هناك أدلّة وبراهين كثيره على وجود الله تعالى :
1 ـ برهان الإمكان الذاتي وهو انّ الكون بما فيه من المخلوقات ممكن الوجود بمعنى انّه يمكن ان يوجد ويمكن ان لا يوجد وكل ما كان ممكن الوجود يحتاج الى علّة في وجوده وتلك العلّة لا بدّ أن تكون واجب الوجود والإلزم الدور والتسلسل وكلا هما محال لرجوعه الى توقف الشيء على نفسه أو لزوم وجود السلسلة بلا مرجح ... وتفصيل هذه المقدمات تحتاج الى بحث طويل.
2 ـ برهان الحدوث : وذلك لانّ العالم حادث قطعاً لوجود الحركة والتغيير فيه وهما دليلان على الحدوث لانّ الحركة هو خروج الشيء تدريجاً من القوة الى الفعل ولو كان العالم قديماً لزم ان يخرج جميع الكائنات من القوة إلى الفعل منذ امد طويل وهذا يعني انتهاء التغير والحركة والوصول إلى السكون الدائم وقد أثبت العلم الحديث وجود الحركة والتغير بقانون يدعى « الترموديناميكيه » حيث انّ كلّ جزء من أجزاء هذا العالم يفقد حراراته بالتدريج فلو كان العالم قديماً لزم انّ كل شيء في هذا العالم يفقد الحرارة ويعم الجمود والبرودة إلى يومنا هذا وهذا باطل لانّا نجد وجداناً وجود الحرارة في هذا العالم.
ثم لما ثبت انّ العالم حادث فكلّ حادث يحتاج إلى محدوث قديم بالذات لاشتمالة الدور أو التسلسل.
3 ـ برهان الحركة والتغيير فانّ نفس الحركة او التغير امر حادث فيحتاج الى محدث اي الى محرك ومغير ولا يمكن ان يكون المحرك أو المغيّر نفس المتحرّك أو المغيّر لانّ الحركة هي الخروج من القوّة إلى الفعل والمتحرّك أو المتغيّر يكون قبل تحرّكه فاقداً لتلك الفعليّة فكيف يوجدها والحال انّ فاقد الشيء لا يعطيه.
هذه بعض البراهين الفلسفيّه ولكن أحسن دليل على وجود الخالق العظيم برهان النظم ويتركب من مقدّمتين :
أ ـ لا اشكال في وجود النظم في العالم بجميع أجزائه وكائناته
ب ـ النظم الدقيق يدل على وجود مدبر حكيم ولا يمكن ان يكون النظم والترتيب الدقيق الحكيم مجرد صدفه واتفاق وقد ورد الإشارة إلى هذا الدليل في القرآن الكريم والروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام ويكفي كتاب توحيد المفضل الذي أملاه الإمام الصادق عليه السلام في بيان وتوضيح هذا الدليل المتقن فراجع هذا الكتاب القيم في بحار الأنوار ج 3 / ص 57 إلى 151 وغيره من الكتب المعتبرة. قال عليه السلام في أوّله : « يا مفضل اوّل العبر والأدلّة على الباري جل قدسه تهيّئه هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه فانّك إذا تأمّلت العالم بفكرك وميّزته بعقلك وجدته كالبيت المبنى المعد فيه جميع ما يحتاج إليه عباده فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبساط والنجوم منضودة كالمصابيح والجواهر مخزونة كالذخائر وكل شيء فيها لشأنه معدّ والإنسان كالمملك ذلك البيت والمحول إليه جميع ما فيه وضروب النبات مهيأة لمآربه وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه ففي هذا دلالة واضحه على انّ العالم مخلوق بتقدير وحكمة ونظام وعلائمة وانّ الخالق له واحد وهو الذي ألّفه ونظّمه بعضاً إلى بعض جلّ قدسه وتعالى جده وكرّم وجهه ولا إله غيره تعالى عمّا يقول الجاحدون ... ». ثم شرع الامام عليه السلام في بيان ما اودع الله تعالى في جسم الإنسان وروحه من بدائع الخلقة وآيات الحكمة وهكذا في سائر الموجودات.
وعن الإمام الرضا عليه السلام قوله : « إنّي لما نظرت إلى جسدي فلم يمكنني زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجرّ المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانياً فاقررت به مع ما أرى من دوارة الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتعريف الرياح ومجري الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات علمت انّ لهذا مقدّراً ومنشئاً » [ عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 / 132 ].
وفي حديث عن هشام بن الحكم قال دخل ابن ابي العوجاء ـ وكان ملحداً كافراً ـ على الصادق عليه السلام فقال له الصادق عليه السلام : « يا ابن العوجاء أمصنوع أنت أم صانع ؟ قال : لست بمصنوع. فقال له الصادق عليه السلام : فلو كنت بمصنوع كيف كنت تكون ؟ فلم يحر ابن أبي العوجاء جواباً وقام وخرج ». وقد أشار الامام عليه السلام إلى دليل الإمكان الذاتي في هذه العبارة حيث أخذ الإقرار من أبي العوجاء بأنّه يمكن أن يكون مصنوعاً فهو ممكن لا بد له من علّة لوجوده وبعبارة اُخرى يمكن ان يكون مصنوعاً ولو كان مصنوعاً لم يختلف عن حالته هذه فهو ممكن الوجود لابدّ له من علّة وصانع.
وفي حديث أنّه دخل رجل على الرضا عليه السلام فقال يابن رسول الله ما الدليل عى حدوث العالم ؟
فقال عليه السلام : « أنت لم تكن فكنت وقد علمت انّك لم تكوِّن نفسك ولا كونك من هو مثلك ».
وفي حديث دخل أبو شاكر الديصاني على أبي عبد الله الصادق عليه السلام فمدحه ثمّ قال ما الدليل على حدوث العالم ؟ فدعا الصادق عليه السلام ببيضة فوضعها على راحته ثم قال : هذا حصن ملموم داخله غرقئ رقيق تطيف به فضة سائله وذهبه مائعة ثم تنفلق عن مثل الطاووس أدخلها شي ؟ قال : لا. قال : فهذا الدليل على حدوث العالم.
وفي حديث آخر قال أبو عبدالله عليه السلام : يا ديصاني ـ وأشار إلى البيضة ـ هذا حصن مكنون له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبه ولا الفضة الذائبة تختلق بالذهبة المائعه فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها ولم يدخل فيها داخل مفسد فيخبر عن افسادها لا يدرى اللذكر خلقت أم للاُنثى تنفلق عن مثل الطواويس أترى لها مدبراً ؟ فاطرق ملياً ثم قال أشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وأنّك إمام وحجّة من الله على خلقه ... .
وعن هشام بن سالم قال سئل أبو عبد الله عليه السلام فقيل له : بم عرفت ربّك ؟ قال : بفسح الغرائم ونقض الهمم غرمت ففسخ غرمي وهممت فنقض همي.
وفي حديث قال أبو شاكر الديصاني للإمام الصادق عليه السلام : ما الدليل على انّ لك صانعاً ؟
فقال عليه السلام : وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين امّا ان أكون صبغتها انا فلا أخلو من أحد معينين إمّا ان أكون صنعتها وكنت موجودة أو صنعتها وكانت معدومة فان كنت صنعتها وكانت موجوده فقد استغنيت بوجودها عن صنعتها وان كانت معدومة فانّك تعلم انّ المعدوم لا يحدث شيئاً ، فقد ثبت المعنى الثالث انّ لي صانعاً وهو الله رب العالمين.
ومن الأدلّة والبراهين على وجود الله تعالى ، الفطرة وقد أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام حينما سأله ملحد عن إثبات وجود الله عزّوجلّ فقال ما مضمونه : ألم تركب سفينه في البحر وكادت أن تغرق وتقطع أملك من جميع الأسباب الدنيويّة لنجاتك أو لم تشعر بانّ هناك قوّة غيبيّه يمكنها ان تخلّصك من الغرق ؟ قال : نعم. قال عليه السلام : فانّه هو الله تعالى القادر على كل شيء.