عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

شعوب قبل الاسلام

شعوب قبل الاسلام

الأصل في العصبية عند العرب الأبوة أو الانتساب إلى الأب، مثل سائر الأمم الراقية، على أن الأمومة كان لها شأن كبير عندهم، وكثيرًا ما كانت المزاوجة أو المصاهرة سببًا كبيرًا للعصبية، ليس ذلك لعلو منزلة المرأة على الإجمال، وإنما الفضل فيه للأمومة، فإن المرأة كانت لا تزال محتقرة حتى تصير أمًّا … فتعلو منزلتها وتشتد عرى الاتحاد بها.
فالرجل منهم يفضل أمه على امرأته؛ لأن الأم في اعتقاده أبقى له من امرأته.
ومن أمثلة ذلك أن صخر بن عمرو بن الشريد — أخا الخنساء — لما حضر محاربة بني أسد، طعنه ربيعة بن ثور الأسدي فأدخل بعض حلقات الدرع في جنبه، وبقي صخر مدة في أشد ما يكون من المرض، وأمه وزوجته سليمى تمرضانه، فضجرت زوجته منه، فمرت بها امرأة فسألتها عنه فقالت: «لا هو حي فيرجى ولا ميت فينسى»، فسمعها صخر فأنشد قصيدة قال منها:
أرى أم صخر لا تمل عيادتي
وملت سليمى مضجعي ومكاني
وأي امرئ ساوى بأم حليلة
فلا عاش إلا في شقا وهوان(1)
وكانت العرب من أجل ذلك لا يعزون في المرأة إلا أن تكون أمًّا(2) ولم يكن ذلك خاصًّا بحال المرأة عند العرب، فقد كان هذا شأنها أيضًا عند اليونان، لأنهم كانوا يعدون المرأة أمة يحجبونها قبل الزواج وبعده، وتشتغل بأشغال البيت من الحياكة والغزل وتمريض المرضى. وكذلك كان يفعل الفرس بنسائهم، فإذا صارت المرأة أمًّا علت منزلتها وصار إليها الأمر والنهي في بيتها، ولا يزال هذا دأب أهل البادية إلى اليوم. ونشأت من ذلك عصبية الخؤولة عند العرب، وهي نصرة عشيرة الأم لأولادها، وبعبارة أخرى لعشيرة زوجها، ولو كان الأب من قبيلة يمنية والأم من قبيلة عدنانية، أو بالعكس.
وكان للخؤولة شأن عظيم عند العرب قبل الإسلام، وأقرب الشواهد عليها نصرة أهل المدينة للنبي صلی الله عليه وآله وسلم في هجرته إليهم، فإن الخؤولة كانت من أهم أسباب نصرتهم؛ لأن أم النبي من بني النجار من الخزرج وهي قبيلة قحطانية، وأبوه من قريش وهي قبيلة مضرية.
فلما توفي والده ذهبت به أمه إلى المدينة؛ لكي تلتجئ إلى أخواله بني النجار وهم كثيرون، وكانوا من أقرب أهلها إلى التدين، وقد ترهب أحدهم في الجاهلية، ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة، وهم بالنصرانية ثم أمسك عنها، واتخذ بيته مسجدًا. فأقامت عندهم على الرحب والسعة، ثم ذهبت به إلى أعمامه في مكة وماتت على الطريق.
فلما قام بدعوته وقاسى ما قاساه من اضطهاد أعمامه، هاجر إلى أخواله في المدينة، وأهلها يعرفون ذلك فيه؛ لأن خؤولة بني النجار جعلت الخزرج كلهم أخواله، فلما نزل المدينة رحب به أهلها، وكان أول من تابعه منهم أخواله أو من يمت إليهم بقرابة. وكانوا أشد أهل المدينة غيرة عليه ودفاعًا عنه(3)
ثم تهافت أهل المدينة إلى مبايعته. وكان في أثناء غزواته إذا اشتد القتال جلس تحت راية الأنصار(4)
وهم يستهلكون في سبيل نصرته؛ ولا سيما آل النجار. وكان أعداء الأنصار إذا هجوهم خصوا بني النجار منهم بالذكر، لتصدرهم في ذلك أكثر من سائر أهل المدينة. فمن قصيدة قالها عمرو بن العاص يوم أحد وهو لم يُسلم بعد:
خرجنا من الفيفا عليهم كأننا
مع الصبح في رضوى الحبيك المنطق
تمنت بنو النجار جهلًا لقاءنا
لدى جنب سلع والأماني تصدق
فما راعهم بالشر إلا فجاءة
كراديس خيل في الأزقة تمرق(5)
وظلت الخؤولة مرعية عند العرب بعد الإسلام، وكان لها تأثير كبير في العصبية وسياسة الدولة. فلما طلب معاوية الخلافة، بحجة المطالبة بدم عثمان بن عفان، نصره بنو كلب وهم يمنية؛ لأن نائلة امرأة عثمان منهم وقد تلطخت أصابعها بالدم. وكان لنصرتهم دخل كبير في قيامه، وتزوج هو واحدة منهن ولدت له ابنه يزيد. ولما أفضت الخلافة إلى يزيد، كان الكلبية من حزبه؛ لأنهم أخواله، وأمثال هذه الشواهد كثيرة في تاريخ الإسلام، منها أن المأمون نصره الفرس؛ لأن أمه منهم، وكان أخوه الأمين ضده وحزبه عربي؛ لأن أمه عربية، فلجأ المأمون إلى خراسان وأقام بمرو عند أخواله، فأخرجوا الخلافة من يد الأمين وسلموها إليه.
والمعتصم كانت أمه تركية وكان ميله إلى الأتراك كثيرًا، وقد جندهم فنصروه على الفرس. وقس على ذلك تأثير الأم في الدولة، مما سيأتي تفصيله. وكان رجال السياسة والتدبير من الملوك والقواد يقوون أحزابهم بالتزوج من القبائل المختلفة، فيكتسبون عصبية قبائل نسائهم.
توابع العصبية العربية
الحلف
فعمدة العرب في العصبية جامعة النسب من الأب، ثم الأم. على أنهم كانوا يجتمعون بأسباب أخرى، كالحلف بين القبائل وهو يشبه المحالفات أو المعاهدات الدولية في هذه الأيام. وأشهر أحلاف الجاهلية حلف المطيبين، وحلف الفضول. فالحلف يجمع بين القبائل ولو تباعدت أنسابها من القحطانية والعدنانية. وقد يكون التحالف بين العرب وغير العرب ممن ينزلون بينهم، وهو من قبيل الولاء، كاليهود الذين نزلوا المدينة من بني النضير وبني قينقاع وغيرهم، ومنهم حلفاء الأوس والخزرج، وكان أهل وادي القرى حلفاء بني هاشم، وسيأتي ذكرهم في الموالي.
وللتحالف أو الحلف عندهم شروط وأسباب، منها أن يكون الحليف أسيرًا لا يستطيع فداء نفسه، فيسمونه بسمة تلك القبيلة فيعد حليفًا لها(6) والحليف يرث من القبيلة كما يرث الصريح من أبنائها،(7) أما إذا قتل فديته نصف دية الصريح.(8)
الاستلحاق
ومن توابع العصبية العربية قبل الإسلام الاستلحاق، وهو أن يدعي الرجل رجلًا يلحقه بنسبه، وقد يكون عبدًا أو أسيرًا أو مولى، فيسميه مولاه وينسبه إليه. ومن أشهر حوادث الاستلحاق في الجاهلية، أن أمية جد بني أمية كان له عبد اسمه ذكوان، استلحقه بنسبه وكناه أبا عمرو، فصار اسمه عندهم أبا عمرو بن أمية، ومن نسله جاء الوليد بن عقبه أخو عثمان بن عفان لأمه، وكان من جلة الصحابة.
وأشهر حوادث الاستلحاق في الإسلام استلحاق زياد بن أبيه بأبي سفيان والد معاوية داهية العرب، وقصة استلحاقه مشهورة في كتب التاريخ. وكان زياد هذا ابن امرأة اسمها سمية، وكانت جارية، فولدت زيادًا من غلام رومي من موالي ثقيف اسمه عبيد، ولم يكن ذلك مشهورًا عند العرب، فكانوا يعتبرون زيادًا مجهول الأب فسموه «زياد بن أبيه»، فلما طلب معاوية الخلافة واحتاج إلى من ينصره، قرب إليه جماعة من دهاة العرب ومنهم زياد المذكور، واختص زيادًا بالاستلحاق، فاستشهد خمارًا من أهل الطائف اسمه أبو مريم السلولي، فشهد أن أبا سفيان جاءه والتمس منه بغيًا فأتاه بسمية فحملت منه بزياد، وثقات المؤرخين ينكرون ذلك ويعتقدون أن معاوية اختلق هذه القصة ليكتسب نصرة زياد، وقد تم له ما أراد. فسمى زياد من حينئذ «زياد بن أبي سفيان» بعد أن كان يعرف بزياد بن أبيه أو ابن سمية(9)
وما زال آل زياد معدودين من قريش، حتى ردهم المهدي سنة ١٦٠ﻫ إلى نسب عبيد المذكور، وصاروا من موالي ثقيف(10)
ومثل هؤلاء آل أبي بكرة، فقد كانوا من موالى النبي صلی الله عليه وآله وسلم وألحقوا بثقيف، فردهم المهدي إلى أصلهم.
وكانوا يسمون المستلحق «دعيًّا»، وقد يكون الرجل دعيَّ أدعياء فيكون هو دعيًّا في رهطه ورهطه دعي في قبيلة مثل ابن هرمة، فقد كان دعيًّا في الخلج والخلج أدعياء في قريش، وكثيرًا ما كانوا يستلحقون الرهط أو العشيرة دفعة واحدة، لنزولهم فيهم أو لنصرتهم إياهم، كما أصاب بني العم من أهل البصرة، فإنهم نزلوا ببني تميم في أيام عمر بن الخطاب، فأسلموا وغزوا مع المسلمين فقالوا لهم: «أنتم وإن لم تكونوا من العرب إخواننا وأهلنا، وأنتم الأنصار وبنو العم»، فلُقِّبوا بذلك وصاروا من جملة العرب.(11)
وكانوا يعدون الدعي من أنفسهم، ويورثونه كما يورثون الابن الصريح(12)
ويرثونه، وكثيرًا ما كان العرب يرغبون في استلحاق مواليهم، رغبة منهم في أن يرثوهم، وقد يأبى المولى أن يلحقوه إذا عرف غرضهم، كما أصاب نصيبًا المغني المشهور، إذ أراد مواليه أن يلحقوه بنسبهم فأبى وقال لهم: «والله لأن أكون مولى لائقًا أحب إليَّ من أن أكون دعيًّا لاحقًا، وقد علمت أنكم تريدون مالي».(13)
ومن أسباب العصبية عندهم مما يشبه الحلف «المؤاخاة»، وقد تكون بين القبائل أو بين الأفراد، ولا تزال هذه العادة شائعة بين البدو إلى الآن، فإذا آخيت العربي أخذ بناصرك وحماك ودافع عنك كأنك أخوه.
الخلع
وضد الاستلحاق عندهم «الخلع»، فكان الرجل إذا ساءه أمر من ابنه، سواء كان صريحًا أو دعيًّا خلعه، أي: نفاه عن نفسه فيتخلص من تبعة ما قد يرتكبه الولد من المكروه، وقد تفعل ذلك القبيلة أو العشيرة، فيذهب جماعة منها إلى سوق عكاظ ومعهم المراد خلعه، ويشهدون على أنفسهم أنهم خلعوه، ويبعثون مناديًا بذلك فلا تحتمل القبيلة جريرة له، ولا تطالب بجريرة يجرها أحد عليه. كما فعلت خزاعة بقيس بن الحدادية الشاعر الجاهلي(14) وقد يكتبون بالخلع كتابًا.
ومن أشهر حوادث الخلع قبل الإسلام خلع عمرو بن العاص من عشيرته، وكان قد ذهب إلى الحبشة بتجارة في الجاهلية مع عمارة بن الوليد المخزومي واختصما في الطريق، فأساء عمارة إلى عمرو فأضمر له الشر، وعمرو من بني سهم فكتب إلى أبيه أن يخلعه ويتبرأ من جريرته إذا أذى عمارة ففعل، فخلعت كل من العشيرتين صاحبها وأرسلوا بذلك مناديًا إلى مكة.(15)
وكان الخلعاء في البادية كثيرين، يجتمعون ويؤلفون عصابات من الصعاليك يقطعون السبل ويتمردون على القبيلة. فلما جاء الإسلام أصبح تمردهم على الحكومة. فقد كان يعلي الأحول من شعراء الدولة الأموية خليعًا، يجمع صعاليك الأزد وخلعاءها فيُغير بهم على أحياء العرب ويقطع الطريق على السابلة. وكان بين تجار الرقيق من يبتاع الخلعاء ويذهب بهم إلى بلاد الروم.
المصادر:
1- ابن خلكان ١٣٢ ج١.
2- العقد الفريد ٢٦٤ ج٢.
3- ابن هشام ١٨٩ ج١.
4- ابن هشام ٨١ ج٢.
5- ابن هشام ١١٠ ج٢.
6- الأغاني ١١٠ ج٧.
7- تاريخ الوزراء ٢٥١.
8- الأغاني ١٦٧ ج٢.
9- ابن الأثير ٢٢٥ ج٣.
10- ابن الأثير ٢٠ ج٦.
11- الأغاني ٧٦ ج٣.
12- الأغاني ٩٤ ج١٧.
13- الأغاني ١٣٤ ج١.
14- الأغاني ٢ ج١٣.
15- الأغاني ٥٢ ج٨.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التسليم
رجاء الله وخشيته
لماذا نحن بحاجة الي تكوين الذات المعلوماتية ؟
التجسيم عند ابن تيمية وأتباعه ق (8)
أعمــــال ماقبــل النـــوم
المُناظرة الثانية والسبعون /مناظرة أبي جعفر ...
تصوّر الموجود المطلق
الکلم الطیب والفحش والسب والقذف
ضرورة النبوّة
لُزُوم عِصمَةِ الاِمام

 
user comment