قال الله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قيل المتفرسون
قال النبي ص اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله
يعني وهبه الله له
إرشادالقلوب ج : 1 ص : 131
و روي عن أويس ره لما قصده حيان بن هرم قال له حين رآه السلام عليك يا أخي حيان بن هرم فقال له من أين لك معرفتي و لم ترني فقال له المؤمن ينظر بنور الله و إن أرواح المؤمنين تسأم كما تسأم الخيل
و الفراسة أنوار سطعت في القلوب بحقائق الإيمان و معرفة تمكنت في النفوس فصدرت من حال إلى حال حتى شهدت الأشياء من حيث أشهدها سيدها و مولاها فنطقت عن ضمائر قوم و أمسكت عن آخرين و الفراسة أيضا نتيجة اليقين و طريق المؤمنين
و سئل النبي ص عن قوله تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ قال يقذف في قلبه نورا فينشرح و يتوسع
و التفرس من خواص أهل الإيمان سطعت في قلبه أنوار فأدرك بها المعاني و من غض بصره عن المحارم و أمسك نفسه عن الشهوات و عمر باطنه بصفاء السريرة و مراقبة الله تعالى و ظاهره باتباع الكتاب و السنة و لم يدخل معدته الحرام و حرس لسانه من الكذب و الغيبة و لغو القول لم تحط فراسته و ينبغي لمن جالس أهل الصدق أن يعاملهم بالصدق فإن قلوبهم جواسيس القلوب و ينبغي السكون معهم لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ يعني المعلوم لهم الصدق و هم أهل بيت محمد ص و الدليل على صدقهم قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و الكذب أيضا رجس
و قال ص إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله و عترتي أهل بيتي و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض
فأمر باتباعهم إلى يوم القيامة فدل ذلك على أن في كل زمان يكون منهم من يقوم بالكتاب و العمل به في تفسيره و تفصيل حلاله و حرامه و لم يقل بذلك سوى الشيعة الاثني عشرية فدل هذا التفصيل على صدقهم أيضا فيجب الكون معهم و أن الصدق مفتاح كل خير و مغلاق باب كل سوء و ما لزمه إلا كل من نجا من ورطات الذنوب و فضيحات العيوب
و قال أمير المؤمنين ع الصادق على شرف منجاة و كرامة و الكاذب على شفا مهوات و مهانة
و قال النبي ص لا يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صديقا و لا يزال يكذب حتى يكتبه الله كذابا و الصدق عماد الدين و نجاة المسلمين و هو
إرشادالقلوب ج : 1 ص : 132
تالي درجات النبوة و رأس أمر الفتوة و موجب مرافقة النبيين
قال الله تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً و الصادق اسم لازم للصدق و الصديق البالغ فيه المتحري له في أقواله و أفعاله و كل حالاته التي يصدق قوله و فعله و من أراد أن يكون الله معه فيلزم الصدق فإن الله تعالى يقول إن الله مع الصادقين و المداهن لا يشم رائحة الجنة و الصادق الذي لو كشف سره لما خالف ظاهره و قد قال الله تعالى فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني في أنكم أحباء الله تعالى و أولياءه لأن الحبيب يتمنى لقاء حبيبه و الصدق علامة صحة المعرفة و المهابة و المراقبة له لمشاهدة حال المخلوقين في أسرارهم و خلواتهم و معاملة الله بالصدق ساعة خير من الضرب بالسيف في سبيل الله سنة و من عامل الله تعالى بالصدق في عباده أعطاه الله من نور الفراسة ما يبصر به كل شيء من عجائب الدنيا و الآخرة فعليكم بالصدق من حيث يضركم فإنه ينفعكم و إياكم و الكذب من حيث ينفعكم فإنه يضركم و علامة الكذب السرعة باليمين من غير أن يحلفه أحد فإنه لا يحلف الرجل في حديثه إلا لإحدى خصال ثلاث إما لعلمه أن الناس لا يصدقونه إلا إذا حلف لمهانته عندهم أو لتدليس كذبه عندهم أو للغو في المنطق يتخذ حلفه حشوا في كلامه و الصدق مجلبة للرزق
لقوله ص الصحة و الصدق يجلبان الرزق
و الصدق هو أصل الفراسة و الفراسة الصادقة هي أول خاطر من غير معارض فإن عرض عارض فهو من وساوس النفس و جاء في قوله تعالى أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ أي ميت الذهن فأحياه الله بنور الإيمان و الفراسة و جاء في قوله تعالى كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها يعني الكافر في ظلمات كفره لا نور له و لا فراسة و لا سبب يستضيء به عند ظلمة نفسه فاعتبروا يا أولي الألباب