عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

طبيعة نشأة الشيعة

طبيعة نشأة الشيعة

الشيعة : القوم الذين يجتمعون على الأمر. وكل قوم اجتمعوا على أمر ، فهم شيعة. وكل قوم أمرهم واحد ، يتبع بعضهم رأي بعض ، فهم شِيَع ...
والشيعة : أتباع الرجل وأنصاره ، وجمعها شِيَع. وأشياع جمع الجمع.
ويقال شايعه ، كما يقال والاهُ ، من الوَلْيِ.
ومنه قوله تعالى : «وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لاَءِبْرَاهِيمَ» (1) أي من شيعة نوح.
وأصل الشيعة : الفرقة من الناس. ويقع على الواحد والاثنين والجمع ، والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد.
قال : وقد غلب هذا الإسم على من يتوالى عليّا وأهلَ بيته ، رضوان اللّه عليهم أجمعين ، حتى صار اسما خاصا ، فإذا قيل : فلان من الشيعة ، عُرِف أنّه منهم. وفي مذهب الشيعة كذا ، أي عندهم.
وأصل ذلك من المشايعة ، وهي المتابعة والمطاوعة.
ثم نقل عن الأزهري قوله : الشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويوالونهم (2).
يقول صاحب (الملل والنحل) :
«الشيعة هم الذين شايعوا عليا عليه‌السلام ، وقالوا بإمامته وخلافته ، نصا ووصاية ، إما جليّا وإمّا خفيّا ، واعتقدوا أنّ الإمامة لاتخرج من أولاده ، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره ، أو بتقيّة من عنده (3).
هذا التعريف يتسع للشيعة بأقسامها المتعددة ، غير أنّه بعد انقسام الشيعة إلى فرق متعددة ، بقي هذا العنوان (الشيعة) مرافقا للطائفة الكبيرة منهم ، وهم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ، فيما استقلت الفرق الاخرى بأسماء اختصت بها ، كالزيدية ، والإسماعيلية ، والواقفة.
فأصبح (الشيعة) هم الطائفة المعروفة بمشايعة ومتابعة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام ، أولهم الإمام علي ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم التسعة من ولد الحسين عليهم‌السلام على الترتيب المعروف ، والذي سيأتي ذكره في موضع لاحق.
فإذا قيل : فلان شيعي عُرِف أنّه منهم. أمّا إذا كان من غيرهم فينسب إلى التسمية الخاصة ، فيقال : فلان زيدي ، أو إسماعيلي. وهكذا.
وهكذا غلب اصطلاح التشيع على هذه الطائفة ، وانصرف المراد منه إليها ، إلاّ مع وجود قرينة تفيد شمول سائر فرق الشيعة.
طبيعة النشأة :
يتضح جليا من السيرة النبوية أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ومنذ فجر الرسالة ، قد أولى شخصا واحدا عناية خاصة ، شخصا كان يرشحه عمقُ وجوده في كيان هذه الرسالة ، اختاره ليعده إعدادا رساليا وقياديا خاصا ، لتتمثل فيه المرجعية الفكرية والزعامة السياسية للتجربة ، وليواصل بعده ـ بمساندة القاعدة الشعبية الواعية من المهاجرين والأنصار ـ قيادة الاُمة وبناءها عقائديا ، وتقريبها باستمرار نحو المستوى الذي يُؤهلها لتحمل المسؤوليات القيادية.
ولم يكن هذا الشخص المرشح للإعداد الرسالي القيادي ، والمنصوب لتسلم مستقبل الرسالة ، وتزعمها فكريا وسياسيا ، إلاّ عليّ بن أبيطالب ، الذي رشحه لذلك عمقُ وجوده في كيان الدعوة ، وإنه المسلم الأول ، والمجاهد الأول في سبيلها عِبَر كفاحها المرير ضد كلّ أعدائها ، وكذلك عمقُ وجوده في حياة القائد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنه ربيبُه الذي فتح عينيه في حجره ، ونشأ في كنفهِ ، وتهيأت له من فرص التفاعل معه والاندماج بخطه ، مالم يتوفر لأي إنسان آخر.

والشواهد من حياة النبي والإمام عليّ ، على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعدُّ الإمام إعدادا رساليا خاصا ، كثيرة جدا ، فقد كان النبي يخصه بكثير من مفاهيم الرسالة وحقائقها ، ويبدؤه ، بالعطاه الفكري والتثقيف إذا استنفذ الإمام أسئلته ، ويختلي به الساعات الطوال في الليل والنهار ، يفتح عينيه على مفاهيم الرسالة ومشاكل الطريق ، ومناهج العمل إلى آخر يومٍ من حياته الشريفة.
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي إسحاق ، سألتُ القاسم بن العباس ، كيف وَرث عليٌّ رسول اللّه؟ قال : « لأنه كان أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا ... » (4).
وروى النسائي في الخصائص عن الإمام عليّ أنه يقول : «كانت لي منزلةٌ من رسول اللّه لم تكن لأحدٍ من الخلائق؛ كنتُ أدخل على نبي اللّه كلّ ليلةٍ ، فإن كان يصلي سبّح فدخلت ، وإن لم يكن يصلي أذِنَ لي فدخلت» (5).
وروى أيضا عن الإمام عليّ عليه‌السلام قوله : « كان لي من النبي مدخلان مدخل بالليل ومدخل بالنهار ... » (6).
وروي عن الإمام أيضا انه كان يقول : « كنتُ إذا سألتُ رسول اللّه اعطيت ، وإذا سكتُّ ابتدأني ... » (7). ورواه الحاكم في المستدرك أيضا ، وقال : صحيح على شرط الشيخين (8).
وقال أمير المؤمنين في خطبته القاصعة الشهيرة ، وهو يصف ارتباطه الفريد بالرسول القائد ، وعناية النبي بإعداده وتربيته : « وقد علمتم موضعي من رسول اللّه بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولدٌ ، يضمني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسني جسده ، ويشمني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجَدَ لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ... ولقد كنتُ أتّبِعه اتّباع الفصيل أثر أمّه ، يرفع لي في كل يومٍ من أخلاقه علما ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاورُ في كل سنةٍ بحراء ، فأراه ولايراه غيري ، ولم يجمع بيتٌ واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول اللّه وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نورَ الوحي والرسالة ، وأشمُّ ريح النبوة ... » (9).
وإذا كانت الشواهد كثيرة على أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعدّ الإمام إعدادا خاصا لمواصلة قيادة الرسالة من بعده ، فالشواهد على إعلان الرسول القائد عن تخطيطه هذا ، وإسناده زعامة الدعوة الفكرية والسياسية رسميا إلى الإمام عليّ عليه‌السلام لا تقلُّ عنها كثرةً؛ كما نلاحظ ذلك في حديث الدار ، وحديث الثقلين ، وحديث المنزلة ، وحديث الغدير، وعشرات النصوص النبوية الأخرى.(10)
وهكذا وُجد التشيع في إطار الرسالة الإسلامية متمثلاً في هذه الإطروحة النبوية التي وضعها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بأمرٍ من اللّه ـ للحفاظ على مستقبل الرسالة.
وهكذا وُجد التشيع لا كظاهرة طارئة على مسرح الأحداث ، بل كنتيجة ضرورية لطبيعة تكوّن الرسالة وحاجاتها وظروفها الأصلية التي كانت تفرض على الإسلام أن يلدَ (التشيّع) ، وبمعنى آخر كانت تفرض على القائد الأول للتجربة ان يُعدَّ للتجربةِ قائدها الثاني الذي تواصل على يده ويد خلفائه نموها الثوري ، وتقترب نحو اكتمال هدفها التغييري في اجتثاث كل رواسب الماضي الجاهلي وجذوره ، وبناء أمة جديدة على مستوى متطلبات الرسالة ومسؤولياتها.
ولادة الاصطلاح والنواة الأولى للشيعة :
إذا كان التحليل المتقدم قد أثبت أن التشيع لعلي عليه‌السلام هو ضرورة لطبيعة تكوّن الدعوة ، ولمستقبلها ، فإنّ ظهور هذا الاصطلاح على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك تميّز النواة الأولى لهذا الاتجاه على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، خير ما يؤكد تلك النتيجة ، ويرفعها إلى مستوى الحقيقة التاريخية.
ولادة الاصطلاح : فأما على مستوى الاصطلاح ، فقد جاء أكثر من حديث نبوي ، يعلن عنه ، في إطاره التام ، الكاشف عن أغراضه وأبعاده المطابقة لثمرات التحليل السابق :
١ ـ أخرج أصحاب التفسير ، أنه لما نزل قول تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولـئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيِّةِ»(11). قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هم أنت يا علي وشيعتك» (12).
وفي رواية أخرى : «هم أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي عدوك غضابا مقمحين» (13).
٢ ـ أخرج ابن عساكر ، عن جابر بن عبداللّه الانصاري ، قال : كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل علي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «والذي نفسي بيده ، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة» (14). وأخرجه أيضا الخوارزمي (15) ، والكنجي الشافعي (16).
النواة الأولى للتشيع : وعلى هذا المستوى أيضا كان الظهور مبكرا ، وفي عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ كان قلة من صفوة الصحابة قد عرفوا بهذا اللقب «شيعة علي» وتميزوا به منذ ذلك الوقت ، وهم : أبوذر ، وعمار ، والمقداد ، وسلمان. فقد كان هؤلاء الصحابة الكرام يعرفون بشيعة علي. ولذا قال أبو حاتم الرازي : إن أول إسم لمذهب ظهر في الإسلام هو «الشيعة» وكان هذا لقب أربعة من الصحابة : أبوذر ، وعمار ، والمقداد ، وسلمان (17).
وفي السياق نفسه يأتي التأكيد النبوي على حبّ علي ، مائزا بين المؤمنين وبين المنافقين :
أخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم ، عن علي عليه‌السلام ، قال : «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبيّ إليّ : لا يحبني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق» (18). حتى اشتهر عن الأنصار معرفتهم المنافقين ببغضهم علي عليه‌السلام :
عن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : إنا كنا لنعرف المنافقين ـ نحن معاشر الانصار ـ ببغضهم علي بن أبي طالب. ورُوي مثله عن جابر بن عبداللّه الانصاري أيضا (19).
وعن أبي ذر الغفاري رضي‌الله‌عنه أنه قال : ماكنا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم اللّه ورسوله ، والتخلف عن الصلوات ، والبغض لعلي بن أبي طالب ... (20).
هكذا إذن نشأ التشيع؛ نتيجة طبيعية لمسار الرسالة الإسلامية ، وتلبية ضرورية لمتطلباتها. وقد نشأ لافي عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحسب ، بل بتأسيس منه وتأكيد ورعاية.
المصادر :
1- سورة الصافات : ٣٧ / ٨٣.
2- لسان العرب : مادة (شيع).
3- الشهرستاني / الملل والنحل ١ : ١٤٦ ـ ١٤٧. (الفصل السادس).
4- المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٦ / ٤٦٣٣.
5- السنن الكبرى / النسائي ٥ : ١٤٠ / ٨٤٩٩ (الخصائص).
6- السنن الكبرى / النسائي ٥ : ١٤١.
7- المصدر نفسه ٥ : ١٤٢.
8- المستدرك ٣ : ١٣٥ / ٤٦٣٠.
9- نهج البلاغة ، ضبط الدكتور صبحي الصالح : خ ١٩٢.
10- مسند أحمد ٥ : ١٨٢ ، ١٨٩ و ٣ : ١٧ ، فضائل الصحابة ٢ : ٦٠٣ / ١٠٣٥ ، صحيح مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة ٤ : ١٨٧٣ / ٢٤٠٨ بعدة طرق و ٥ : ٦٦٣ / ٣٧٨٦ و ٣٧٨٨ ، خصائص النسائي : ٢١ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٨ ، العقد الفريد ٤ : ١٢٦ ، السيرة الحلبية ٣ : ٣٣٦ ، وغيرها.
11- سورة البيّنة : ٩٨ / ٧.
12- تفسير الطبري ٣٠ : ٣٢٠ ، الدر المنثور / السيوطي ٦ : ٣٧٩ ، فتح القدير / الشوكاني ٥ : ٣٩٨ ، روح المعاني / الآلوسي ٣٠ : ٢٠٧.
13- الصواعق المحرقة : باب ١١ ، فصل ١ ، الآية ١١.
14- ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ٢ : ٤٤٢.
15- المناقب : ١١١.
16- كفاية الطالب : ٢١٤.
17- كتاب الزينة / أبو حاتم الرازي : ٢٥٩ ، تحقيق عبداللّه سلوم السامرائي.
18- صحيح مسلم ١ : ٨٦ / ١٣١ (كتاب الإيمان) ، سنن الترمذي ٥ : ٦٤٣ / ٣٧٣٦ ، سنن النسائي ٨ : ١١٦ (كتاب الإيمان) ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٢ / ١١٤ ، مصابيح السنة ٤ : ١٧١ / ٤٧٦٣ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٦٨.
19- سنن الترمذي ٥ : ٦٣٥ / ٣٧١٧ ، الاستيعاب ٣ : ٣٦ ، اُسد الغابة ٤ : ٣٠ ، جامع الاُصول ٩ : ٤٧٣ / ٦٤٨٦.
20- المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٩ ، وقال : صحيح على شرط مسلم.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الليلة الوحيدة في التأريخ
الحكومة البويهية والتشيع .
تاريخٌ يلازم الناشئة العراقية
ما المقصود بليلة الهرير؟
عید الاضحی المبارك
المحاولات اليهودية لعرقلة انتشار الإسلام
في رحاب نهج البلاغة (الإمام علي عليه السلام ...
لماذا هاجر الحسين (ع) من المدينة ؟
مکاتبات علي عليه السلام ومعاوية
نقش الخواتيم لدى الأئمة (عليهم السلام)

 
user comment