الرباط ـ إکنا: يتميز المغاربة، منذ زمن بعيد، بطريقة متفردة وأصيلة في حفظ القرآن الكريم، توارثوها أبا عن جد، تتم داخل الكتاتيب القرآنية وتعتمد ببساطة على الألواح الخشبية والحبر.
وأفادت وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا)، يتميز المغاربة، منذ زمن بعيد، بطريقة متفردة وأصيلة في حفظ القرآن الكريم، توارثوها أبا عن جد، تتم داخل الكتاتيب القرآنية وتعتمد ببساطة على الألواح الخشبية والحبر، لكنها تقاوم بثبات الوسائل الحديثة للتحفيظ وتأبى التراجع أمامها، لتستمر كمنهل للعلم والمعرفة ومصدر لتلقين العقيدة الصحيحة.
وتقوم هذه الطريقة الأصيلة على كتابة بعض الآيات على اللوح وحفظها بعد تصحيحها من قبل الفقيه أو الشيخ المسؤول عن الكتاب، الذي يأذن بعد الحفظ بمحو "البالية" أي الوجه القديم، وكتابة "الجديدة".
وتتجلى أهمية حفظ القرآن بطريقة اللوح التقليدية في كون الحافظ يتعلم، بالإضافة إلى الحفظ، الرسم القرآني الذي يتلقاه مباشرة من شيخ الجامع أو الفقيه، كما يناديه الطلبة والأهالي، فضلاً عن إتقانه للغة العربية الفصحى.
وشكل الكتاب القرآني، على امتداد الأجيال، رافداً من روافد العلم والتعلم التي أسهمت في تربية النشئ تربية إسلامية رصينة من خلال تحفيظ القرآن الكريم وعلومه، وصون المقومات الروحية للمجتمع المغربي والحفاظ على هويته وخصوصياته.
ونظراً لدورها الكبير في تحفيظ القرآن وعلومه، حظيت الكتاتيب القرآنية على مر السنين بعناية مميزة من السلاطين والملوك المغاربة، الذين كانوا يحتفون بفقهائها، ويخصصون لهم جوائز هامة، وامتدت هذه العناية الرسمية إلى عهد الملك محمد السادس الذي أحدث في سنة 2002 جائزة محمد السادس للكتاتيب القرآنية تشجيعاً لها على الاضطلاع بدورها في تحفيظ القرآن وتطوير طرق التلقين.
وحسب الشيخ محمد، وهو فقيه مسؤول عن أحد الكتاتيب القرآنية التقليدية بمدينة سلا، فإن "الكتاتيب القرآنية، فضلاً عن التحفيظ، تضطلع بدور فعال في تلقين تعاليم الدين السمحة وقواعد العقيدة الصحيحة"، إذ يساهم ارتياد الأطفال لهذه الكتاتيب في بناء سلوكهم وتعريفهم بأصول دينهم وحمايتهم من جميع أشكال الانحراف.
وعلى الرغم من أن أعداد الكتاتيب القرآنية في المدن والقرى المغربية شهدت تراجعاً خلال السنوات الأخيرة، كما تراجع استخدام الألواح التقليدية، إلا أنها لا تزال حاضرة في حياة المغاربة، إذ يحرص الآباء على ارتياد أبنائهم للمساجد والكتاتيب.
ويرى الشيخ محمد أن الإقبال على الكتاتيب القرآنية أصبح يتزايد خلال شهر رمضان المبارك، لا سيما خلال السنوات الأخيرة التي بات يتزامن فيها الشهر الفضيل مع العطلة الصيفية، مشيراً إلى أن كثيرا من الآباء يحبذون أن يقضي أطفالهم أوقات فراغهم في تعلم القرآن وترتيله وحفظ معانيه.
وفي هذا الصدد، تقول أسماء، وهي سيدة عاملة، إنها سجلت طفلتها منذ سن الرابعة في كتاب قرآني حتى تتلقى تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة، مؤكدة أن سلوك الطفلة تغير كثيراً خلال السنتين التي ارتادت فيهما الكتاب، إذ أصبحت أكثر هدوءا وانضباطا. من جهته، أكد السيد أحمد، وهو مهندس بالقطاع العام، أنه قرر إلحاق إبنه ذي الخمس سنوات بالكتاب لتلقن أصول الدين الإسلامي بهدف تعلم المفاهيم الصحيحة والسليمة للقرآن الكريم، وفي نفس الوقت إتقان قواعد اللغة العربية.
وأضاف أنه فضل أن يتردد ابنه على هذا "المكان المبارك" بشكله التقليدي وطريقته الكلاسيكية في التلقين كما ارتاده هو نفسه في صغره، حتى يتسنى للطفل تعلم المثابرة والاجتهاد وروح المنافسة، مسجلا أن ارتياد الكتاب القرآني كان له أثر بالغ في تفوقه الدراسي.
وأكثر ما يميز الكتاتيب القرآنية حضور "الفقيه" الذي يحظى باحترام وتقدير الجميع، فلباسه التقليدي وجلوسه بين الطلبة وعصاه التي لا يتردد في استخدامها بين الحين والآخر، تنم عن هيبة ووقار، فهو المشرف على هذا الصرح الديني الذي ارتبط على مر العصور بالعلم والتنوير، وشكل مدرسة للعلماء والفقهاء، وكذا المقاومين الذين دافعوا بأرواحهم من أجل استقلال الوطن.
وكانت ساعات الدراسة بالكتاب، أو كما يطلق علية المغاربة "المسيد" أو "لحضار"، تستمر لساعات طويلة تتوقف للحظات إما لتناول وجبة الغذاء أو للصلاة أو محو اللوح. وكان الفقيه غالباً إمام مسجد أو حافظاً يتفرغ لهذا العلم الذي ورثه عن آبائه وأجداده، أو متطوعاً يلقن أبناء الحي أو القرية تعاليم القرآن الكريم. وكان المعلم لا يكاد يتقاضى مقابل عمله إلا "الحدية" أو "الأربعية"، وتعني عوضاً مالياً يتسلمه الفقيه من التلاميذ أو ما قد يحصل عليه في بعض المناسبات الدينية القليلة وبعض الهدايا البسيطة في بعض المناسبات الخاصة، من قبيل حفل ختم القرآن.
وما الإقبال الذي يشهده الكتاب القرآني، الذي شكل منذ سنوات طويلة المدرسة الأولى لكبار المثقفين والعلماء الذين تلقوا علوم القرآن وأتموا حفظه قبل ولوجهم لمدارس التعليم العصرية، إلا تأكيدا على تاريخه العريق وإسهامه في بناء مقومات المجتمع الإسلامي المعتدل.
source : ایکنا