العلاّمة الشيخ أحمد أمين الأنطاكي الشافعي([1])
إعتنق مذهب الشيعة الإماميّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام ألف وثلاثمأة ونيّفاً وستين هجرية، على أثر مطالعته كتاب (المراجعات)([2]) للعلاّمة الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين طاب ثراه، لِما رأى في هذا الكتاب من أدلّة قويّة وحجج قاطعة تثبت أحقية مذهب الشيعة الإماميّة، وأنـّه هو الدين الإسلامي الأصيل الذي جاء به الرسول(صلى الله عليه وآله) من عند الله تعالى ودعا البشرية إليه ) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الإِْسْلامُ( ) وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ(.
بعث فضيلته إليّ كتاباً من حلب بتاريخ 12/11/1382 جاء فيه:
... قد اطلعت على كتاب المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين(قدس سره)، وأسكنه الله أعلى فراديس الجنان، وأمعنت فيه النظر فوجدت الحقّ مع الإماميّة.
وكنت قبلا أبحث عن المذاهب كثيراً واُنقّب وأفكّر في الأيام التي كنت في القاهرة في الأزهر اُحصّل فيها العلوم، وبعد رجوعي إلى بلادنا أنطاكية لا زلت أبحث عن العقائد، فما رأيت شهد الله إلاّ هذا المذهب الحق، كما قال الكميت(رحمه الله):
فمالي إلاّ آل أحمد شيعة***ومالي إلاّ مذهب الحقّ مذهب
كان فضيلته قبل اهتدائه إلى مذهب الإماميّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام) شافعياً في الفروع، أشعرياً([3]) في الاُصول، يؤمّ المسلمين ويفتيهم في الأحكام وفقاً لمذهب محمد بن ادريس الشافعي وآراءه المنحرفة.
تلقّى ثقافة دينية استطاع بها التمييز بين الحقّ والباطل، فما رأى بعد البحث والتنقيب إلاّ أنـّه على خطأ وضلالة، وأنّ المذهب الحقّ هو المذهب الجعفري الشيعي الإمامي الاثنا عشري فاعتنقه، ورفض ما عداه من المذاهب الدخيلة في الإسلام، فدأب يدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، فهدى الله به إلى الصراط المستقيم جماعة ممن كتب الله لهم السعادة، من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، واخرجهم من الظلمات إلى النور، ولم يزل دائباً في هداية الخلق إلى الحق. وداعياً إلى دين الله تعالى بالّتي هي أحسن، عملا بالواجب الديني المقدّس، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تسلّم إجازة في رواية الحديث من جماعة من أعلام الشيعة الإماميّة، شاهدت منها إجازة العلمين الكبيرين السيد حسين البروجردي والسيد شرف الدين الموسوي قدّس الله روحيهما وغيرهما من الأعلام.
كتب بعد تشيّعه كتاباً أسماه (في طريقي إلى التشيّع) طبع في النجف عام 1380 في مطبعة الآداب. ذكر فيه حواراً دار بينه وبين اخيه فضيلة الشيخ مرعي أمين الأنطاكي وكان قد تشيّع قبله على أثر مطالعته كتاب (المراجعات) وكان هو السبب في دعوته أخاه إلى مطالعة هذا الكتاب القيّم والسِفر الجليل.
ذكر(رحمه الله) في كتابه هذا ما نصه: فقد استراح ضميري بهذا التمسك بالمذهب الجعفري وهو مذهب آل بيت النبوّة عليهم صلواة الله وسلامه أبداً ما دام الليل والنهار.
وعقيدتي أنّي نجوت من عذاب الله تعالى بولاية آل الرسول(صلى الله عليه وآله)، فإنّه لا نجاة إلاّ بولايتهم، والحديث متفق عليه سنّة وشيعة، وهو قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): «مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق»([4]).
واصل في بثّ الدعوة إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) فتشيّع ببركة جهوده جماعة من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه منهم: الشيخ ناجي الغفري وكان هذا الشيخ ـ أحسن الله ـ خاتمته متمسكاً بمذهب أبي حنيفة([5]) أثبت له الشيخ الأنطاكي من كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة رجوع أبي بكر وعمر عن الجيش الذي كانا فيه تحت قيادة اُسامة بن زيد، وتخلفهما عنه، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «نفّذوا جيش اُسامة، نفّذوا جيش اُسامة، لعن الله من تخلّف عن جيش
اُسامة». وخروج عائشة على عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وهي تهيّج الجيوش عليه، والله يقول: ) وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ(([6]) وكان الشيخ ناجي يعتقد أنّ من
يخالف الله والرسول ليس بمؤمن. ثمّ اعطاه الشيخ الانطاكي كتاب أبي
هريرة([7]) فقرأ مقدمة الكتاب، وطوى الكتاب وقال: علمت بأنّ الحقّ معك. وإنّك نصحتني بأن أعتنق المذهب الجعفري جزاك الله خيراً.
وقال في الصفحة 30 من كتابه (في طريقي إلى التشيّع) ثمّ بعد ذلك دبّ فيهم التشيّع رجالا ونساء، ومن حولها من القرى سرى اليهم التشيّع مثل قرية (عامودو (دركوش) و (كفر دبين) وغيرها، وما ذلك إلاّ من تأييد الله تعالى لنا ) وَ اللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراط مُسْتَقِيم(([8]).
ولكي تزداد ايماناً بمذهبك أيّها الأخ الشيعي اقرأ هذا الكتاب الصغير لتقف على الجهود التي بذلها مؤلفه; في طريق بث الدعوة إلى المذهب الحق وما نجم منها من خير كثير، وما لا قاه من الاعداء من بلاء، وقد كفاه الله شرّهم وردّ كيدهم في نحورهم إذ كانوا عزموا على قتله فخاب سعيهم، جزاه الله خير جزاء العاملين، وحشره مع ائمـّة المعصومين(عليهم السلام).
وكم من رجال ذهبوا ضحايا على أيدي النواصب أعداء أهل البيت(عليهم السلام) بعد أن أعلنوا رفضهم لمذاهبهم السابقة، وإعتناقهم مذهب الشيعة الإماميّة، فالله تعالى لهم بالمرصاد ) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْس شَيْئاً وَ الأَْمْرُ يَوْمَئِذ لِلّهِ(([9]).
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ نسبة إلى محمد بن ادريس الشافعي أحد أئمـّة المذاهب الأربعة للسنّة الّتي يعترف بها عامتهم، ويدين بصحتها كافتهم. كان يخالف في فتاواه وارائه أحكام الإسلام، وصريح القرآن. ولد سنة 150 هـ ومات سنة 204.
وقد كتب جماعة من علماء السنّة في ردّه والطعن به.
منهم: حسن بن أحمد المقري، له (الردّ على الشافعي فيما خالف فيه القرآن) ذكره حاجي خليفة في (كشف الظنون) ج1 ص839، ومنهم: القاضي أبو المحاسن المفضل بن مسعود التنوخي الحنفي المتوفى سنة 442، له كتاب (التنبيه في ردّ الشافعي فيما خالف النصوص) ذكر في كشف الظنون) ج1 ص493، وفي (هديّة العارفين) ج2 ص468.
ومنهم: القاضي عيّاض فقد شنّع عليه لبعض فتاواه، كما في (كشف الظنون) ج2 ص960.
ومنهم: القاضي أبو سعيد حسن بن اسحاق المعري النيسابوري الحنفي، له كتاب (الرد على الشافعي فيما يخالف فيه القرآن) ذكر في (كشف الظنون) ج2 ص1420 وفي (هدية العارفين) ج1 ص269. ومنهم: يوسف بن يحيى المغامي القرطبي المالكي كتب (الرد على الامام الشافعي) في عشرة أجزاء، قاله عمر رضا كحالة في (معجم المؤلفين) ج13 ص344 وآخرون غير هؤلاء ذكرناهم في كتابنا (عشرة أكاذيب من مفتريات إبراهيم بن سليمان الجبهان وردّها). والعلاّمة الأنطاكي كان مقلّداً لهذا الرجل وتابعاً له في فتاواه.
[2] ـ كتاب وما أعظمه من كتاب يهدي إلى الصراط المستقيم كلّ من كتبت له السعادة، ولم يكن من أهل الشقاوة والبلادة، حسن الأسلوب والبيان، محكم الأساس والبنيان، قوي الحجة والبرهان، لم يقرأه إنسان واع متحرّ للحقّ والحقيقة بإمعان إلاّ ويدخل قلبه نور الإيمان، فيؤمن بخلافة أمير المؤمنين وإمام المتّقين الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام). ويدخل في عداد المؤمنين، ويصبح من أصحاب اليمين.
[3] ـ بفتح الهمزة وسكون الشين وفتح العين المهملة، نسبة إلى أشعر، اسمه نبت أشعر لأن اُمّه ولدته والشعر على بدنه، كذا عن السمعاني، وينسب إليه عليّ بن بن اسماعيل بن أبي بشر رئيس الطائفة الأشعرية (الكنى والألقاب) ج1، والأشاعرة فرقة معروفة مرجعهم في العلم على ما نقل إلى أبي الحسن الأشعري.
[4] ـ رواه القندوزي البلخي في ينابيع المودة ص27، طبع اسلامبول عام 1302 نقلا عن مشكاة المصابيح عن أبي ذر (رضي الله عنه) أنـّه قال ـ وهو آخذ بباب الكعبة ـ : سمعت النبيّ(صلى الله عليه وآله)يقول: «إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك». قال: رواه أحمد. ثمّ نقله عن جمع الفوائد وفيه: ومن تركها غرق. ونقله ايضاً عن الطبراني في الأوسط والصغير، وجمع الفوائد، وابن المغازلي، والحمويني، والثعلبي والسمعاني والمالكي في الفصول المهمة بالفاظ مختلفة. ونقله أيضاً عن سليم ابن قيس الهلالي بهذا اللفظ، قال: بينا أنا وجيش ابن المعترّ بمكة إذ قام أبو ذر وأخذ بحلقة باب الكعبة فقال: من عرفني فقد عرفني، فمن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة أبو ذر، ايها الناس اني سمعت نبيّكم يقول: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تركها هلك». ويقول: «مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني اسرائيل، من دخله غفر له». ويقول: «إنّي تارك فيكم ما أن تمسّكتم به لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
[5] ـ أبو حنيفة، إمام المذهب الحنفي أحد أئمـّة المذاهب الأربعة للسنّة، ولد سنة 80 هـ ومات سنة 150 هـ، وقد طعن به وبدينه جماعة من السنّة، وحكموا عليه بالكفر والزندقة، وقد روى جماعة منهم فتاوى له غريبة، وأحكاماً عجيبة خالف فيها كتاب الله وسنة رسوله، فمن فتاواه السخيفة ما نقلته عنه مجلّة العربي الكويتيّة في العدد 66 عام 383 وهذا نصه: يقول أبو حنيفة: إنّ العقد الصحيح يكفي لثبوت النسب، حتى ولو لم يلتق الرجل بالمرأة، فلو أنـّها كانت في بلد وكان هو في بلد آخر، بل لو كانت هي في اقصى المغرب وهو في اقصى المشرق وتزوّجا بالمراسلة ثمّ أتت بطفل فانه يثبت نسبه له ولو لم يتلاقيا بعد العقد قطّ. وعلّقت المجلة على هذه الفتوى لامامهم الأعظم أبي حنيفة فقالت: ولست أدري كيف يقول أبو حنيفة بذلك وهو رأي غريب لا يقبله عقل ولا منطق ولا شريعة...؟!
أمّا الشيعة الإماميّة فيقولون: إن العقد الصحيح وحده لا يكفي لثبوت النسب، بل لابد من الدخول الحقيقي (انتهى). فاعتبروا يا اولي الألباب. وقد عدل جماعة من مقلدته عن مذهبه، اقرأ تفصيل ذلك كله في كتابنا (مهاترات بين أصحاب المذاهب الأربعة).
[6] ـ الاحزاب: 33.
[7] ـ قال العلاّمة الشيخ أحمد أمين الانطاكي في كتابه (في طريقي إلى التشيّع) في هذا الكتاب : بدأت أقرأه وأعجب منه إذ هو كتاب، وياله من كتاب، فيه الغرائب والعجائب، وهو فتح جديد. فما تركته حتى أتيت على آخره.
[8] ـ البقرة: 213.
[9] ـ الانفطار: 19.