عربي
Wednesday 28th of August 2024
0
نفر 0

تعدّد المذاهب في الديانات

تعدّد المذاهب في الديانات

بنظرة عابرة يلقيها الباحث في تاريخ الأديان والمبادئ يجد أنّ ظاهرة تعدّد المذاهب والفرق تشكّل سمة وحالة لازمة ثابتة في جميع الأديان.
ففي بداية كلّ دين وأثناء حياة مؤسّسه يكون مدرسة واحدة وتيّاراً واحداً أمّا بعد فترة من الزمن وبعد ارتحال المؤسّس من الدّنيا فعادة ما يحصل الاختلاف والانشقاق بين أتباع ذلك الدّين وتتعدّد المذاهب والفرق ضمن الدّين الواحد ، وفي مرحلة لاحقة يحدث الانشقاق والتعدّد داخل كلّ مذهب من المذاهب المتفرّعة عن الدّين الرئيسي.
فرق اليهودية
ففي اليهودية مثلاً هناك فرق عديدة تختلف فيما بينها على فهم الديانة وطقوسها وتعاليمها منها فرقة الفرّيسيين ؛ أي المنعزلون والمنشقّون كما يطلق عليهم بينما هم يسمّون أنفسهم الأحبار في الله أو الرّبّانيّون.
ويرى هؤلاء الفرّيسيّون أنّ التوراة بأسفارها الخمسة خلقت منذ الأزل ، وكانت مدوّنة على ألواح مقدّسة ثمّ أوحي بها إلى نبي الله موسى.
ويرون أنّ التوراة ليست هي كلّ الكتب المقدّسة التي يعتمد عليها وإنّما هناك بجانبها روايات شفوية ومجموعة من القواعد والوصايا والشروح والتفاسير تعتبر توراة شفوية يتناقلها الحاخامات جيلاً بعد جيل وهي التي يطلق عليها التلمود.
وهناك فرقة ( الصّدوقيون المنتسبون إلى صادوق الكاهن الأعظم في عهد سليمان ، أو إلى كاهن آخر بهذا الاسم وجد في القرن الثالث قبل الميلاد ، وينقل عن هؤلاء إنكارهم للبعث والحياة الأخرى والجنّة والنّار والتعاليم الشفوية التلمود.
ومن فرق اليهودية فرقة القرّاءون وهم لا يعترفون إلّا بالعهد القديم كتاباً مقدّساً وينكرون التلمود ويقولون بالاجتهاد الذي يسمح لهم برفض أو تغيير بعض تعاليم وآراء السلف الماضي.
وأيضاً هناك فرقة الكتبة والمتعصّبون وغيرها من الفرق العديدة في الدّيانة اليهودية (١).
طوائف المسيحية
والدّيانة المسيحية هي الأخرى تعدّدت فيها المذاهب والطوائف قديماً وحديثاً ، وكان منشأ الخلاف والتعدّد هو تحديد طبيعة السيّد المسيح عليه السلام حيث يرى مذهب النسطوريين المنسوب إلى نسطور بطريرك القسطنطينية سنة ٤٣١ : أنّ مريم لم تلد إلهاً بل ولدت عيسى إنساناً غمره اللاهوت فيما بعد فاتّحدت فيه طبيعتان الإنسانية واللاهوتية بينما يعتقد المذهب اليعقوبي نسبة إلى داعيته يعقوب البرادعي والذي أخذت به الكنائس الشرقية أنّ طبيعة المسيح واحدة منذ ولادته فللسيّد المسيح ـ في نظرهم ـ أقنوماً إلهياً واحداً اتّحد بالطبيعة الإنسانية اتحاداً تامّاً بلا اختلاط ولا امتزاج ولا استحالة.
وعلى أساس هذين القولين وبالتطوير والتغيير فيهما نشأت طوائف أخرى كالملكانية والمارونية (2).
ولم يقتصر الخلاف بين الطوائف المسيحية على تحديد طبيعة المسيح بل تطوّر وتبلور في مختلف المجالات العقيدية والعبادية والسلوكية وأبرز الطوائف المسيحيةحالياًهي :
(١) ـ الكاثوليك : وكنيستهم تسمّى الكنيسة الكاثوليكية أو الغربية أو اللاتينية أو البطرسية أو الرّسولية نسبة لمؤسّسها الأوّل بطرس كبير الحواريين ورئيسهم ، والباباوات في روما خلفاؤه.
(٢) ـ الأرثوذكس : وتسمّى كنيستهم كنيسة الرّوم الأرثوذكسية أو الشّرقية أو اليونانية فأكثر أتباعها من الروم الشرقيين وروسيا والبلقان واليونان وكان مقرّها الأصلي القسطنطينية وقد انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية أيام ميخائيل كارو لاريوس بطريرك القسطنطينية سنة ١٠٥٤ م وهي الآن مؤلّفة من عدّة كنائس مستقلّة.
(٣) ـ البروتستانت : وتسمّى كنيستهم الكنيسة الإنجيلية ، ويرون أنّهم يتبعون الإنجيل دون غيره ، ويعطون الحقّ لكلّ أحد في فهم الإنجيل فليس ذلك وقفاً على رجال الكنيسة فقط ، وتنتشر البروتستانت في ألمانيا وانجلترا والدانمارك وهولندا وسويسرا والنرويج وأمريكا الشمالية (3).
ولإقرار مذهب البروتستانت حرّيّة الفكر والاجتهاد فقد تعدّدت شعبه وفرقه ، ويختلف بعض هذه الطوائف عن البعض الآخر إلى حدّ أنّهم لا يكادون يبدون فرعاً لمذهب واحد واستمر انقسام طوائف البروتستانت حتّى اليوم إذ أصبح هناك٢٠٠ طائفة مختلفة ولا تزال طوائف جديدة في سبيل الظهور.
وفي أوائل عام١٩٦٠ م بلغ عدد الكائوليك في العالم٣٥٣ مليوناً والأرثوذكس١٣٧ مليوناً والبروتستانت ١٧٠ مليوناً (4).
اتـّجاهات البوذية
رغم أن البوذية المنسوبة إلى بوذا الذي نشأ في الهند خلال القرن الخامس قبل الميلاد أقرب إلى الحالة الفلسفية الأخلاقية منها إلى الدّين العقائدي المتكامل ، إلّا أنّها أيضاً تعدّدت فيها الاتّجاهات والفرق.
وقد قسّمها العلماء حسب الطابع العام إلى البوذية القديمة والبوذية الجديدة.
فالبوذية القديمة صبغتها أخلاقية ، وميزتها سذاجة المنطق وإثارة العاطفة ، وطابعها الحضّ على الخضوع لقوانين النظام ، أمّا البوذية الجديدة فهي عبارة عن تعاليم بوذا مختلطة بآراء دقيقة في الكون وأفكار مجرّدة عن الحياة والنّجاة ، مؤسّسة على نظريات فلسفية ، وقياسات عقلية ، قد سمحت بها قرائح المتأخرين.
ومن أبرز الفرق الفلسفية البوذية :
ـ فرقة تقول بوحدانية الله ، وأنّه أوجد أوّلاً عدداً محدوداً من الأرواح ، ثمّ ترك الإنشاء والتعمير مكتفياً بما وضعه في العالم من قوانين وقوى كالبذور تسير سيرها الطبيعي وهذه الأرواح هي التي تخلق الخير والشرّ.
ـ وفرقة ترى أنّه أودع هذه الأرواح التي أرسلها للعالم قوى تستطيع منها أن تعرف الخير من الشرّ ، ومن أجل ذلك لا يرسل الله رسلاً اكتفاء بذلك.
ـ وتتكلّم كلّ الفرق عن التناسخ وارتباطه بالكارما ، ولكن بعض الفرق ترى تناسخ النوع الإنساني مقصوراً عليه ، وتناسخ الحيوان مقصوراً عليه ، فلا تنتقل روح من إنسان إلى حيوان ولا العكس ، وتزيد فرقة أخرى أنّ روح العالم لا تنتقل إلى صانع وهكذا (5).
سائر الديانات والاتـّجاهات
ولو تتبّعنا واستقرأنا سائر الديانات والاتجّاهات لوجدناها تشترك جميعاً في ظاهرة تعدّد المذاهب والطّوائف فالديّانة السيخية وهي واحدة من أحدث الدّيانات في العالم حيث ظهرت إلى الوجود في القرن الخامس عشر الميلادي في الهند ، على يد ناناك الذي سعى إلى استحداث ديانة جديدة زعم أنّها تصل بين الإسلام والهندوسية ويصل عدد اتباع هذه الدّيانة إلى حوالي١٣ مليون يتركّز حوالي٩ ملايين منهم في ( البنجاب ) ويتوزّع الباقون في سائر أنحاء الهند.
هذه الدّيانة على محدوديتها وحداثتها تنقسم الآن إلى خمس طوائف رئيسية (6).
والاشتراكية الشيوعية هي الأخرى لم تعد مدرسة واحدة بل تعدّدت فيها الاتجاهات ففي حياة كارل ماركس ( ١٨١٨ ـ ١٨٨٣ م ) انشقّت الاشتراكية على نفسها سنة ١٨٧٣ م إلى فريق باكونين وفريق كارل ماركس ثمّ وقع انقسام آخر في الحركة الاشتراكية في فرنسا وفي مؤتمر رانس سنة ١٨٨١ م وبعد ذلك بعام في مؤتمر سانت اتيين بين الإمكاينين والماركسيين فالأوّلون كانوا يقولون بإجراء إصلاحيات تدريجية في سبيل تحقيق الاشتراكية في النهاية وهاجموا برنامج الحدّ الأدنى الذي وضعه ماركس.
وقسّم ريمون آرون R.aron الماركسية إلى أسر مقدّسة متباينة : فهناك ماركسية كنتية ( نسبة إلى فلسفة كانت الأخلاقية ) حين تضع الاشتراكية هدفاً لها إيجاد ضمير أخلاقي اتّجاه الواقع الرأسمالي ، وهناك ماركسية هيكلية تستند خصوصاً إلى ظاهرية العقل لهيجل ؛ وهناك ماركسية ذات نزعة علمية مستمدّة من كتاب ضد دورنج (7).
معروف افتراق الشيوعية في الصّين على يد ماوتسي تونغ عن سياسة شيوعية الاتحاد السوفيتي كما أنّ الأحزاب الاشتراكية في أوروبا الغربية تأخذ إلى حدّ ما منحى مستقلاً فكرياً وسياسياً.
المذاهب الإسلامية
ولم يكن الإسلام بمنأى عن هذه الظاهرة ، بل حدث له ما يحدث لكلّ الأديان والمبادئ من انقسام أتباعه إلى عدّة مذاهب ومدارس وفرق.
ويروي بعض أصحاب الحديث عن رسول الإسلام محمّد صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان يتوقّع حصول هذه الفرق والانقسامات في أمّته وفقاً لما حصل للأديان السّماوية السّابقة كاليهوديّة والمسيحيّة والمجوسيّة.
حيث يروى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : افترقت اليهود على إحدى أو اثنين وسبعين فرقة وافترقت النصارى على إحدى أو اثنين وسبعين فرقة وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة (8).
وقد ورد هذا الحديث بصورة مختلفة في أغلب مصادر الحديث عن فرق المسلمين (9) ، وناقش العديد من العلماء مدى صحّة الحديث من حيث سنده ومن حيث انطباقه على الواقع الخارجي يقول العلامة الشيخ جعفر السبحاني :
وعلى كل تقدير فيجب إمعان النظر في المراد منه على فرض صحّة سنده والظاهر من الحديث أنّ أمّته تفترق إلى تلك الفرق الهائلة حقيقة غير أنّ المشكلة عند ذلك هو بلوغ الفرق الإسلامية هذا العدد ...
ثمّ إنّ الذين ذهبوا إلى صحّة الحديث تمايلوا يميناً ويساراً في تصحيح مفاده بعد الإذعان بصحّة إسناده فقالوا : إنّ المراد من ذلك العدد الهائل هو المبالغة في الكثرة كما في قوله سبحانه : (إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ) (10).
وأنت خبير بأنّ هذه المحاولة فاشلة لأنّها إنّما تصحّ إذا ورد الحديث بصورة سبعين أو غيرها من العقود العددية فإنّ هذا هو المتعارف ولكن الوارد غير ذلك ، فترى أنّ النبيّ يركز في حقّ المجوس على عدد السبعين وفي حقّ اليهود على عدد الإحدى والسبعين وفي حقّ النّصارى على اثنين وسبعين وفي حقّ الأُمّة الإسلامية على ثلاث وسبعين وهذا التدرج يعرب بسهولة عن أنّ المراد هو البلوغ إلى هذا الحدّ بشكل حقيقي لا بشكل مبالغي ...
وهناك محاولة جيدة لمحقق كتاب الفَرْقُ بين الِفرَقِ : وهي أنّه على فرض صحّة الحديث لا ينحصر الافتراق فيما كان في العصور الأولى فإنّ حديث الترمذي يتحدّث عن افتراق أُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأُمّته مستمرّة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين فيجب أن يتحدّث في كلّ عصر عن الفِرَق التي نجمت في هذه الأمّة من أوّل أمرها إلى الوقت الذي يتحدّث فيه المتحدّث ، ولا عليه إن كان العدد قد بلغ ما جاء في الحديث أو لم يبلغ ، فمن الممكن بل المقطوع لو صحّ الحديث وقوع الأمر في واقع الناس على وفق ما أخبر به (11).
وبعيداً عن هذا الحديث فإنّ تاريخ الأُمّة الإسلامية وواقعها المعاصر يحكي عن تعدّدية في المذاهب والمدارس أبرزها حالياً :
ـ السنّة بمذاهبها الأربعة : ( المالكي ـ الحنفي ـ الشافعي ـ الحنبلي ).
ـ الشيعة بطوائفها الثلاثة : ( الإمامية الاثنى عشرية ـ الزيدية ـ الإسماعيلية ).
الخوارج والمعروف منهم حالياً : ( الإباضية ).
المصادر:
1- اليهودية للدكتور أحمد شلبي : ٢٢٧ ـ ٢٣٤.
2- المسيحية للدكتور أحمد شلبي : ١٦٢ ـ ١٦٤.
3- المصدر السابق : ١٩٩ و ٢٠٠ و ٢٠٢.
4- قصة الديانات لسليمان مظهر : ٤٦٢ ـ ٤٦٣.
5- أريان الهند الكبرى للدكتور شلبي : ١٨١ ـ ١٨٢.
6- مجلة العربي الكويتية عدد ٣٤٨ : ١٠.
7- موسوعة الفلسفة ٢ : ٤١٨ ـ ٤١٩.
8- المستدرك على الصحيحين ١ : ١٢٨.
9- السنن الكبرى للبيهقي ١٠ : ٢٠٨ ومسند أحمد بن حنبل ٢ : ٣٣٢ وسنن ابن ماجة ٢ : ١٣٢٢ الحديث ٣٩٩٢ وعن طرق الشيعة في كتاب سليم بن قيس : ٣٣٢ وأمالي الطوسي : ٥٢٣ ..
10- التوبة : : ٨٠.
11- بحوث في الملل والنحل ١ : ٣٥ ـ ٣٧

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تحذير التوراة لبني إسرائيل
التوسّل النبیّ (صلی الله علیه وآله)
تعدّد المذاهب في الديانات
الأصبغ بن نباتة رجل الثبات والاستقامة
تعظيم الشعائر.. وإحياء أمرهم [عليهم السلام]
الامام الخميني: إحياء شهري "محرم وصفر" هو ...
((مواعظ حسنة))
فلسفة الاخلاق في الاسلام
التفسير المعقول
الخروج على القانون

 
user comment