عربي
Tuesday 5th of November 2024
0
نفر 0

وجوب تنصيب الامام

وجوب تنصيب الامام


الإمامة من الأصول والعقائد
هل أن الإمامة من أصول الديانات والعقائد أو هي من الفروع ؟ فالحق : أنها من الأصول كالنّبوة ، وممّا يدلّ على ذلك الحديث الصحيح المتّفق عليه الصريح في أنّ « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليةً » وقد روي بألفاظ مختلفة والمعنى واحد وهو ما ذكرناه ، فهو باللفظ المذكور في عدة من الكتب كشرح المقاصد 5 / 239 ، وبلفظ « من مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية » في مسند أحمد
4 / 96 وغيره . وبلفظ : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » في سنن البيهقي 8 / 156 وغيره ، وله ألفاظ أخرى .
فإنّه دليل صريح على وجوب معرفة الإمام والإعتقاد بولايته الإلهيّة ووجوب طاعته والإنقياد له ، وأن الجاهل به أو الجاحد له يموت على الكفر كما هو الحال بالنسبة إلى نبوّة النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وبما ذكرناه غنىً وكفاية عن غيره من الأدلة .
وعن جماعة من الأشاعرة كالقاضي البيضاوي موافقة الإمامية في أن الإمامة أصل من أصول الدين ، وعن بعضهم كالتفتازاني أنها بعلم الفروع أليق !
ولابدّ من تعريفها أولاً
إن « الإمام » هو المؤتّم به ، أي المتبّع والمقتدى ... قال تعالى لإبراهيم عليه السلام : ( إنّي جاعلك للناس إماماً ) وأما تعريف الإمامة فالظاهر أن لا خلاف فيه .
قال العلامة الحلي رحمه الله بتعريف الإمامة : « الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخصٍ من الأشخاص نيابةً عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم » .
وقال المقداد السيّوري رحمه الله بشرحه : « الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخصٍ انساني . فالرياسة جنس قريب ، والجنس البعيد هو النسبة ، وكونها عامة فصل يفصلها عن ولاية القضاة والنواب ، وفي أمور الدين والدنيا بيان لمتعلّقها ، فإنّها كما تكون في الدين فكذا في الدنيا ، وكونها لشخص إنساني فيه إشارة إلى أمرين :
أحدهما : أن مستحقّها يكون شخصاً معيّناً معهوداً من الله تعالى ورسوله ، لا أيّ شخص إتفق .
وثانيهما : إنه لا يجوز أن يكون مستحقّها أكثر من واحد في عصر واحد .
وزاد بعض الفضلاء في التعريف بحقّ الأصالة ،
وقال في تعريفها : الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص إنساني بحق الأصالة ، واحترز بهذا عن نائب يفوّض إليه الإمام عموم الولاية ، فإنّ رياسته عامة لكن ليست بالاصالة .
والحق : أن ذلك يخرج بقيد العموم ، فإنّ النائب المذكور لا رياسة له على إمامه ، فلا يكون رياسته عامة .
ومع ذلك كلّه فالتعريف ينطبق على النبوة ، فحينئذٍ يزاد فيه : بحق النيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أو بواسطة بشر » (1) .
وجوب نصب الإمام
( نصب الإمام عندنا واجب علينا سمعاً ... وقالت الإمامية والإسماعيلية : لا يجب نصب الإمام علينا ، بل على الله سبحانه ، إلاّ أنّ الإمامية أوجبوه عليه لحفظ قوانين الشرع عن التّغيير بالزيادة والنقصان ...
لنا في إثبات مذهبنا أن تقول : أمّا عدم وجوبه على الله أصلاً وعدم وجوبه علينا عقلاً فقد مر ، لما تبين من أنه لا وجوب عليه تعالى ولا حكم للعقل في مثل ذلك ... ) .
( إحتج الموجب النصب للإمام على الله بأنّه لطف ، لكون العبد معه أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية ، واللطف واجب عليه تعالى .
والجواب بعد منع وجوب اللطف : أن اللطف الذي ذكرتموه إنما يحصل بإمام ظاهر قاهر ... ) .
قد عرفت أنّ « الإمامة » نيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وخلافة عنه في كلّ ما لأجله بعث ، فهي من توابع « النبوة » وفروعها ، فكلّ دليل قام على وجوب بعث النبي وإرسال الرسول فهو دال على وجوب نصب الإمام النائب عنه والقائم مقامه في وظائفه ...
ومن ذلك قاعدة اللّطف ، وهو : ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية ، ولا حظّ له في التمكين ، ولا يبلغ الإلجاء ، لتوقّف غرض الّلطف عليه ، فإنّ المريد لفعل من غيره إذا علم أنّه لا يفعله إلاّ بفعل المريد من غير مشقة لو لم يفعله لكان ناقضاً لغرضه ، وهو قبيح عقلاً (2) .
ولا ريب في أن « الإمام » كذلك مثل « النبي » .
فنصب الإمام واجب على الله كبعث النبي ، لتكون ( لله الحجة البالغة ) (3)
و ( لئلاّ يكون الناس على الله حجّة ) (4)
و ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بيّنة ) (5) .
وحينئذ لا يقال : « أنه لا وجوب عليه تعالى ، ولا حكم للعقل في مثل ذلك » لأنّ معنى هذا الوجوب العقلي درك العقل حسن إرسال ونصب الإمام ، إذا بذلك يعرف الله ويعبد ، وهذا هو الغرض من الخلقة حيث قال سبحانه :
( وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون ) (6) ، ولو تركه لكان ناقضاً لغرضه .
فسقط منع وجوب اللّطف ، ولعلّ منشأ المنع هو الغفلة عن حقيقة
الإستدلال .
وسقط أيضاً النقض بالإمام المعصوم الغائب ، ولعل منشأه الغفلة عن حقيقة الإمامة ، وتوهّم كونها السلطنة الظاهرية فحسب ...
وقد عرفت أنها منصب إلهي كالنبوة ، فكما أن النبوة قد تجتمع مع السلطنة الدنيوية والحكومة الظاهرية وقد تفترق عنها والنبوة باقية ، كذلك الإمامة ...
و « البعث » و « النصب » من الله في جميع الأحوال على حاله ، و « النبي » و « الامام » باقيان على النبّوة والإمامة ... وعلى الناس الإنقياد لهما والتسليم لأوامرهما ونواهيهما ...
ولا إلجاء من الله كما عرفت ، فإن فعلوا إجتمعت الرئاستان وتمّ اللطف ، وإلاً افترقتا ولم تبطل النبوة والإمامة ، بل خسرت الأمة فوائد بسط اليد ونفوذ الكلمة منهما ...
على أنّ وجود النبي أو الإمام الفاقد للسلطنة الظاهرية ينطوي على بركات وآثار ، حتى ولو كان غائباً عن الأبصار ...
هذا موجز الكلام في بيان الإستدلال بقاعدة اللطف ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب الكلامية لأصحابنا الإمامية ، كالذخيرة والشّافي وتلخيصه وتجريد الإعتقاد وشرحه وغيره من كتب العلامة الحلّي وشروحها وغير ذلك ...
واستدل أيضاً : بأنه قد ثبت أن شريعة نبيّنا عليه وآله السلام مؤبدة ، وأن المصلحة لها ثابتة إلى قيام الساعة لجميع المكلّفين . وإذا ثبت هذا فلا بدّ لها من حافظ ، لأنّ تركها بغير حافظ إهمال لها ، وتعبّد للمكلّفين بما لا يطيقونه ويتعذّر عليهم الوصول اليه .
وليس يخلو الحافظ لها من أن يكون جميع الأمّة أو بعضها .
وليس يجوز أن يكون الحافظ لها الأمة ، لأن الأمّة يجوز عليها السّهو والنسيان وارتكاب الفساد والعدول عمّا علمته .
فإذن ، لا بدّ لها من حافظ معصوم يؤمن من جهته التغيير والتبديل والسهو ، ليتمكّن المكلّفون من المصير إلى قوله .
وهذا الامام الذي نذهب إليه (7) .
وقد أشير في الكتاب إلى هذا الإستدلال وترك بلا جواب .
واستدل أيضاً بانّه : قد ثبت أنه ليس كل ما تمسّ الحاجة إليه من الشريعة على حجّة قاطعة من تواتر أو أجماع أو ما جرى مجراهما ، بل الأدلة في كثير من ذلك كالمتكافئة ، ولولا ما ذكرناه ما فزع خصومنا إلى غلبة الظن والإستحسان وإجتهاد الراي ، وإذا ثبت ذلك ، وكنّا مكلّفين بعلم الشريعة والعمل بها ، وجب أن يكون لنا مفزع نصل من جهته إلى ما اختلف أقوال الأمة فيه .
وهو الإمام الذي نقوله .
وهذا دليل آخر على وجوب إمام معصوم في كلّ زمان ...
وهناك غير ما ذكر من الأدلة .
فهذا جملة من الأدلة العقلية على أنّ نصب الإمام بيد الله بيد الأنام ... وفي الكتاب والسنة أدلّة عديدة على أن لا دخل للناس في نصب الإمام وتعيينه ، من ذلك قوله تعالى : ( وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ) (8) .
ومن ذلك ما ثبت عو النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من أنّه لما عرض نفسه على بعض القبائل ودعاهم إلى الإسلام قال له رجل منهم :
« أرأيت ان نحن بايعناك على أمرك ثم أظفرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء » (9) .
المصادر :
1- النافع يوم الحشر ـ شرح الباب الحادي عشر : 44 :
2- الباب الحادي عشر : 35 .
3- سورة الأنعام : 149 .
4- سورة النساء : 165 .
5- سورة الأنفال : 42 .
6- سورة الذاريات : 56 .
7- تلخيص الشافي 1 / 133 ، شرح التجريد : 285 .
8- سورة القصص : 68 .
9- السيرة النبوية لابن هشام 2 / 66 ، السيرة الحلبية 2 / 154 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التوحید والوهابیة
الإمَــامَــة
أهل البیت فی الاَدب العربی
الرجعة وأُصول الاِسلام
منزلته
كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا(عليه السلام)
السرّ في تقبيل التربة الحسينية
أمير النحل
من فضائل الإمام علي (عليه السلام) في كتب أهل السنة
خطبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في يوم ...

 
user comment