فاطمة عليها السلام وعلاقتها بالتوحيد توجد عدة أدلة وشواهد تدل بالدلالة المطابقية أو الالتزامية على أن فاطمة الزهراء عليها السلام لها ارتباط وثيق بتوحيد الله ، وعلى ضوء هذه الأدلة والشواهد التي سنقدمها بين يدي القارئ العزيز يتبين لنا أن لمعرفة فاطمة عليها السلام دور كبير في عقيدة الفرد المؤمن ، وأما أثبات هذا الارتباط وكيفية ثبوته تصميم التوحيد فهذا ما يتوقف معرفته وثبوته على مقدمات نرى من الضرورة فيما نحن فيه التذكير بها والتمعن في مدلولاتها لكي نصل وعلى ضوءها - أي المقدمات - إلى إثبات هذا الأمر .
أما نوعية هذا الأدلة والشواهد فتارة تكون عبارة عن نص ورد في حديث أو ورد في زيارة لأئمة أهل البيت أو من خلال فقرة معينة من الأحاديث التي تروي لنا ، أدعيتهم عليهم السلام ، وعلى هذا الحال تكون هذه الأدلة مبثوثة وموزعة على كتب الأدعية والزيارات والأحاديث الشريفة لأهل البيت العصمة عليهم السلام . وعلى هذا الأساس نجد أول الأدلة التي نستطيع إثبات ارتباط فاطمة عليها السلام بصميم التوحيد ما ورد في زيارة أئمة أهل البيت عليهم السلام بالزيارة المعروفة بالجامعة الكبيرة والمروي سند معتبر عن الإمام علي الهادي عليه السلام حيث تطالعنا هذه الزيارة بالفقرة التالية من أراد الله بدأ بكم ، ومن وحده قبل عنكم حيث ورد في تفسير هذه الفقرة أنه من لم يوحد الله لم يقبل عنكم أو بالعكس من لم يقبل عنكم لم يوحد الله تعالى فهو على ذلك يكون من المشركين لأن معرفة الله تعالى حق المعرفة مشروط وعلى ما ورد في الروايات الشريفة على معرفة شروط هذه المعرفة ومن شروط هذه المعرفة هو القبول عن أهل البيت عليهم السلام في كل ما يقولونه من المعارف الربانية الحقة وفي كل ما يقولونه من الحق فهم حجج الله على الخلق ، فالراد عليهم كالراد على الرسول وعلى الله تعالى ، هذا البيان يظهر لنا أن معرفة مراتب التوحيد متوقف على المعارف القرآنية التي جاء بها أهل البيت في بيان معنى التوحيد والقبول عنهم في كل شئ يقولون به ، فإنه من عرفهم فقد عرف الله تعالى لأنهم هم الأدلاء عليه وعلى مرضاته وكل ما ثبت للأئمة عليهم السلام فهو ثابت للزهراء عليها السلام فهي مشتركة معهم في كونها نورانية وكونها الصراط المستقيم وكذلك كونها الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام لتوبته واشتراكها في المباهلة معهم عليها السلام وأيضا اشتراكها في كونهم الشجرة الطيبة ونزول الملائكة عليهم في ليلة القدر واشتراكها معهم في بدء خلقها معهم قبل خلق آدم وعرض ولايتهم على الأشياء . . . الخ .
والاهم من هذا كله هو كونها عليها السلام الحجة على الأئمة وعلى معرفتها دارت القرون الأولى وما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وعلى هذا الأساس تكون كل من يقبل عنها الحق فهو من الموحدين وكل ما صدر منها لا بد من الإيمان به وإلا الراد عليها كالراد على الله ورسوله .
وعليه تكون فاطمة عليها السلام مرتبطة بتوحيد الله تعالى ونعني بذلك أنه لا بد من الإيمان بها والتصديق بكل ما صدر منها أنه الحق وأن توحيد أي مسلم أو مؤمن لا يكتمل حتى يقر بفضلها ومحبتها وولايتها ، فيكون على هذا الأساس كل من رد عليها ولم يقبل منها الحق فهو مشرك أو منافق فهي إذن لها ارتباط بالأصل الأول من أصول الدين وهو التوحيد وهذا ثابت لها وللأئمة من ولدها عليه السلام وهذا ما وجدناه في قول الإمام الحسين عليه السلام عندما خرج في واقعة كربلاء حاملا الطفل الرضيع وهو ينادي : هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا ؟ ومحل الشاهد هو هل من موحد يخاف الله فينا ، فالذي يكون موحدا لا بد أن يخاف الله في كل شئ ويقف عند حدوده التي أمرنا بالوقوف عندها ، فإنه من ملازمات التوحيد مخافة الله تعالى في عدم أذية الناس وخلق الله تعالى والذي لا يخاف الله تعالى فهو ليس موحد فالذين ظلموا آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم لم يكونوا موحدين لأنهم لم يخافوا الله تعالى في خلقه الذين خلقهم قبل كل شئ فما بالك ، فيهم عليه السلام حيث كانوا من الذي استخلصهم واصطفاهم الله تبارك وتعالى على الخلق فيكون من باب الأولوية أنه كل من ظلمهم كان من المشركين وكل من رد عليهم فقد أشرك بالله تعالى من حيث لا يعلم لأن الله تعالى أمر الخلق بالأخذ عنهم والتسليم لهم وأن الراد عليهم راد على الله والراد على الله مشرك وقد أخبر الله تعالى عن حكم من أشرك فيهم حيث يقول الله تعالى في كتابه ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) .
يعني ما وضعوا أصناما ظاهرة يعبدونهم م دون الله ويصلون لهم ولكنهم اتخذوا رجالا م دون ولي الله وحجة الله فأمرهم بخلاف ما أمر الله فأطاعوهم في خلاف أمر الله فعبدوهم من حديث لا يعلمون فرد عليه سبحانه فقال أنظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ، وقال الإمام الصادق عليه السلام حكاية عنهم هيهات فات قوم وماتوا قبل إن يهتدوا وظنوا أنهم آمنوا وأشركوا من حيث لا يعلمون . إذن لا يعرف الله أحد من الخلق حق معرفته حتى يأتي بالشروط التي تتوقف عليها المعرفة وهذه الشروط كلها معرفتهم عليهم السلام بما فيهم فاطمة الزهراء عليها السلام التي هي قطب الرحى التي تدور عليها معرفة أهل البيت وكما وصفت لك وفسرت فإذا كان كذلك فكيف لا يقبل عنهم أي فرد ، وقد قبل عنهم لأنه قبل العلم والمعرفة والتوحيد عنهم ولو لم يقبل لم يعلم ولم يعرف إذ لا يكون ذلك منه غيرهم عليهم السلام ، وعلى هذا كانت فاطمة عليها السلام من هذه الجهة ومن خلال فقرة الزيارة الجامعة الكبيرة مرتبط بصميم التوحيد وهذا لا يظهر إلا لمن تمعن وتفحص ودقق في مأثورات أهل البيت عليهم السلام فأفهم تغنم إن شاء الله . أما ثاني الأدلة التي نستطيع من خلالها الورود في مسألة ارتباط فاطمة بصميم التوحيد فهو ما جاءت وتظافرت به الروايات الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه الروايات تنقسم فيما نحن فيه إلى أربعة طوائف :
1 - الطائفة الأولى : أذاها عليها السلام هو أذى الله تبارك وتعالى .
2 - الطائفة الثانية : رضاها عليها السلام هو رضى الله تبارك وتعالى .
3 - الطائفة الثالثة : حبها عليها السلام هو حب الله تبارك وتعالى .
4 - الطائفة الرابعة : غضبها هو غضب الله تبارك وتعالى . ونستفيد من خلال التأمل والتمعن في مدلولات هذه الروايات أنه لا معنى لارتباط أذية ورضى فاطمة وغضبها بالله تعالى إذا لم تكن معصومة بالعصمة المطلقة ، فالله تبارك وتعالى جعلها معبرة عن غضبه ورضاه لكونها معصومة بالعصمة المطلقة الذاتية وإلا فإن هكذا قول يكون في غاية الوهن والعبث وعدم الحكمة . فالله تبارك وتعالى جعل فاطمة عليها السلام المعبرة عن غضبه ورضاه وعلى لسان نبيه الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يدل على أنها عليها السلام معصومة ولا تفعل إلا برضا الله تبارك وتعالى .
وعلى كل حال فإن جميع الروايات المروية عن لسان النبي صلي الله عليه وآله وسلم جاءت لتؤكد هذه الحقيقة وهي كون فاطمة لها ارتباط بالله تعالى وتوحيده سواء كان هذا الارتباط تارة يأتي على هيئة غضب الله أو رضاه أو على هيئة حب الله تبارك وتعالى أو أذاه . وإليك بعض النصوص التي بينت هذه الطوائف الأربعة من الروايات : * جاء في تفسير قوله تعالى ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ) أنها نزلت في غصب حق أمير المؤمنين عليه السلام ، وأخذ حق فاطمة أذاها ، قد قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي ، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله وهو قول الله عز وجل : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله ) . أقول : يظهر من هذا الآية إن الله تبارك وتعالى يتأذى من فعل بعض القوم ومن المعلوم إن الله لا تصل إليه أذية أي بشر بالمعنى وإنما جعل بعض المؤمنين والذين هم أهل بيت النبوة مظهر من مظاهر أذيته إذا تؤذوا هم عليهم السلام، وهذا نص صريح في كونهم مر تبطين بالله ، فالغضب الإلهي يتجلى في غضبهم كما أن غضبهم مرآة غضب الله ، وكذلك الحال في الرضا . وجاء عن النبي صلي الله عليه وآله وسلمأنه قال : إن فاطمة بضعة مني . . . وإن الله تبارك وتعالى ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها . * وورد عن تفسير الثعلبي بإسناده عن مجاهد قال : خرج رسول الله صلي الله عليه و آله وسلموقد أخذ بيد فاطمة عليها السلام وقال : من عرف فاطمة فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله .
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : يا فاطمة ، إن الله ليغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك . وهذا الحديث يعتبر من أهم الأحاديث التي رواها العامة الخاصة ولقد وجدنا لهذا الحديث عدة أسانيد مختلفة سواء عن النبي صلي الله عليه و آله وسلممباشرة أو عن أئمة الهدى عليهم السلام فتارة يكون الحديث عن الإمام الحسين عليه السلاموأخرى عن الصادق والباقر أو عن الإمام زين العابدين وهكذا نجده بأسانيد مختلفة ولكن المحتوى واحد والمضمون لا يختلف وهو أن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها . وروي عن الإمام الصادق عليه السلام هذا الحديث حيث قال جده النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا فاطمة ، إن الله تبارك وتعالى ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك ، وقد أثار هذا الحديث بعض الشباب الذين كانوا في زمن الإمام عليه السلام ومنهم صندل الذي جاء إليه وقال له : يا أبا عبد الله إن هؤلاء الشباب يجيئونا بأحاديث منكره . فقال : له جعفر عليه السلام : وما ذاك يا صندل ؟ قال : جاء عنك ، أنك حدثتهم إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها ! قال : فقال جعفر : يا صندل ، ألستم رويتم فيما تروون : أن الله تبارك وتعالى يغضب لغضب عبده المؤمن ويرضى لرضاه ؟ ! قال : بلى قال : فما تنكرون أن تكون فاطمة عليها السلام مؤمنة يغضب لغضبها ، ويرضى لرضاها ؟ ! . قال : فقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته . ويظهر من هذا الحديث أن مسألة إنكار أحاديث أهل البيت في قضية فاطمة الزهراء وأن رضاها رضا الله ورسوله كانت موجودة من زمن الأئمة عليهم السلام ، وكذلك توجد نقطة مهمة ونكتة خافية وهي أن الرسول إنما تحدث بهذه الأحاديث في فاطمة عليها السلام ليؤكد على مسألة مهمة وهو أن فاطمة عليها السلام سوف تظلم وتؤذى من بعده ، لذا سوف ترضى عن بعض المسلمين وتغضب على البعض الآخر فلذلك أعطى الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ضابطة كلية في مسألة تقييم بعض الشخصيات في زمن فاطمة عليها السلام ألا وهي ضابطة الرضا والغضب بالنسبة لفاطمة ، فكأنما يشير إلى ما سيجري عليها من الظلم من بعده . إذن تبين لنا من خلال تفسير الآية المباركة ( إن الذين يؤذون الله . . . ) وبيان بعض الأحاديث الشريفة حول رضا فاطمة وغضبها وأنها مقرون برضا الله وغضبه ، إنها عليها السلام مرتبطة بصميم التوحيد وهنا يرد هذا السؤال المهم في ما نحن فيه ألا وهو ما الثمرة من هذا الارتباط ؟ أن بعبارة أخرى ما الفائدة في ارتباط غضب فاطمة ورضاها بالله تعالى ؟ والجواب يظهر من خلال متابعة القرآن الكريم والأحاديث التي رويناها لك من خلال الكتب المعتبرة والذي نراه وحسب فهمنا القاصر إن بعض الثمرات هي :
1 - أن كل من آذى فاطمة فقد آذى الله ورسوله لذا سوف يستحق اللعنة بنص القرآن الكريم ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله . . . ) هذا في الدنيا .
2 - إعداد العذاب الإلهي للذين يؤذون الله تعالى في ذرية رسوله ( وأعد لهم عذابا مهينا ) .
3 - ونستفيد من بعض الروايات أن الله تعالى ليغضب لغضب المؤمن فكيف بابنة رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم؟
4 - إعطاء ضابطة مهمة من الناحية التأريخية وهي كل من ثبتت أذيته لفاطمة في حياتها لا بد من لعنه والبراءة منه وكل من سار على منوال الظالمين للزهراء في حقها ورضايتهم على فعل الظالمين فهم مع الظالمين يجب لعنهم في الدنيا والبراءة منهم وكثيرة هي الثمرات في هذا الارتباط وفي الذي سردناه لك كفاية لمن يرجو الوصول إلى حقيقة الأمور