5 ـ الاَحاديث الآمرة بعرض الحديث على الكتاب ، ليُعرَف بذلك الصحيح منه فيُؤخذ به ، و السقيم فيُتْرَك و يُعْرَض عنه ، و هي كثيرة ، منها : حديث الاِمام الصادق (عليه السلام) ، قال : « خطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى فقال : أيُّها الناس ، ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قُلتُه ، و ما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقُله » ، (1).
و عنه أيضاً بسندٍ صحيح ، قال (عليه السلام) : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان ، فأعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردّوه » ، (2) .
و هذه القاعدة تتنافى تماماً مع احتمال التحريف في كتاب الله ، لاَنّ المعروض عليه يجب أن يكون مقطوعاً به ، لاَنّه المقياس الفارق بين الحقّ و الباطل ، فلا موضع للشكّ في نفس المقياس ، و لولا أنّ سور القرآن و آياته مصونة من التحريف و محفوظة من النقصان منذ عصر الرسالة الاَوّل وإلى الاَبد ، لما كانت هذه القاعدة ، و لا أمكن الركون إليها و الوثوق بها .
قال المحقق الكركي المتوفّى سنة (940 هـ) في رسالته التي أفردها لنفي النقيصة عن القرآن الكريم : « لا يجوز أن يكون المراد بالكتاب المعروض عليه غير هذا المتواتر الذي بأيدينا و أيدي الناس ، و إلاّ لزم التكليف بما لايطاق ، فقد وجب عرض الاَخبار على هذا الكتاب ، و أخبار النقيصة إذا عُرِضت عليه كانت مخالفة له ، لدلالتها على أنّه ليس هو ، و أيّ تكذيب يكون أشدّ من هذا » ، (3).
6 ـ إنّ ثبوت قرآنية كلّ سور القرآن و آياته ، لا يتمّ إلاّ بالتواتر القطعي منذ عهد الرسالة و إلى اليوم ، ممّا يقطع احتمال التحريف نهائياً ، لاَنّ ماقيل بسقوطه من القرآن نقل إلينا بخبر الواحد ، و هو غير حجةٍ في ثبوت قرآنيته ، حتّى مع فرض صحّة إسناده .
قال الحرّ العاملي المتوفّى سنة (1104 هـ) : « إنّ من تتبّع أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ، و تصفّح التأريخ و الآثار ، عَلِم علماً يقينياً أنّ القرآن قد بلغ أعلى درجات التواتر ، فقد حِفِظه الاَُلوف من الصحابة و نقله الاَُلوف ، و كان منذ عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) مجموعاً مؤلّفاً » ، (4)
و قال الشيخ محمد جواد البلاغي المتوفّى سنة (1352 هـ) : « و من أجل تواتر القرآن الكريم بين عامّة المسلمين جيلاً بعد جيل ، استمرّت مادته وصورته وقراءته المتداولة على نحوٍ واحد » ، (5).
7 ـ إجماع العلماء على عدم التحريف إلاّ من لا اعتداد به ، كما صرّح بذلك المحقّق الكلباسي المتوفى سنة (1262 هـ ) بقوله : « انّ الروايات الدالّة على التحريف مخالفةٌ لاجماع الاَُمّة إلاّ من لا اعتداد به» ، (6).
و قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، المتوفّى سنة (1228 هـ) في (كشف الغطاء) : « جميع ما بين الدفّتين ممّا يُتلى كلام الله تعالى ، بالضرورة من المذهب ، بل الدين وإجماع المسلمين ، وأخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والاَئمة الطاهرين (عليهم السلام) ، وإن خالف بعض من لايُعتدّ به » .
-----------------------------------------
الهوامش :
(1) الكافي 1 : 69 | 5 .
(2) الوسائل 27 : 118 | 62 ،333 تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) .
(3) أورده السيد محسن البغدادي في (شرح الوافية) عن المحقق الكركي ، أُنظر البرهان ، للميرزا مهدي البروجردي : 116 ـ 117 .
(4) الفصول المهمة ـ للسيد شرف الدين: 166.
(5) آلاء الرحمن 1 : 29 ، المقدمة .
(6) البيان في تفسير القرآن : 234 .