عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

تقلید الميت

تقلید الميت

إن ما يقال من أنه هل يجوز البقاء على تقليد الميت أم لا ؟ الاشكال المهم في هذه المسألة ليس هو أن فقيهاً أو مرجع تقليد إذا مات تموت أفكاره وآراؤه ؛ لأن الموت ليس عبارة من فناء الروح ، الموت هو عبارة عن انفصال الروح عن البدن ، البدن هو الذي يموت ، لأنه فقد متوليه ، لا أن الروح تموت . والأفكار والآراء تتعلق بالروح ، فمن هو صاحب رأي لم يمت ، ومن مات لم يكن صاحب رأي .
بناء على هذا ليس هناك بحث في إمكان البقاء على فتوى المرجع الذي كان يقلده في زمان الحياة .
تبديل العلم الحصولي إلى حضوري بعد الموت :
الاشكال الأساسي هو أنه إذا تبدلت فتوى ورأي مرجع التقليد لا يمكن العمل بفتواه السابقة بل يجب العمل بفتواه الجديدة . وعندما كان مرجع التقليد هذا في الدنيا كانت له مجموعة من الآراء والأفكار ، ولكن بعد رحلته من الدنيا لا نعلم هل أن مرجع التقليد السابق ظل على الرأي الأولي أم أن فتواه تبدلت بعد الموت وكشف الحقائق له : لأنه بعد الموت يتضح أي من الآراء كاان حقاً ، قبل الموت كان يستلم الفتوى من كتاب ولكن بعد الموت ليس الكلام عن كتاب ومدرسة وحوزة بل إن الواقع نفسه يتضح له وعليه فهل تبقى فتوى ورأي هذا الشخص بعد الموت على نفس الرأي السابق أم أن مسائل جديدة اتضحت له ؟ هذا هو الاشكال الأساسي رغم ان البعض قالوا : إننا نستصحب ، لأننا لا نعلم هل تبدلت فتواه أم لا .
شبهة أخرى هي ان العلم المعتبر في مرجع التقليد ، والمقلدون يقلدون مراجع التقليد من أثر ذلك العلم الخاص ، هو معارف حصولية واستدلالية تهيأت على أساس الاستنباط من ظواهر الكتاب والسنة أو الاجماع أو البراهين الحصولية للعقل . هناك مجموعة أسس لمرجع التقليد ومجموعة مصادر ، حيث يستنبط هذه الأسس والقواعد من تلك المصادر ويفتي بالاستناد إلى هذه الأسس والقواعد الأصولية والفقهية المستنبطة من تلك المصادر ، ولكن عندما يرحل من هذه الدنيا عند ذلك لا يستعين بالأسس والقواعد الفقهية عند ذلك لا يستعين بظواهر الكتاب والسنة أو الاجماع ، بل تتبدل كل هذه العلوم الحصولية إلى علوم شهودية وحضورية ، ويرحل علم المدرسة ويظهر العلم القلبي . والاشكال الموجود هو أن الفقيه إذا حلت له مسألة بالكشف والشهود يمكن أن تكون حجة له ، ولكن هل يستطيع الآخرون أيضاً أن يقلدوا فتوى هذا الفقيه أم لا ؟
قيل : أن فتوى الفقيه المعتبرة هي المستنبطة من الأسس والمصادر الحوزية والمصطلحة ولكن إذا ثبتت الأحكام لشخص في ظل تهذيب النفس وتزكية الباطن بدون طريق المدرسة وطريق الفقه والأصول لا يمكن تقليده فيها .
وغاية الأمر بالنظر لأنه يرى عين الواقع فهو مجاز في ان يعمل بفتواه ولكن العلم المتعلق بالكشف والشهود وليس بالاستدلال والأسس والمصادر ليس موضع ثقة للتقليد .
نعم هناك فرق بين العلم الذي ينشأ من البداية بواسطة الكشف والشهود مع العلم الذي يستنبط من الأسس والمبادىء الحوزوية في زمن الحياة ويتبدل بعد الموت إلى علم حضوري ، والاختلاف هو في أنه بعد رحلة المجتهد أو المرجع وتبديل علمه الحصولي إلى علم حضوري وكشف وشهود هل يمكن أيضاً العمل بفتواه أو البقاء على هذه الفتوى لا ؟ وهل في مثل هذه الحالات يكون هناك محل للاستصحبا وأمثال ذلك أم لا ؟ .
الفرض هو انه إذا كان هناك كلام بشأن البقاء على تقليد الميت وأمثال ذلك فهو ليس لأن البدن له دور بل لأن الروح لها دور ، وهذه العلوم الحصولية تتبدل بعد الموت إلى علوم حضورية وهذه العلوم الحضورية ترتبط بالكشف والشهود وتهذيب النفس .
طبعاً إذا لم يك الشخص من أهل نزاهة الروح فان الحق لا يتضح له بعد الموت بهذه السهولة ، لأن هناك بعض الناس لا يعلمون بعد الموت أنهم ماتوا ، فهم يرون أن النشأة تغيرت ولكن لا يعلمون ماذا حصل . إن تلقين الموتى في القبور ، والقول للميت اعلم أن الموت حق ، ليفهم أنه ميت ، طبعاً الخواص يفهمون أنهم ماتوا ، ولكن كثيراً من الأفراد المتوسطين والضعفاء يرون فقط أن النشأة تغيرت ، يرون مجيء عدد من الأشخاص فيحشرون مع آخرين ، ولكن ماذا حصل ؟ أين هم ؟ ما هي الحادثة التي وقعت ؟ فلا يعلمون .
بعد ذلك يفهمون شيئاً فشيئاً أنهم ماتوا ، لأن مسألة الموت من أعقد المسائل . الإنسان الذي يدخل في نشأة أخرى هو كالطفل المولود لا يفهم في البداية أنه انتقل من رحم الأم إلى عالم الطبيعة ، وبعد ذلك يفهم أنه قد ولد وحصل على حياة جديدة .
معيار الأفضلية :
الخلاصة انه إذا كان هناك فرق بين المرأة والرجل من الناحية العقلية ففي العقل بمعنى كونه أداة القيام بأعمال الدنيا ، أي العقل الذي يستطيع الإنسان به تهيئة العلوم الحوزوية والجامعية حتى تدور عجلة الدنيا ، لذا لا تعثرون في أي مكان على شخص يقول إن الأعلم هو أقرب إلى الله ، ولكن يقولون : إن الأتقى هو أقرب إلى الله .
لو كان هناك مرجعان أحدهما أعلم أو أفقه أو أعرف أو أحكم والآخر أقل منه ، ففي كل هذه الفروع ليس الأفضل أقرب إلى الله ، فالأفضل في الفقه والأصول ، والأفضل في الفلسفة والعرفان ، والأفضل في السياسة والأفضل في الأعمال التنفيذية الأخرى ، أي من هذه ليس دليلاً على التقرب إلى الله ، أما الشخص الذي يصبح أتقى فهو أقرب إلى الله . وهذه التقوى تعود إلى العقل العملي .
اتضح في البحوث السابقة أن هناك شأنين أساسيين لهما ظهور في الإنسان حيث يفهم بشأن ويقوم بالعمل بشأن آخر . اليقين ، الجزم ، المظنة ، الوهم ، الخيال ، وأمثال ذلك هي من شؤون وشعب العقل النظري ، أما النية والعزم ، والاخلاص ، والإرادة ، والمحبة ، والتولي ، والتبري ، والتقوى والعدل وأمثالها فهي جزء من العقل العملي ، هذا هو معيار الفضيلة ، لذا فالأعلم ، ليس أفضل عند الله ، ولكن الأتقى ، هو أفضل عند الله ، وإذا كان شخص أعقل في المسائل العلمية فرغم أنه مكرم ومحترم أكثر في المسألة التنفيذية ، والشؤون الدنيوية ويجب تسليمه الأعمال ، ويجب تقليدة حتى تدور عجلة الدنيا بانتظام ولكن لا يعني ذلك أن هذا الشخص يكون أقرب عند الله .
السفاهة في قاموس القرآن :
القرآن الكريم يعتبر بعض الأشخاص الذين يمكن ان يكونوا اقوياء في المسائل العلمية ولكنهم ضعفاء في المسائل العملية ، يعتبرهم سفهاء ، فمثلاً إذا كان شخص قوياً في المسائل الرياضية ، أو في مسائل العلوم التجريبية وأمثالها ولكن يده وقدمه تزلان في ما يتعلق بالذنب ، ويرتكب بعض الذنوب الواردة في النصوص الإسلامية ، فان الروايات التي وردت في آخر الآية :
( ولا تؤتوا السفهاء أموالهم ) (1) .
تعتبر هؤلاء الأشخاص سفهاء ، وقد ورد أنكم إذا أردتم أن تزوجوا امرأة لشخص فانظروا ان لا يكون هذا الصهر سفيهاً ، إذا كان الشخص الفلاني أو الصهر الفلاني مبتلى بالذنب الفلاني ، معاذ الله ، فهو سفيه ولا تزوجوه .
إن السفاهة في مدرسة القرآن وقاموس الدين غير السفاهة في المسائل العادية ، إذا كان شخص متخصصاً في فرع علمي ولكن يده ترتجف عند الامتحان العملي فهذا سفيه ، وان هو متخصصاً في الفيزياء .
هناك علماء في الفيزياء في البلدان الملحدة يطلقون سفناً فضائية تحير العقول ، ولكن عندما تصل أيديهم إلى الذنب تزل وليس لديهم قدرة ضبط ، أوانهم يعتقدون بالمبادىء الإلحادية ، هؤلاء يعتبرهم القاموس القرآني سفهاء ، قال الله تعالى في القرآن :
( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) (2) .
الشخص الذي يعرض عن أسلوب إبراهيم عليه السلام هو سفيه رغم انه مخترع أم مبتكر ، القرآن يعتبره سفيهاً لماذا ؟ لأن هذا السفه هو في مقابل ذلك العقل الذي ( يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان )
فالشخص إذا ( لم يعبد الرحمن ولم يكتسب الجنان ) فهو ليس بعاقل أي هو سفيه .
بناء على هذا إذا أراد شخص الحكم بين المرأة والرجل وأن يرى هل المرأة أقرب عند الله أم الرجل ، لا يجعل العقل بمعنى العلم المصطلح معياراً فتلك فضيلة زائدة نظمت لإدارة عجلة الحياة ، وجميع هذه العلوم الحوزوية والجامعية يفقدها الإنسان بموته ، لأن الإنسان يبقى بعد الموت إلى الأبد ، لذا يجب ان تأخذ معه شيئاً يكون أبدياً ، والشخص الذي هو خطيب جيد أو كاتب ، مدرس ، مؤلف أو صنف جيد ، كل هذه الصناعات والحرف ترحل بالموت ؛ لأن سوق العلم الحصولي هناك معطل ، وعين الواقع واضح للأفراد ، هناك لا يقال للشخص ان يدرس ؛ لأن كل شخص يرى كل ما موجود ، والشيء الذي يفيد هناك هو الذي له سهم من البقاء والأبدية وهو إخلاص العمل الله .
بناء على هذا فإن ما له زبون هنا ليس له زبون هناك وسوقه راكد ، وما له سوق هناك لا فرق بين المرأة والرجل فيه .
المصادر :
1- سورة النساء ، الآية 5 .
2- سورة البقرة ، الآية : 130 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أعمــــال ماقبــل النـــوم
المُناظرة الثانية والسبعون /مناظرة أبي جعفر ...
تصوّر الموجود المطلق
الکلم الطیب والفحش والسب والقذف
ضرورة النبوّة
لُزُوم عِصمَةِ الاِمام
من هم آكلة لحم الخنزير وما هو مصيرهم في الكتاب ...
كرامة القرآن وكرامة الانسان
نظَراتٌ.. في التَقيّة 4
ما جاء في ذكر راية رسول الله صلى الله عليه وآله ...

 
user comment