تارةً يراد من قاعدة الاشتراك اشتراك الغائبين عن مجلس الخطاب ، وغير المشافهين مع الحاضرين في مجلس الخطاب والمشافهين ، وإن لم يكونوا موجودين في عصر الخطاب ، وصاروا موجودين في الأزمنة المستقبلة في حجية الخطاب على الجميع ، وجواز احتجاج الكل به ، وهذا هو الذي يبحث عنه في اُصول الفقه في مبحث ( الخطابات الشفاهية ) .
واُخرى يراد من قاعدة الإشتراك اشتراك غير المعاصرين لعصر الوحي والرسالة من الذين يأتون في الأعصار المستقبلة إلى يوم القيامة مع الموجودين في عصر الرسالة وتبليغ الأحكام . والقاعدة بهذا المعنى أشبه بالمسائل الكلامية دون الفقهية والفرعية ، ومفادها من الضروريات وهو حلال محمد (صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، وبقاء الدين إلى آخر الدهر ، وإن مرور الأزمنة والأعصار لا تؤثر في تغيير الأحكام الشرعية بأقسامها من الأولية والثانوية ، والظاهرية والواقعية ، فكلها ثابتة إلى يوم القيامة ، وهذا معنى خاتمية الدين المبين ، وختم الشرايع بشريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) .
و ثالثةً يراد منها اشتراك النساء مع الرجال في الخطابات الموجهة إلى الذكور ، مثل ( يا أيها الذين آمنوا ) و ( اعبدوا الله ) و ( اعتصموا بحبل الله )و (أقيموا الصلاة )و ( آتوا الزكاة ) و ( واعلموا أنما غنمتم من شيء )فإن مثل هذه الخطابات يشمل النساء كما يشمل الرجال .
والسر في ذلك : أن الإتيان بالصيغ المختصة بالذكور ليس لاختصاصهم بهذه التكاليف ، ولا اختصاص هذه القوانين الكلية الجامعة بهم ، بل لأجل التغليب ، وأنهم إذا أرادوا خطاب الجميع كانوا يوجهونه بصيغة التذكير ، والشارع المقدس أيضاً في مقام بيان أحكامه الكلية وخطاباته الجامعة سلك مسلك العرف .
ولذا في الخطابات الموجهة إلى ( الناس ) التي تشمل بنفس الكلمة الجنسين الذكور والإناث نرى الإتيان بصيغ التذكير مثل ( يا أيها الناس اتقوا ) و (يا أيها الناس إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) و (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً )، فلا يعد الإتيان بفعل الجمع المذكر قرينة على إرادة الذكور من كلمة ( الناس )، ومثله قوله تعالى :( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )فلا يعد الإتيان بصيغة الماضي للمذكر ( استطاع ) قرينة على إرادة الذكور من ( الناس ) .
وبعبارة اُخرى : المفهوم العرفي من الأساليب المذكورة في الكلام هو الأعم من الرجال ، ودلالتها على خصوص الرجال يحتاج إلى القرينة ، ولعل الإستقرا في الكتاب والسنة أيضاً يشهد بذلك .
هذا، مضافاً إلى أن المذكور في الدليل وإن كان رجلا أو عبداً أو غيرهما إلا أنه يفهم في بعض الموارد بالقرينة المدلول الأعم ، مثل « رجل شك بين الثلاث والأربع» و( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ).
نعم ، الخطابات الموجهة إلى الذكور مثل ( يا أيها الرجال افعلوا كذا ) فهي مثل الخطابات الموجهة إلى النساء لا تشمل الجنس الآخر .
وربما يكون الخطاب عاماً موجهاً إلى الذكور والإناث ، ولكن موضوعه في لفظ الخطاب كان الذكور ، فإذا كان مثل ( حجوا أو ائتوني بأبنائكم أو ذكوركم ) فهو لا يشمل البنات والإناث قطعاً .
وتارة يقول : حجوا بصبيانكم أو بصبيتكم ، فهل يدل على العموم وشمول مفهومه للصبية والصبايا ؟
فلا يبعد دلالته على الأعم واشتراك الإناث مع الذكور في الموضوعية للحكم . كما إذا قال : ( ائتوني بالذين معكم ) فإنهم يأتوه بكل من معهم من الذكور والإناث ، مع أن كلمة ( الذين ) للمذكر . ولا يبعد أن يكون مفهوم ايئوني بصبيتكم أو صبيانكم أيضاً هكذا .
وبعبارة اُخرى نقول : إذا كان المراد الأعم من الإناث يكتفون باللفظ الدال على الذكور بعلامة التذكير وضميره ، دون اللفظ الذي هو بنفسه دال على الذكور ( كالرجال ) و( الأبناء ) .
وعلى كل حال نقول : إنا نستظهر من التعبير بالصبي والصبيان أن مراد السائل والمجيب (عليه السلام) أعم من الصبي والصبية ، والصبيان والصبايا ، كما نستظهر من (الذين آمنوا ) كون النساء كالرجال طرفاً للخطاب ، وإنما عبر عن الكل بصيغة التذكير تغليباً للذكور على الإناث ، كما رأيته في مثل ( واعلموا أنما غنمتم )وفي موارد كثيرة اُخرى، فكما أن المكلف بهذه الأحكام الولي الذي هو أعم من الذكر والاُنثى موضوعها أيضاً يكون الأعم منهما .
ولا يبعد جريان السيرة على ذلك ولذا لم يسأل أحد من الأئمة (عليهم السلام) عن ذلك . ولعل فتوى المشهور باشتراك الصبية مع الصبي في ذلك ، أو عدم تنصيصهم على خلاف ذلك الظاهر في كونه ثابتاً عندهم ، للاعتماد على السيرة المعلومة . والله هو العالم .
إحجاج الصبي غير المميز:
مسألة 9 ـ إحجاج الصبي غير المميز يكون بأمره إتيان أعمال الحج ، من نية الإحرام والتلبية ، وترك ما يحرم على المحرم ، والطوف وصلاة الطواف ، والسعي والحلق ، والتقصير، وطواف النساء ، فإن لم يتمكن من جميع ذلك أو من بعضه ينوب عنه فيما لا يتمكن .
يدل على ذلك ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن مثنى الحناط ، عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال : « إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبي ويفرض الحج ، فإن لم يحسن أن يلبي لبي ( لبوا ) عنه ، ويطاف به ، ويصلى عنه قلت : ليس لهم ما يذبحون ؟ قال : يذبح عن الصغار ، ويصوم الكبار ، ويتقى عليهم ما يتقي المحرم من الثياب والطيب ، وإن قتل صيداً فعلى أبيه » .
وفي قوله (عليه السلام): « ليس لهم ما يذبحون ؟» وجهان :
- الأول : ليس للأولياء ما يذبحون عن الصغار .
- والثاني : ليس للصغار ما يذبحون . والثاني مطابق لأصالة عدم التقدير .
وأما وجه صوم الكبار والذبح عن الصغار فيعلم مما ذكر في المرجحات من أن ما لا بدل له أهم مما له البدل وفيما نحن فيه الذبح عن الصغار لا بدل له ، وأما عن الكبار فله البدل ، وهو الصوم ، كما قال الله تعالى : (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم).
ويدل على ذلك أيضاً رواية عبدالرحمن بن الحجاج المتقدمة عن أبي عبدالله(عليه السلام)في المسألة السابقة .
وهل يجب الوضوء عنه للطواف إذا لم يتمكن هو من الوضوء ، أو وضوؤه صورة إن أمكن ؟ يمكن أن يقال بعدم وجوب الوضوء عنه ، ولا إيقاع صورة الوضوء به ; وذلك لأن الذي يجب على الولي أن ينوب عنه أو يوقعه به ـ إن لم يتمكن هو بإتيانه ولو بصورته ـ هو أفعال الحج ، وأما ما يعتبر في الأفعال مثل الطهارة في الطواف مما لا يتحصل لا بالنيابة منه ولا بإيقاع صورته كالطهارة فلا يجب ذلك ، فالوضوء شرط للطائف لا للطواف ، وهو لا يتحصل للصبي ، والولي الذي يطوف به ليس الطائف حتى يجب عليه ، ومع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط بإيقاع الوضوء به والوضوء عنه .