عربي
Friday 3rd of May 2024
0
نفر 0

الاَحاديث الدالة على أن التقية من الدين

ثانياً : الاَحاديث الدالة على أن التقية من الدين :
دلّت جملة من الاَحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام بأن التقية من دين الله عزَّ وجل ومن الاِيمان وان من يتركها في موارد وجوبها فهو غير مكتمل التفقه في الدين ، من ذلك :
1 ـ عن أبي عمر الاعجمي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « يا أبا عمر ، ان تسعة أعشار الدين في التقية ، ولا دين لمن لا تقية له » (3).
وهذا الحديث لا شكَّ فيه ، فهو ناظر من جهة إلى كثرة ما يبتلى به المؤمن في دينه ولا يخرج من ذلك إلاّ بالتقية خصوصاً إذا كان في مجتمع يسود أهله الباطل .
____________
1) صحيح البخاري 4 : 172 باب يَزِفُّونَ النَّسَلانُ في المشي من كتاب بدء الخَلق .
2) التفسير الكبير | الفخر الرازي 16 : 148 .
3) اُصول الكافي 2 : 172 | 2 . والمحاسن | البرقي : 359 | 309 . والخصال | الصدوق : 22| 79 .


( 76 )

ومن جهة اُخرى إلى قلة أنصار الحق وكثرة أدعياء الباطل حتى لكأن الحق عشر ، والباطل تسعة أعشار ، وعليه فلا بدَّ لاَهل الحق من مماشاة أهل الباطل في حال ظهور دولتهم ليسلموا من بطشهم .
على أن وصف الحق بالقلة والباطل بالكثرة وكذلك أهلهما صرّح به القرآن الكريم في أكثر من آية ، كقوله تعالى : ( وما أكثرُ النَّاسِ وَلو حَرصْتَ بمُؤمِنِينَ ) (1)وقوله تعالى : ( إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الَّصالِحَاتِ وَقَليلٌ مَّا هُمْ) (2).
كما أن الحديث لا يدل على نفي الدين عمّن لا يتقي بل يدل بقرينة أحاديث أُخر أنه غير مكتمل التفقه ، بل ليس فقيهاً في دينه ، وهكذا في فهم نظائره الاُخر . ومما يدل عليه ما رواه عبدالله بن عطاء قال : قلتُ لابي جعفر الباقر عليه السلام : رجلان من أهل الكوفة أُخذا ، فقيل لاَحدهما : ابرأ من أمير المؤمنين ، فبرىء واحد منهما وأبى الآخر ، فَخُلِّيَ سبيل الذي برىء وقُتل الآخر ؟
فقال عليه السلام : « أما الذي برىء فرجل فقيه في دينه ، وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجَّل إلى الجنة » (3).
هذا ، ولا يمنع أن يكون الحديث دالاً أيضاً على سلب الاِيمان والدين حقيقة ممن لا يتقي في موارد وجوب التقية عليه ، كما لو أُكره مثلاً على أن يعطي مبلغاً زهيداً ، وإلاّ عرّض نفسه إلى القتل ، فامتنع حتى قتل ، فهذا لاشكّ أنه من إلقاء النفس بالتهلكة ، وقد مرّ تصريح علماء العامّة بأن مصير
____________
1) سورة يوسف : 12 | 103 .
2) سورة ص : 38 | 24 .
3) اُصول الكافي 2 : 175 | 21 ، باب التقية .


( 77 )

مثل هذا يكون في جهنم ، ومن غير المعقول ان تكون جهنم مأوى المؤمن المتدين ، بل هي مأوى الكافرين والمنافقين وأمثالهم . ونظير هذا الحديث :
2 ـ عن معمر بن خلاد ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «التقية من ديني ودين آبائي ، ولا إيمان لمن لا تقية له » (1).
3 ـ عن أبان بن عثمان عن الاِمام الصادق عليه السلام قال : « لا دين لمن لا تقية له ، ولا إيمان لمن لا ورع له » (2).
4 ـ عن عبدالله بن أبي يعفور ، عن الاِمام الصادق عليه السلام قال : اتقوا على دينكم فاحجبوه بالتقية ، فإنّه لا إيمان لمن لا تقية له (3).
ثالثاً : الاَحاديث الواردة في بيان أهمية التقية :
وصِفت التقية في جملة من الاَحاديث بأنها ترس المؤمن ، وحرزه ، وجنته ، وإنّها حصنه الحصين ونحو هذه العبارات الكاشفة عن أهمية التقية .
وربما قد يستفاد من ذلك الوصف والتشبيه وجوبها في موارد الخوف أحياناً ، فكما أن استتار المؤمن ـ في سوح الوغى ـ بالترس من ضرب السيوف وطعن الرماح قد يكون واجباً أحياناً ، فكذلك استتاره بالتقية في موارد الخوف لحفظ النفس من التلف ، ومن هذه الاَحاديث :
1 ـ عن عبدالله بن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « التقية ترس المؤمن ، والتقية حرز المؤمن » (4).
2 ـ عن محمد بن مروان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « كان أبي عليه السلام
____________
1) اُصول الكافي 2 : 219 | 12 ، باب التقية .
2) صفات الشيعة | الشيخ الصدوق : 3 | 3 .
3) اُصول الكافي 2 : 218 | 5 ، باب التقية .
4) اُصول الكافي 2 : 221 | 23 ، باب التقية .


( 78 )

يقول: وأي شيء أقر لعيني من التقية ؟ إن التقية جُنّة المؤمن » (1).
3 ـ وعن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال للمفضل : « إذا عملت بالتقية لم يقدروا في ذلك على حيلة ، وهو الحصن الحصين وصار بينك وبين أعداء الله سداً لا يستطيعون له نقباً » (2).
رابعاً : الاَحاديث الدالة على عدم جواز ترك التقية عند وجوبها :
1 ـ من مسائل داود الصرمي للامام الجواد عليه السلام قال : قال لي : « يا داود ، لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً » (3).
2 ـ أورد الشيخ الطوسي في أماليه بسنده عن الاِمام الصادق عليه السلام أنه قال: « ليس منا من لم يلزم التقية ويصوننا عن سفلة الرعية » (4).
3 ـ وعن أمير المؤمنين عليه السلام : « التقية من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه واخوانه عن الفاجرين » (5).
خامساً : الاَحاديث الدالة على أن التقية في كلِّ ضرورة ، وأنها تقدّر بقدرها وتحرم مع عدمها ، مع بعض مستثنياتها :
1 ـ ما رواه زرارة عن الاِمام الباقر عليه السلام قال : « التقية في كل ضرورة
____________
1) اُصول الكافي 2 : 220 | 14 ، باب التقية .
2) تفسير العياشي 2 : 351 | 86 . واُنظر : الوسائل 16 : 213 | 21389 باب 24 من أبواب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
3) وسائل الشيعة 16 : 211 | 21382 باب 24 من أبواب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، نقله عن مستطرفات السرائر ، وأورده الصدوق في الفقيه عن الاِمام الصادق عليه السلام . واُنظر : الفقيه 2 : 80 | 6 باب صوم يوم الشك .
4) أمالي الشيخ الطوسي 1 : 287 .
5) تفسير الاِمام العسكري عليه السلام : 320 | 163 .


( 79 )

وصاحبها أعلم بها حين تنزل به » (1).
2 ـ وعن إسماعيل الجعفي ، ومعمر بن يحيى بن سام ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة كلهم قالوا : (سمعنا أبا جعفر عليه السلام يقول : « التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه الله له » ) (2).
3 ـ وعن أبي عمر الاَعجمي ، عن الصادق عليه السلام أنّه قال : « ... والتقية في كل شيء إلاّ في النبيذ والمسح على الخفّين » (3).
4 ـ وفي مضمر زرارة ، قال : (قلتُ له : في مسح الخفين تقية ؟ فقال : «ثلاثة لا أتقي فيهن أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفين ، ومتعة الحج ») (4) .
وأورده الصدوق بلفظ : (وقال العالم عليه السلام) (5)ولا أثر لهذا الاضمار والوصف في تحديد اسم القائل على حجية الخبر ؛ لاَنّ قرينة (عليه السلام) كافية في تعيين كونه من الاَئمة الاثني عشر عليهم السلام ، وهو في المورد المذكور مردد بين الاِمامين الباقر والصادق عليهما السلام .
هذا ، وقد حمل زرارة المنع عن استخدام التقية في المسكر ، ومسح الخفين ، ومتعة الحج على شخص الاِمام عليه السلام ، لاَنه قال في ذيل الحديث برواية الكافي : (ولم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحداً)، فلاحظ .
____________
1) اُصول الكافي 2 : 219 | 13 ، باب التقية .
2) اُصول الكافي 2 : 220 | 18 ، باب التقية . ومثله في المحاسن للبرقي : 259 | 308 .
3) اُصول الكافي 2 : 217 | 2 ، باب التقية . ومثله في المحاسن : 259 | 309 . والخصال | الصدوق : 22 | 79 .
4) فروع الكافي 3 : 32 | 2 باب مسح الخفين من كتاب الطهارة .
5) من لا يحضره الفقيه 1 : 30 | 95 باب حد الوضوء وترتيب ثوابه .


( 80 )

وقد يكون السبب أن هذه الاُمور الثلاثة مما هي معلومة جداً من مذهبه عليه السلام ، وإن التقية فيها لا تجدي نفعاً لاَن كل من عاصر الاِمام الصادق عليه السلام يعلم رأيه في هذه الثلاثة ، فلا حاجة لان يتقي فيهن أحداً .
5 ـ وفي حديث آخر بالغ الاَهمية مع علو اسناده وصحته ، عن مسعدة ابن صدقة قال : (سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول وسئل عن إيمان من يلزمنا حقه واخوَّته كيف هو وبما يثبت وبما يبطل ؟ فقال عليه السلام : « إنّ الاِيمان قد يتخّذ على وجهين : أما أحدهما : فهو الذي يظهر لك من صاحبك ، فإذا ظهر لك منه مثل الذي تقول به أنت ، حقت ولايته وأخوّته إلاّ ان يجيء منه نقض للذي وصف من نفسه وأظهره لك ، فإنّ جاء منه ما تستدل به على نقض الذي أظهر لك ، خرج عندك مما وصف لك وأظهر ، وكان لما أظهر لك ناقضاً إلاّ أن يدّعي أنّه إنما عمل ذلك تقية ، ومع ذلك ينظر فيه :
فإن كان ليس مما يمكن أن تكون التقية في مثله ، لم يقبل منه ذلك ؛ لاَن للتقية مواضع ، من أزالها عن مواضعها لم تستقم له . وتفسير ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله ، فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز » (1).
سادساً : الاَحاديث الدالة على حرمة استخدام التقية في الدماء :
1 ـ عن محمد بن مسلم ، عن الاِمام الباقر عليه السلام قال : « إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليس تقية » (2).
____________
1) اُصول الكافي 2 : 168 | 1 باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الايمان وينقضه ، من كتاب الايمان والكفر .
2) اُصول الكافي 2 : 220 | 16 . والمحاسن : 259 | 310 .


( 81 )

2 ـ وعن أبي حمزة الثمالي ، عن الاِمام الصادق عليه السلام : « ... إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدم ، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية » (1).
وجدير بالذكر ، إنّ بعض فقهاء العامّة جوّز التقية في الدماء وهتك الاَعراض كما سيوافيك مفصلاً في محلّه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

في ذكري الأربعين:القيم العالية لانتفاضة الحسين ...
سیرة الامام المنتظر (عجل الله فرجه)
مدح الارتباط بالأئمة المعصومين (ع)
الرسالة بين الامام والنصير
العلاقة بين أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وأئمّة ...
علم الامام جعفر الصادق (عليه السلام) باللغات
حياة الإمام علي الهادي (عليه السلام) العامرة ...
كرامات الإمام علي ( عليه السلام )
سخاء الإمام الرضا ( عليه السلام )
المنهج الاصلاحي عند الإمام الصادق(ع)

 
user comment