کما يعرف فان الاسلام هو دين اللّه الخاتم ، وشريعته الأخيرة للبشرية جمعاء في كافة أقطارها، على مدى عصورها وأزمانها، وقد جاء هذا الدين لينقذ البشرية من الجهل ، ويُخرجها من ظلماته إلى نور العلم والهدى، فكان الحثُ على العلم وبيان قيمة العلماء من المعالم البارزة في القرآن الكريم وكلام أئمة الدين .
وقد ورد في القرآن الكريم ما يزيد على 750 اية في العلم ومشتقّاته، من مدح العلماء، وحثٌ على طلب العلم، وبيانٍ لأهمية العلم في حياة الانسان،ويكفيك منها قوله تعالى: «قُلْ هَل يَستوِي الَّذينَ يَعلَمُون وَالذين لا يَعلَمُون »(1)
وقوله تعالى: «اِنمَا يخْشَى اللّهَ مِن عِبَادِهِ العُلماءُ»(2)
أما ما أثِر عن النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – في هذا الباب فهو أكثرمن أن يُحصر، وما على طالبه إلاّ أن يمدّ يده إلى أقرب كتاب حديثي إليه فسيجد فيه فصلاً بل فصولاً في الاشادة بالعلم والعلماء .
هذا في اهتمام قادة الاسلام بالعلم بجميع شعبه وفنونه .
أمَا علم الحديث الشريف فهو علم إسلامي بحت نشأ ونما وآتى اُكله ليحفظ لنا أقوال المعصومين عليهم السلام التي هي بيان وتفسير للقران الكريم ،وهدى إلى سعادة الدنيا والاخرة، فيها جميع ما يحتاجه الانسان لتكميل نفسه وعمارة دنياه وسعادة أخراه .
ولهذا العلم الشريف . في المكتبة الآسلامية سهم كبير ومكان عال ،فالعلوم الاُخرى من تفسير وفقه وعقائد و... تعتمد عليه وتستمدّ منه ، فهوالصدر الأول للمفسر والفقيه والمتكلّم والعارف . . .
وهوعلم تتميز به الاُمة الاسلامية عن بقيَة الأمم ، حيث حفظ هذا العلم الشريف جميع كلام النبي الأكرم وآل بيته الطاهرين وإخبارهم عن الله تعالى وما يتعلق بسيرهم وحياتهم ، وحفظ لنا –إضافة إلى هذا- الصحيح من كلامالأنبياء السابقين عليهم السلام . . .مما لا نجده عند أتباع الديانات الاخرى .
وقد أتعب علماء المسلمين أنفسهم في نقل الحديث الشريف وحفظ أسانيده ، ووضعوا له علماً مستقلاً يضبط أصوله وفروعه أسموه علم دراية الحديث .
وكان أن نبغ عباقرة ثقات حفظوا هذا العلم للأمة، وكان منهم من يحفظ مئات الألوف من الأحاديث بأسانيدها، ودونوا الكتب المهمَة الضخمة فيه،فوصلت إلينا مكتبة فاخرة من كتب الحديث الشريف .
من هذه الكتب التي وصلت إلى أيدينا كتاب «أعلام الدين» وهوكتاب جامع في طائفة مفيدة قيمة من الحديث الشريف ، وقد بناه مؤ لفه على أبواب وفصول ، ذكر في كل باب وفصل منها مجموعة من الأحاديث الشريفة .
وأليك عرضاً موجزاً للكتاب، وهو عرض مختصر لا يغني عن مطالعة الكتاب والاستفادة من غرر أحاديثه الكريمة.
بدأ المؤلف كتابه بفصل في المؤمن وما خصه الله وحباه من كريم لطفه وجزيل مننه وإحسانه ، وأن التارك للدنيا الزاهد فيها مثله كمثل الشمعة التي تحرق نفسها لتضيء الدرب للآخرين .
وأتبعه بفصل عن الدليل على حدوث الانسان وإثبات محدثه ، استدل فيه بدليل الخلقة وغيره من الأدلة على إثبات الخالق تعالى، وفَرع عليه وجوب الشكرعلى النعمة، وفسر الشكر بانه الاعتراف بالنعمة مع تعظيم منعمها، ومن أولى منالله تعالى بالشكرعلى نعمه الوافرة؟!
ثم ساق لنا كتاب (البراهان على ثبوت الايمان) لأبي الصلاح التقي بن نجم بن عبيدالله الحلي ، وهذا من مميزات الكتاب حيث حفظ لنا نسخة من هذاالكتاب الذي تخلو فهارس المكتبات المخطوطة – في حدود اطلاعنا – عن نسخة منه .
وأتبعه بالخطبة الخالية من الألف المنقولة عن أميرالمؤمنين عليه السلام .
وعقبها بفصل في فضل العلم والعلماء ، يذكر فيه نصيحة الامام أميرالمؤمنين عليه السلام الطويلة لكميل التي يقول في فقرة منها:
«يا كميل ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ،والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق ، وصنيع المال يزول بزواله ».
ثم يتحدث عن أهمية القرآن في حياة المسلمين فيذكر: قوله(عليه السلام): «قراءة القران أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الصدقة،والصدقة أفضل من الصيام ، والصوم جُنة من النار».
ثم يتطرق إلى صفات المؤمن وخلاله الحسنة فيذكرأحاديث منها:قال أبوعبداللّه عليه السلام : «من سرته حسنته ، وساءته سيئته فهومؤمن ».
وفي الكتاب من المواعظ والحكم الشيء الكثير، والتذكير بما حرم الله،والأمر بغض الأبصار، والخضوع في العبادة والتواضع .
وفيه ذكر صفات المؤمنين وكيف أنّ قلوبهم خاشعة وأبدانهم طيّعة فيعبادة رب العالمين .
وذكر أوصاف شيعة علي المرتضى، وكيف أن شفاههم ذابلة، ووجوهم مصفرة من خشية الله ، وألوانهم متغيرة، وبطونهم خميصة «اتخذوا الأرض فراشاً،والتراب بساطاً، والماء طيباً، والقرآن شعاراً، والدعاء دثاراُ».
وأتبعه بفصل من الأدب والخلق الرفيع ومكارم الأخلاق ، ولم ينس الغنى والفقر والأرزاق ، فعقد لها فصولاً.
أعقبها بفصل في ذكر الموت والقتل ، والفرق بينهما.
وجاء بعده بفصل في كلام أميرالمؤمنين عليه السلام في الاخوان وآداب الاخوة في الايمان .
وفصل مما ورد في ذكر الظلم .
وذكر وصية النبي لأبي ذر، وهي وصية مفصلة مطوَلة، وفيما أنزل الله علىعيسى بن مريم عليه السلام من الوعظ . وهما من نوادر النصوص التى تستحق التدبر والاعتبار بها .
ورجع فذكر فصلاً مفصّلاً في ذكر حقوق الاخوان من أحاديثه .
ولم يهمل العبادة التي فيها تهذيب النفس وتكميلها وتحليتها بالفضائل ،فعقد فصلاً في قيام الليل والترغيب فيه .
ولم يهمل المؤلف أقوال الحكماء والمؤمنين الصادقين ، ومواقفهم البطولية في مجابهة طواغيت زمانهم ، فقد روى لنا من حكمة لقمان وصيته لولده تلك الوصيّة الخالدة المعروفة .
وروى لنا موقف خالد بن معمر لما سأله معاوية : على ما أحببت علياً؟قال : على ثلاث خصال : على حلمه إذا غضب ، وعلى صدقه إذا قال ، وعلى عدله إذا ولي.
وكانت للشعر الحكمي والعرفاني عند الديلمي منزلة سامية، فقد ذكرالمؤلف من هذه الأشعار مجموعة طريفة .
وذكر مواعظ بعض العلماء للحكام ، كما روى لنا كتاب الحسن البصري إلى عمر بن عبدالعزيز.
ويذكر مآل المؤمنين الصالحين إلى الجنة والسعادة الأخروية حيث الحور
والولدان المخلدون ، والأنهار الجارية، ومنابر الياقوت الأحمر في خيام اللؤلؤالرطب . . .
ويعقبه بقول أميرالمؤمنين عليه السلام : «فيا عجباً لمن يطلب الدنيا بذل النفوس والتعب ، ولا يطلب الآخرة بعز النفوس والراحة؟!»ويعقد بابأ مهشاً في حسن الظن باللّه تعالى جاء فيه الحديث إلقدسي الشريف :«أنا عند ظن عبدي بي ، فلا يظن بي إلآ خيراً».
ويعرج على قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله : «من حفظ عنّي أربعين حديثاً حشره الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً».
ويستطرد بذكر الأربعين حديثاً المعروفة بالأربعين الودعانية لابن ودعان الموصلي .
وللأسماء الالهية الحسنى مكانها الشامخ في الكتاب ، استهلّها المؤلف بالحديث النبويَ الشريف:«إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها ودعا بها دخل الجنة».
ثمَ يذكر فضائل قراءة القرآن الكريم وثواب تلاَوته ،ويستطرد في فضائل السور الكريمة سورة سورة.
ولآل البيت عليهم السلام النصيب الأوفر، حيث روى المؤلف عدةأحاديث في فضلهم ومكانتهم العليا عند الله تعالى.
وذكر المؤلف الخواتيم والفصوص فعقد لها فصلا ذكرفيه فضل التختّم بالفيروزج والياقوت والعقيق وأشباه ذلك .
وعقد فصلا لذكر الموت وما بعد الموت ، ساق فيه الأحاديث المبشرة للمؤمن والرادعة عن المعاصي ، والتي فيها أوصاف أهوال الموت والقبروالحساب. . .
وذكر الدعاء وأهميته في الدين الاسلامي وكونه من العبادة، فذكرأحاديث كثيرة منها، قوله عليه السلام : « ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة، وإعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل».
وختم كتابه بنصائح قيمة للقارئ اللبيب ، وهي خلاصة معاناة المؤَلف في حياة زاهدة تقية مؤمنة .
ومن ميزات الكتاب انفراده بأحاديث لم يعثرعليها في الكتب الروائية الموجودة، نقلها صاحب البحار عن كتابنا هذا.
ترجمة المؤلف
إسمه واسم أبيه :
إتَفقت المصادر المترجمة له على أنَ اسمِه (الحسن) ولكنّها اختلفت اختلافاً شديداً في اسم أبيه، قال صاحب أعيان الشيعة في ترجمته : اقتصر بعضهم في اسم أبيه على أبي الحسن ، وبعضهم سماه محمداً ولم يذكرأبا الحسن ، وبعضقال : الحسن بن أبي الحسن محمّد، فجعل كنية أبيه أبا الحسن واسمه محمداً،وبعضهم قال : الحسن بن أبي الحسن بن محمد.
وعنونه في الرياض مرّة الحسن بن أبي الحسن محمد، واُخرى الحسن بنأبي الحسن بن محمد.
وعنونه صاحب أمل الامل : الحسن بن محمد الديلمي .
قال صاحب الرياض : لعله كان في نسخة صاحب الأمل لفظة (ابن)بعد أبي الحسن ساقطة فظن أن أبا الحسن كنية والده محمد، فأسقط الكنية رأساً،ولعله سهو.
وأقول : هذا تخرص على الغيب .
وقال السيد الأمين أيضاً: وفي صدر نسخ إرشاده ، وكذا في بعض المواضع منه : الحسن بن محمد الديلمي .
أقول : الصواب أنه الحسن بن أبي الحسن محمد، وأبوالحسن كنية أبيهواسم أبيه محمد. أما محمد بن أبي الحسن بن محمد فزيادة (ابن) قبل محمد منس هو النساخ ، ومثله يقع كثيراً، فحين يرى الناظر الحسن بن أبي الحسن محمد، يسبق إلى ذهنه زيادة ابن قبل محمد.(3)
السيد الامين في أعيان الشيعة.يقولً: الحسن بن أبي الحسن الديلمي يأتي بعنوان الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي .
وكرره أيضاً قائلاً: الحسن بن أبي الحسن بن محمد الديلمييأتي في ترجمة الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي ، احتمال أن يكون أبوالحسنكنية والده واسمه ، وأن يكون محمد اسم جده ، (4)
هذا مجمل القول في اختلافهم في اسم أبيه .
والذي نطمئنَ إليه ما جاء في أعلام الدين نفسه ص 97 حيث يقول مانصٌه : «يقول العبد الفقير إلى رحمه اللّه وعفوه ، الحسن بن علي بن محمد بن الديلمي تغمَده اللّه برحمته ومسامحته وغفرانه ، جامع هذا المجموع . . .»
وهذا ما يحل المشكلة في اسم أبيه ، حيث صرَح بأن اسم والده «علي»وعلي يكنى أبا الحسن كما هو معروف ، فيكون محمد جداً له .
فالمحصل أن مؤلفنا هو الحسن بن أبي الحسن علي بن محمد بن الديلمي .
القول في طبقته وعصره
ينقسم العلماء في تحديد طبقة المترجم له إلى قسمين :
الأول : يرى أنه من المتقدّمين على الشيخ المفيد أو من معاصريه ، وهوماذهب إليه صاحب الرياض (5)، ونقله عنه السيد الأمين في الأعيان (6) ، ويستندهذا الرأي إلى ما يلي :
1 ـ إن الكراجكي في كنز الفوائد، وشرف الدين النجفي في تأويل الاياتالباهرة، نسبا كتاب التفسير إلى الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، ونقلا عنه بعضالأخبار(7)، وبما أن الكراجكي قد تُوفي سنة 449هـ ، فمن الطبيعي أن يكون من
نقل عنه الكراجكي متقدما طبقة عليه .
2 ـ قول صاحب الرياض بأنَه رأى «في كتب من تقدم على العلاّمة بكثيرروايته عن كتاب حسن بن أبي الحسن الديلمي ، ومنهم ابن شهرآشوب في المناقب ، وابن جني في البحث».
ومع هذا فإنَ صاحب الرياض لا يخفي تردده حول هذا الرأي ، لقوّة أدلة الرأي الاخر (8) ، مع العلم أن ما ذكر صاحب الرياض أوجدَ حيرة بدتْ واضحة في كلام من بحث حول طبقة المترجم له ، حتَى ان السيدالأمين صرَح في الأعيان قائلاً: «ومع ذلك فالظاهر انه لا يرتفع الاشكال ، فإن تأريخ 673 لا يكاد يجتمع مع تاريخ 841 وكذلك تأريخ 413 لا يكاد يجتمع مع تأريخ 588 إلا أن يُلتزم بأن معاصرته لبعض من ذكر غير صواب،والله أعلم »(9)
وقبل أن نتطرق إلى أدلة القائلين بالرأي الآخر- الذين لم يتطرقوا للجواب على ما ذكره صاحب الرياض – نرى لزاما علينا أن نبيَن بعض الحقائق حول كلامصاحب الرياض ، لعلها تكون بمثابة الخطوة الاُولى في الطريق الموصل إلى ما نركنإليه من رأي ، مستهدفين بذلك الحقيقة في طرح الإشكال والجواب عليه ، فنقول :
1 ـ لم نعثر في كتاب «كنز الفوائد» للكراجكي – وعندنا منه نسخة مطبوعة على الحجر مقابلة مع نسخة مخطوطة ثمينة، كتبت سنة 677 هـ ، موجودة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد المقدسة – على أيّ أثر للحسن بن أبي الحسن الديلمي أو أحد كتبه !
2 ـ إذن ، كيف ذكر صاحب الرياض ذلك ؟! وهل يوجد تبرير مقنع يمكننها من خلال تبنيه حلّ الاشكال ؟
المصادر :
1- الزمر 39 : 9 .
2- فاطر 35 : 28 .
3- السيد الامين في ج 5 : 250 من أعيان الشيعة.
4- نفس المصدر ج 4 : 629
5- رياض العلماء 1 : 338.
6- أعيان الشيعة: 250 .
7- رياض العلماء 1: 339.
8- رياض العلماء 1 : 340.
9- أعيان الشيعة5 : 250.