أجمع المسلمون على استحباب زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقبور الأئمة من أهل بيته (عليهم السلام)، وقبور المؤمنين والأولياء..
وعلى ذلك جرت سيرتهم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، من صدر الإسلام إلى عصرنا هذا.
لكن جاء ابن تيمية في القرن الثامن وخالف عامة المسلمين، وقال لا يستحب زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا غيره! وأن من نوى زيارتها ولو بخطوة، ولو من داخل المسجد! وحكموا على من يخطو خطوة لزيارتها عاصياً، فإن كان ناوياً التوسل إلى الله بأصحابها فهو مشرك، واجب القتل مهدور الدم!
قال الذهبي في سيرأعلام النبلاء:4/484 راداً على ابن تيمية مانصه: (فمن وقف عند الحجرة المقدسة ذليلاً مسلماً مصلياً على نبيه فيا طوبى له فقد أحسن الزيارة وأجمل في التذلل والحب، وقد أتى بعبادة زائدة على من صلى عليه في أرضه أو في صلاته، إذ الزائر له أجر الزيارة وأجر الصلاة عليه، والمصلي عليه في سائر البلاد له أجر الصلاة فقط. فمن صلى عليه واحدةً صلى الله عليه عشراً. ولكن من زاره صلوات الله عليه وأساء أدب الزيارة، أو سجد للقبر أو فعل ما لايشرع، فهذا فعل حسناً وسيئاً، فيُعَلَّم برفق والله غفور رحيم. فوالله ما يحصل الإنزعاج لمسلم والصياح وتقبيل
الجدران وكثرة البكاء، إلا وهو محب لله ولرسوله، فحبه المعيار والفارق بين أهل الجنة وأهل النار، فزيارة قبره من أفضل القرب، وشد الرحال إلى قبور الأنبياء والأولياء، لئن سلَّمنا أنه غير مأذون فيه لعموم قوله صلوات الله عليه: (لاتشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فشد الرحال إلى نبينا (ص) مستلزمٌ لشد الرحل إلى مسجده، وذلك مشروعٌ بلا نزاع، إذ لاوصول إلى حجرته إلا بعد الدخول إلى مسجده، فليبدأ بتحية المسجد، ثم بتحية صاحب المسجد، رزقنا الله وإياكم ذلك). انتهى.
وقال الحافظ الممدوح في كتابه (رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة) ص51 ـ 54: (كلام الأئمة الفقهاء في استحباب زيارة القبر الشريف: (قال الإمام المجمع على علمه وفضله أبو زكريا النووي: (واعلم أن زيارة قبر رسول الله (ص) من أهم القربات وأنجح المساعي، فإذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مكة استحب لهم استحباباً متأكداً أن يتوجهوا إلى المدينة لزيارته (ص)، وينوي الزائر مع الزيارة التقرب وشد الرحل إليه والصلاة فيه. (المجموع:8 / 2 4).
وقال أيضاً في الإيضاح في مناسك الحج: (إذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مكة فليتوجهوا إلى مدينة رسول الله (ص) لزيارة تربته (ص) فإنها من أهم القربات وأنجح المساعي، وقد روى البزار والدارقطني بإسنادهماعن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): (من زار قبري وجبت له شفاعتي) (ص214).
وعلق الفقيه ابن حجر الهيتمي على الحديث
فقال في حاشية الإيضاح: الحديث يشمل زيارته (ص) حياً وميتاً، ويشمل الذكر والأنثى، والآتي من قرب أو بُعد، فيستدل به على فضيلة شد الرحال لذلك وندب السفر للزيارة، إذ للوسائل حكم المقاصد. انتهى. (ص 214 حاشية الايضاح).
وقال الإمام المحقق الكمال ابن الهمام الحنفي في شرح فتح القدير: (المقصد الثالث في زيارة قبر النبي (ص): قال مشايخنا رحمهم الله تعالى من أفضل المندوبات. وفي مناسك الفارس وشرح المختار: إنها قريبة من الوجوب لمن له سعة، ثم قال بعد كلام مانصه: والأولى فيما يقع عند العبد الضعيف تجريد النية لزيارة قبر النبي (ص) ثم إذا حصل له إذا قدم زيارة المسجد، أو يستفتح فضل الله سبحانه في مرة أخرى ينويهما فيها، لأن في ذلك زيادة تعظيمه وإجلاله (ص). انتهى. (3 / 179 ـ 18 ).
وقال محقق مذهب الحنابلة أبو محمد بن قدامة المقدسي: (ويستحب زيارة قبر النبي (ص) لما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): (من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي) وفي رواية: (من زار قبري وجبت له شفاعتي)، رواه باللفظ الأول سعيد، ثنا حفص بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر).
الأسئلة
1 ـ ما قولكم في إجماع المسلمين عملياً على زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبور الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) والصلاة والدعاء عندها، من صدر الإسلام إلى عصر ابن تيمية وإلى يومنا هذا، وقد أقر ذلك الصحابة والسلف وصلوا عندها، ولم يستنكره الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)! فما حكم من خرج عن هذا الإجماع العملي للأمة المتصل إلى عصرنا؟!
2 ـ هل أن عامة الأمة بجميع مذاهبها ومشاربها برأيكم كفارٌ أو ضُلاَّل بسبب قصدهم زيارة قبر نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ماعدا حفنة قليلة ضئيلة يقلدون ابن تيمية، ولايبلغون مليون شخص؟!
3 ـ هل يصح لفئة صغيرة يفتون بضلال عامة المسلمين، أن يتكلموا باسمهم فيقولون نحن أهل التوحيد، ونحن أهل السنة والجماعة دون غيرنا!
فهل رأيتم أجرأ من الذي يكفر عامة المسلمين أو يضللهم، ثم ينصب نفسه ناطقاً رسمياً باسمهم! ثم يمنعهم أن يتكلموا باسمهم؟!