أقلّ ما يجب على المكلّف اعتقادُه هو ما ترجمه قول « لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله »، فإذا صدّق الرسولَ فعليه أن يصدّقه فيما جاء عنه صلّى الله عليه وآله من: صفات الله من العلم والقدرة والإرادة وغيرها، واليوم الآخِر من الجنّة والنار والصراط والميزان والحساب وغير ذلك، وتعيين الإمام المعصوم بعده بنصّه صلّى الله عليه وآله عليه.
ويكفي للعاميّ أن يحصّل العقائد الدينيّة إجمالاً في الفروع والأصول.
وهي تبرئة القلب عن الذنوب، وتكون بتوطين القلب على ألاّ يعود إلى الذنب البتّة، تعظيماً لله سبحانه وتعالى وحذراً من سخطه. ومقدّمات التوبة: ذِكرُ قُبح الذنوب، وذكر شدّة العقوبة، وذكر ضعف البدن والنفس قبال العذاب.
وهو صَرف نِعم الله سبحانه فيما خُلِقَت لأجله، وتعظيم المنعم بذكر إحسانه. وأقلُّ ما يستوجبه المنعم ألا تُستخدم نِعمُه في معصيته.
والنعم قسمان: دنيوية، وأخروية. والدنيوية نوعان: نعمة دفع وهي صرف المفاسد والمضار عنك، ونعمة نفع وهي نوال المصالح والمنافع والملاذّ الحلال. وأمّا النعم الدينية فضربان: نعمة التوفيق للإسلام ثمّ للإيمان ومعرفة النبيّ وأهل بيته وطاعتهم، ونعمة العصمة عن الشرك والكفر والبدعة والضلالة وسائر المعاصي.
وهو حبس النفس عن الجزع، وعُرِف بأربعة أقسام: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر عن فضول الدنيا، والصبر على المحن والمصائب. ولقد قيل: حرمان الصبر على المصيبة أشدُّ من المصيبة! فعلى المرء إذا حلّت به مصيبةٌ أو مكروه أن يراعي نفسه ويضبط قلبه كي لا يجزع ولا تَظهر منه شكوى من الله جلّ وعلا، بل يُحسن الظنّ بالله والرجاء بالفَرَج، وقديماً قال الشاعر:
توقّعْ صنعَ ربِّك سـوف يأتـي | بِما تهـواهُ مِـن فَـرَجٍ قريـبِ | |
ولا تَيْأس إذا ما نـاب خَطْـبٌ | فكم في الغيبِ مِن عَجَبٍ عجيبِ |
وقال الآخر:
إذا آشتدّتْ بك العُسرى | ففكّرْ في ( ألم نَشْرَحْ ) | |
فعسـرٌ بيـنَ يُسْـرَينِ | إذا فكّـرتَـه فـآفْـرحْ |
ويُطلق على ثلاثة مواضع:
الأوّل ـ في موضع القسمة، وهو الثقة بالله، فإنّه لا يفوت العبدَ ما قسمه الله له، وإنّ حكمه لا يتبدّل.
والثاني ـ في موضع النصرة، وهو الوثاقة بنصر الله عزّوجلّ إذا نصره العبد وجاهد فيه، وقد قال تعالى:
ـ والذينَ جاهدوا فينا لَنَهدَيَنَّهم سُبُلَنا [ العنكبوت:69 ].
ـ إنْ تَنصُروا اللهَ يَنصُرْكم [ سورة محمّد صلّى الله عليه وآله:7 ].
ـ « وكانَ حقّاًَ عَلَينا نصرُ المؤمنين » [ الروم:47 ].
والثالث ـ في موضع الرزق والحاجة، فإنّ الله تبارك وتعالى متكفّل بما يقيم بُنية العبد فيمكّنه من العبادة، قال تعالى: ومَن يَتوكَّلْ على اللهِ فَهُو حَسْبُه [ الطلاق:3 ] أي كافيه.
والعبادة تحتاج إلى فراغ القلب والبدن لتحصيل حقّها، ولا يكون ذلك إلاّ للمتوكّلين.
وهو ترك السخط، قال تعالى في ذكر الراضين: رَضِيَ اللهُ عنهم ورَضُوا عنه [ المائدة:119 ]. والسخط ذِكرُ غيرِ ما قضى الله تعالى بأنّه أَولى به وأصلح له فيما لا يستيقن فساده وصلاحه، وهذا حرامٌ مَنْهيّ عنه، ففي الحديث القدسيّ الشريف: « مَن لم يَرْضَ بقضائي، ولم يصبر على بلائي، ولم يشكر نعمائي، فَلْيَخرجْ من أرضي وسمائي، ولْيَتّخِذْ ربّاً سِوائي » ( بحار الأنوار للشيخ المجلسي 95:5 / ح 18 ).
ويكفي في الرضى بقضاء الله تبارك وتعالى تأمّلُ أصلَين مُقنعَين:
الأوّل ـ ما في الرضى من الفائدة في الحال وفي المآل.. إذ فيه فراغ القلب وقلّة الهمّ، وفيه أيضاً ثواب الله ورضوانه، والعاقل لا يختار الهمّ بلا فائدة فضلاً عن الوِزر والعقوبة، ونِعم ما قال الشاعر:
ما لا يكونُ فلا يكون بحيلةٍ | أبداً، وما هو كائنٌ سيكـونُ | |
سيكونُ ما هو كائنٌ في وقتِهِ | وأخو الجهالةِ مُتعَبٌ محزونُ |
الثاني ـ ما في السخط من الخطر العظيم والضرر والكفر والنفاق، فَلْنتأمّل قوله تعالى في شأن العلاقة بين الإيمان والرضى والتسليم: فَلا وربِّكَ لا يُؤمنونَ حتّى يُحكّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهم، ثمّ لا يَجِدُوا في أنفُسِهم حَرَجاً مِمّا قَضَيتَ ويُسلِّمُوا تسليماً [ النساء:65 ].
الخوف: رِعدةٌ في القلب على ظنِّ مكروهٍ يناله، وفائدة الخوف من الله جلّ وعلا أن يزجر العبدَ عن المعاصي، ويمنعَه عن العُجْب في الطاعات. أمّا الرجاء فهو ابتهاجٌ في القلب بمعرفة فضل الله وسَعةِ رحمته، وفائدته أنّه يبعث العبد على الطاعة، ويُهوّن عليه تحمّل الشدائد والمشقّات فيها.
وطريق الخوف والرجاء هو طريقُ عدلٍ بين طريقَينِ مُهلكَين:
أحدهما ـ الأمن من عذاب الله، وذلك إذا غلب الرجاء إلى حدّ فقدان الخوف! أفَأَمِنُوا مَكْرَ الله، فلا يأمَنُ مَكْرَ اللهِ إلاّ القومُ الخاسرون [ الأعراف:99 ].
والثاني ـ اليأس من رحمة الله، وذلك إذا غلب الخوف إلى حدّ فقدان الرجاء! إنّه لا يَيْأسُ مِن رَوحِ اللهِ إلاّ القومُ الكافرون [ يوسف:87 ]. أمّا الطريق العدل فهو أن يكون العبد بين الخوف والرجاء معتصماً بهما جميعاً، وذلك طريق الأولياء والأصفياء، إنّهم كانُوا يُسارِعُون في الخيراتِ ويَدْعُوننا رَغَباً ورَهَباً وكانُوا لنا خاشعين [ الأنبياء:90 ].
وهي شرط في العبادات كلّها، فلا يَصحّ شيءٌ منها بدون النيّة، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إنّما الأعمالُ بالنيّات » ( المقنع للشيخ الصدوق:12 / ح 1 ـ الباب العاشر ). وأفضل النيّة ما كانت خالصةً لله تعالى لا يشوبها غرضٌ آخر، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: « العباد ثلاثة: قومٌ عبدوا اللهَ خوفاً، فتلك عبادة العبيد. وقومٌ عبدوا الله طمعاً، فتلك عبادة الأُجَراء. وقومٌ عبدوا الله حبّاً، فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة » ( الكافي للكليني 84:4 / ح 5 ـ باب العبادة ).
أمّا إذا نوى المرء الرياء فقد أحبط عمله، وصارت طاعته معصية!
وليست النيّة قولَ الرجل في نفسه: نويتُ أن أفعل كذا، ظانّاً أنّ ذلك نيّة، هيهات! فذلك حديث النَّفْس أو حديثُ لسان، أو فكرةٌ أو انتقالٌ من خاطرٍ إلى خاطر، والنيّة شيءٌ آخر، وهي: انبعاث النفس وتوجّهها أو ميلها إلى ما ظهر لها أنّ فيه غرضَها وهدفها، عاجلاً أو آجلاً. والدواعي والصوارف لهما أسبابٌ كثيرة، وإنّما يُعين على نيّة الخير تقويةُ الإيمان بالشرع، وتعظيم الثواب، وتغليب أمر الدين على القلب.
وهو إخلاصان: إخلاص العمل، وإخلاص طلب الآخرة.
فأمّا إخلاص العمل فهو إرادة التقرّب إلى الله تعالى، وتعظيم أمره وإجابة دعوته، والباعث على هذا هو الاعتقاد الصحيح، وضد هذا الإخلاص هو النفاق، وهو التقرّب إلى مَن دونَ الله، وذلك مُحبِطٌ للعمل، مُخرِج له من كونه قُربةً تستحقّ الثواب. وأمّا الإخلاص في طلب الآخرة فهو إرادة نفع الآخرة بعمل الخير.
وقد سُئل رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الإخلاص، فقال: « تقول ربّيَ اللهُ ثمّ تستقيم كما أُمِرت »، وهذه إشارة إلى قطع كلِّ ما سوى الله عن مجرى النظر، وهو الإخلاص حقّاً، وضدُّه الرياء.
ومن عوائد الإخلاص ما جاء على لسان النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله قوله: « ما مِن عبدٍ يُخلِص العملَ لله تعالى أربعين يوماً، إلاّ ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه »، وفي رواية أخرى: « ما أخلص عبدٌ لله عزّوجلّ أربعين صباحاً، إلاّ جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه » ( عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق 69:2 / ح 321 ـ الباب 31 ).