عربي
Wednesday 13th of November 2024
0
نفر 0

انطباعات عن شخصية الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )

انطباعات عن شخصية الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )

انطباعات

عن شخصية الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) *

احتلّ أهل البيت (عليهم السلام) المنزلة الرفيعة في قلوب المسلمين لِمَا تحلّوا به من درجات عالية من العلم والفضل والتقوى والعبادة ، فضلاً عن النصوص الكثيرة الواردة عن الرسول ( صلى الله عليه وآله) في الحث على التمسّك بهم والأخذ عنهم .

والقرآن الكريم ـ كما نعلم ـ قد جعل مودّة أهل البيت وموالاتهم أجراً للرسول (صلّى الله عليه وآله) على رسالته كما قال تعالى : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) .

غير أنَّ الحكّام والخلفاء الذين تحكّموا في رقاب الأُمة بالسيف والقهر ، حاولوا طمس معالمهم وإبعاد الأُمة عنهم بمختلف الوسائل والطرق ، ثمَّ توّجوا أعمالهم بقتلهم بالسيف أو بدس السمّ .

ومع كلّ ما فعله الحكّام المنحرفون عن خطّ الرسول (صلى الله عليه وآله) بأهل البيت (عليهم السلام) ، لم يمنعهم ذلك السلوك العدائي من النصح والإرشاد للحكّام ، وحل الكثير من المعضلات التي واجهتها الدولة الإسلامية على امتداد تأريخها بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وحتى عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) .

وقد حُجبت عنّا الكثير من مواقفهم وسِيَرهم ؛ إما خشية من السلطان ، أو لأنَّ من كتب تأريخنا الإسلامي إنّما كتبه بذهنية أُموية ومداد عبّاسي ؛ لأنَّه قد عاش على فُتات موائد الحكام المستبدّين .

ونورد هنا جملة من أقوال وشهادات معاصري الإمام (عليه السلام) وانطباعاتهم عن شخصيّته النموذجيّة ، التي فاقت شخصيته جميع مَن عاصره من رجال وعلماء الأُمة الإسلامية .

1 ـ شهادة المعتمد العبَّاسي :

كانت منزلة الإمام معروفة ومشهورة لدى الخاصة والعامة كما كانت معلومة لدى خلفاء عصره . فقد روي أنَّ جعفر بن علي الهادي طلب من المعتمد أن ينصبه للإمامة ويعطيه مقام أخيه الإمام الحسن (عليه السلام) بعده ، فقال له المعتمد : ( اعلم : أنَّ منزلة أخيك لم تكن بنا وإنَّما كانت بالله عزَّ وجلَّ ، ونحن كنا نجتهد في حطِّ منزلته والوضع منه ، وكان الله يأبى إلاّ أن يزيده كل يوم رفعة بما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة . وإنْ كنتَ عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا ، وإنْ لم تكن عندهم بمنزلته ، ولم يكن فيك ما كان في أخيك ، لم نغنِ عنك في ذلك شيئاً ) (2) .

2 ـ شهادة طبيب البلاط العبَّاسي :

كان بختيشوع ألمع شخصية طبية في عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، فهو طبيب الأُسرة الحاكمة ، وقد احتاج الإمام ذات يوم إلى طبيب ، فطلب من بختيشوع أن يرسل إليه بعض تلامذته ليقوم بذلك ، فاستدعى أحد تلاميذه وأوصاه أن يعالج الإمام (عليه السلام) وحدّثه عن سموّ منزلته ومكانته العالية ، ثمَّ قال له : ( طلب مني ابن الرضا مَن يقصده ، فصرْ إليه ، وهو أعلم في يومنا هذا بمَن تحت السماء ، فاحذر أن لا تعترض عليه في ما يأمرك به ) (3) .

3 ـ أحمد بن عبيد الله بن خاقان :

كان عامل الخراج والضياع في كورة قم ، وأبوه عبيد الله بن خاقان أحد أبرز شخصيات البلاط السياسية وكان وزيراً للمعتمد ، وكان أحمد بن عبيد الله أنصب خلق الله وأشدهم عداوة لأهل البيت (عليهم السلام) ، فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسرّ من رأى ( سامراء ) ومذاهبهم وأقدارهم عند السلطان ، فقال أحمد بن عبيد الله : ( ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا (عليهم السلام) ، ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر وكذلك القوّاد والوزراء والكتّاب وعوام الناس ) .

وينقل أحمد هذا قصة شهدها في مجلس أبيه ، إذ دخل عليه حُجَّابُه ، فقالوا له : إنَّ ابن الرضا ـ أي الإمام العسكري (عليه السلام) ـ على الباب ، فقال بصوت عال : ائذنوا له ، فقال أحمد : تعجَّبتُ ما سمعت منهم ، إنَّهم جسروا حيث يكنُّون رجلاً على أبي بحضرته ، ولم يكن يُكنّى عنده إلاّ خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يُكنَّى . فدخل رجل أسمر ، أعين ، حسن القامة ، جميل الوجه ، جبير البدن ، حدث السن . فلمَّا نظر إليه أبي ، قام فمشى إليه خُطى ، ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم ولا بالقُوّاد ولا بأولياء العهد . فلمَّا دخل ، عانقه وقبَّل وجهه ومنكبيه ، وأخذ بيده وأجلسه على مصلاَّه .

ثم يقول أحمد : ولمَّا جلس أبي بعد أن صلّى ، جئت فجلست بين يديه ، فقال : يا أحمد ، ألك حاجة ؟ فقلت : نعم يا أبه ، إنْ أذنت سألتك عنها ؟ فقال : قد أذنت لك يا بني ، فقل ما أحببت .

فقلت له : يا أبه مَن كان الرجل الذي أتاك بالغداة وفعلت به ما فعلت من الإجلال والإكرام والتبجيل ، وفديته بنفسك وبأبويك ؟

فقال : يا بني ذاك إمام الرافضة ، ذاك ابن الرضا ، فسَكَتَ ساعة ، ثمّ قال : يا بني ، لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا ، فإنّ هذا يستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ، ولو رأيت أباه ، لرأيت رجلاً جليلاً نبيلاً خيراً فاضلاً (4).

4 ـ كاتب الخليفة المعتمد :

روي عن أبي جعفر أحمد القصير البصري ، قال : حضرنا عند سيدنا أبي محمد (عليه السلام) بالعسكر ، فدخل عليه خادم من دار السلطان جليل ، فقال له : أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : كاتبنا أنوش النصراني يريد أن يطهِّر ابنين له ، وقد سألنا مُساءلتك ، أن تركب إلى داره وتدعو لابنه بالسلامة والبقاء ، فأحب أن تركب وأن تفعل ذلك ، فإنَّا لم نجشمك هذا العناء إلاّ لأنَّه قال: نحن نتبرّك بدعاء بقايا النبوة والرسالة .

فقال مولانا (عليه السلام) : ( الحمد لله الذي جعل النصارى أعرف بحقّنا من المسلمين ) .

ثمّ قال : ( أسرجوا لنا ) ، فركب حتى وردنا أنوش ، فخرج إليه مكشوف الرأس حافي القدمين ، وحوله القسِّيسون والشماسة والرهبان ، وعلى صدره الإنجيل ، فتلقاه على بابه ، وقال للإمام (عليه السلام) : يا سيدنا ، أتوسل إليك بهذا الكتاب الذي أنت أعرف به منا إلاّ غفرت لي ذنبي في عناك وحق المسيح عيسى بن مريم وما جاء به من الإنجيل من عند الله ، ما سألت أمير المؤمنين مسألتك هذه إلاّ لأنّا وجدناكم في هذا الإنجيل مثل المسيح عيسى بن مريم عند الله .

فقال الإمام (عليه السلام) : ( أمَّا ابنك هذا فباقٍ عليك ، وأمَّا الآخر فمأخوذ عنك بعد ثلاثة أيام ـ أي ميّت ـ وهذا الباقي يسلم ويحسن إسلامه ويتولاَّنا أهل البيت ) .

فقال أنوش : والله يا سيدي ، إنَّ قولك الحق ، ولقد سهل عليَّ موت ابني هذا لما عرّفتني إنّ الآخر يسلم ، ويتولاّكم أهل البيت .

فقال له بعض القسِّيسين : ما لك لا تسلم ؟

فقال أنوش : أنا مسلم ومولانا يعلم ذلك .

فقال مولانا (عليه السلام) : ( صدق ، ولولا أن يقول الناس : إنَّا أخبرناك بوفاة ابنك ولم يكن ذلك كما أخبرناك ، لسألنا الله تعالى بقاءه عليك ) .

فقال أنوش : لا أُريد ـ يا سيدي ـ إلاّ ما تريد .

قال أبو جعفر أحمد القصير البصري ـ راوي الحديث ـ : مات والله ذلك الابن بعد ثلاثة أيام ، وأسلم الآخر بعد سنة (كذا) ، ولزم الباب معنا إلى وفاة سيدنا أبي محمد (عليه السلام) (5) . 

5 ـ راهب دير العاقول :

وكان من كبراء رجال النصرانية وأعلمهم بها ، لمّا سمع بكرامات الإمام (عليه السلام) ورأى ما رآه ، أسلم على يديه وخلع لباس النصرانية ولبس ثياباً بيضاء .

ولمَّا سأله الطبيب بختيشوع عما أزاله عن دينه ، قال : وجدت المسيح أو نظيره فأسلمت على يده ( يعني بذلك الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ) ، وقال : وهذا نظيره في آياته وبراهينه .

ثمّ انصرف إلى الإمام ولزم خدمته إلى أن مات (6) .

6 ـ محمد بن طلحة الشافعي :

قال عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) :

( فاعلم المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصّه الله عزّ وجلّ بها ، وقلّده فريدها ، ومنحه تقليدها ، وجعلها صفة دائمة لا يُبلي الدهر جديدها ، ولا تنسى الألسن تلاوتها وترديدها : أن المهدي محمد نسله، المخلوق منه ، وولده المنتسب إليه ، وبضعته المنفصلة عنه ) (7) .

7 ـ ابن الصباغ المالكي :

قال : إنّه ( سيد أهل عصره وإمام أهل دهره . أقواله سديدة وأفعاله حميدة . وإذا كانت أفاضل زمانه قصيدة ، فهو في بيت القصيدة ، وإن انتظموا عقداً كان مكان الواسطة الفريدة . فارس العلوم لا يجارى ، ومبين غوامضها فلا يحاول ولا يمارى . كاشف الحقائق بنظره الصائب ، مظهر الدقائق بفكره الثاقب . المحدّث في سرّه بالأمور الخفيَّات . الكريم الأصل والنفس والذات ، تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه ، بمحمد (صلَّى الله عليه وآله) آمين ) (8) .

8 ـ العلاّمة سبط بن الجوزي :

قال : (هو الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، وكان عالماً ثقة ، روى الحديث عن أبيه ، عن جده ) (9) .

9 ـ العلاَّمة محمد أبو الهدى أفندي :

قال واصفاً الأئمة (عليهم السلام) بأنَّهم قادة الناس إلى الحضرة القدسية وأنّهم أولياؤهم بعد الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) : ( قد علم المسلمون في المشرق والمغرب أنَّ رؤساء الأولياء وأئمة الأصفياء من بعده (عليه السلام) من ذريته وأولاده الطاهرين ، يتسلَّلون بطناً بعد بطن ، وجيلاً بعد جيل إلى زمننا هذا ، وهم الأولياء بلا ريب ، وقادتهم إلى الحضرة القدسية المحفوظة من الدنس والعيب ، ومَن في الأولياء الصدر الأول ، بعد الطبقة المشرفة بصحبة النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) ، كالحسن والحسين والسجاد والباقر والكاظم والصادق والجواد والهادي والتقي والنقي العسكري (عليهم السلام) ؟! ) (10) . 

10 ـ العلاّمة الشبراوي الشافعي :

قال عنه : ( الحادي عشر من الأئمة : الحسن الخالص ، ويُلَّقب أيضاً بالعسكري ... ويكفيه شرفاً أنّ الإمام المهدي المنتظر من أولاده . فللّه در هذا البيت الشريف ، والنسب الخضم المنيف ، وناهيك به من فخار ، وحسبك فيه من علو مقدار ... فيا له من بيت عالي الرتبة سامي المحلة ، فلقد طاول السماك علاً ونبلاً ، وسما على الفرقدين منزلة ومحملاً ، واستغرق صفات الكمال ، فلا يستثنى فيه بغير ولا بإلاّ . انتظم في المجد هؤلاء الأئمة ، انتظام اللآلي ، وتناسقوا في الشرف فاستوى الأوّل والتالي ، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم والله يرفعه ... ) (11) .

إلى أقوال كثيرة غيرها في فضله صرَّح بها الفقهاء والمؤرِّخون والمحدِّثون من العامة والخاصة . ولا عجب في ذلك ولا غرابة ؛ فهو فرع الرسول (صلَّى الله عليه وآله) ، وأبو الإمام المنتظر ، والحادي عشر من أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وهم عدل القرآن كما ورد عن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) ، وهم سفينة النجاة .

وقد شهد له أبوه الإمام الهادي (عليه السلام) بسموّ مقامه ورفعة منزلته بقوله الخالد :

( أبو محمّد أنصح آل محمّد غريزة ، وأوثقهم حجّة ، وهو الأكبر من ولدي ، وهو الخلف وإليه تنتهي عُرى الإمامة وأحكامها ، فما كنت سائلي فسله عنه ، فعنده ما يُحتاج إليه ) (12) .

ــــــــــــــــــــ

* اقتباس قسم المقالات في شبكة الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي، المصدر: أعلام الهداية، الإمام الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) ، تأليف : المجمع العالمي لأهل البيت (ع) .

 (1) الشورى (42) : 23 .

 (2) الخرائج والجرائح ، للقطب الراوندي : 3 / 1109 ، بحار الأنوار : 52 / 50 .

 (3) الخرائج : 1 / 422 ـ 424 / ح 3 / ب 12 . وذكر الكليني في أصول الكافي : 1 / 512 / ح24 / ب124 مختصراً قريباً منه.

 (4) أُُصول الكافي : 1 / 503 ـ 504 / ح 1 / ب 24 ، وكمال الدين : 1 / 41 ـ 42 .

 (5) مدينة المعاجز: 583 ، وحلية الأبرار : 2 / 498 ، وعنه في سفينة البحار : 2 / 203 .

 (6) الخرائج والجرائح : 1 / 422 ـ 424 ، وعنه في بحار الأنوار : 50 / 261 .

 (7) مطالب السؤول : 2 / 148 .

 (8) الفصول المهمة : 275 .

 (9) تذكرة الخواص : 362 .

 (10) إحقاق الحق : 2 / 621 ، عن كتاب ضوء الشمس ، لأبي الهدى أفندي : 1 / 119 .

 (11) الإتحاف بحب الأشراف : 178 .

 (12) الكافي : 1 / 327 ـ 328 / ح 11 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التعريف بالشيعة
الترغيب في الزواج
إدارة منشآت الأعمال من منظور إسلامي
كيف نؤدب أولادنا
أثر التقوى على ذرية الإنسان
الانابة
أعمال شهر رجب العامة
فرحة الزهراء "عليها السلام"
السحر وحكمه عند علماء الاسلام ومفكريه
كيف تدلّ آية المباهلة على إمامة علي (عليه السلام) ...

 
user comment