكافة مواردها مستثمرة استثمارا سليما، وهذه الموارد جميعا تجبى إلى بيت المال للإمام المهدي، حيث يتولى توزيعها بعدالة بين الناس، وفقا للتسديد والتأييد الإلهي المطلق، فموارد العالم مجتمعة إذا وزعت بعدالة ستتحقق الكفاية والوفرة والرخاء لكل سكان العالم، ولن يبقى في الأرض محتاج واحد، هذا حسب الموازين الاقتصادية، فكيف يكون حجم الكفاية والرخاء عندما تقذف الأرض بكل نفائسها وكنوزها، وتخرج كل نباتها، وعندما ينزل الله من السماء كل قطرها ؟ عند ذلك سيفوق حجم الكفاية والرخاء حدي التصور والتصديق..
سكان الأرض والسماء يحبون الامام المهدي عليه السلام ويرضون منه عمى القلوب والخلل المزمن بالذوق البشري العام طوال تاريخ البشرية وهي مصابة بعمى القلوب، وبخلل مذهل بالذوق العام. فقد صفقت البشرية دائما للجبابرة والطغاة والأغبياء، وأعجبت بهم، والتفت حولهم، ووضعت نفسها تحت تصرفهم، وبذلت لهم الغالي والرخيص، وأعطتهم كل ما طلبوه منها، لقد سعت البشرية بكل طاقاتها لترضي الطغاة والجبابرة طوال تاريخها رغبة أو رهبة!!
أما الأنبياء، والرسل، والمصلحون، فقد تجاهلتهم البشرية تماما، وعاملتهم باحتقار، وسعت في مقاومتهم، وتعاونت للصد عما يدعون إليه.
واتهمتهم ظلما بأشنع التهم، وأقذعها، فنسبتهم إلى الجنون، والسحر والكهانة، والشيطنة والسفاهة، وصورتهم بصور بشعة، وتمادت بعض المجتمعات البشرية، فاستعدى بعضها بعضا، وكونت الأحلاف وجيشت الجيوش، وشنت على الأنبياء والرسل حروبا عدوانية لا مبرر لها، فقتلتهم ومن والاهم، أو أذاقتهم من أمرهم عسرا!!
كانت المجتمعات البشرية تعتقد أن الأنبياء والرسل والمصلحين يمثلون الشر كله، وأن الجبابرة والطغاة يمثلون الخير كلهم، لأن بأيديهم مفاتيح الأموال والجاه والسلطة، وكانوا يعتقدون أن دعوات الأنبياء تمثل خطرا على مجتمعاتهم ونظمهم وأنماط حياتهم، لذلك اعتقدوا بأنهم ملزمون للتصدي للأنبياء والرسل ولكل ما جاءوا به، وأنهم ملزمون بموالاة الطغاة والجبابرة والوقوف معهم صفا واحدا لمواجهة خطر النبوة والرسالة والاصلاح!! إنها ثقافة الطغيان، إنها النتائج اللاشعورية للرعب والخوف وتقديس الغالب وتكريس ثقافته ومناهجه التربوية.
أحدث الأمثلة والبراهين على ذلك
وأحدث الأمثلة والبراهين على صحة ما ذكرناه موقف بطون قريش والعرب عامة من نبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد وقفت بطون قريش وقفة رجل واحد ضد النبي، وقاومته ودعوته طوال مدة ال‍ 15 سنة التي قضاها في مكة قبل الهجرة، وحاصرته وبني هاشم ودعوته وقاطعتهم، وعذبت المستضعفين من أتباعه، وتآمرت على قتله، ولما نجح النبي بهجرته استعدت عليه العرب، وجيشت الجيوش، وشنت عليه حروبها العدوانية، وحاربته حربا لا هوادة فيها، ومكرت به مكرا يزيل الجبال!! كانت بطون قريش ومن والاها من العرب يعتقدون أن رسول الله هو الشر بعينه، وكانوا يكرهونه إلى درجة العقد، ويكرهون من والاه حقا بنفس الدرجة. وكانوا يعتقدون أن أبا سفيان، ومعاوية، ويزيد، وأبا جهل، وعتبة وغيرهم من أئمة الكفر هم رموز الخير، وقادة الفلاح، ورموز الإصلاح، وأن الحياة لا تستقيم بغير قيادتهم الملهمة، لذلك والوهم وأطاعوهم ووضعوا تحت تصرفهم الغالي والرخيص ليحاربوا عدوهم محمدا حتى آخر سهم!!!
ومضوا بعداوتهم المجنونة للنبي، وبحقدهم عليه، وعلى من والاه، وبعد 23 سنة من المقاومة والعداء والحرب لمحمد كانوا يعتقدون أن الحرب ما زالت في أولها، وأنه لا ينبغي لهم أن يضعوا السلاح حتى يموت محمد ومن والاه أو يموتون، بهذا المناخ دخلت جيوش محمد عاصمتهم، عاصمة الشرك، وأحيط بالمجرمين وبقادة جبهة الشرك فاستسلموا عسكريا، واضطروا مكرهين أن يعلنوا إسلامهم بقيا منهم على الحياة!! وتبعا لاستسلام قادة الشرك وإعلان إسلامهم، استسلمت جموع المجتمع، وأعلنت إسلامها وادعى قادة الشرك بأن قلوبهم كانت عمياء، وأن في ذوقهم العام خلل رهيب، وادعى أتباعهم مثل ادعائهم، وصرحوا علنا بأن محمدا رسول الله هو الجدير بالمحبة، وأنهم كانوا خاطئين بعدائهم له، وهم راضون من قيادته كل الرضا، ومن المؤكد أن رسول الله كان يعرف حقيقة ادعاءاتهم ولكن الرسول عفا عنهم، وأعطاهم فرصة جديدة، وقبل منهم الظاهر، ولكنه وعلى سبيل الاحتياط والتحذير لأوليائه من كيدهم سماهم بالطلقاء وسماهم بالمؤلفة قلوبهم، وخصص الله تعالى لهم جزءا من الصدقات حتى يعرفهم المؤمنون بهذه الصفة أبدا فيحذروهم ويتقون شرور مكائدهم، وبنفس الوقت فرصة أمامهم ليصلحوا أنفسهم ويرجعوا عن غيهم، ولكن المؤمنين تناسوا، فبعد وفاة النبي مباشرة صار الطلقاء والمؤلفة قلوبهم هم أركان الدولة الفعليين!! فجنوا ثمرة حربهم للنبي وعدائهم له، وحققوا بالدهاء ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب.
وما يعنينا أنه بعد هزيمة جبهة الشرك صار محمد حبيب الجميع وادعى الجميع بأنهم راضون منه، وقابلون بحكمه، وسعداء بقيادته!! لست أدري هل فاضت مشاعرهم بالمحبة للنبي لأنه نبي وحامل دعوة الإصلاح الحقيقية، أم لأنه غلبهم، وقهرهم، وكانوا من قبل قد تعودوا على موالاة من يغلب ويقهر!! ؟ يقينا أن المؤمنين الصادقين والعقلاء قد أفاضوا تلك المشاعر بحق وصدق، لكن أنى للظالمين، وأنى للغوغاء أن يقولوا فيصدقوا، أو يوالوا فيخلصوا وهم الذين صنعوا ثقافة الذل وورثوها جيلا بعد جيل!!

محبة الإمام المهدي موالاته

هذه المعلومة يقينية عند أهل بيت النبوة، وهم يرسلونها إرسال المسلمات، لأنهم سمعوا ووعوا رسول الله وهو يؤكد ذلك مرارا وتكرارا، وفي أوقات متعددة وأمكنة مختلفة، وتبعا ليقين أهل بيت النبوة وإجماعهم، تيقن أولياؤهم وأجمعوا على أن الرسول الله قد أخبر المسلمين بأن سكان الأرض والسماء سيحبون المهدي ويرضون عنه.
وقد توصلت شيعة الخلفاء التاريخيين (أهل السنة) بوسائلها الخاصة إلى أن رسول الله بالفعل قد أخبر المسلمين بأن أهل الأرض وأهل السماء سيحبون.
المهدي المنتظر ويرضون عنه تماما، وأن هذه المعلومة من علم الغيب لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى، مما يعني بأن الله قد أوحى لرسوله بأن يبين ذلك للمؤمنين ويبشرهم بهذه الحقيقة وبقية الحقائق المتعلقة بالمهدي المنتظر. وقد صحت هذه الأحاديث عندهم، وتواترت بينهم حتى صارت من المسلمات واعتقد بها العامة والخاصة منهم.

فيض من تأكيدات الرسول

قال رسول الله: (المهدي رجل من ولدي، وجهه كالقمر الدري.... يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الهواء...). وفي حديث آخر يوضح النبي الصورة بقوله عن المهدي: (تأوي إليه أمته كما تأوي النحلة إلى يعسوبها). ويؤكد النبي هذا الخبر بصيغة أخرى فيقول عن المهدي المنتظر: (يرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء)..(3)

حتمية حب العالم للمهدي وقبوله بخلافته ورضوانه عنها

كان المهدي في البداية طريدا شريدا يظهر فجأة وحده، وتبدأ الآيات بالظهور تباعا ويلتف حوله حفنة من المؤمنين، ويتصدى المهدي لطغاة العالم وجبابرته وظالميه وبمدة لا تتجاوز الثمانية أشهر يحسم المواجهة لصالحه، وينقاد له العالم طوعا أو كرها ويصبح المهدي هو الزعيم أو الإمام أو الخليفة العالمي الأوحد، ومن بيده مفاتيح أموال العالم وخزائنه ونفوذه وجاهه وسلطانه، وفوق هذا وذاك فهو مزود بقدرات إلهية خارقة، حيث تسير الملائكة بين يديه، وتتجلى كراماته التي أعطاها الله تعالى له كرامة بعد كرامة، علنا وعلى رؤوس الأشهاد، وتخرج له الأرض كنوزها ونفائسها ونباتاتها بأذن الله، وتجبى إليه موارد العالم كله، ثم يتصرف بهذه الأكداس المكدسة من الأموال على الوجه الشرعي، ويقسم بين الناس بالسوية، كما كان يفعل النبي وعلي، فيغمر سكان الأرض بعطاياه، ولا يبقى في الأرض كلها محتاج واحد، وينشر القسط، وينشر العدل، ويعمم المعارف الحقيقية، ويسع عدله البر والفاجر، ويعمر الأرض، ويدخل البشرية عصرها الذهبي، ويحقق المعجزات خلال فترة حكمه، فما الذي يمنع العالم من أن ينبهر بهذا الإمام وأن يعجب به، وأن يحبه حبا صادقا وأن يرضى عنه، وعن خلافته!! إن هذه المشاعر نتائج حتمية وثمرات طبيعية لإنجازات وأفعال المهدي الماجدة خاصة وأن البشرية قد جربت كل أنماط الحكم، واكتوت بنيران الظلم عبر تاريخها الطويل، فيكون المهدي البلسم الشافي فمن لا يحبه ومن لا يرضى به في هذه الحالة!!.

الله تعالى يظهر بالإمام المهدي دين الإسلام على جميع الأديان

الثابت والمجمع عليه عند أهل بيت النبوة وشيعتهم، بأن رسول الله قد أكد وبكل وسائل التأكيد، بأن الله سبحانه وتعالى سيظهر الإسلام بالمهدي المنتظر على الدين كله، بحيث تختفي كل الأديان وتتلاشى ولا يبقى منها إلا دين الإسلام. (راجع ينابيع المودة ص 423، ومنتخب الأثر للرازي ص 294، والحديث 712 من أحاديث المعجم ج 3). وهذه المعلومة عند أهل بيت النبوة وأوليائهم من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان، لأن المهدي ستكون له دولة عالمية يشمل حكمها وسلطانها ونظامها كل أقاليم الكرة الأرضية، وستكون المنظومة الحقوقية الإلهية المتكونة من القرآن الكريم والسنة النبوية هي القانون الأوحد والنافذ في هذه الدولة، وسيكون الدين الإسلامي هو الدين الرسمي والفعلي لكافة رعايا ومواطني تلك الدولة. حيث ستتزامن عملية بناء الدولة العالمية مع عملية نشر الإسلام، فتسير العمليتان معا، حيث سيدعو المهدي الناس جميعا إلى الإسلام، ويهديهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور. (راجع الإرشاد ص 364، وروضة الواعظين ج 2 ص 264، وإعلام الورى ص 431، وكشف الغمة ج 3 ص 254، وإثبات الهداة ص 537 ج 3، والبحار ج 51 ص 30، والحديث 1122 من المعجم). وإن المهدي سيصنع كما صنع رسول الله، حيث سيهدم أمر الجاهلية كله، ويستأنف الإسلام جديدا. (راجع الحديث 1123 من.أحاديث المعجم وراجع المصادر المذكورة فيه والحديث 1124).
وأكد الرسول هذا المحتوم بقوله: (... أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الله الحق إلى أهله، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه فأبشروا ثم أبشروا... (راجع البحار ج 41 ص 127، والتهذيب ج 4 ص 97، والكافي ج 3 ص 536، والحديث رقم 1126 من أحاديث المعجم). وحيثما حل المهدي وحيثما ارتحل يفتح المدارس والمعاهد لتعليم الناس القرآن على ما أنزل الله، فمع المهدي القرآن المكتوب بخط علي، وبإملاء رسول الله، ومع هذا القرآن حاشية بخط علي، وإملاء الرسول تتضمن القول الفصل بكل مسألة وردت فيه، فضلا عن ذلك فإن المهدي بوصفه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة الذين اختارهم الله لقيادة العالم قد ورث علمي النبوة والكتاب، ولا يخفى عليه من أمرهما شئ فيوجه الحركة العلمية، بحيث تأتي منسجمة مع علمي النبوة والكتاب، ومتفقة معهما، ويعدل الوقائع السابقة لعهده لتكون متفقة مع المفهوم الشرعي، فقد يهدم منابر ويدخل التعديلات الجذرية، حتى على المساجد لتكون كما أرادها الله ورسوله بلا زيادة ولا نقصان.(4)
ويبدو واضحا أن شيعة الخلفاء: (أهل السنة) على شح مواردهم اليقينية من الحديث قد توصلوا إلى ذات النتيجة، فكيف يمكن أن يملأ المهدي الأرض عدلا وقسطا، ويرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء أن لم يحكم بما أنزل الله!! وما أنزل الله وحكم الله مختصر بكلمة الإسلام، فعند ما يكون الإسلام هو القانون النافذ في الدولة وهو دينها الرسمي، ويتزامن نشره في العالم مع بسط المهدي لسلطانه في الأرض، فيعني ذلك ضمنا أن المهدي سيظهر الإسلام على الدين كله، وقد صرح بذلك أعلام المفسرين من أهل السنة تحت عنوان:(المهدي في القرآن والسنة).

حتمية هذه المعلومة ومنطقيتها معا

الثابت بأن عيسى ابن مريم سينزل ويظهر في زمن المهدي، وأن المهدي.
المنتظر سوف يؤم المسيح ابن مريم في الصلاة، وعندما ينزل المسيح ابن مريم تكون للمهدي دولته المستقرة، وحكومته المشكلة، وجيشه القائم ونفوذه وصيته الواسع، مما يعني أن المهدي هو الإمام الشرعي والرئيس الفعلي لأمته ورعاياه، ويفهم بوضوح من الأحاديث والأخبار التي عالجت هذه الناحية، بأن السيد المسيح مكلف بمهام معينة تساعد على تمكين أمر المهدي، وهزيمة أعدائه، وأن الاثنين سيشكلان فريقا واحدا برئاسة المهدي ينصب هدفه بالدرجة الأولى والأخيرة على إنقاذ الجنس البشري وهدايته إلى الصراط المستقيم، والعمل معا لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة أعداء الله هي السفلى، وتوحيد العالم كله لتكون له دولة واحدة، ودين واحد هو دين الله، ولتقسيم موارد العالم على سكانه بالسوية، ليتحقق الوفر والكفاية للجميع، ولتعيش البشرية أزهى عصورها في ظلال الحكم الإلهي، فيحق الله الحق ويبطل دعاوي المبطلين.
فعندما يرى أتباع الديانة المسيحية المسيح ابن مريم نفسه منقادا للمهدي ومتبعا لدينه، فما هي حججهم، وما هي مبرراتهم لمخالفة المسيح وعدم اعتناقهم للدين الذي اعتنقه!! ثم ماذا يبقى لهم إن كان المسيح نفسه على غير دينهم، وهذا يدعوهم وبالضرورة لاعتناق الإسلام دين الله ودين المهدي والمسيح، وعندما تدخل هذه الكثرة من أتباع المسيح في الإسلام على يد المسيح وبمساعدته، فإن دخولها سيخلق حالة من الانبهار العالمي، والوعي العالمي، والمناخ الملائم لاعتناق العالم لدين الإسلام فتقبل الأكثرية الساحقة على دين الله لتدخله أفواجا أفواجا، ويبدو أن اليهود سيقاومون بكل قواهم، وسيقتل خلق كثير منهم، ولكن من يبقى منهم سيستسلم في النهاية ويعتنق الإسلام. ثم إن الله سبحانه وتعالى سيسلح المهدي والمسيح بفيض وافر ودائم من الآيات الربانية والمعجزات المتتابعة التي تخضع لها الأعناق، بحيث يضطر أكثر الخلق عتوا إلى التصديق والتسليم.
وعندما ينجح المهدي بتوحيد العالم، وتكوين دولته العالمية، ونشر القسط والعدل وتحقيق الكفاية والرخاء المطلق لكل سكان الأرض، فلا يبقى فيها محتاج واحد، عندئذ يبهر العالم بالفعل، ويحب هذا الرجل المعجزة حبا عظيما.
فيتعلق المهدي وبدينه تعلقا شديدا، فيكتشف العالم بأنه قد وجد ضالته المنشودة بالإسلام الذي حقق به المهدي عصر البشرية العظيم.
ألم تر كيف دخلت الملايين في الشيوعية ووالتها بسبب وعود الكفاية والرخاء، وكيف أن هذه الملايين قد أعطت كل ما لديها وصبرت صبر أيوب، ولما اكتشفت الملايين أن الشيوعية لا تملك ذلك انفضت من حولها!! وأكثر العقائد البشرية استقطبت أتباعها بشعارات تهواها النفوس، ثم اكتشفت أنها وعود لا يمكن تحقيقها!! ويمكنك أن تتصور حجم الإقبال على دين المهدي وشخصه عندما يحول الأحلام إلى حقائق، والمنى إلى وقائع ملموسة بأيام أو شهور!! يقينا أن العالم الذي عضه الظلم وأذلته الحاجة، وكفر بالوعود الكاذبة سيحب المهدي ودينه إلى درجة العشق والدنف، والهيام.

المهدي المنتظر يظهر في آخر الزمان

كما صحت وتواترت عند أهل بيت النبوة وشيعتهم وعند الخلفاء والتاريخيين وشيعتهم (أهل السنة) الأحاديث التي تحدثت عن حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر، صحت وتواترت عندهم الأحاديث النبوية التي تحدثت عن أن المهدي المنتظر سيظهر في آخر الزمان، أي في المرحلة الأخيرة من الحياة الدنيا، وقبيل قيام الساعة وانتهاء دورة الحياة الدنيا وعلى هذا أجمعت الأمة، وأرسلت هذه المعلومة الدينية إرسال المسلمات.

نماذج من هذه الأحاديث

1 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي)... (راجع تذكرة الخواص ص 363، وعقد الدرر ص 32 ب 3، ومنهاج السنة لابن تيمية ج 4 ص 211، وقال إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم، منهاج الكرامة ص 28 عن ابن الجوزي ص 115، وإثبات الهداة ج 3 ص 606، ومنتخب الأثر ص 182 ف 2 ب 1 ج 1 عن تذكرة الخواص لابن الجوزي الحنبلي،.ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 113).
2 - ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يقوم في آخر الزمان رجل من عترتي).... (راجع الداني ص 94، وعقد الدرر ص 39 ب 3، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 114).
3 - ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي يخرج في آخر الزمان)... (غيبة الطوسي ص 111، وإثبات الهداة ج 3 ص 502، والبحار ج 51 ص 73 - 74، ومنتخب الأثر ص 168، ومعجم الأحاديث ج 1 ص 114 - 115).
4 - ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (.... يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان)... (راجع الطبراني في الكبير ج 3 ص 52 ح 2675، وفي الأوسط على ما في مجمع الزوائد، وصفة المهدي لأبي نعيم على ما في عقد الدرر، وينابيع المودة، وبيان الشافعي ص 478، وذخائر العقبى مختصرا ص 44، وعقد الدرر ص 151، ومجمع الزوائد ج 9 ص 165، وينابيع المودة ص 223، والإزاء ص 136، وكفاية الأثر 62، وكشف الغمة ج 3 ص 592).
5 - ومثله قوله عن المهدي: (يظهر في آخر الزمان على رأسه غمامة). (راجع مواليد الأمة ووفياتهم ص 201، والصراط المستقيم ج 2 ص 260، وإثبات الهداة ج 3 ص 615. ومعجم الأحاديث ج 1 ص 211).
6 - ومثله قوله عن المهدي: (يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بغير عدد).
(ابن حماد ص 98، ابن أبي شيبة ص 196 ح 19486، وأحمد بن حنبل ج 3 ص 5 و 48 - 49 - 60 و 98، وصحيح مسلم ج 4 ص 2234 وص 2235، وأبو يعلى ج 2 ص 421، وابن حبان ج 8 ص 240، والحاكم ج 4 ص 454، والداني ص 98، والفردوس ج 5 ص 510، ومجمع الزوائد ج 7 ص 316، ومقدمة ابن خلدون ص 250، وراجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 231 - 236 تجد بقية المراجع).والأحاديث النبوية التي سقناها كنماذج لحتمية ظهور الإمام المهدي تنم وتوحي بما لا يخفى على الإنسان العادي، بأن الإمام المهدي سيظهر في المرحلة الأخيرة من الحياة الدنيا، وبعد ظهوره بزمن يطول قليلا أو يقصر ستنتهي دورة الحياة الدنيا، وتقوم الساعة حيث ستبدأ دورة الحياة الأخرى..
المصادر :
1- أحمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 17، وأبو يعلى ج 2 ص 367، والسيوطي في الحاوي ج 2 ص 63، / مسند أحمد ج 1 ص 367، وأبو داود ج 4 ص 107 ح 4282 والبزار ج 1 ص 381، والترمذي ج 4 ص 505، والطبراني في الكبير ص 78 / ابن حبان ج 7 ص 576 ح 5922، والطبراني في الكبير ج 10 ص 161 والطبراني في الصغير ج 2 ص 158... راجع معجم أحاديث الإمام المهدي المنتظر الجزء الأول
2- منتخب الأثر للرازي ص 167 ف 2 ب 1 ح 77، وأمالي الصدوق ص 504 مجلس 92 ح 4، والبحار ج 18 ص 341 ب 2 ح 49 و ج 23 ص 128 و ج 51 ص 65 - 66 ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 214 - 215
3- الحديث 72 ج 1 ص 130 من معجم أحاديث الإمام المهدي/ابن حماد ص 99، والحاوي للسيوطي ج 2 ص 77، وملاحم بن طاووس ص 70، ومنتخب الأثر ص 78، الحديث 130 ج 1 ص 220/ الحديث رقم 141 من المعجم
4- ينابيع المودة ص 423، ومنتخب الأثر للرازي ص 294، والحديث 712 من أحاديث المعجم ج 3/ الإرشاد ص 364، وروضة الواعظين ج 2 ص 264، وإعلام الورى ص 431، وكشف الغمة ج 3 ص 254، وإثبات الهداة ص 537 ج 3، والبحار ج 51 ص 30، والحديث 1122 من المعجم/الحديث 1123 من.أحاديث المعجم وراجع المصادر المذكورة فيه والحديث 1124.البحار ج 41 ص 127، والتهذيب ج 4 ص 97، والكافي ج 3 ص 536، والحديث رقم 1126 من أحاديث المعجم.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ضرورة الاجتهاد في الإسلام
مطالبة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بفدك
٢٨ صفر (ذكرى وفاة الرسول الاعظم صلي الله عليه ...
الخمسة الطيِّبة ( ع ) أركان الدين والنجاة لمن ...
ذكرى استشهاد السيدة أم البنين (عليها السلام)
من حديث النبي (ص ) يكون لهذه الامة اثنا عشر اماما
اللعن في القرآن الكريم
ديمومة وبقاء عاشوراء
أولاد السيدة زينب (ع)
من معاجز أمير المؤمنين عليه السّلام

 
user comment