نذكر فيما يلي طائفةً من افتراءات أهل قصر الإمارة وقضاته على الإمام (عليه السلام)، وردوده الحكيمة البليغة، وفتاواه التي مسحت زورهم وافتئاتهم ومسخت قضاتهم حين تسوّروا محراب قدس الله تعالى بالنّيل من كرامة عبده المجتبى لحفظ شريعته وحمل أمره.
ونحن لا نبالغ إذا قلنا إنّ العباسيّين قد لبسوا ثوب الدّين لبس الفرو مقلوباً، وساروا من حيث انتهى الأمويّون في ارتكاب المنكرات والبعد عن الدّين والديّان!.
فالأمويّون - بالحقيقة - متزعّمون جاهليون، وخصماء تقليديون للهاشميين والعترة النبيّ صلوات الله عليه وعليهم بالخصوص، تحكّموا برقاب العباد - لمّا نزلت الكرة في مضربهم - على أساس أنه:
لعبت هاشم بالملك، فلا خبر جاء، ولا وحي نزل
وكانوا مع الهاشميين على خطّين متوازيين لا يلتقيان، أو بالأحرى على خطّين متعاكسين لا يزالان يتباعدان.. وما على الجاهليّ إن عيّرته بعدم الالتزام بالدّين؟!.
أما العباسيّون فقد جاءوا إلى الحكم تحت ظلّ دعوة رفع الحيف عن الدّين وعن الهاشميين، وليعيدوا الحق إلى العلويّين، ولكنّهم حين وصلوا إلى عرش الملك فاقوا أسلافهم ظلماً وجوراً وبعداً عن الدّين، وتنكيلاً بذريّة سيّد المرسلين (صلّى الله عليه وآله)، حتى لتحسب أنّهم على غير ملّته وعلى غير شريعته، وأنّهم لم يؤمنوا بما جاء به عن ربّه، ولم يصدّقوا شيئاً ممّا قاله!.
فقد كان همّ كلّ عباسيّ واهتمامه ينحصران في إذلال أولياء الله، والحطّ من كرامة عباده الصالحين، لا بباعث شهوة التشفيّ كما فعل الأمويّون ثأراً لرؤوس الضلال من عتاتهم الّذين قتلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، بل بشهوة إقامة ملكٍ ظالم ذاقوا حلاوة التسلطّ فيه، فأقاموه على أشلاء كلّ ذي كرامةٍ، وكلّ ذي حقّ من أهل الحقّ، ليتمرّغوا في نعيمه ليس إلاّ!.
فهل هذا هو عدل الإسلام يا خلفاء المسلمين؟
لا، طبعاً.. ولكن لم خرست الألسن عن نزع هالة تقديسكم المزوّرة حتى أيامنا هذه مع أن الحقّ لا يحجبه الرّكام مهما تطاولت الأيام؟!.
علم ذلك عند شهداء الزّور من الذين مجّدوكم ولبسوا الإسلام لبس الفرو مقلوباً إرضاءً لكم، كقضاة الزّور، وكوزراء وولاة الجور، وكالمؤرّخين المأجورين الذين رضوا بشهوتي البطن والفرج، وكالخطباء والشعراء والكتّاب الذين ألهاهم عن الحقّ ذهبكم الوهاج أو السّوط و(الكرباج)!. يليهم المستشرقون الدسّاسون الّذين أطنبوا في مدح كلّ سلطان جبّارٍ ابتدع طريقةً يخالف فيها طرائق الإسلام.. ويمدّهم أعداء الدّين من الشرق ومن الغرب الذين خلّدوا ذكر كلّ حائدٍ عن الإسلام واعتبروه مجدّداً لشكل الدولة والحكم، ومنشئاً لسلطانٍ حديثٍ يماشي روح العصر!.
وفي هذا الفصل نعرض للقارئ شيئاً من تعدّيات الحكّام، وبعض أذنابهم، على كرامة الإمام (عليه السلام)، ونعطي صورةً عن مضايقاتهم التي كانت تهدف إلى إحراجه والتغلّب على واضح برهانه وجليّ بيانه وحقّه الصّراح الذي يعرفونه وينفسون به عليه.
قال أبو يعقوب البغداديّ:
(قال المتوكل لابن السكّيت(1): سل ابن الرّضا مسألةً عوصاء بحضرتي.فسأله، فقال: لم بعث الله موسى بن عمران (عليه السلام) بالعصا واليد البيضاء وآلة السّحر، وبعث عيسى (عليه السلام) بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بآلة الطّب وبعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) بالقرآن والسيف؟!. بالكلام والخطب.
فقال أبو الحسن (عليه السلام): بعث الله موسى (عليه السلام) بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السّحر، فأتاهم من عند الله بما قهر سحرهم وأثبت الحجة عليهم؛ وبعث عيسى (عليه السلام) بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله، في زمان الغالب على أهله الطبّ - في وقتٍ ظهرت فيه الزّمانات والآفات التي يصعب برؤها - فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله، فقهرهم وبهرهم.
وبعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) بالقرآن والسيف في زمانٍ الغالب على أهله السيف والشّعر، فأتاهم من القرآن الزاهر، والسيف القاهر، ما بهر به شعرهم، وبهر به سيفهم، وأثبت الحجة عليهم.
فقال ابن السّكّيت: تالله ما رأيت مثلك قط!. فما الحجة على الخلق الآن؟
قال (عليه السلام): العقل يعرف به الصادق فيصدّقه، والكاذبّ على الله فيكذّبه.
فقال ابن السّكّيت: هذا هو والله الجواب)(2).
فبهت الخليفة ومن حوله من الذين يعيشون على معتلفه، لأنهم كانوا يريدون من السائل أصعب من هذه المسألة، ويبتغون أن يعيوا الإمام ويقطعوه عن الجواب ويناقشوه ويفحموه. ولذا فإنه لمّا خرج الإمام (عليه السلام) من المجلس، رفع الجرذ الأكبر رأسه وتنحنح وترنّح، وتشجّع وتبرّع بنصيحة سيّدة الذي في نعمته يتمرّغ.. أعني به يحيى بن أكثم(3) الذي كان يقضم مال الله، ويحكم بغير ما أنزل، والذي قال للمتوكل: ما لابن السّكيت ومناظرته؟!. وإنّما هو صاحب نحوٍ وشعرٍ ولغة..ثم انتفخ ونفج حضنه وأخذ قرطاساً وأثبت فيه مسائل.
ثم حاص وباص وحار ودار.. ولم يتجرّأ أن يبادِه بها الإمام سلام الله عليه، فأعطاها لموسى المبرقع(4) - وهو أخو الإمام - وسأله الفتوى بها، قاصداً بذلك إحراج الإمام دون غيره قطعاً..
فقد قال موسى بن محمد بن الرّضا (عليه السلام) - وهو المبرقع - (لقيت يحيى بن أكثم في دار العامّة فسألني عن مسائل، فجئت إلى أخي عليّ بن محمدٍ (عليهما السلام) فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصّرني طاعته، فقلت له: جعلت فداك، إنّ ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها.
فضحك (عليه السلام) ثم قال: فهل أفتيته؟
قلت: لا، لم أعرفها.
قال (عليه السلام): وما هي؟
قلت: كتب يسألني عن قول الله: (قال الّذي عنده علم مّن الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك..)(5) نبيّ الله كان محتاجاً إلى علم آصف؟
وعن قوله: (ورفع أبويه على العرش وخرّوا له سجّداً..)(6) سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء؟
وعن قوله: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ..)(7) من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فقد شكّ!. وإن كان المخاطب غيره فعلى من إذاً أنزل الكتاب؟
وعن قوله: (ولو أنّما في الأرض من شجرةٍ أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر مّا نفدت كلمت الله..)(8) ما هذه الأبحر، وأين هي؟
وعن قوله: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين..)(9) فاشتهت نفس آدم (عليه السلام) أكل البُرّ، فأكل وأطعم [وفيها ما تشتهي الأنفس] فكيف عوقب؟
وعن قوله: (أو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً..)(10) يزوّج الله عباده الذّكران، وقد عاقب قوماً فعلوا ذلك؟ أي قوم لوط.
وعن شهادة المرأة جازت وحدها وقد قال الله: (وأشهدوا ذوى عدل مّنكم..)(11).
وعن الخنثى وقول عليّ (عليه السلام): يورّث من المبال. فمن ينظر إذا بال إليه مع أنه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال، أو عسى أن يكون رجلاً وقد نظرت إليه النساء، وهذا ما لا يحلّ، وشهادة الجارّ إلى نفسه لا تقبل..
وعن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاةٍ منها، فلمّا بصر بصاحبها خلّى سبيلها، فدخلت بين الغنم. كيف تذبح، وهل يجوز أكلها أم لا؟
وعن صلاة الفجر لِمَ يُجهر فيها وهي من صلاة النهار، وإنّما يجهر في صلاة الليل؟
وعن قول عليّ (عليه السلام) لابن جرموز: بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار، فلم يقتله وهو إمام؟
وأخبرني عن عليّ لم قتل أهل صفّين وأمر بذلك مقبلين ومدبرين وأجهز على الجرحى، وكان حكمه يوم الجمل أنّه لم يقتل مولّياً ولم يجهز على جريحٍ ولم يأمر بذلك وقال: من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن!. لم فعل ذلك؟ فإن كان الحكم الأول صواباً، فالثاني خطأ!.
وأخبرني عن رجلٍ أقرّ باللّواط على نفسه، أيحدّ أم يدرأ عنه الحد؟
قال (عليه السلام) لأخيه موسى: اكتب.
قلت: وما أكتب؟
قال (عليه السلام): اكتب:
بسم الله الرّحمن الرّحيم: وأنت فألهمك الله الرّشد.. أتاني كتابك فامتحنتنا به من تعنّتك لتجد إلى الطّعن سبيلاً إن قصّرنا فيها، والله يكافيك على نيّتك!. وقد شرحنا مسائلك، فأصغ إليها سمعك، وذلّل لها فهمك، وأشغل بها قلبك، فقد لزمتك الحجّة، والسلام:
سألت عن قول الله جلّ وعزّ: (قال الّذي عنده علم مّن الكتب..)(12) فهو آصف بن برخيا. ولم يعجز سليمان (عليه السلام) عن معرفة ما عرف آصف، ولكنّه أحبّ أن يعرّف أمّته من الجنّ والإنس أنّه الحجّة من بعده. وذلك من علم سليمان (عليه السلام) أودعه آصف بأمر الله، ففهّمه ذلك لئلا يختلف عليه في إمامته وولايته من بعده، ولتأكيد الحجة على الخلق.
وأمّا سجود يعقوب (عليه السلام) لولده، فإنّ السجود لم يكن ليوسف، وإنّما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله تعالى، وتحيّة - ومحبّة - ليوسف (عليه السلام). كما أنّ السجود من الملائكة لم يكن لآدم (عليه السلام)، وإنّما كان ذلك طاعة لله ومحبّةً منهم لآدم. فسجود يعقوب وولده ويوسف معهم كان شكراً لله باجتماع الشّمل. ألم تر أنّه يقول في شكره في ذلك الوقت: (ربّ قد آتيتنى من الملّك)؟(13).
وأمّا قوله: (فإن كنت في شكّ مّما أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتب..)(14) فإنّ المخاطب بذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ ولم يكن في شكّ ممّا أنزل الله إليه، ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث نبيّاً من الملائكة؟ ولم لم يفرّق بينه وبين الناس في الاستغناء عن المأكل والمشرب والمشي في الأسواق؟ فأوحى الله إلى نبيّه (صلّى الله عليه وآله): (فاسأل الّذين يقرءون الكتب) بمحضرٍ من الجهلة: هل بعث الله نبيّاً قبلك إلاّ وهو يأكل الطعام ويشرب الشراب؟ ولك بهم أسوة يا محمّد.. وإنّما قال: (فإن كنت في شكّ) ولم يكن - أي والحال أنه (صلّى الله عليه وآله) لم يكن في شكّ - ولكن للنّصفة، كما قال: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونسآءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لّعنت الله على الكذبين)(15) ولو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله (عليكم) لم يكونوا يجيبوا إلى المباهلة، وقد علم الله أنّ نبيّه مؤدّ عنه رسالته وما هو من الكاذبين. وكذلك عرّف النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بأنه صادق فيما يقول، ولكن أحبّ أن ينصف من نفسه.
وأمّا قوله: (ولو أنّما في الأرض من شجرةٍ أقلام..)(16). فهو كذلك، لو أنّ شجر الدّنيا أقلام، والبحر مداد يمدّه سبعة أبحر حتى انفجرت الأرض عيوناً كما انفجرت في الطوفان، ما نفدت كلمات الله !!! وهي عين الكبريت، وعين اليمن، وعين برهوت، وعين طبريّة، وحمّة ما سيدان، وحمّة أفريقيا (تدعى بسيلان) وعين باحوران.
ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا، ولا تستقصى.
وأمّا الجنّة ففيها من المأكل والمشرب والملاهي وما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين؛ وأباح الله ذلك كلّه لآدم. والشجرة التي نهى الله أدم عنها وزوجته أن يأكلا منها، شجرة الحسد.
عهد الله إليهما أن لا ينظرا إلى من فضّل الله عليهما وعلى خلائقه بعين الحسد (فنسى ولم نجد له عزماً)(17) ونظر بعين الحسد.
وأمّا قوله: (أو يزوّجهم ذكراناً وإناثا..)(18) فإن الله تعالى زوّج الذّكران المطيعين، أي يولد له ذكور ويولد له إناث يقال كلّ اثنين مقرنين: زوجان، كلّ واحدٍ منهما زوج - يعني يزوّجهم: يجعلهم أزواجاً: توائم حين يولدون. لا بمعنى الزوّاج والنّكاح - ومعاذ الله أن يكون الجليل العظيم عنى ما لبّست على نفسك بطلب الرّخص لارتكاب المحارم (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً )(19) إن لم يتب. ولا يخفى أن يحيى بن أكثم قصد اللّواط والسّحاق: أي تزويج الذكر من الذكر، والأنثى من الأنثى، يريد بذلك أن يبرّر لواطه بما لبّسه على نفسه.
فأمّا شهادة امرأةٍ وحدها التي جازت، فهي القابلة التي جازت شهادتها مع الرّضى، فإن لم يكن رضىً فلا أقلّ من امرأتين. تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة، لأن الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها. فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها.
وأما قول عليّ (عليه السلام) في الخنثى، فهو كما قال: يرث من المبال، وينظر إليه قوم عدول يأخذ كلّ واحدٍ منهم مرآةً وتقوم الخنثى وراءهم عريانةً، وينظرون إلى المرآة - المرأة الخنثى - فيرون الشيء ويحكمون عليه.
وأمّا الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاةٍ، فإنّ عرفها ذبحها وأحرقها. وإن لم يعرفها قسمها الإمام نصفين - أي قسم الغنم كلّه - وساهم بينهما، فإن وقع السهم على أحد القسمين فقد انقسم النّصف الآخر، ثم يفرّق الذي وقع عليه السهم نصفين فيقرع بينهما، فلا يزال كذلك حتى يبقى اثنتان فيقرع بينهما. فأيّتهما وقع السهم عليها ذبحت وأحرقت. وقد نجا سائرها؛ وسهم الإمام سهم الله، لا يخيب.
وأمّا صلاة الفجر، والجهر فيها بالقراءة لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كان يغلّس بها - يبكّر والظلام مستحكم - فقراءتها من الليل.
وأمّا قول أمير المؤمنين: بشّر قاتل ابن صفيّة بالنّار(20) فهو لقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكان - ابن جرموز - ممّن خرج يوم النهروان. فلم يقتله أمير المؤمنين (عليه السلام) بالبصرة لأنه علم أنه يقتل في فتنة النهروان.
وأمّا قولك إنّ أمير المؤمنين قاتل أهل صفّين مقبلين ومدبرين وأجهز على جريحهم، وأنّه يوم الجمل لم يتبع مولّياً ولم يجهز على جريحهم، وكلّ من ألقى سيفه وسلاحه آمنه، فإنّ أهل الجمل قتل إمامهم ولم تكن لهم فئةً يرجعون إليها، وإنّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين، ولا محتالين ولا متجسسين ولا مبارزين. فقد رضوا بالكفّ عنهم إذ لم يطلبوا عليه أعواناً. وأهل صفّين يرجعون إلى فئةٍ مستعدّةٍ وإمام منتصبٍ يجمع لهم السلاح من الرّماح والدّروع والسيوف، ويستعدّ لهم، ويسني لهم العطاء، ويهيّئ الأموال، ويعود مريضهم، ويجبر كبيرهم، ويداوي جريحهم، ويحمل راجلهم، ويكسو حاسرهم، ويردّهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم!. فإنّ الحكم في أهل البصرة الكفّ عنهم لمّا ألقوا أسلحتهم إذ لم تكن لهم فئةً يرجعون إليها. والحكم في أهل صفّين أن يتبع مدبرهم، ويجهز على جريحهم؛ فلا يساوى بين الفريقين في الحكم. ولولا أمير المؤمنين (عليه السلام) وحكمه في أهل صفّين والجمل لما عرف الحكم في عصاة أهل التوحيد، لكنّه شرح ذلك لهم، فمن أبى عرض على السيف أو يتوب من ذلك.
وأمّا الرجل الذي أقرّ باللّواط، فإنّه أقرّ بذلك متبرّعاً من نفسه، ولو لم تقم عليه بيّنة ولا أخذه سلطان. وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب في الله، فله أن يعفو في الله. أما سمعت الله يقول لسليمان: (هذا عطاؤنا فأمنن أو أمسك بغير حساب)؟(21) فبدأ بالمّن قبل المنع.
قد أنبأناك بجميع ما سألتنا عنه، فاعلم ذلك)(22).
(فلمّا قرأه ابن أكثم - فشّ انتفاخه وهزل ورمه - وقال للمتوكل: ما نحبّ أن تسأل هذا الرجل عن شيءٍ بعد مسائلي، فإنه لا يرد عليه شيء بعدها إلاّ دونها. وفي ظهور علمه تقويّة للرّافضة)(23).
أفرأيت قاضي السلطان الذي كان يبيع آخرته بدنياه كيف نصح ربّه الأرضيّ ولو أغضب ربّ السماوات والأرضين؟!
ورأيت كيف ينثال العلم على لسان الإمام الشابّ الذي ينحدر كالسّيل ولا يرقى إليه الطّير؟!
وشاهدت عيناك منظر المجلس المخزي الذي تقوقع فيه فقيه السّوء بين يدي (ربّه) الذي تقوقع أيضاً رغم جبروته وفرعنته؟!
إذا كنت قد لمست شيئاً من ذلك، فأنت إذاً في الطريق نحو معرفة ما يكون عليه الإمام من العلم الموهوب، والفضل الربّانيّ، والتسديد الإلهيّ، والكرامة العلويّة، والحصانة السماويّة، التي تلازمه طيلة حياته كالظّل.
فعلم أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) من علم الله تعالى اللاّمحدود.. فهو غير محدود.
ومن جرّب أن يقطعهم بمسألة عوصاء يا أيّها الخليفة الأحوص الألوص، قطع الله تعالى لسانه، وقصم ظهره, وأمّا أنت يا قاضي البلاط الخلاّط فقط مددت عنقك بالأمس نحو الإمام الجواد أبي إمامنا الهادي (عليه السلام) في مجلس المأمون، فلواها ودقّها ومزّقها، وأزال ما حاك حولك إبليس.. من تقديس.. أفلا ارعويت؟!علماء أهل بيت النبيّ صلوات الله عليه وعليهم، يغترفون من بحر.. فما شأن من يرتشف قطرة بمنقاره يا بومة القصر؟!وهم آل القرآن والبيان والأحكام.. يتهاوى تحت أقدامهم من لا يعرف لم وضعت الألف في أوّل حروف الهجاء، ثم وضعت ثانية مع اللام - ألف - في آخرها..
والعير البسيط يحيد عن الجدار إذا ارتطم به حمله أوّل مرّة.. فما بال القاضي العبيط.. الرّبيط على معلف السلطان، ينزل إلى الميدان ولو زلّ حافره في كلّ مرّة؟!
وفي ذلك العهد المليء بالخلافات الدينيّة والنزاعات المذهبيّة، العامر بالجدل والنّقاش حول كثير من المسائل التي تمسّ العقيدة في أصول الدّين وفروعه، وفي خلق القرآن وقدمه، وتشمل ما لا يحصى من الفتن الطائفيّة والمشاكل السياسيّة، كان السلطان وملأه المأجورون يتحدّون الله تعالى في خلقه، ويقصدون الإمام بالأذيّة ويتآمرون عليه وينصبون له الفخاخ ليوقعوه في زلّة لسان - جلّ عنها - ويدبّرون له المكائد و(يستخفون من النّاس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول)(24) ويحصيه عليهم، ثم (ويمدّهم في طغيانهم يعمهون)(25) فيزداد طغيانهم وتتزايد مضايقتهم لوليّه وحجّته وعينه الساهرة، وكلمته العليا التي تفضح باطلهم.. ولا يزدادون إلاّ مكراً كبّاراً، وعناداً واستهتاراً بكل ما نزل من السماء!.
فمن فتنهم اللّئيمة أنهم كانوا يقفون في وجه ترسّله (عليه السلام) عنه كل لقاء، ويستثيرونه بمناسبةٍ وبلا مناسبة.. ولكن أنّى لهم أن ينتصروا على الله، حين يتصدّون لإذلال مجتباه ومرتضاه!.
قيل للمتوكل - بافتراءٍ سافلٍ خبيثٍ -: (إنّ أبا الحسن، يعني عليّ بن محمد بن عليّ الرّضا يفسّر قول الله عزّ وجلّ: (ويوم يعضّ الظّالم على يديه..)(26) في الأول والثاني..
قال: فكيف الوجه في أمره؟
قالوا: تجمع له الناس وتسأله بحضرتهم. فإن فسّرها بهذا كفاك الحاضرون أمره، وإن فسّرها بخلاف ذلك افتضح عند أصحابه.
قال: فوجّه إلى القضاة، وبني هاشم، والأولياء.
وسئل (عليه السلام)، فقال: هذان رجلان كنّى عنهما، ومنّ بالسّتر عليهما. أفيحبّ أمير المؤمنين أن يكشف ما ستره الله؟
فقال: لا أحبّ)(27).
.. وبار ما هم فيه: وفضح الله سبحانه تآمروهم الباطل لمّا وضعهم الإمام (عليه السلام) في موقف خصومةٍ مع الله عزّ اسمه!. فإن رغبوا في كشف ما ستره الله تعالى كانوا كافرين.. وإن سكتوا ورضوا بقول الإمام (فوقع الحقّ وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين)(28) وطارت فريتهم مع النّسر الطائر!.
أمّا نصّ الآيتين الشريفتين فهو: (ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلاً يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلاناً خليلاً) والرجلان اللّذان كنّى سبحانه عنهما هما المعنيّان بلفظتي: الظالم، وفلاناً. وهو جلّ وعزّ لم يسمّها ولا أشار إليهما بشيء مميّزٍ لأحدهما أو لكليهما، وتفضّل بعدم التصريح باسميهما تكرّماً منه من جهة، وليعلّمنا أدب الحديث وحسن الكناية في الأمور العامة والخاصة من جهة ثانية، فجاء بهذا السّتر على (الظالم) الذي لم يتّخذ سبيل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، واتّبع (فلاناً) الذي أضلّه عن سبيل ربّه وسبيل رسوله الكريم، ودفع به في سبيلٍ آخر لا يُرضي الله تعالى ولا رسوله.
فالكناية تتناول (الظالم) الذي ستر عليه ربّه، وكلّ ظالم يسلك طريقاً غير طريق ربّه ونبيّه بدافع من صديقه أو قريبه، أو أسرته أو عشيرته، أو ما يمكن أن نسمّيه (فلاناً) أو فليتاناً.. فليس في الآيتين أي تصريح بأحدٍ بالعين والذات، ولا أيّ تلميح بذلك الظالم وذلك الفلان، وجواب الإمام (عليه السلام) هو جواب الله تعالى من فوق عرشه، ولذلك أسكت به الخليفة الذي ربما كان كذلك (الظالم) أو كان مندرجاً تحت العنوان، وكمّ أفواه القضاة وبني هاشم والأولياء الذين ربما كان يندرج بعضهم تحت عنوان (فلان). وبهت كلّ مفترٍ سمع بذلك أو يسمع به فيما بعد، لأنه يضع نفسه موضع خصومة مع الله، واعتراضٍ على قوله الحكيم.
هذا، وإنّ الكشف عمّا ستره الله جلّ وعلا لا يجوز، لأنه لو شاء الكشف أو رضي به لكشف هو ولكان الحريّ بالتصريح، الجدير بالمبادهة، الأجرأ على فضح ما علم، الأقدر على ذرّ الرّماد في عيون الظالمين والفلانيّين.. فكيف يجوز أن نخالف صريح ما أنزل سبحانه في كتابه الكريم، وفصيح ما نطقت به الآيتان الكريمتان؟!.
ويا خليفة المسلمين: متى كان الفقه المزوّر الذي يسنّه الحاكم الظالم، قادراً على أن يكفيك أمره إمام يحمل ما سنّه الحاكم العدل تبارك وتعالى؟ وهل يستطيع الفقه (الموجّه) أن يخوض في آيات الله و يؤوّلها برأيه بمحضر ترجمان القرآن العالم بسنّة نبيّ الرحمن؟ لقد جرّبت أنت وأسلافك، وجرّكم فقهاء السوء إلى كل موبقةٍ فما اتّعظتم.. وكان الأحجى أن تتفكّروا وتتدبّروا.. (أم على قلوبٍ أقفالها)(29)؟!.
قال أبو عبد الله الزبادي: (لمّا سمّ المتوكل نذر إن رزقه الله العافية أن يتصدّق بمال كثير.
فلمّا عوفي اختلف الفقهاء في المال الكثير، فقال له الحسن - حاجبه -: إن أتيتك يا أمير المؤمنين بالصواب، فما لي عندك؟
قال: عشرة آلاف درهم، وإلاّ ضربتك مائة مقرعة.
قال: قد رضيت.
فأتى أبا الحسن (عليه السلام) فسأله عن ذلك فقال: قل له يتصدّق بثمانين درهماً.
فأخبر المتوكل؛ فسأله ما العلّة؟
فأتاه فسأله. قال (عليه السلام): إنّ الله تعالى قال لنبيّه (صلّى الله عليه وآله): (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة)(30) فعددنا مواطن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فبلغت ثمانين موطناً.
فرجع إليه فأخبره، ففرح وأعطاه عشرة آلاف درهم)(31).
فللّه هذه البديهة العجيبة التي تعطي صورةً واضحةً عن غزير علم الإمام الذي أخذ الحكم من الآية الكريمة، لأن الله عزّ اسمه لم يضع في كتابه الكريم شيئاً إلاّ وله مدلول خاصّ أو عام، وقد أنزل سبحانه عبارة (مواطن كثيرة) في الآية منزل (ثمانين موطناً).. فتبارك الذي اصطفاه حجةً على الخلق ولم يغيّب عنه حكماً ولا حجب علماً!.ولو اجتمع مع الخليفة وزراؤه وقضاته وسائر المستكبرين، على قطع الإمام سلام الله عليه بمسألة ما قطعوه ولا وصلوا إلى إدراك ما هو عليه من العلم والفضل، لأن علمه من علم الله تعالى الذي لا ينفد؛ وفضله عطاء إلهيّ وعطاء الله تعالى ليس له حد.. ولكنّهم لا يريدون أن يستوعبوا هذا المعنى فيه سلام الله عليه، ولا في نيّتهم أن يعترفوا بما خلعه الله سبحانه عليه من عظمته التي لا يقوم لها شيء، بالغاً ما بلغ ذلك الشيء من الجبروت والاستكبار. فقد انتدبه تعالى لأن يكون أحد حملة أحكامه في الأرض، وجعله الناطق بكتابه وبسنّة نبيّه دون سائر من لاث عمامةً وأسبل لحيةً عريضةً ولبس ثوباً دينيّاً فضفاضاً، وتصدّى للحكم في الدّماء والأموال والأعراض!.
وقال جعفر بن رزق الله: (قدّم إلى المتوكل رجل نصرانيّ فجر بامرأةٍ مسلمةٍ، فأراد أن يقيم الحدّ عليه فأسلم. فقال يحيى بن أكثم: الإيمان يمحو ما قبله. قد هدم إيمانه شركه وفعله. وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود.. وقال بعضهم: يفعل به كذا وكذا.. فكتب المتوكل إلى عليّ بن محمدٍ يسأله.فلمّا قرأ الكتاب كتب: يضرب حتى يموت.فأنكر يحيى، وأنكر فقهاء العسكر ذلك فقالوا: يا أمير المؤمنين: سله عن ذلك، فإنّه شيء لم ينطق به كتاب ولم يجيء به سنّة.فكتب إليه: إنّ الفقهاء قد أنكروا هذا وقالوا: لم يجيء به سنّة ولم ينطق به كتاب. فبيّن لنا لم أوجبت علينا الضرب حتى يموت؟
فكتب إليه: (بسم الله الرّحمن الرّحيم (فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنّا بالله وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأواً باسنا..)(32).
قال: فأمر المتوكل فضرب حتى مات)(33).
فيا قضاة الأثواب الزاهية المعطّرة: ما أدراكم بما نطق به الكتاب وجاءت به السّنّة وأنتم في حالة تخمةٍ من أطايب الطعام جعلت أفكاركم تختبط وعقولكم تختلط؟!. ولكأنّي بأثوابكم لم يفح منها شذا الطّيب والعطر بعد أن غرقت بعرق الخيبة والفشل وانتشرت منها روائح الكروش التي يتكدّس فيها الحرام يوماً بعد يوم، حين نزل حكم الله تعالى علي رؤوسكم نزول الصاعقة الماحقة!. فقوموا بروائح نتن جهلكم الذي تريدون أن تقابلوا به علم الله المتجلّي على لسان عبده الصادع بأمره الناطق بوحيه.
لقد غلطتم جدّاً حين اعتمدتم على أن القاضي إذا أصاب فله حسنتان، وإذا أخطأ فله حسنة لأن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال:
(من أفتى الناس بغير علم، فليتبوّأ معقده من النّار!)(34). فالحسنتان عند إصابة الحكم، والحسنة عند الخطأ، مشروطة بالعلم وموازين الحكم وكيفية استنباطه من القرآن والسنّة وفق قواعد أصوليةٍ وأوامر فقهيةٍ يقطع بموجبها الحاكم في حكمه.. وإلاّ فلا حكم ولا حاكم في ميزان الشرع الشريف عند من يحكم بغير علمٍ ولا فقهٍ وعينه على الرّغيف!.
وعن موسى بن بكر أن أبا الحسن (عليه السلام)، قال: (من أفتى الناس بغير علم، لعنته ملائكة الأرض وملائكة السماء)(35).
وإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) حين ولّى القضاء لشريح قال: (يا شريح، قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبيّ، أو وصيّ نبيّ، أو شقي)(36). وبناءً على ذلك لا يكون القضاء في الدّين - بعد وفاة النبيّ - إلاّ للإمام أو لنوّابه من العلماء المجتهدين الذين يستنبطون الأحكام الشرعيّة من أدلّتها القطعيّة - من الكتاب والسنّة - . وهيهات أن تجد من كانت عنده هذه الملكة من آلاف وآلاف المعمّمين الذين يعرف (العالم) منهم بعض فتاوى الشرع، ويجهل أدّلتها تمام الجهل!. فوقوفكم في وجه فقه الإمام (عليه السلام) وفضله وولايته، مصداق لقوله عزّ وجلّ: (أفمن كان على بيّنة من رّبّه - وهو الإمام - كمن زيّن له سوء عمله واتّبعوا أهواءهم )(37) وهم أنتم وجميع من لفّ لفّكم من عبيد البطون والفروج ولذائذ الحياة.
وأنت يا سلطان هذه الزّمرة المزيّنة لك حسن ما أنت فيه، تسمع وترى.. وتستحقّ الشفقة - لو كانت تجوز عليك الشفقة - لأنك محاط بأبالسةٍ موسوسين يعج بهم قصرك، والواحد منهم يكفي لإطغاء المرء وإلباسه ثوبه مقلوباً.. ولكنك شيخهم، وأصابعك تحرّكهم وتملي لهم، وطمعهم بما في يديك من المال والجاه يجتذبهم كما يجتذب الطعام الدّسم أفواج الذّباب.
ويا فضيلة قاضي قضاة السلطان، ويا زملاءه الذين أنكروا حكم الإمام: قد جاء في الخبر الصحيح عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قوله: (القضاة أربعة: ثلاثة في النار، وواحد في الجنّة:
رجل قضى بجورٍ وهو يعلم، فهو في النّار.
ورجل قضى بجورٍ وهو لا يعلم، فهو في النّار.
ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم، فهو في النّار.
ورجل قضى بالحق وهو يعلم، فهو في الجنّة)(38).
وقد روى أنس بن مالك أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال:
(لسان القاضي بين جمرتين من نارٍ حتى يقضي بين النّاس، فإمّا إلى الجنّة، وإمّا إلى النّار)(39) (فاقض ما أنت قاضٍ إنّما تقضى هذه الحياة الدّنيا)(40) يا يحيى بن أكثم، ويا جميع المائلين عن الحقّ المجانبين للإمام المفترض الطاعة!
أجل، كان المتوكل على حقده، ومع هؤلاء وأمثالهم يعمل جاهداً في إطفاء نور الله في إمامنا الشابّ الذي رصدته القدرة الإلهيّة لهداية النّاس وإحقاق الحقّ وإبطال الباطل.. وسها عن باله أن حربه كانت حرباً لمشيئة الله عزّت قدرته، وتعدّياً على أوليائه، وانتهاكاً لحرماته.. وغاب عن ذهنه أنه أعجز من أن يطفئ نور الشمس وأنّه لا يخرق الأرض ولا يبلغ الجبال طولاً، وأنّ له من واسع سلطانه موضع قبر ليست رقدته فيه بمريحة، وأنّه تأمّر على المسلمين باسم الإسلام وكان يجتهد في الكيد لنقلة الشّرع وتراجمة الوحي.. ثم استجاز لنفسه اختيار الوزير، والمشير، والقاضي، والموظّف ليوطّدوا له سلطانه.. ووقف في وجه اختيار الله سبحانه لواحدٍ من خلفائه في أرضه وملكوته الواسع! وأنا لا أعرف كيف كان هو وأسلافه يعلّلون حربهم الشعواء لأهل بيت النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وهم يحكمون باسمه ويدّعون أنّهم على دينه الذي جاء به عن ربّه!. ولم أهتد إلى تبرير لعداوتهم الضارية لأهل الدّين، وهم (أمراء مؤمنين)!. ولا أعرف لهم عذراً بين يدي سلطان السلاطين في قتل أبناء عليّ سوى إطفاء نور الله في من خلقوا من نوره!.
لقد نزل هذا المتوكل مع الشيطان إلى الدّرك الأسفل من الضّعة، وسلك مسلك أبناء الأزقة في محاولاته الدنيئة للتصغير من مقام أبي الحسن الهادي (عليه السلام)، فما ازداد إلاّ رفعةً وكرامةً، لأنه لا واضع لما رفع الله، ولا رافع لما وضعه سبحانه.. فقد قال أبو الطّيب المثنّى يعقوب بن ياسر (المديني):(كان المتوكل يقول: ويحكم، قد أعياني أمر ابن الرّضا، وجهدت أن يشرب معي وينادمني، فامتنع. وجهدت أن أجد فرصةً في هذا المعنى فلم أجدها!.
فقال له بعض من حضر: إن لم تجد من ابن الرّضا ما تريده في هذه الحال، فهذا أخوه موسى المبرقع قصّاف عزّاف - أي شارب للخمر، لاهٍ بآلات الطرب - يأكل ويشرب، ويعشق ويتخالع. فأحضِره وأشهره فإنّ الخبر يشيع - يُسمع - عن ابن الرّضا بذلك، فلا يفرّق الناس بينه وبين أخيه، ومن عرفه اتّهم أخاه بمثل فعاله.
فقال المتوكل: اكتبوا بإشخاصه مكرّماً، وجيئوا به حتى نموّه به على النّاس ونقول: ابن الرّضا.
فكتب إليه فأشخص مكرّماً.. فتقدّم المتوكل - أي أمر - بأن يتلقّاه جميع بني هاشم، والقوّاد، وسائر الناس، وعمل على أنه إذا وافى - وصل - أقطعه قطيعة - وهبه ضيعة يأكل غلالها - وبنى فيها وحوّل إليه الخمّارين والقيان - المغنّيات - وتقدّم بصلته وبرّه وأفرد له منزلاً سريّاً - عليّاً - يصلح أن يزوره هو فيه.فلمّا وافى موسى تلقّاه أبو الحسن (عليه السلام) في قنطرة وصيف - وهو موضع يتلقّى فيه القادمون - فسلّم عليه ووفّاه حقّه، ثم قال له: إنّ هذا الرجل - أي المتوكل - قد أحضرك ليهتك أمرك ويضع منك، فلا تقرّ له أنك شربت نبيذاً قط، واتّق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً - محرّماً - فقال له موسى: وإنّما دعاني لهذا، فما حيلتي؟!.
قال (عليه السلام): فلا تضع من قدرك، ولا تعص ربّك، ولا تفعل ما يشينك، فما غرضه إلاّ هتكك.
فأبى عليه؛ فكرّر عليه أبو الحسن القول والوعظ، وهو مقيم - مصمم - على خلافه..
فلمّا رأى أنّه لا يجيب قال: أما إنّ المجلس الذي تريد الاجتماع معه عليه، لا تجتمع أنت وهو أبداً!.
قال: فأقام موسى ثلاث سنين يبكّر كلّ يوم إلى باب المتوكل، فيقال له: قد تشاغل اليوم فرُحْ، فيروح. ويبكّر فيقال له: قد سكر، فبكّر. ويبكّر فيقال له: قد شرب دواءً. فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قُتل - المتوكل - ولم يجتمع معه على شراب!)(41). فمن أهمّ آيات الإمام (عليه السلام) في هذه المناسبة أنه أخبر أخاه بعدم التوفيق للاجتماع مع الخليفة على مائدة شرابٍ.. فكان كما أخبر..
ومن المفروض - مبدئياً - أن يقيم خليفة المسلمين الحدّ على شارب الخمر!.
والمأمول منه أن لا يشربها هو على الأقل إذا فسدت رعيّته بأكملها!.
فما بال هذا الخليفة يشربها ويدعو إليها؟!.. وسلوه معي: لم أعياه أمر ابن الرّضا (عليه السلام)، ولم يعيه إقامة حدود الله وإشاعة العدل في سلطانه؟!.
أو لم يكن الأجدر به أن يجتهد في رفع قدر نفسه إلى موازاة قدر من هو أرفع منه وأشرف ليكون لائقاً بإمارة المؤمنين؟!!
وهلاّ كان عليه أن يجاهد نفسه في محاولة ترك السّكر وارتكاب المعاصي والآثام.. وهو يدّعي اعتناق الإسلام، ويتقمّص خلافة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)؟!. وما باله لم يتعب نفسه في تقوى الله وامتثال أوامره بمقدار ما امتثل أمر نفسه الأمّارة بالسوء، وأمره الهمّازين المشّائين الذين قادوه بلحيته إلى حتفٍ فتح عليه باب آخرةٍ لا أسوأ ولا أشدّ عذاباً منها؟!!
كان الأليق به أن يعيا بإصلاح نفسه، لا بمحاولة إفساد إمام منصّب من ربّه، معصومٍ عن الزّلل والخطل!. ولكنّ العباسيين كانوا يرون أن الملك عقيم، واختاروا بسبيله النّار وغضب الجبّار.. فأين كان منهم العقل، والفهم، والحكمة؟! لقد أخطأوا حين لم يكونوا أمراء مؤمنين بمقدار ما كانوا فراعنةً متربّبين.. ونفخوا في رمادٍ وعثيرٍ فكانت عاقبتهم عاقبة من تفرعن وتربّب وتجبّر.. وما استطاعوا أن يطفئوا قرص الشمس، ولا أن يمنعوا حرارتها عن الأحياء، ولا أن يمنعوا الهواء عن أن يتنفّسه الوليّ والعدوّ على السّواء، ولم ينزلوا المطر إذا انحبس، ولا أوقفوه حين انبجس، ولا وقفوا في وجه خالق الكائنات ولا ملكوا عطاء الله ولا منعه ولا ضرّه ولا دفعه.. بل تجرّأوا على مآثم تهتزّ منها الأرض وترتجّ.. وذهبوا بأوزار ذلك كله..
قال أبو محمد الفحّام، بالإسناد إلى سلمة الكاتب - في قصر الخليفة -: (قال خطيب يلقّب بالهريسة للمتوكل: ما يعمل أحد بك أكثر ممّا تعمله أنت بنفسك في عليّ بن محمدٍ، فلا يبقى في الدار إلاّ من يخدمه، ولا يتعبونه بشيل سترٍ ولا فتح باب!. وهذا إذا علمه الناس قالوا: لو لم يعلم استحقاقه للأمر - أي للخلافة - ما فعل به هذا.. دعه إذا دخل يشيل السّتر لنفسه، ويمشي كما يمشي غيره، فتمسّه بعض الجفوة!.فتقدّم - أي أمر - المتوكل أن لا يخدم ولا يشال بين يديه ستر..
ولم يكن أحد كالمتوكل يهتمّ بالخبر - أي يعطي أذنه للوشاة والنّمامين ورجال الاستخبارات - .
قال: فكتب صاحب الخبر إليه: إنّ عليّ بن محمدٍ دخل الدار فلم يخدم ولم يشل أحد بين يديه ستراً، فهبّت هواء رفع السّتر له، فدخل!.
فقال المتوكل: اعرفوا خبر خروجه.
فذكر صاحب الخبر هواءً خالف ذلك الهواء، شال الستر له حتى خرج!.
فقال - المتوكل -: ليس نريد هواءً يشيل السّتر!. شيلوا السّتر بين يديه)(42).
وفي تخريج أبي سعيدٍ العامريّ، روايةً عن صالح بن الحكم بيّاع السابريّ، قال:
(وكنت واقفيّاً - غير قائلٍ بإمامة ابن الرّضا (عليه السلام) - فلمّا أخبرني حاجب المتوكل بذلك - أي بشيل الهواء للستر حال دخول الإمام - أقبلت أستهزئ به، إذ خرج أبو الحسن، فتبسّم في وجهي، من غير معرفةٍ بيني وبينه، وقال:
يا صالح، إن الله تعالى قال في سليمان: (فسخّرنا له الرّيح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب)(43) ونبيّك وأوصياء نبيّك أكرم على الله من سليمان.
قال صالح: وكأنّما انسلّ من قلبي الضلالة، فتركت الوقف)(44). - أي قال بإمامته (عليه السلام) - .
فيا أيّها الخطيب الملّقب بالهريسة: لو لم يكن عقلك مختبطاً مختلطاً كما يختبط ويختلط لحم الهريسة بمائها وبُرّها ودهنها وملحها، لما لقّبوك بهذا اللّقب الذي هو على وزن الفطيسة!. والله تعالى قد علم بإشفاقك على سيّدك الذي يملأ بطنك، ولقّاك خزياً وأنت في المجلس ذاته.. ثم علم بمكيدة سيّدك وبما بيّته من احتقار وليّ الله، فسخّر له الرّيح تجري بأمره، ليطلع الناس على سرّه.. وهو سبحانه يرقب الأفّاكين (وهو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً)(45) فأطلع وليّه على ما بيّتوا له، فأراهم آيات ربّهم التي فضحت مكيدتهم!.
ولا يخفى أنّ الإمام (عليه السلام) قد عرف ما في نفس صالح بن الحكم، وعلم استهزاءه بخبر الحاجب عن هبوب ريح شالت السّتر بين يديه، وعرف - أيضاً - أن صالح بن الحكم وقف يتفحّص ذلك بنفسه حين خروجه، ففجأه بذكر اسمه الذي كان يعتقد صالح أنه لا يعرفه، ثم أردف بذكر الآية البيّنة والحجة الدامغة، فانتزع الحيرة من نفسه وردّه إلى جادّة الصواب والاعتراف بالحقّ لأهله..
فما بال الخليفة.. (طويل الأذنين) من شدّة اهتمامه بالأخبار التي يأتيه بها حاكة الدسائس، لا تنسلّ من قلبه الضلالة حين يرى الآيات والمعجزات؟!. لقد ألهاه اهتمامه بالحطّ من شأن سفير الله.. فضلّ عن الحقّ ضلالاً كبيراً، وخسر خسراناً مبيناً..
ولو أنّه استفاد من فهمه وعلمه وعقله، لقرّب الإمام وأدناه، وأجلّه وتفدّاه بحقّ وحقيقةٍ، لظهور علمه وفضله، وبقرب منزلته من ربّه، وإكراماً لعيني جدّه (صلّى الله عليه وآله)، وهو ينزو على منبره كما نزا القردة من الأمويّين والعباسيّين.. ولو فكّر بعين البصيرة لسلك مسلكاً يخلّصه غداً من زبانية جهنّم وملائكة العذاب حين يدعّون (المتأمّر) على الناس باسم رسول الله، بغير استحقاقٍ، إلى نار جهنّم دعّاً، لأنه قعد مقعداً يغضب الله، وسار سيرة تستنزل النّقمة..
وروي أن أبا محمد الفحّام قال:
(دخل الإمام (عليه السلام) على المتوكل يوماً، فسأل المتوكل ابن الجهم: من أشعر النّاس؟ فذكر شعراء الجاهليّة والإسلام.
فقال المتوكل: يا أبا الحسن، من أشعر الناس؟
قال: فلان بن فلان(46) حيث يقول:لقد فاخرتنا من قريش عصابة بمدّ خدودٍ، وامتداد أصابع فلمّا تنازعنا القضاء، قضى لنا عليهم بما فاهوا، نداء الصّوامع ترانا سكوتاً، والشهيد بفضلنا عليهم، جهير الصّوت في كلّ جامع فإنّ رسول الله، أحمد، جدّنا ونحن بنوه كالنّجوم الطّوالع
قال - المتوكل -: وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟
قال (عليه السلام): أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله.. جدّي أم جدّك؟!.
فضحك المتوكل كثيراً ثم قال: هو جدّك، لا ندفعك عنه)(47).
وإنّه لضحك الممثّل البارع على خشبة المسرح، لأنه انتزعه من قلبه العامر بالحقد انتزاعاً، إذ علم ما قصده أبو الحسن (عليه السلام) من مدح.. وقدح!. ولكنه ضحك كانت تظهر فيه صورة التكشير عن الأنياب الناقعة بالسّم بوضوح.. وليس أجرأ على الله من (خليفة مسلمين) يفتعل مجلس عبثٍ ولهوٍ ومفاضلةٍ بين الشعراء، لينزل الإمام إلى نقاشٍ تافهٍ ليس من وظيفته السماوية، وليوقفه بمقابل عليّ بن الجهم الذي كان أشدّ النّاس عداوةً لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأبنائه (عليهم السلام)؛ ثم يحاول أن يجعل منه سميراً من سمّار القصر ونديماً من ندمان موائد القصف!. ولكنّ الإمام عرف كيف يطعنه في الصمّيم، حين تلا أبياتاً من الشعر أذلّت نفسه في عين نفسه، ولوت كبرياءه وعنجهيّة آبائه الذين اتّخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً، وزيّف الكبرياء والعزّة حين تكونان لغير الله ورسوله، وبغير الدّين وطاعة ربّ العالمين.
وممّا لا شكّ فيه أنّنا إذا اتّهمنا المتوكل بالغباء، نكون من أغبى الأغبياء.. ولكننا نحار في تصرّفاته التي انحصرت في الغضّ من جاه الإمام، مع علمه بما هو عليه من العناية الربّانيّة.
فإنه قد عرض إليه بالسّوء كثيراً، وواقعه مراراً، ونازل قدرة الله تعالى فيه مراراً وتكراراً.. فقد ذكر المحقّق الإربلي (أنه عرض عسكره - وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسرّ من رأى - وأمر كلّ فارس أن تملأ مخلاة فرسه طيناً، ويطرحوه في موضع واحدٍ - بعضه فوق بعض في وسط بريّةٍ واسعةٍ هناك - فلمّا فعلوا صار مثل جبلٍ عظيم؛ واسمه تلّ المخالي.
وصعد هو فوقه، واستدعى أبا الحسن (عليه السلام)، واستصعده وقال: إنّما طلبتك لتشاهد خيولي.. وكانوا قد لبسوا التجافيف - دروع الخيل - وحملوا السلاح، وقد عرضوا بأحسن زينةٍ، وأتمّ عدّةٍ، وأعظم هيئةٍ.. وكان غرضه أن يكسر قلب كلّ من يريد أن يخرج عليه؛ وكان يخاف من أبي الحسن أن يأمر أحداً من أهل بيته بالخروج على الخليفة.فقال أبو الحسن صلوات الله عليه: فهل أعرض عليك عسكري؟!.
قال: نعم.
فدعا الله سبحانه، فإذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدجّجون - لابسون للسلاح - فغشي على المتوكل!.
فلمّا أفاق، قال له أبو الحسن: نحن لا ننافسكم في الدّنيا، فإنّا مشغولون بالآخرة. فلا عليك شيء ممّا تظن)(48).
ولكن، أنّى لقولة الإمام أن تدخل إلى سمع خليفةٍ أعطى أذنيه للوشّائين ووضع لحيته في أيدي المشّائين بنميم!. وأنّى لها أن تدخل بسهولة إلى قلبه المظلم، فإنّ الكره لا ينقلب إلى حبّ على الماشي عند عبدة الدّنيا، والخليفة هذا محاط بكذبةٍ يزيّنون له الأمور، ويضعون رأسه في سعير التنّور!.فدلّوني متى كان هذا (المتوكل) متوكلاً على الله أثناء خلافته، وقبلها؟!
المصادر :
1 - ابن السكّيت هو يعقوب بن إسحاق النحوي المعروف المتوفى سنة 245 هـ. وكان سبب موته أنه اتّصل بالمتوكل فقال له: أيّهما أحبّ إليك: المعتزّ والمؤيّد، أو الحسن والحسين؟ فتنقص ابن السّكّيت ابني المتوكل، وذكر الحسن والحسين(عليهما السلام) بما هما أهل له، فأمر الأتراك فداسوا بطنه فحمل إلى داره فمات رحمه الله.. انظر التاريخ الكامل لابن الأثير: ج 5 ص 300. وتجد حديثه مع الإمام (عليه السلام) في الكافي: م 1 ص 124 أيضاً.
2 - المصدر السابق.
3 - في سنة 240 هـ. غزل يحيى بن أكثم عن القضاء، وقبض منه ما مبلغه خمسة وسبعون ألف دينار وأربعة آلاف جريب في البصرة، كما في الكامل لابن الأثير: ج 5 ص294 4 - وقيل أعطاها لابن السّكّيت، فأملى الإمام (عليه السلام) أجوبتها عليه، وما ذكرناه هو الأصح.
5 - النمل: 40.
6 - يوسف: 100.
7 - يونس: 94.
8 - لقمان: 27.
9 - الزخرف: 71.
10 - الشورى: 50.
11 - الطلاق: 2.
12 - النمل: 40.
13 - يوسف: 101.
14 - يونس: 94.
15 - آل عمران: 61.
16 - لقمان: 27 وفي مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 404
17 - طه: 115.
18 - الشورى: 50.
19 - الفرقان: 69 - و 70.
20 - هو الزّبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى الأسد، وهو ابن صفيّة بنت عبد المطلب،
21 - ص: 39.
22 - بحار الأنوار: ج 50 من ص 164 إلى ص 172 ومناقب آل أبي طالب: ج 4 من ص 403 إلى ص 405
23 - المصدر السابق.
24 - النساء: 108.
25 - البقرة: 15.
26 - الفرقان: 27.
27 - بحار الأنوار: ج 50 ص 214 نقلاً عن كتاب الاستدراك عن ابن قولويه.
28 - الأعراف: 118 - و 119.
29 - محمد : 24.
30 - براءة: 25.
31 - بحار الأنوار: ج 50 ص 162 - 163 ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 402 والاحتجاج: ج 2 ص 453 - 454 وتحف العقول: ص 481 وفي الكافي: م 1 ص 463
32 - الآيتان في غافر: 84 - 85. وانظر الاحتجاج: ج 2 ص 454 وبحار الأنوار: ج 50 ص 172
33 - المصدر السابق.
34 - الوسائل: م 18 ص 16.
35 - المصدر السابق.
36 - الوسائل: م 18 ص 7.
37 - محمد: 14.
38 - الوسائل: م 18 ص 11.
39 - الوسائل: م 18 ص 157.
40 - طه: 72.
41 - الإرشاد: ص 312 وكشف الغمة: ج3 ص 171 وإعلام الورى: ص 345 - 346 وبحار الأنوار: ج 50 ص 159 - 160 والكافي: م 1 ص 502
42 - بحار الأنوار: ج 50 ص 128 وص 203 بلفظ قريب، وهو في مدينة المعاجز: ص 542.
43 - ص: 36.
44 - بحار الأنوار: ج 50 ص 203 - 204 ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 407.
45 - النساء: 108.46 - هو الحمّانيّ، من تميم، من العدنانية: أبو زكريّا، يحيى بن عبد الرّحمن بن ميمون الكوفي.
47 - بحار الأنوار: ج 50 ص 128 - 129 و ص 190 - 191 ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 406 ومدينة المعاجز: ص 542.
48 - الأنوار البهية: ص 253 - 254 وكشف الغمة: ج 3 ص 185 وبحار الأنوار: ج 50 ص 155 - 156