مشهد الإمام علي عليه السّلام عبر العصور
إنّ موضع القبر ظلّ سراً مكتوماً لا يعرفه إلاّ أهل البيت عليهم السّلام وخواصّ شيعتهم إلى انقضاء دولة الاُمويين ومجيء دولة العباسيين، فحينئذ دلّ العلويون بعض الشيعة عليه، وصاروا يتعاهدونه، وصار في معرض الظهور والخفاء، يُثْبته قوم وينفيه آخرون.
فلما رأى داود بن عليّ العباسي إقبال الناس على موضع القبر أمر ـ على ما قيل ـ بعض الفعلة بالمضي إلى هذا القبر الذي افتُتن به الناس، ويقولون: إنه قبر عليّ، حتّى ينبشوه ويجيئوه بأقصى ما فيه، فمضوا إليه وحفروا خمسة أذرع فوصلوا إلى موضع صلب لم يقدروا عليه، فاستعانوا بغلام معروف بالشدة، ولكن هذا الغلام بعد أن ضرب ثلاث ضربات صاح، وصار لحمه ينتثر إلى أن مات، فلما عرف داود بالأمر تاب، وأمر عليَّ بن مصعب بن جابر بأن يبني على القبر صندوقاً، ففعل.
ولكن مطاردة العباسيين للعلويين وشيعتهم أوجبت أن يُهجَر القبر من جديد، فلا يزوره زائر إلا خلسة.
ثمّ جاء أبو جعفر المنصور وحاول أن ينبش القبر، فأمر غلامه بذلك، فبدأ بالحفر حتّى ظهر له القبر، ثمّ أمر بطمّه، وصرفه الله عنه.
وبعد ذلك، وفي زمن الرشيد، عاد القبر إلى الظهور من جديد في قصة معروفة جرت للرشيد وهو يتصيّد حول القبر، حيث رأى الظِّباء تحتمي بالأكمَة التي فيها القبر، فلا تقتحم كلابُ الصيد وطيور الباز إليها، الأمر الذي أثار عجَبه، فسأل أحدَ شيوخ الكوفة عن ذلك، فأخبره أنها تلوذ بقبر الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام.
فكان أن أقام أول عمارة على القبر، وهو بناء مربع الشكل مبنيّ بحجارة بيضاء فوقه قبة من الطين الأحمر فوقها جرة خضراء.
وبعد ذلك جاء المتوكل العباسي، فخرّب عمارة النجف كما خرب عمارة الحسين عليه السّلام.
ثمّ قام بالعمارة الثالثة عمر بن يحيى القائم بالكوفة المقتول سنة 250 هـ.
وكانت العمارة الرابعة على يد محمّد بن زيد الداعي المقتول سنة 287هـ، والذي ولي إمرة طبرستان بعد أخيه الحسن بن زيد، فإنّه بنى على القبر الشريف قبة وحائطاً وحصناً فيه سبعون طاقاً، والظاهر أنّ هذه العمارة هي التي أعقبت خراب المتوكل لبناء القبر كما يظهر من تاريخ طبرستان (الفارسي) ج 1 ص 95.
ثمّ كانت العمارة الخامسة على يد أبي الهيجاء عبدالله بن حمدان المقتول سنة 317 هـ، وسترها بفاخر الستور، وفرشها بثمين الحُصر.
وبعد ذلك كانت العمارة السادسة، وهي أجلّ العمارات وأحسنها، على يد عضد الدولة المتوفّى سنة 372هـ، أو 373هـ، وقد بذل عليها الأموال الجزيلة، وجلب إليها الزارة والنجارة والعملة من سائر الأقطار.
وقد شاهد هذه العمارةَ الرحالة ابن بطّوطة ووصفها حين وروده النجف سنة 727هـ بأنها: «معمورة أحسن عمارة، وحيطانها مزينة بالقاشاني، وهو شبه الزليج عندنا لكنّ لونه أشرق، ونقشه أحسن، وإذا ما دخل زائر يأمرونه بتقبيل العتبة، وهي من الفضّة وكذلك العضادتان، ثمّ يدخل بعد ذلك إلى القبة، وهي مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه، وبها قناديل الذهب والفضة منها الكبار والصغار، وفي وسط القبة مسطبة مربعة مكسوّة بالخشب، عليها صفائح الذهب المنقوشة المُحكمة العمل، مسمّرة بمسامير الفضة قد غلبت على الخشب، لا يظهر منه شيء.
وارتفاعها دون القامة، وفوقها ثلاثة من القبور يزعمون أن أحدها قبر آدم عليه السّلام، والثاني قبر نوح عليه السّلام، والثالث قبر الإمام عليّ عليه السّلام. وبين القبور طشوت ذهب وفضة فيها ماء الورد والمسك وأنواع الطِّيِب، يغمس الزائر يده في ذلك ويدهن بها وجهه تبرّكاً، وللقبة باب آخر عتبته أيضاً من الفضّة، وعليه ستور الحرير الملوّن، يفضي إلى مسجد مفروش بالبسط الحسان، مستورة حيطانه وسقفه بستور الحرير، وله أربع أبواب عتبتها فضة، وعليها ستور الحرير…».
لكنّ هذه العمارة وإن كان تأسيسها يرجع إلى عضد الدولة، إلا أنّه قد طرأت عليها إصلاحات كثيرة، وتحسينات ثمنية من البويهيين أنفسهم ووزرائهم ومن الحمدانيين، وبعض العباسيين المتشيّعين.
فإنّ المستنصر العباسي قد عمّر الضريح المقدس، وبالغ فيه، وزاره مراراً، وكذلك فقد أصلحه وحسّن فيه وفي الأبنية الملحقة به المسلمون من أسرة جنكيزخان وغيرهم.. ولكنّ عمارة عضد الدولة هذه قد احترقت في سنة 755 هـ وكانت حيطانها قد سترت بخشب الساج المنقوش، فجُدّدت عمارة المشهد سنة 760هـ، وهذه هي العمارة السابعة للمشهد.
ولكن عمارة عضد الدولة لم تذهب آثارها بالكلّية، بل بقيت إلى ما بعد التجديد الأخير للمشهد، حيث يذكر النسّابة النجفي محمد حسين كتاب دار أنّه رأى في المشهد بقية عمارة عضد الدولة في سنة 1041هـ.
ثمّ جاء الشاه عباس الأول فأصلح عمارة المشهد، وعمّر الروضة والقبة والصحن الشريف على نظر الشيخ البهائي رحمه الله، الذي عمل رسالة في عمارة المشهد ووضعِه الهندسي.
وبعد ذلك جاءت العمارة الثامنة للمشهد الشريف على يد الشاه صفيّ الصفوي حفيد الشاه عباس الأول، ووسع الصحن الشريف ووسع ساحة الحرم العلوي، وأتمها ولده الشاه عباس الثاني بعد وفاة أبيه سنة 1052هـ.
وصف إجماليّ للمشهد العلَوي
إنّ عمارة المشهد القائمة في هذه الأيّام هي عمارة الشاه صفي، وهي بديعة الشكل فخمة الصنعة.
يقع القبر الشريف تحت قبة عالية ويحيط به فسحة طول كل ضلع منها 13 متراً، ويحيط الروضة المقدسة من جوانبها الأربعة رواق مسقّف، ثمّ من الجهة الشرقية إيوان الذهب الذي تقع على جانبيه مئذنتان مذهّبتان، ويحيط بهذا المبنى كلّه الصحن الشريف، الذي له سور عالٍ مؤلّف من طابقين، فيه أربعة أبواب رئيسية، وخامس جانبي. وارتفاع سور الروضة، والرواق المحيط بها، ثمّ السور المحيط بالصحن كلّه واحد لا يختلف.
وصف الروضة المقدسة
يقع القبر الشريف وسط الروضة المقدسة المربعة الشكل، يعلوه قبتان: خارجية وداخلية: الخارجية مدببة الشكل، يبلغ سمك جدرانها 8 سنتمترات، وارتفاعها عن سطح الضريح 42 متراً، وقطرها 16 متراً، ومحيط قاعدتها 50 متراً.. والداخلية مستديرة الشكل، سمك جدرانها 60 سنتمتراً، وارتفاعها عن سطح الضريح 35 متراً، وقطرها 12 متراً.
وتقوم القبة على رقبة طويلة علوّها 12 متراً، فُتح فيها 12 شبّاكاً للتهوية والإضاءة.
وقد زُخرفت القبة الداخلية والخارجية بزخارف تعتبر آية من آيات الفنّ الإسلامي، فالمقرنص الكبير الذي حمل رقبة القبة كُسي بالمرايا المصنوعة على شكل بديع، وبالقاشاني والكتابات الجميلة، والنقوش الرائعة.. وكذلك القبة نفسها من الداخل.
أمّا القبة الخارجية، فقد كانت مغشاة بالبلاط القاشاني ـ وكذلك المئذنتان والايوان وسائر الصحن الشريف ـ إلى أن جاء السلطان نادرشاه لزيارة النجف، فأمر بقلع القاشاني عن القبة والإيوان والمئذنتين واستُبدلا بصفائح الذهب، وصرف على ذلك مبالغ جسيمة، وذلك سنة 1156 هـ.
وفي وسط القبة يوجد القبر الشريف، وقد وُضع عليه صندوق من خشب الساج الهندي المطعَّم بالصدف، والعاج والأَبنوس وأنواع أخرى من الأخشاب المتعددة الألوان، فجاء تحفة رائعة، وقد حُفر على الصندوق الكثير من الكتابات العربية المتعددة الطرز، وتاريخ صناعة هذا الصندوق هو 1202هـ.
ووضع فوق الصندوق مقصورة من الحديد، ثمّ فوق هذه المقصورة مقصورة أخرى من الفضة الخالصة يبدو أنها صُنعت ووضعت في عهد الصفويين، وجُدّدت عدة مرات.. ثمّ استُبدلت أخيراً، أي في سنة 1361 هـ بمقصورة أخرى تحوي: عشرة آلاف وخمسمائة مثقال من الذهب، ومليوني مثقال من الفضة، وتعتبر آية من آيات فن صناعة الذهب والفضة، وكذا الترصيع بالميناء المتعددة الألوان.
أما جدران المربع التي تقوم عليها القبة، فيبلغ ارتفاعها 17 متراً، قد غُشيت كلّها بأنواع متعددة من الزخارف النفيسة، والألوان البديعة، والكتابات الرائعة. كما فرشت أرض الروضة المقدسة وكذلك الجدران إلى ثلاثة أذرع ونصف بالمرمر، فوقها على الجدران شريط من القاشاني المزين بالنقوش والآيات، فوق هذا الشريط حتّى رقبة القبة طبقة من الفُسيفساء تتكوّن من أحجار كريمة، كالياقوت والزمرّد والألماس واللؤلؤ النادر، ثمّ يأتي بعد ذلك التزيين بالمرايا على شكل بديع جميل.
أبواب الروضة المطهّرة
وللروضة المطهرة ستة أبواب تؤدّي إلى الرواق المسقّف المحيط بها..
إثنان من جهة الغرب لا ينفذان إلى الرواق، لأنّ خلفهما شباكاً من الفضة، وإثنان من جهة الشرق يؤديان إلى الرواق في مقابل باب الإيوان الذهبي، واثنان خلف الإمام من جهة الشمال يؤديان إلى الرواق أيضاً.
وأما البابان اللذان في مواجهة باب الإيوان الذهبي، فالذي يكون على يمين الداخل نُصب سنة 1283 هـ، والذي على يسار الداخل نصب سنة 1287هـ. والأول كان قد أهداه لطف علي خان الإيرواني، والثاني أهداه ناصر الدين شاه القاجاري، وكلاهما كانا من الفضة، ولكنهما معاً قُلعا في سنة 1376هـ، واستُبدلا ببابين ذهبيين جميلَي الصنعة، بذل نفقتهما الحاج محمّد تقي الاتفاق الطهراني.
والبابان اللذان من جهة الشمال خلف الضريح ويؤديان إلى الرواق، فهما من الفضة الخالصة، وكانا في الأصل باباً واحداً لكنّه قُلع في سنة 1366 هـ، وجُعل مكانه البابان اللذان كانا إلى جهة الغرب عند رأس الإمام عليه السّلام.
ومن هذه الأربعة فقط يكون الدخول والخروج من الرواق إلى الروضة المطهرة.
الرواق المحيط بالروضة المقدسة
ويحيط بمبنى القبة (الروضة) من جميع الجهات رواق مفروش أرضه، وقسم من جدرانه متصل بجدار الروضة نفسها بسقف مزيّن بالمرايا الملونة، ذات الأشكال الهندسية المختلفة البديعة.
وأرضه والقسم الأسفل من جدرانه مفروش بالمرمر، ويساوي ارتفاع جداره ارتفاع جدار الروضة وجدار الصحن الخارجي، ويبلغ طول ساحته من الشرق إلى الغرب 30 متراً ومن الشمال إلى الجنوب 31 متراً.
وله ثلاثة أبواب:
بابان متقابلان: أحدهما ـ من جهة الشمال مقابل لباب الصحن المعروف بباب الطوسي، والثاني ـ من جهة الجنوب، مقابل لباب القبلة، وهذا قد نصب فيه باب فضي ثمين مُحلّى بالذهب نصب سنة 1341هـ، وقد بذلت نفقته والدة الحاج عبدالواحد زعيم آل فتلة، وهو المعروف بباب المراد.
والباب الثالث: هو الذي في الإيوان الذهبي ويدخل الداخل منه إلى الرواق، وهو من الأبواب الثمينة المتقنة، نُصب سنة 1373هـ. وهو مرصّع بالأحجار الكريمة ومطعّم بالميناء، وهو لوحة فنيّة رائعة كُتبت عليه الآيات القرآنية، والأشعار اللطيفة.
وفتح في سنة 1373هـ باب جديد ينفذ إلى الرواق، ويمرّ على مرقد العلاّمة الحلّي، الذي برز للرائح والغادي حين فُتح هذا الباب.
وجدران مبنى الروضة والإيوان الخارجية مزينة بالقاشاني يرجع معظمها إلى العصر العثماني، ويحيط بالجدران من أعلى شريط من الكتابة بخط الثلث الجميل.
الإيوان الذهبي الكبير
ومن جهة الشرق يقع الإيوان الذهبي الكبير، وسقفه وجدرانه مكسوّة بالذهب الإبريز الخالص، وفي ركنيه المئذنتان الذهبيتان، كُتب في وسطه على جانبي الباب قصيدة فارسية بحروف ذهبية بارزة، وفي أعلاه كلمات عربية وحروفها ذهبية بارزة، وفيها تاريخ تذهيب القبة والمئذنتين والايوان بأمر السلطان نادرشاه، وقد دفن في هذا الايوان كثير من العلماء والأعيان.
وفي غرفة تقع على يمين الداخل إلى الرواق يوجد قبر العلاّمة الحلّي، وفي أخرى على يسار الداخل يقع قبر المقدس الأردبيليّ، وهذه الغرفة اليوم مخزن لبعض النفائس الثمينة.
أمام هذا الايوان رحبة كبيرة ترتفع عن أرض الصحن قدر متر، ويبلغ طولها 33 متراً، وعرضها 20 متراً.
المآذن
تقع المئذنتان في ركنَي الايوان، في الجهة الشرقية من الروضة الشريفة، ومحيط كل منها ثمانية أمتار، وارتفاع كل واحدة منها 35 متراً، وقطرها متران ونصف، ويقال: إنّ على كل واحدة منهما أربعة آلاف صفحة من الذهب الخالص.
وعلى ارتفاع 25 متراً يحيط بالمئذنتين شريط عرضه متر من الكتابة العربية فيه آيات من سورة الجمعة، ويعلو الكتابة صفّان من المقرنصات ترتكز عليهما شرفة المؤذّن التي قطرها متر ونصف وارتفاعها ثلاثة أمتار، فوقها اُسطوانة ضيّقة يبلغ قطرها متراً ونصفاً وارتفاعها ستة أمتار، ويتوّج الاسطوانة طاقية مصفّقة يعلوها الهلال.
ونادرشاه هو الذي أمر بإزالة القاشاني الذي عليهما وعلى القبة والإيوان، واستبداله بصفائح الذهب، وذلك في سنة 1156 هـ.
وقد هُدّمت المئذنة الجنوبية في سنة 1281 هـ حتّى أساسها، ونُزعت الصفائح الذهبية عنها؛ لهدف إصلاحها، ثمّ أعيد بناؤها على طرزها الأول. وفي سنة 1352 هـ قُلع الذهب عنها أجمع وهدم أعلاها ثمّ اُعيد كلّ ذلك كما كان، واُصلحت المئذنة الشمالية المجاورة لمرقد العلاّمة الحلّي في سنة 1315هـ، فنزع ما عليها من الذهب، وهدمت إلى نصفها ثمّ أعيد بناؤها على طرازها السابق كذلك. وفي سنة 1367هـ قُلع الذهب عنها أجمع، وهدم أعلاها ثمّ أعيد بناؤه.
الصحن الشريف
يحيط بهذا المشهد الشريف سور مربع الشكل تقريباً، طول كل من ضلعيه: الشرقي والغربي 84 متراً من الخارج، و 77 متراً من الداخل، وطول ضلعه الشمالي 74 متراً من الخارج، و 72 متراً من الداخل، والجنوبي من الخارج 75 متراً، ومن الداخل 72 متراً.
أما ارتفاع السور فيبلغ 17 متراً، وهو مؤلّف من طابقين:
الأول منهما: مؤلف من 54 ايواناً مقبباً، يتقدم حجرة هي مقبرة لأحد المشاهير، ويسكنها عادة طلاب العلم، ولكنها أصبحت الآن مشغولة بالقرّاء على الأموات.
أما الطابق الثاني: فهو عبارة عن إيوان معقود بعقود فارسية مدببة، يتقدم مجموعة من الغرف المقبّبة يسكنها عادة الطلبة والمنقطعون للعبادة، ويحتوي الطابق الأعلى على 78 غرفة.
وجميع جدران السور مكسوة بالقاشاني البديع النقش، وعلى حواشي جدرانه العليا مكتوب بعض السور القرآنية بأحرف عربية جليّة.
وهذا السور يحيط بالصحن الشريف الذي هو رحبة واسعة تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع مفروشة بالرخام، كانت قبل فرشها بالرخام مملوءة بالقبور والمحاريب التي تعيق عن التحرّك بحريّة.
وفي سنة 1306 هـ حُفرت السراديب التي نُقل إليها كثير من القبور ثمّ سُوّيت أرض الصحن، وكسيت ببلاطات من المرمر.
وفي هذا السور المحيط بالصحن خمسة أبواب:
الباب الأول: الباب الكبير في الجهة الشرقية من السور مقابل السوق المشهور بـ: السوق الكبير وفوق هذا الباب توجد الساعة التي أمر بإرسالها من إيران الوزير أمين السلطنة سنة 1305 هـ، وقد زُخرفت جهات الساعة الأربع، وكذا القبة التي تعلوها ببلاطات من الذهب الخالص، في سنة 1323هـ.
والباب الثاني: باب ليس رئيسياً إلى يمين الباب الكبير، ويسمى بـ: باب مسلم بن عقيل.
والباب الثالث: هو المعروف بباب الطوسي، لأن الخارج منه ينتهي إلى قبر الشيخ الطوسي محمّد بن الحسن، المتوفى سنة 460 هـ.
والرابع: باب القبلة الذي جُدد بناؤه عدة مرات، وهو أصغر الأبواب الرئيسية.
والخامس: الباب السلطاني الذي هو في الجهة الغربية، سُمّي بذلك لأنه فُتح في عهد السلطان العثماني عبدالعزيز سنة 1279 هـ. ويسمى أيضاً: باب الفرج، لأنه ينتهي إلى مقام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه.
وعلى سائر الأبواب كتابات جميلة وتواريخ تجديد بنائها، وفيها مدح لسيّد الأوصياء عليه السّلام، ونقوش جميلة بالقاشاني.
وأخيراً.. ففي الجهة الشمالية من السور الخارجي يوجد إيوان العلماء؛ لأن كثيراً من العلماء مدفونون فيه.
إعجاز هندسيّ للمشهد العلويّ
وبعد.. فقد كان ما تقدم وصفاً موجزاً للمشهد العلويّ المقدس، ويبقى أن نشير إلى أن الهندسة العامة للمشهد المقدس تُحيّر العقول حقاً، فقد رُوعي في المشهد الشريف أمران:
الأول: أن يكون شكل البناء بحيث أنه كلّما وصل الظلّ إلى نقطة معينة عُرف أنّ الشمس قد زالت وأنّ وقت الظهر هو تلك اللحظة، لا يختلف ذلك لا صيفاً ولا شتاءً.
الثاني: أنّ الشمس كلّما طلعت فإنها تطلع وتشرق على الضريح المقدس مباشرةً، سواءً في الصيف أو في الشتاء.
وتحكيم هذين الأمرين ـ كما هو معلوم ـ صعب عادة، يحتاج إلى الكثير من الدقة والمعرفة.
خزانة التحف والهدايا
يوجد في مشهد الإمام عليّ عليه السّلام مجموعة من التحف القيّمة، والمنقطعة النظير، التي اُهديت إليه عبر العصور من قبل الملوك والسلاطين، وكبار رجال الدولة، والأعيان، وكبار التجار وغيرهم.
ويرجع تاريخ أقدم هذه الهدايا إلى القرن الرابع الهجري، أي من عهد البويهيين، فقد أهدى عضد الدولة البويهي المتوفى سنة 372هـ أو بعدها غطاءَ قبر يعتبر آية من آيات فن النسيج والتطريز، والزخرفة التي يعزّ لها مثيل حتّى في القرن العشرين رغم التقدم الآلي فيه.
ثمّ توالت الهدايا على المشهد في سلسلة متصلة، ويوجد العدد الأكبر من هذه المخلّفات في خزانة مبنية في جدار الروضة الحيدرية في الرواق الجنوبي من الحرم الشريف، ويبلغ عددها (2020) تحفة موزّعة على الوجه التالي:
1- من المصاحف المخطوطة الأثرية، التي رجع أقدمها إلى القرن الأول الهجري (550) مصحفاً، وهي تبدأ من القرن الأول حتّى الرابع عشر للهجرة، في سلسلة تكاد تكون متصلة.
2- التحف المعدنية (420) قطعة معدنية مكونة من الحُلي الذهبي المرصع بالجواهر المتعددة الألوان، كالزمرّد والألماس، واللؤلؤ والفيروزج وغير ذلك.. ومن قناديل من الذهب المكفت، والمرصّع بالأحجار الكريمة، والمزخرف بالميناء، ومباخر وطاسات، وأباريق، وشماعد، وألواح زيارة، ومزهريات وكشكول، ومجموعة كبيرة من الأسلحة، ورؤوس أعلام، ورؤوس أخرجة، وتيجان.
3- المنسوجات (448) قطعة، منها أغطية قبور، وستور، وخيام، وملابس، وغير ذلك. وقد رصّع بعضها بالأحجار الكريمة واللؤلؤ.
4- السجاد (325) سجادة، وتعتبر مجموعة السجاد الموجودة بالمشهد نادرة ولا مثيل لها في العالم، من الناحيتين: الفنية والمادية، إذ يوجد بين هذه المجموعة سجادة معقودة من الوجهين، وبكل وجه زخارف وألوان تختلف كل الاختلاف عما في الوجه الآخر.
5- التحف الزجاجية (121) قطعة مختلفة الأشكال، بعضها: مشكاوات مموهة بالميناء، وبعضها ثريات من البلور النادر، وقناديل تضاء بالشمع، وغير ذلك.
6- التحف الخشبية (156) قطعة، ومعظمها عبارة عن كشكول من خشب الساج الهندي، البديع الصنع والزخرفة. ثمّ هناك عدد من كراسي المصحف وألواح الزيارة.
أهم الشخصيات المدفونة في المشهد العلوي
دُفن في مشهد الإمام عليّ عليه السّلام الكثير من الشخصيات الإسلاميّة.. من علماء، وملوك وسلاطين، ووزراء، وأعيان؛ تيمّناً وتبرّكاً من أصحاب الإمام عليّ عليه السّلام.
وفي الثويّة، وهي اليوم تلّ بقرب مسجد الحنانة، جماعة من خواصّ أمير المؤمنين، نذكر منهم:
1 ـ خبّاب بن الإرتّ.
2 ـ جويريّة بن مسهَّر العبديّ.
3 ـ كُميل بن زياد النخعيّ.
4 ـ الأحنف بن قيس.
5 ـ سهل بن حُنيف.
6 ـ عبدالله بن أوفى.
7 ـ رشيد الهَجريّ.
ومن العلماء الأبرار المدفونين في النجف نذكر:
1- الشيح محمّد بن الحسن الطوسيّ، المتوفى سنة 460 هـ، الذي دُفن في داره، وأوصى أن تُتّخذ الدار مسجداً بعده.
2 ـ المقدّس الأردبيليّ، أحمد بن محمّد، المتوفى سنة 990هـ.
3- الشيخ أحمد الجزائريّ، صاحب (آيات الأحكام)، المتوفى سنة 1151هـ.
4- الآقا محمّد محمّد باقر الهزارجَريبي، المتوفى سنة 1205هـ، وهو أحد مشايخ السيّد بحر العلوم.
5 ـ ولده الفقيه الآقا محمّد علي، المتوفى سنة 1245هـ.
6 ـ السيّد حسن الجزائري، المتوفى سنة 1173 هـ.
7 ـ السيّد محمد مهدي بحر العلوم، العارف الفقيه الشهير.
8 ـ الشيخ مرتضى الأنصاري، المرجع الشيعيّ المعروف.
9 ـ الآخُند ملا محمد كاظم الخراساني.
10 ـ العلامة الحلي.
11 ـ الميرزا النائيني.
12 ـ السيّد أبو الحسن الأصفهاني، المرجع.
13 ـ السيّد محمد سعيد الحبوبي، العالم الشاعر.
14 ـ شيخ الشريعة الإصفهاني.
15 ـ الشيخ ضياء الدين العراقي.
16 ـ المولى علي نقي الكمرئي.
17 ـ الشيخ أحمد النَّراقي، صاحب (مستند الشيعة).
وغير هؤلاء من كبار العلماء الأعلام، الذين آثروا جوار سيد الوصيّين
عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام، وتجد في مختلف أنحاء المدينة مقابر لمشاهير العلماء وأساطين المعرفة.
ونذكر على سبيل المثال من الحكّام ممن دُفن في الروضة المطهّرة:
1 ـ عضد الدولة البويهي، المتوفى 373 هـ، وقد دفن عند رجلَي الإمام.
2 ـ شرف الدولة بن عضد الدولة، المتوفى سنة 379هـ.
3- بدر بن حسنويه، المشهور بالشجاعة والسياسة والعدل، وهو أحد ولاة البويهيين.
وهناك العديد من الحكّام والولاة والوزراء البويهيين، المدفونين بالمشهد الطاهر، مثل: بهاء الدين بن عضد الدولة، وفيروز أبي النصر الملقّب ببهاء الدولة.. وغيرهم.
ودفن في الرواق تحت القبة، من جهة رجلي الإمام عليه السّلام:
4 ـ الشاه عباس الأول الصفوي.
5- السلطان محمّد القاجاري، المتوفى سنة 1211 هـ، وهو مدفون في الرواق من جهة الشمال بالقرب من منبر الخاتم، في حجرة خاصة تعرف اليوم بحجرة السلاطين.
6- الملك كيومرث، الملقب بملك آراء ابن السلطان فتح علي القاجاري المتوفى سنة 1288هـ، وقد حمل جثمانه إلى النجف ودفن في المشهد الشريف.
7 ـ السلطان محمد حسن خان، حمل جثمانه إلى النجف ودفن في المشهد.
8 ـ الملك حسين قُلي خان، حمل جثمانه إلى النجف ودفن في المشهد.
9 ـ فخر الملك أبو غالب، وزير سلطان الدولة، المتوفى سنة 406هـ.
10- أبو القاسم حسين بن عليّ بن حسين بن عليّ وزير شرف الدولة، المتوفٍى سنة 418هـ.
11 ـ يعقوب بن داود بن ظماء، المتوفى سنة 418هـ.
12 ـ الوزير شرف الدين آنوشروان بن خالد، المتوفى سنة 533هـ.
13- المستجدي المعروف بطاشكين، المتوفى سنة 602هـ، كان والياً على عدد من البلاد.
14 ـ الأمير عماد الدين أبو المظفر الحربدار.
15 ـ الوزير معز الدين المعروف بابن حديد.
16 ـ مظفر الدين بن زين الدين.
17 ـ بدر الدين لؤلؤ.
18 ـ عماد الدين أبو الخير ابن الوزير نصر الدين.
19 ـ الملك عز الدين بن عبدالعزيز، المتوفى سنة 672 هـ.
وفي المشهد العلوي أيضاً مقابر آل حمدان والإليخانيين وملوك مهاباد.
20 ـ الملك عزالدين بن زيد الأصفر، ملك سواكن.
21- تيمورلنك، المتوفى سنة 807هـ، يقع قبره بالقرب من قبر الشيخ الطوسي، في سرداب في دار تحت الطاق على يمين الذاهب إلى قبر الشيخ من الصحن الشريف.
22- وزير الشاه عباس الأول، السيّد علاء الدين حسين، المتوفى سنة 1064هـ.
23- مظفر الدين شاه، الذي اُودع في شاه عبدالعظيم مدة، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف.
ثمّ هناك ملوك من مصر ومن وزرائهم الفاطميين، والأشراف، واُمراء الهند وملوك إيران.