هناك فرق بين التربية والأخلاق، مع أن الأخلاق نفسها نوع من التربية، وهي بمعنى اكتساب خلق وحالة وعادة، فما هو الفرق بين التربية والأخلاق؟ إن التربية- كما قلنا سابقاً- تشير إلى مفهوم التنمية والبناء فقط ومن وجهة نظر التربية لا يوجد فرق في كيفية التربية، ولأجل أي هدف هي، أي أنه في مفهوم التربية لم تقحم القداسة كي نقول: إن (التربية) معناها تنمية الشخص بنحو يتمكن معه من الحصول على خصائص ترفعه عن مستوى الحيوان، بل إن التربية الروحية تربية أيضاً، وهذه الكلمة تطلق على الحيوانات أيضاً، فبالإمكان تربية كلب أعم من أن يربى ليكون سلوكه جيداً مع صاحبه، وليكون حارساً للماشية من خطر الذئب، أو لحراسة البيت، فكل هذه الأمور تربية، إن هذه الجيوش التي تشكلها أغلب الدول الاستعمارية من الجناة الذين يدربون على الإجرام، بنحو لا يتورعون معه من ارتكاب أية جريمة ويمتثلون كل أمر من دون أن يفكروا فيه، إن هذا العمل تربية أيضاً، وأما في مفهوم الأخلاق فقد لوحظت القداسة، ولذا لا تستخدم كلمة الأخلاق في الحيوانات، فمثلاً لو أنهم قاموا بتربية حصان فلا يقال لهم: أنهم علموه الأخلاق.
إن الأخلاق مختصة بالإنسان ويكمن فيها نوع من القداسة، ولذا لو أردنا أن نتكلم حسب المصطلح علينا أن نقول: إن فن الأخلاق وفن التربية ليسا متحدين، بل توجد اثنينية بينهما، فإن فن التربية يطلق حينما يكون المراد مطلق التنمية بأية صورة كانت، وهذا يكون تابعاً للهدف من تنميته، وأما علم الأخلاق أو فن الأخلاق فلا يكون تابعاً لأغراضنا حتى نقول: إن الأخلاق هي أخلاق كيفما انقضت التنمية والإنشاء، كلا فإن هناك لوناً من القداسة في مفهوم الأخلاق (فعلينا أن نجد الملاك والمعيار لهذه القداسة)، لذا نقول: إن الفعل الخلقي يكون مقابلاً للفعل الطبيعي، وينبغي توضيح هذه النقطة وهي: إننا عندما نقول: "مقابل للفعل الطبيعي يمكن تفسير ذلك بنحوين، الأول: أن نقول: إن الفعل الخلقي هو الفعل المضاد للطبيعي، وإننا نسمي كل فعل يكون مضاداً لمقتضى الطبيعة فعلاً خلقياً وليس المقصود هو هذا، فإن المرتاض يؤذي نفسه ويعمل خلاف ما يقتضه طبعه، ولكننا لا نقول: بما أنه يأتي الفعل المضاد لما يقتضيه طبعه، إذن يكون عمله خلقياً، فهذا لا يمكن أن يكون معياراً، ولا يتفوه أحد بمثله، إن ما نقوله: من أنه (غير طبيعي) لا نقصد به المضاد للطبيعة.