عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

جمال المرأة تجلي لخلق الله

جمال المرأة تجلي لخلق الله


كل كائن هو مظهر اسم من الاسماء الإلهية ؛ لأن الخلق الذي هو من الأوصاف الفعلية لله ، وليس من أوصافه الذاتية ، هو عبارة عن تجلي الخالق في وجوه الكائنات المتنوعة ؛ كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( الحمد لله المتجلّي لخلقه بخلقه ) (1) .
عنوان التجلي من ألطف التعابير العرفانية التي ذكرت في القرآن وأحاديث العترة ، واستقطب السالكين ذوي التفكير البعيد والنظرة البعيدة ؛ لأن السالك المحب يعرف العلامة المقصودة قبل الباحث المفكر ويلتذ بها ، ولا يكتفي أبداً بسماع صوت جرس قافلة طريق الحق بل يسعى للعبور من العلم إلى العين ومن السماع إلى اللقاء .
« قال أمير المؤمنين علي عليه السلام عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم »( أمالي الصدوق المجلس الأربعون )
ان تجلي الحق له درجات متنوعة بعضها عامل لانهيار الجبل الراسخ الذي هو حافظ ومثبت للأرض ؛ ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكّاً وخرّ موسى صعقاً ) (2) ، وبعضها أساس إقامة اقدام المنكسرين وايصالهم من حضيض الذلة إلى ذروة العزة ؛ كما ان رفع المستضعفين ووضع المستكبرين (3) قائم على هذا الأساس أيضاَ .
إن التشكيك المشهود في درجات التجلي يعود إلى درجات الظهور التي يتأمن بها العرفان ، وليس إلى درجات الوجود حيث تنظم الحكمة المتعالية على ذلك الأساس ، لأن عالم الخلق بجميع شؤونه المتنوعة أقل من ان يكون مساهماً في أساس الوجود فشدته وضعفه هو في الظهور وليس في الوجود .
إن تجلي الحق يكون أحياناً عامل موت ، وأحياناً أساس حياة . كما أن ملك الموت كملك الحياة كلاهما تجلّ لله ، يظهر أحدهما حين إعطاء الأرواح للأحياء والآخر حين قبض الأرواح منهم ، لذا ذكر الإمام السجاد عليه السلام مسألة قبض روح الإنسان بواسطة عزرائيل عليه السلام باعتبارها تجلّي ملك الموت من حجب الغيب فقال : ... وتجلى ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب (4) .
من هنا فإن إماتة الحق هي تجلّيه ، كما أن إحياءه هو تجلّيه .
ان أنسب تعبير لعالم الامكان هي عبارة ( آية ) ، بمعنى العلامة التي ترافقها الثقافة الفنية والقوية للقرآن ، ولأن كل موجود إمكاني بكل ذاته وصفته وفعله هو آية لله . فهو ليس لديه شيء من نفسه ، لأنه يكون في ذلك الحال حاجباً وليس آية . لأن المستقل لا يبين غيره ، وإن تصور الاستقلال هو أيضاً حاجب شهود يمنع من مشاهدة الله المتجلي ، مع ان وجه الله ظاهر أينما تنظر : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، ولكن الإنسان المختال والمتوهم الذي يعيش في حجاب وهم الانانية أو الغيرية محروم من لقاء الحق .
ولأن الله هو بسيط الحقيقة وليس فيه آية كثرة وتعدد ، لذا فأوصافه الذاتية هي عين ذاته بناء على هذا فإن اسماءه الحسنى كلها آية الذات الأحدية ، أي أن كل اسم معه جميع الكمالات الذاتية والوصفية والفعلية ، واختلاف الاسماء الإلهية بغض النظر عن المحيط والمحاط ، وبصرف النظر عن التقسيمات الأخرى ، هو في ظهور وخفاء الكمالات فقط ، أن أن كل اسم فيه جميع الكمالات الإلهية ومظهرها كلها ، ولكن هناك اختلاف بين الاسماء في ظهور وخفاء تلك الكمالات . بناء على هذا فان مظهر كل اسم لديه كمالات الاسماء الأخرى ، وان لم تظهر الكمالات المزبورة فيه فعلاً .
ان الجلال والجمال وهما من الاسماء الإلهية لهما مظاهر متنوعة ، ولكن لأن جلال الحق كامن في جماله وجماله مستور في جلاله فان الشيء الذي هو مظهر الجلال الالهي فيه جمال الحق ، والشيء الذي هو مظهر جمال الله يكون فيه الجلال الالهي . والمثال البارز لاستتار الجمال في كسوة الجلال يمكن استنباطه من آيات القصاص والدفاع ، أي أحكام القصاص والاعدام ، والاماتة وإرافة الدماء ، والقهر ، والانتقام ، والغضب والسلطة ، والاستيلاء وأمثالها ، التي تعد من مظاهر الجلال وجنوده الخاصّين ، ويقابلها الإحياء وصيانة الدم والرأفة والتشفي ، والسرور وأمثالها التي تعد من مظاهر الجمال وجنوده الخاصّين ، كما يقول الله صاحب الجلال والجمال : ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ) (5)
أي أن هذا الإعدام الظاهري ينطوي على إحياءت في باطنه ، ويمنع من القضاء الظالم للآخرين ، وهذا الموت الفردي يؤمن الحياة الجمعية للمجتمع ، وهذا الغضب الزائل تتبعه رحمة مستمرة و ... وكما يقول تعالى بشأن الدفاع المقدس والقتال عند هجوم الأعداء : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) (6) هذه الآية نزلت في سياق آيات القتال والدفاع .
وهي سند ناطق لدفع توهم الذين كانوا يرون ان الموت في سبيل الله فناء ويتصورن أن الجهاد والدفاع هلاك ، وخلاصته مضمونها هو أن محاربة محاربة المعتدين والثورة على القهر والاقدام في ساحة الحرب مع الباطل هي مظهر الجلال الالهي ، ولكن يرافقها الصلح مع الحق والتسليم أمام القسط والعدل وتأمين حياته والآخرين ، وهي كلها من مظاهر جمال الله . طبعاً جميع الأوامر السماوية هي حياة ، والحياة لا تختص بالجهاد والدفاع ، لكن الآية المتقدمة نزلت في قضية الحرب مع الباطل والايثار والتضحية في طريق الحق ، حيث يقول : إن اجابة دعوة منادي الجهاد تضمن حياتكم ، كما يقول بعد القيام والاقدام والجهاد والاجتهاد والحضور في ساحة محاربة الظلم ونيل مقام الشهادة الشامخ : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ) (7)
فالدفاع وهو مظهر جلال الله سيكون عاملاً ضامناً للحياة الفردية والجماعية وضامناً لحياة سليمة في الدنيا والآخرة ، وهذا هو استتار الجمال في ظل الجلال واشتمال كسوة الجلال على نواة مركزية للجمال .
ويلزم التوجه إلى أن انسجام الغضب والرحمة وتضامن الجلال والجمال لا يختص بالمسائل المذكورة كالقصاص والدفاع ، بل هو كامن في كل الشريعة ومشهود في كل شؤونها ، بحيث أن كل إرادة كامنة في الكراهة ، وكل اشتياق مستتر في الاستياء ، لذا يقول تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ) (8)
أي أن القتال الذي يعد ظاهراً شراً وعامل كراهة في داخله خير وسيكون أساس إرادتكم ، وفي المسائل العائلية أيضاً يعد تحمل بعض المصائب شرّاً في الظاهر ولكن سوف يكون في داخله خير لا يحصى وهو ترسيخ الأسرة وحراسة كيانها ، كما قال : ( فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) (9)
الخلاصة هي أن التكليف الإلهي وان رافقه كلفة ومشقة فهو بدوره آية لجلال الله ، ولا يكون باطنه إلا تشريفاً وهو آية جمال الله . لذا يتشرف كل مكلف ، وهذه الكلفة والمشقة العابرة في امتثال الأوامر الالهية تجلب شرفاً راسخاً ، من هنا نقرأ في القرآن الكريم بعد الأمر بالوضوء والغسل والتيمم « ان الله يريد أن يطهركم » أي ان هذا التكليف الظاهري يرافقه تطهير معنوي يعمل على ضمان جمال القلب : .. ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) (10)
فكما أن زكاة المال هي ظاهراً عامل نفاده ونقصانه ، ولكن باطنها معبأ بالنمو والنضج ، ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) (11)
( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) (12)
والشاهد على استتار الجمال في كسوة الجلال هو ان الجنة تقع في باطن مشقات ومصاعب السير والسلوك والصبر والاستقامة في الجهاد الأصغر والأوسط والأكبر : حفّت الجنة بالمكاره . كما أن الجلال واقع في باطن بعض الجمالات : حفّت النار بالشهوات ، لأن الشهوات واللذات والنشاطات وأمثالها هي مظاهر الجمال ، وإذا لم توازن وتجاوزت حد الحلال وأخذت جنبة حيوانية محضة فانه سيرافقها في باطنها غضب الله .
أن أهم مثال لاختفاء الجمال في وجه الجلال وأفضل شاهد على أن الجمال كامن في ظل الجلال وعلى استتار الرحمة في كسوة الغضب هو تبيين وضع جهنم أو أنواع العذاب الأخرى كما في سورة الرحمن التي نزلت للتذكير بالنعم الالهية الخاصة وتطلب من جميع المكلفين اعترافاً وتسد عليهم طريق أي نوع من التكذيب ، أعلن فيها أن جهنم ونيرانها المحرقة نعم إلهية خاصة ، ويؤخذ من الجميع إقرار بأن تكذيبها لا يجوز ، ولا يمكن إنكار أصل وجودها وكونها نعمة إلهية ، قال تعالى : ( هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن * فبأي آلاء ربكما تكذبان ) (13)
وكما ان عذاب جهنم يرافقه انسجام الجلال والجمال ، كذلك عذاب الاستئصال وتدمير الدنيا يرافقه انسجام الغضب والرحمة وجلب النقمة والنعمة معاً ، كما يستفاد من الآيات : ( وانه هو ربّ الشعرى * وانه أهلك عاداً الأولى وثمودا فما ابقى * وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى * والمؤتفكة أهوى * فغشاها ما غشى * فبأي آلاء ربك تتمارى ) (14)
لأن اسقاط الطواغيت والنظام الظالم القمعي يعدّ من الآلاء والنعم الإلهية . ولا يرى جواز أية مرية وشك في ذلك ، ورغم أن إنكار نعم الله وكفرانها له جزاء كجزاء الأقوام المذكورة ولكن ظاهر الآيات المذكورة هو أن إسقاط نظام الظلم قائم على أساس الرأفة الإلهية بالمحرمين ، أي ان تلك الرأفة والجمال ظهرتا في ظل الغضب والجلال واختلط رفع المحرومين مع وضع المستكبرين لكي ينتصر كوثر الصبر والحلم على تكاثر البطر والأشر .
هذا المزج بين الغضب والرأفة له ظهور في كل كائن بمقدار سعة وجود ذلك الكائن ، أي هو في الكائنات المجردة التامة أقوى من الكائنات المستكفية ، وفي الكائن المستكفي أقوى من الكائنات الناقصة ، وفي ذات الله الذي هو فوق الجميع يبلغ الكمال المحض .
نشأة الكثرة ومنطقة المادة لأن ظهورها الجمعي قليل لا يشعر بانسجام واتحاد هذين الوصفين : الجمال والجلال ، بل يظهر وكأن بعضها فقط مظهر غضب ليس فيها رأفة ، وبعضها محور رأفة بلا غضب ، لكن البرهان والعرفان حاكمان على الحس ويصلحان نقص الشعور بالتحليل المفهومي أو التجليل الشهودي ؛ لأنه ليس ممكناً أن يكون شيء آية الله تعالى ولا يظهر جميع أوصافه . طبعاً هناك تمايز بينها في كيفية كونها آيات وكيفية الإظهار .
إن الإنسان الكامل بسبب انه جامع لجميع الكمالات الامكانية ؛ لأنه مظهر جميع الاسماء يظهر هذا الانسجام أفضل من الكائنات الأخرى ، لذا رفض الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم اقتراح اللعن في قضية معركة اُحد رغم تحمل جميع المشقات وقال : لم أبعث لعّاناً بل بعثت داعياً ورحمة ، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون .
ان هذا المزج بين الغضب والرأفة يسمى هجراً جميلاً ، وقد كان النبي مأموراً بذلك : ( واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً ) (15)
كما أن أساس الوظيفة أمام الأمر الالهي هو الصبر الجميل : ( فاصبر صبراً جميلاً ) (16) ومثال هذا المزج الميمون يمكن مشاهدته في قصة يعقوب المبتلى بهجران يوسف عليه السلام وعدم رأفة أبنائه ، كما جاء في القرآن الكريم : ( بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان ) (17) .
إن قابلية الإنسان الكامل فيها استطاعة مزج هاتين الصفتين الممتازتين ، وحفظ توازنهما في المسائل العامة والبسيطة ، لذا نبفس النسبة كان جلال غضب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يمتزج مع جمال رأفته في المسائل السياسية والعسكرية . وفي البحوث الثقافية كانا يمتزجان : ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وان الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل ) (18)
كان يحافظ أيضاً على ارتباطها في المسائل العائلية البسيطة كما أمر بذلك : ( فتعالين امتعكن واسرحكن سراحاً جميلاً ) (19)
ولأن خلاصة اخلاق الإنسان الكامل هو القرآن الكريم ، وكلاهما تجليا من منبع رفيع واحد ، مع اختلاف في أن أحدها أرسل والآخر أنزل وأحدهما نزل في صحبة الآخر ، أي أن القرآن نزل في معية الإنسان الكامل ، لا أن الإنسان الكامل أرسل في معية القرآن : ( واتبعوا النور الذي أنزل معه ) (20)
لذا فالقرآن أيضاً جامع للجمال والجلال الالهيين وفيه انسجام الغضب والرأفة ، كما ان الله عرف القرآن كدواء شافٍ مزيل للآلام ، لكنه ينتج ألماً وعامل خسارة : ( وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) (21) .
طبعاً إن تبيين جامعية القرآن بالنسبة إلى الشفاء والرحمة من جهة ، والخسارة من جهة أخرى وكذلك بالنسبة إلى الهداية من جهة والاضلال من جهة أخرى المذكور من الآية الكريمة ( . . يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين ) (22)
يتضح بالتأمل في نفس الآيات المذكورقة ؛ لأن تعليق الحكم في كلتا الآيتين على وصف مشعر بعلية ذلك الوصف ، أي أن وصف الظلم في الآية الأولى وصفة الفسق في الآية الثانية دليل على أن الظالم والفاسق هما كالمريض المصاب في جهاز الهضم ولا يستطيع هضم الفاكهة الطيبة واللذيذة ويقوم برد فعل بدلاً من القبول ، لذا يزداد مرضه ، وإلا فإن أساس المرض لا يكون من القرآن . كما ان أساس الضلالة والخسارة أيضاً ليس من الأوصاف السلبية للقرآن وبعيد عن ساحة قدسه ، ولكن هذا الإضلال العارضي والخسارة الثانوية التي هي مظهر غضب الله تكون منسجمة مع تلك الهداية الإبتدائية والمستمرة والذاتية والأصلية وأيضاً مع ذلك الشفاء المستمر .
الخلق ممزوج بالجمال في رؤية القرآن الكريم ، الجمال النفسي والجمال النسبي ، سواء في حدود الكائنات المادية أو في منطقة الكائنات المجردة والمعنوية ، ولكن الجمال النفسي لكل كائن في حد ذاته سواء كان مادة أو مجرداً يحصل استنباطه من انضمام آيتين في القرآن ، آية ( الله خالق كل شيء ) ، التي تدل ان كل شيء غير الله هو مخلوق من قبل الله ، سواء كان مجرداً أو مادياً ، وسواء كان من الذوات أو من الصفات الثانية ، وآية ( الذي أحسن كل شيء خلقه ) ، التي تدل على ان كل شيء خلقه الله ، خلقه جميلاً ، ولا يوجد أي نقص وعيب نفسي في وجود المخلوقات ، سواء كانت النشأة مادة أو منظقة مجردة ، وسواء كانت منطقة ذوات الأشياء أو النشأة وأوصافها .
أما الجمال النسبي لبعض المخلوقات بالنسبة إلى بعض المخلوقات الأخرى فيحصل استظهاره من دراسة عدة آيات إحداها آية ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ) وآية ( زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ) .
من هذه الآيات تتضح الزينة والجمال النسبي للمخلوقات المادية بالنسبة إلى بعضها البعض ، ويفهم من آية ( حبّب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان .... ) (23)
أن الله جعل الايمان محبوب القلوب وزينة لأرواح الناس ؛ ولأن الروح الإنسانية هي مجردة وليست مادية ، فالايمان أيضاً هو أمر معنوي وليس مادياً ؛ فان هذا الأمر المعنوي أي الايمان أصبح سبباً في جمال ذلك الأمر المجرد ، أي الروح الإنسانية . وقد بيّن في القرآن الكريم مفصلاً تمايز الجمال التكويني عن الاعتباري وامتياز الجمال الرحماني عن الزينة الشيطانية .
إن تقسيم الجمال إلى معنوي ومادي في القرآن الكريم ، ورد أيضاً في أحاديث أصحاب الولاية ومفسري القرآن الأصيلين ، فقد ورد في كلمات أمير المؤمنين علي عليه السلام : الجمال الظاهر حسن الصورة والجمال الباطن حسن السريرة (24) .
حسن النية جمال السرائر (25) .
ان الترغيب بالجمال والحث على العمل الجميل مشهود في القرآن وكلام العترة ، فقد أشار الله تعالى إلى الاستفادة من جمال الغنم ضمن عدّ المنافع الاقتصادية لتربية الغنم وقال : ( ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ) (26) .
و ورد في حديث الإمام علي عليه السلام أن الرجال المتقين خاشعون في العبادة ومتجملون رغم الفاقة والحاجة (27) . وقال في وصيته لكميل : معرفة العلم دين يدان به ، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الاحدوثة بعد وفاته (282) التجمل من أخلاق المؤمنين (29) ، وهذا التجمل الذي هو من أوصاف الرجال المؤمنين يشمل كلا قسمي الجمال ، رغم ان له شمولاً أكثر بالنسبة إلى الجمال المعنوي ، لذا قال الإمام علي عليه السلام لابنه الإمام الحسن عليه السلام : هكذا : « .. فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفي عنك وباله ؛ فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له (30) ، فجمال الإنسان يكون في المعارف والفضائل .
ونقظراً لأنه ليس هناك فرق بين المرأة والرجل في المسائل المذكورة ؛ لأن محورها كلها هو الإنسان ولا تؤثر خصوصية الذكورة والأنوثة في حقيقة الإنسان والايمان وأمثالها يمكن من الحديث الشريف المروي عن الإمام علي عليه السلام حيث قال : عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم ، فهم معنى أمريّ وليس معنى وصفيّاً ، أي لا يكون المقصود من الحديث الشريف وصف صنفين من الناس ، وان عقل المرأة محصور في جمالها ، حيث يكون في هذا جنبة ذم ، وان جمال الرجل معبأ في عقله حيث يكون في هذا جنبة مدح ، بل قد يكون معنى ذلك هو أمر أو وصف بنّاء وليس وصف قدح وذم ، أي ان المرأة مكلفة ، أو تستطيع إظهار عقلها وفكرها الإنساني في ظرافة العاطفة وجمال الكلام والسلوك وكيفية المحاورة ، المناظرة وكيفية التعامل والحكاية وأمثال ذلك ، كما ان الرجل مكلف ويمكنه إظهار فنه في فكره الإنساني وتفكيره العقلاني : فمثلاً يجب ان تستطيع المرأة جعل قداسة زوجة إبراهيم عليه السلام وكيفية تعاملها مع الملائكة وكيفية سماع بشارة الأمومة وحالة التعجب والقيام بإبراز الإنفعال الظريف بياناً للآية ( فاقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم ) (31)
والآية ( وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) التي ورد شرحها في متن الكتاب ، ولا تسهل أبداً هذه الطرائف الفنية التي تمثل عين الطرائف العقلية على الرجال الفنانين ، كما أن المرأة المتعلمة والعارفة بمعارف الشهادة والايثار والتضحية تستطيع بوصف الأم الحنون تشويق ابنها للجهاد وإظهار عقل طريف في ظل فن ظريف في توديعه عند الذهاب أو اظهار فكر وزين عقلي في لباس شوق وانتظار جميل وأمثال ذلك عند استقبال ابنها الشجاع الذي عاد منتصراً من ميدان القتال ، كما أن الرجال الفنانين يستطيعون مقابل ذلك أن يبتكروا فنوناً ظريفة في ظل عقل طريف .
الخلاصة أن المرأة يجب أن تظهر طرائف الحكمة في ظرائف الفن ، ويجب ان يظهر الرجل ظرائف الفن في طرائف الحكمة ، أي ان جلال المرأة كامن في جمالها ، وجمال الرجل يتجلى في جلاله ، وهذا التوزيع للعمل ليس ذماً للمرأة ولا مدحاً للرجل ، بل هو إرشاد وأمر عملي لكل منهما . وكل شخص مأمور بعمله الخاص ، وفي حالة التمرد على ذلك يستحق الذم ، ويظهر اختلاف المرأة والرجل في كيفية تقديم الأفكار الصحيحة . وإلا فالمرأة كالرجل لديها لياقة تعلم العلوم والمعارف ويجب تقديرها ومدحها ؛ كالرجل الذي يكون لائقاً لتقديم الفنون الظريفة ويجب مدحه وتقديره .
الخلاصة أن المرأة يجب أن تظهر طرائف الحكمة في ظرائف الفن ، ويجب ان يظهر الرجل ظرائف الفن في طرائف الحكمة ، أي ان جلال المرأة كامن في جمالها ، وجمال الرجل يتجلى في جلاله ، وهذا التوزيع للعمل ليس ذماً للمرأة ولا مدحاً للرجل ، بل هو إرشاد وأمر عملي لكل منهما . وكل شخص مأمور بعمله الخاص ، وفي حالة التمرد على ذلك يستحق الذم ، ويظهر اختلاف المرأة والرجل في كيفية تقديم الأفكار الصحيحة . وإلا فالمرأة كالرجل لديها لياقة تعلم العلوم والمعارف ويجب تقديرها ومدحها ؛ كالرجل الذي يكون لائقاً لتقديم الفنون الظريفة ويجب مدحه وتقديره .
المصادر :
1- نهج البلاغة ، الخطبة 108 .
2- سورة الأعراف ، الآية : 143 .
3- دعاء الافتتاح .
4- الصحيفة السجادية ، الدعاء 42 .
5- سورة البقرة ، الآية : 179 .
6- سورة الأنفال ، الآية : 24 .
7- سورة آل عمران ، الآية : 169 .
8- سورة البقرة ، الآية : 216 .
9- سورة النساء ، الآية : 19 .
10- سورة المائدة ، الآية : 6 .
11- سورة البقرة ، الآية : 276 .
12- سورة الروم ، الآية : 39 .
13- سورة الرحمن ، الآيات : 43 ـ 45 .
14- سورة النجم ، الآيات : 49 ـ 55 .
15- سورة المزمل ، الآية : 10
16- سورة المعارج ، الآية : 5 .
17- سورة يوسف ، الآية : 18.
18- سورة الحجر ، الآية : 85 .
19- سورة الأحزاب ، الآية : 28 .
20- سورة الأعراف ، الآية : 157 .
21- سورة الإسراء ، الآية : 82 .
22- سورة البقرة ، الآية : 26 .
23- سورة الحجرات ، الآية : 7 .
24- الغرر والدرر ، ج1 ص 313 .
25- المصدر نفسه ، ج3 ص 382 .
26- سورة النحل ، الآية : 6 .
27- نهج البلاغة ، الخطبة 193 .
28- الكلمات القصار 147 .
29- الغرر والدرر ، ج 1 ص 307 .
30- نهج البلاغة ، الرسالة 31 .
31- سورة الذاريات ، الآية : 29 .
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

دواء القلوب
المُناظرة العشرون /مناظرة الاِمام الكاظم عليه ...
محكمة الآخرة
الجبر والاختيار
سياحة في الغرب أو مسير الأرواح بعد الموت 3
صفات الخالق وخصائصه
آراء الحكماء في المعاد الجسماني
المناظرة الحادية عشر/سماحة الشيخ مصطفى الطائي
أسباب النزول بين العموم والخصوص
الصفات الذاتية الثبوتية

 
user comment