موقف علماء أهل السنة والجماعة من حديث خلق الله آدم على صورته ق(3)
سماحة السيد كمال الحيدري
سلسلة حلقات من برنامج - مطارحات في العقيدة - على قناة الكوثر الفضائية
المقُدَّم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين. تحية طيبة لكم مشاهدينا الكرام مشاهدي قناة الكوثر الفضائية، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، هذا موعدكم مع حلقة جديدة من برنامج مطارحات في العقيدة، عنوان حلقة هذا الأسبوع (موقف علماء أهل السنة والجماعة وعلماء الشيعة من حديث خلق الله آدم على صورته، القسم الثالث) أرحب باسمكم بضيفنا الكريم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، مرحباً بكم سماحة السيد.
سماحة السيد كمال الحيدري: أهلاً ومرحباً بكم.
المقُدَّم: سأل بعض الأخوة عن باقي آراء العلماء لاسيما كبار علماء مدرسة أهل البيت، فيأتي السؤال بعد أن ذكرتم آراء كبار علماء أهل السنة في مرجع الضمير في قوله صلى الله عليه وآله خلق الله آدم على صورته، السؤال: ما هو موقف أئمة أهل البيت أولاً من ذلك وموقف علماء مدرسة أهل البيت من ذلك.
سماحة السيد كمال الحيدري: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في الحلقات المتعددة التي تحدثنا فيها عن موقف ابن تيمية من مرجع الضمير في قوله صلى الله عليه وآله (إن الله خلق آدم على صورته) بينا أن الشيخ ابن تيمية وأتباعه من الوهابية ذهبوا إلى أن مرجع الضمير هو الله سبحانه وتعالى وأن المراد من الصورة هي الصورة المحسوسة. كان هذا هو الاتجاه الأول الذي قلنا أنه يتقوم بعنصرين وركنين: الأول أن مرجع الضمير يعود على الله والثاني أن المراد من الصورة ليست هو الصورة المعنوية وإنما هي الصورة المادية الحسية المحسوسة يعني الهيئة والشكل.
ثم انتقلنا بعد ذلك إلى بيان آراء ومواقف كبار وأعلام أهل لسنة والجماعة، وانتهينا في الحلقة السابقة إلى أن جملة كبيرة من علماء أهل السنة ذهبوا إلى أن مرجع الضمير هو المضروب وليس هو الله سبحانه وتعالى، فهذه الرواية الواردة عن الرسول الأعظم غير مرتبطة بهذه الحيثية وإنما كان هناك شخصان أحدهما قال للآخر قبح الله وجهك ووجه من يشبه وجهك فنهاه الرسول عن ذلك وقال: خلق آدم على صورته. يعني على صورة هذا المضروب فلماذا تقبح وجهه أو تضرب وجهه.
أما موقف أئمة أهل البيت عليهم السلام من هذه القضية. طبعاً هنا لابد أن أشير إلى أن الأحاديث الواردة في المصادر الحديثية عند علماء مدرسة أهل البيت هذا الحديث لا ينقلوه لنا عن رسول الله مباشرة وإنما ينقلوه يقولون أنه أن أهل السنة رووا هذا الحديث فما هو معناه. يعني أن أئمة أهل البيت لا يقولون بأن رسول الله قال خلق الله آدم على صورته، وإنما يقولون أن السنة جاءوا إلى الأئمة وقالوا أن السنة يقولون كذا فماذا تقولون أنتم، شاع هذا الخبر فماذا تقولون؟ من هنا أنا بودي أن أشير إلى هذه الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت بهذا البيان الذي أشرت إليه في المقدمة ليتضح موقف أئمة أهل البيت من هذا الحديث أولاً وموقف بعض علماء أو بعض كبار علماء مدرسة أهل البيت من هذا الحديث.
الآن سوف لا نقف عند مسألة الصحيح وعدم الصحيح باعتبار أننا لا نحتاج إلى ذلك لأنه في الكتب التي قرأناها أن أهل السنة يقبلونها فنحن نتكلم مع أهل السنة فالحديث صحيح عندهم بغض النظر عن أن الحديث صحيح عندنا أو ليس بصحيح، حتى لو كان الحديث غير صحيح عندنا لابد أن نتعرف على مضمون هذا الحديث، لأن ليس معنى عدم صحة الحديث يعني عدم صدور الحديث، وإنما لعله صادر ولكن الراوي ضعيف.
المورد الأول ما ورد في كتاب (التوحيد، ص147) للشيخ الجليل الأقدم الصدوق، المتوفى 381هـ، صححه وعلق عليه المحقق البارع السيد هاشم الحسيني، مؤسسة النشر الإسلامي الجامعة لجامعة المدرسين بقم المقدسة، (باب تفسير قول الله عز وجل (كل شيء هالك إلا وجهه، الحديث 10): (الرواية عن الورد بن ثمامة عن علي عليه السلام: قال سمع النبي صلى الله عليه وآله رجل يقول لرجل قبح الله وجهك ووجه من يشبهك) وهذا نص الحديث الذي قرأناه في المصادر الصحيحة التي وردت في مصادر أهل السنة والجماعة فهي رواية متفق عليها، فعند ذلك لا ندخل في أن الرواية صحيحة أو ليست بصحيحة، لأنه يوجد عليها إجماع بين المسلمين.
قال: (قبح الله ووجه من يشبهك، فقال: مه) أي اسكت لماذا تقول هذا الكلام (لا تقل هذا، فإن الله خلق آدم على صورته) أنا أتصور نفس الكلام الذي قلناه فلا نذكره مرة أخرى.
المورد الثاني ما ورد في كتاب (عيون أخبار الرضا، ج1، ص110) للشيخ الصدوق، منشورات الشريف الرضي، (الباب 11، ما جاء عن الرضا من الأخبار في التوحيد، الحديث 12) الرواية أيضاً عن (الحسين بن خالد قال قلت للرضا: يا بن رسول الله أن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال) هذه هي النكتة التي أشرت لها وهي أنه ليس الإمام الرضا يروي عن رسول الله وإنما الناس جاءوا الى الإمام الرضا وقالوا له يا ابن رسول الله أن المحافل العلمية تروي مثل هذا النص عن رسول الله فما رأيك في هذا النص الوارد عن رسول الله. الإمام الرضا عليه السلام لم يكذب هذا الحديث ولم يقل أن مثل هذا الحديث لم يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وآله بشهادة الحديث الذي قرأناه عن توحيد الشيخ الصدوق (أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله عز وجل خلق آدم على صورته) يعني أنه نقل للإمام الرضا هذا المقطع بلا مقدمة وبلا شيء آخر وبلا صدر الرواية، وهذا الذي وجدناه في بعض مصادر أهل السنة والجماعة. يقول الإمام الرضا عليه السلام (فقال: قاتلهم الله، لقد حذفوا أول الحديث) وهذا الذي أشار إليه إمام الأئمة ابن خزيمة قال أن هذه الأحاديث لابد أن تفهم في جو واحد، يعني حتى الرواية التي قالت أن الله خلق آدم على صورته، لابد أن تفهم بهذا السياق، سياق المضروب والتقبيح وغير ذلك.
(إن رسول الله صلى الله عليه وآله مر برجلين يتسابان فسمع أحدهما يقول لصاحبه قبح الله وجهك ووجه من يشبهك فقال صلى الله عليه وآله له) لذلك الذي قال قبح الله (يا عبد الله، لا تقل هذا لأخيك فأن الله عز وجل خلق آدم على صورته) يعني على صورة أخيك. فالقضية أتصور من الواضحات لأنه أقرب الضمائر هو الأخ، وارجع الضمير الى الأخ.
ولذا أنتم تجدون أننا نذكر على أن الروايات إذا اتفق عليها بين علماء المسلمين وبين علماء الحديث بين الأئمة وبين باقي أئمة أهل السنة نحن نقبلها لأننا نجد أن هناك جملة من القرائن لعلها حذفت في كتاب البخاري أو في كتاب مسلم أو في مسند أحمد ولكنها بشكل واضح وصريح جاءت في كتبنا ومراجعنا الحديثية في هذا المجال.
أقرأ الحديث مرة أخرى (فقال صلى الله عليه وآله له: يا عبد الله، لا تقل هذا لأخيك فأن الله عز وجل خلق آدم على صورته) صحيح قد يقول لي قائل: أنه يوجد آدم على صورته، مرجع الضمير آدم، أو قد يكون مرجع الضمير هو الله.
ولكن الجواب: كما قلنا في الحلقة السابقة لو لم نقل بأن هذا الضمير يعود على أخيك للزم أن هذه الجملة لا علاقة لها بالجملة التي قبلها، فلا مناسبة بين الصدر وذيل الرواية. هذا هو الحديث الثاني.
وهذا ما ذهب إليه جملة من كبار علماء مدرسة أهل البيت تبعاً للأئمة، قالوا بأن هذا الحديث يبين لنا بشكل واضح وصريح بأن مرجع الضمير هو ذلك المضروب أو ذلك الأخ أو غير ذلك.
ومن أهم الذين أشاروا الى هذه الحقيقة علم من أعلام الإمامية في كتابه (تنزيه الأنبياء، ص172 و 173) تأليف علم الهدى المعروف بالشريف المرتضى، مؤسسة الأعلمي، الطبعة الثانية سنة 1429هـ، (في قول سيدنا محمد أن الله خلق آدم على صورته. مسألة: فإن قيل ما معنى الخبر المروي عن النبي أنه قال أن الله خلق آدم على صورته، أوليس ظاهر هذا الخبر يقتضي التشبيه وأن له تعالى عن ذلك صورة) هذا لازمه التشبيه، هو يشير الى أجوبة متعددة أنا اشير الى بعضها. (الجواب الثالث: أن هذا الكلام خرج على سبب معروف لأن الزهري روى عن الحسن أنه كان يقول: مر رسول الله برجل من الأنصار وهو يضرب وجه غلام له) نفس المضمون الذي قرأناه (ويقول قبح الله وجهك ووجه من يشبهك فقال النبي صلى الله عليه وآله: بأس ما قلت فإن الله خلق آدم على صورة المضروب). فلماذا تقبح وجهه، هذا مورد من الموارد.
ومورد آخر وهو ما ورد في كتاب (بحار الأنوار، ج4، ص14) للعلامة محمد باقر المجلس، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، يقول: (تذنيب) بعد أن ينقل الخبر الذي ينقله يمكنه مراجعته في (كتاب التوحيد، باب تأويل قوله تعالى ونفخت فيه، وقوله صلى الله عليه وآله خلق الله آدم على صورته) في ص14 يقول تذنيب ثم ينقل كلام السيد المرتضى بطوله ولا يعلق عليه، يعني أنه يؤيده ويرتضي هذا الكلام.
وممن أكد على هذا المعنى هو نفس الشيخ الصدوق عندما نقل الرواية المتقدمة علق عليها بهذا التعليق في (التوحيد، ص147) بعد أن نقل الحديث قال: (قال مصنف هذا الكتاب) يعني المؤلف (تركت المشبهة من هذا الحديث أوله وقالوا أن الله خلق آدم على صورته فضلوا في معناه واضلوا) واقعاً هم ضلوا الطريق وهكذا أيضاً هم أضلوا غيرهم صاروا سبباً لأن يضل الآخرون بسبب مثل هذه الآراء البائسة التي أشرنا إليها.
إذن أتصور من هذا البيان المختصر اتضح لنا بأن جملة كبيرة من علماء مدرسة أهل البيت ذهبوا الى أن مرجع الضمير على فرض ورود وصدور هذا النص من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أن مرجع الضمير هو ذلك الإنسان الذي قُبِح وجهه.
المقُدَّم: هل هناك اتجاهات أخرى في تفسير هذا النص الوارد عن رسول الله وهو أن الله خلق آدم على صورته.
سماحة السيد كمال الحيدري: هذه هي الحلقة الأخيرة فيما يتعلق بحديث (خلق الله آدم على صورته) ولذا إن شاء الله تعالى نحاول بقدر ما يمكن أن ننهي البحث في هذه الليلة في هذا الموضوع، وبإذن الله تعالى إن بقينا أحياء إلى الأسبوع القادم سندخل في بحث جديد وموضوع جديد من أبحاث التوحيد التي اختلف فيها ابن تيمية وأتباع ابن تيمية مع مشهور علماء المسلمين، ولذا الأعزاء المشاهدين المتابعين لهذا البرنامج إذا كانت عندهم مداخلات.
فيما يتعلق بالسؤال وهو أنه أساساً هل توجد هناك اتجاهات أخرى أو لا؟
إلى هنا نحن أشرنا إلى اتجاهات ثلاثة وهي:
الاتجاه الأول: وهو الذي اختاره الشيخ ابن تيمية.
الاتجاه الثاني: الذي أرجع الضمير إلى آدم قال أن الله خلق آدم على صورته يعني على صورة آدم لبيان اختصاصه بهذا المقام.
الاتجاه الثالث: الذي قال بأن هذا الضمير يعود على المضروب وعلى الذي قبح وجهه.
الاتجاه الرابع فيما يرتبط بهذا المجال بحسب تسلسل الاتجاهات التي أشرنا إليها، وهو أن أصحاب هذا الاتجاه يقولون بأن هذا الضمير نعم يعود على الله، سلمنا معكم أن الله خلق آدم على صورته هذا الضمير يعود على الله سبحانه وتعالى، ولكن هذه الإضافة ليست إضافة توصيف وإنما هي إضافة تشريف، يعني إنما أضاف صورة آدم وشكل آدم إلى نفسه تشريفاً لبيان كرامة هذا الإنسان وإلا الله سبحانه وتعالى كل شيء هو الذي خلقه وصوره وأوجده، ولكنه عين من بين هذه الصور هذه الصورة تشريفاً لهذه الصورة وإكراماً لهذه الصورة، وضربوا أمثلة متعددة لذلك، أنا أشير إلى بعض تلك الأمثلة.
من تلك الأمثلة ما ورد في قوله تعالى في سورة البقرة الآية 125 قال تعالى: (وإذ جعلنا مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود).
السؤال: هل أن المسجد الحرام والكعبة المشرفة هي بيت الله سبحانه وتعالى، يعني مسكنه كما أن لي ولك وللموجودات الحية يوجد بيت الله له بيت أو إنما نسب إليه هذا تشريفاً (في بيوت اذن الله) بيوت، هذه البيوت أو المساجد. نعم، هذه بيوت الله أيضاً، ولكن الله فرق بين تلك البيوت، قال: بيوت الله، أما هنا قال بيتي. لماذا تلك بيوت وهذه بيتي؟ لإكرام هذا البيت ولتشريف هذا البيت، وآيات أخرى في القرآن أشارت إلى هذه الحقيقة.
ومن تلك الآيات أو من تلك الموارد التي يمكن الإشارة إليها ما ورد في سورة الحجر، الآية 29 قال تعالى: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).
سؤال: هل أن الله سبحانه وتعالى له روح وأن روحه حلت في آدم، خصوصاً وأن الآية قالت (من روحي).
الجواب: الحق سبحانه وتعالى يريد أن يقول أن روح الإنسان التي أفيضت على الإنسان لها من الكرامة والشرافة استحقت أن تنسب إليه. طبعاً هناك موارد كثيرة مثلاً على سبيل المثال (ناقة الله) هل أن الله له ناقة مثلاً. ومنه يتضح الجواب وإن كان خارج عن موضوعي ولكن أريد أن اشير إلى نكتتين ولا ابتعد كثيراً.
إذن عندما نقول (ثأر الله وابن ثأره) لا يذهب الناس بعيداً، أنه ما هو معناه هل أن الله سبحانه وتعالى له ثأر. لا، هذه للإشارة إلى شرف هذا الدم، وعظمة هذا الدم وهو الدم الحسيني الذي عبر عنه بأنه ثأر الله. من هذه الجهة.
وبه يتضح النكتة الثانية، وبه يتضح نحن عندما نقول في جملة من رواياتنا الواردة أن النبي أو أن علي أو أن فاطمة خلقوا من نور عظمته، لا يقول لنا قائل ... لأني رأيت بعض هؤلاء الذين يدعون أنهم من أهل العلم ويخرجون على الفضائيات والواقع أن العلم منهم بريء لأن هؤلاء واقعاً لا يفهمون القرآن ولا يتدبرون معنى القرآن ولا يتدبرون الآيات القرآنية ولا توجد عندهم معرفة بالآيات القرآنية، يقولون أن الشيعة يقولون أن أرواح الأئمة مخلوقة من الله، من يعني يعبرون عنها مقتطعة، يعني من التبعيضية.
سؤال: ماذا تقولون في هذه الآية، ما معنى (من) هنا، أيضاً للتبعيض يعني بعض من روح حلت في آدم. كل ما تقولونه هنا نحن نقوله في تلك الروايات الواردة في أئمة أهل البيت عليهم السلام.
إذن فيما يتعلق بهذا الوجه الرابع يقول أن الإضافة ليست إضافة تشبيهية وتوصيفية كما يقول أصحاب الاتجاه الأول وإنما هي إضافة تشريفية تكريمية وهذا ما ذهب إليه جملة كبيرة من علماء المدرستين علماء أهل السنة وعلماء مدرسة أهل البيت، يعني تقريباً جملة كبيرة من علماء المسلمين من الفريقين من السنة والشيعة ذهبوا إلى أن هذه الإضافة حتى لو قبلنا أن مرجع الضمير إلى الله فالإضافة تشريفية وليست إضافة توصيفية أو تشبيهية.
منهم إمام الأئمة ابن خزيمة في كتاب (التوحيد، ج1، ص100 و 101) بعد أن ينقل حديث أن الله خلق آدم على صورة الرحمن يقول: صحيح حتى لو قبلنا أن هذه الرواية صحيحة السند فصورة الرحمن هذه الإضافة ليست إضافة تشبيهية وإنما إضافة تشريفية، يقول: (فإن صح هذا الخبر) لأنه فيما سبق أنه ذكر علل ثلاث في سند هذا الخبر (مسنداً فمعنى هذا الخبر عندنا: أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر إنما هو من إضافة الخلق إليه) يعني مخلوقه ينسب إليه (لأن الخلق يضاف إلى الرحمن إذ الله خلقهم وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن لأن الله صورها، ألم تسمع قوله عز وجل (هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دون) فأضاف الله الخلق إلى نفسه، وكذلك قوله عز وجل: (هذه ناقة الله لكم آية) فأضاف الله الناقة إلى نفسه وقال (تأكل في أرض الله)) يعني السموات ليست سموات الله، بل هي سموات الله ولكنه إشارة إلى لكرامة هذه الأرض (وقال: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا) وقال: (أن الأرض لله يورثها من يشاء) فأضاف الله الأرض إلى نفسه إذ الله تولى خلقها فبسطها فما أضاف الله إلى نفسه على معنيين: إما إضافة الذات) كما قال ابن تيمية وأتباع ابن تيمية (وإما إضافة الخلق) كما أشرنا إليه وهو إضافة التشريف (فتفهموا هذين المعنيين لا تغالطوا، فمعنى الخبر إن صح من طريق النقل مسنداً ...).
إذن هذه الرواية، إذن بيان واضح من أحد الأئمة الكبار من علماء أهل السنة والجماعة.
وكذلك ما ورد في كتاب (اسماء الله وصفاته، ج2، ص760) للإمام الحفاظ البيهقي، المتوفى سنة 458هـ قال: (وذهب بعض أهل النظر إلى أن الصور كلها لله تعالى) ليست فقط صورة آدم، صورة الغنم صورة السبع .. (كلها لله تعالى على معنى الملك والفعل) باعتبار أن كل هذه فعل الله سبحانه وتعالى الله خالق كل شيء (ثم ورد التخصيص في بعضها بالإضافة تشريفاً وتكريماً) إذا كانت كل الصور وكل الأفعال وكل الأشياء مخلوقة لله ومسنده لله إذن لماذا الله أسند بعضها قال بيتي وقال روحي وغير ذلك. قال تكريماً وتشريفاً (كما يقال ناقة الله وبيت الله ومسجد الله وعبر عنه بعضهم بأنه سبحانه ...). هذا هو المورد الثاني.
المورد الثاني ما ورد عن الإمام ابن الجوزي المتوفى 597 في (كشف المشكل من حديث الصحيح، ج3، ص498) تحقيق علي حسين البواب، دار الوطن. قال: (والثالث أنها ترجع إلى الله سبحانه) يعني مرجع الضمير ليس آدم وليس المضروب (فهي مضافة إضافة ملك، لا إضافة ذات) وهذا هو الذي أشار إليه ابن خزيمة (كما أضاف الروح التي نفخت في آدم فقال: ونفخت فيه من روحي. وهذا مذهب ابن عقيل، قال: وإنما خص آدم بإضافة الصورة إليه لخصيصة فيه) وهو أنه يعبد الله وأنه خليفة الله وأنه يسجد لله ولذا الله سبحانه وتعالى قال: (إني جاعل في الأرض خليفة) الله سبحانه وتعالى لم يعطِ هذا المقام للملائكة وإنما أعطاه لآدم. وفي قضية حمل الأمانة أنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين ... وحملها الإنسان. فالإنسان يستحق هذا المقام وهو أنه ينسب إلى الله ولهذا قال: (وهي السلطنة التي تشاكل الآلهية استعباداً وسجوداً واستخداماً وأمراً نافذاً وسياسات يعمر بها البلاد ويصلح بها من أمر العباد وليس في الجن والملائكة من يجتمع على طاعته نوعه وقبيله سوى الآدمي ...).
إذن القضية واضحة أيضاً.
ومن الأعلام المعاصرين أيضاً، من أعلام معاصرين الوهابية الذين هم على مسلك الشيخ ابن تيمية، نجدهم في هذه القضية من غير أن يقولوا نحن نخالف الشيخ ابن تيمية ولكن لم يقبلوا قول الشيخ ابن تيمية وأن الضمير يعود على الله وأن الإضافة إضافة ذات وإضافة توصيف بل قالوا أنها إضافة تشريف.
منهم العلامة العثيمين في كتابه (القول المفيد على كتاب التوحيد، ج2، ص359) طبعة مصححة ومنقحة، دار ابن الجوزي، الطبعة الثانية محرم 1424هـ السعودية، بعد أن ينقل الرواية وأما حديث أبي هريرة أن النبي قال خلق الله آدم على صورته، قال: (وإنما يراد به أحد معنيين) يعني هذا المعنى الأول لم يرد عليه تقول ذكر معنى ثاني؟ أقول: نعم، وهذا معناه أن كلا المعنيين عنده صحيح، وإلا لو كان المعنى الأول باطل كان ينبغي أن يرد عليه (الأول أن الله خلق آدم على صورة اختارها وجعلها أحسن صورة في الوجه، وعلى هذا فلا ينبغي أن يقبح أو يضرب لأنه لما أضافه إلى نفسه اقتضى من الإكرام ما لا ينبغي معه أن يقبح أو أن يضرب) واضح أنه يشير إلى هذا المعنى الذي أشرنا إليه.
وكذلك ذكر هذا المعنى بشكل أوضح من هذا ما ورد في كتاب (مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ج1، ص156، رقم السؤال 76) (سُئل فضيلة الشيخ ما معنى قول النبي أن الله خلق آدم على صورته) أنا بودي أن المشاهد الكريم يلتفت إلى هذه القضية (فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث أعني قول النبي صلى الله عليه وآله أن الله خلق آدم على صورته ثابت في الصحيح) أعزائي التفتوا إلى هذه القضية ولا تتصورا أنه فقط علماء الشيعة وعلماء مدرسة أهل البيت قد يحملون بعض الروايات أو الآيات على خلاف ظاهرها، وإنما هذا أحد كبار علماء الوهابية وكبار علماء مدرسة ابن تيمية انظروا ماذا يقول واحفظوا هذه الجملة وارجعوا إليها لتتأكدوا بأنفسكم وخصوصاً أهل العلم الذين يتابعون هذا البرنامج بإمكانهم أن يدخلوا المواقع الالكترونية ويستخرجوا هذه العبارة مباشرة. قال: (هذا الحديث ثابت في الصحيح ومن المعلوم) لا المظنون، يعني مما هو قطعي (أنه لا يراد به ظاهره) هذا رأيك الشخصي شيخنا العلامة؟ يقول: لا (بإجماع المسلمين) إذن ابن تيمية خالف إجماع المسلمين بنصف الشيخ. طبعاً أنا أتصور أن العلامة العثيمين كاملاً ملتفت إلى رأي الشيخ ابن تيمية ولكن لا يريد أن يسفه رأيه ويقول ان ابن تيمية خالف الإجماع، ولكن أهل العلم يعلمون أن هذا الكلام موجه إلى ابن تيمية وإلى من هو سائر على خطه.
يقول: (إن الله خلق آدم على صورته ثابت في الصحيح ومن المعلوم أنه لا يراد به ظاهره بإجماع المسلمين والعقلاء لأن الله عز وجل وسع كرسيه السموات والأرض والسموات والأرض كلها بالنسبة للكرسي موضع القدمين كحلقة ألقيت) مسكين وقع أيضاً في نفس المشكلة!! (كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة فما ظنك برب العالمين) يعني كيف يمكن أن نقول له وجه، هذا أي وجه يكون، إذا كان السموات والأرض هو كحلقة ملقاة في الكرسي والله جالس على الكرسي والسموات والأرض حلقة في الكرسي فوجه الله عز وجل كيف يكون (لا أحد يحيط به وصفاً) هذا كلام علمي وعندما الإنسان يقول كلاماً علمياً لابد أن ينصف (لا أحد يحيط به وصفاً ولا تخيلاً، ومن هذا وصفه) المتكلم هو الشيخ العلامة العثيمين أحد كبار علماء الوهابية المعاصرين (ومن هذا وصفه لا يمكن أن يكون على صورة آدم ستون ذراعاً) من هو وصفه أن كرسيه وسع السموات والأرض والسموات والأرض في كرسيه كحلقة ملقاة في فلاة. كيف يمكن أن نقول أن آدم على صورة الله. واقعاً هذا تسفيه علمي لكلام الشيخ ابن تيمية، ولكن من غير أن يقول أن هذا رأي ابن تيمية وأني أريد أن اسفه وأرد على قول الشيخ ابن تيمية.
فماذا نفعل؟
قال: (لكن يمكن أن يحمل على أحد معنيين) هذا الحديث (الأول أن الله خلق آدم على صورة اختارها) حتى لا يأتي بعض العوام ويقول سيدنا أنت لا تراعي قواعد اللغة العربية، أنا لست جالساً في مجلس لتعليم اللغة العربية. نعم إذا صار بنائي أن ندرسكم اللغة العربية لرأيت أني أعرف قواعد اللغة العربية والنحو الصرف، أنا أستاذ التجويد مذ 42 عاماً، أنا لا أريد أن أتكلم في مثل هذه القضايا ولكني أتكلم معك أخي العزيز حتى تفهم.
قال: (إن الله خلق آدم على صورة اختارها وأضافها إلى نفسه تعالى تكريماً وتشريفاً) وهذا هو إجماع المسلمين. إذا كان لابد من تصحيح أن مرجع الضمير إلى الله إذن ليس مرجعاً توصيفاً وتشبيهياً كما يقول ابن تيمية وبعض اتباعه وإلا فهذا أيضاً من أتباع ابن تيمية ولكن يخالفه في هذه المسألة.
هذا ما ذكره جملة من كبار علماء أهل السنة والعجيب أنه يوجد فيه من هو من أتباع الشيخ ابن تيمية ولكنه رد رداً علمياً الشيخ ابن تيمية.
وهذا الرأي أيضاً ذهب إليه جملة كبيرة من علماء مدرسة أهل البيت، قالوا حتى لو قبلنا أن الإضافة إضافة إلى الله وأن مرجع الضمير إلى الله فالإضافة إضافة تشريفية، وفي هذا المجال لعله وردت عندنا رواية في (الأصول من الكافي، ج1، ص328، تسلسل الحديث 349) تحقيق قسم إحياء التراث، مركز بحوث دار الحديث، الرواية عن محمد بن مسلم قال: (سألت أبا جعفر) أي الباقر عليه السلام (عما يروون) أيضاً نفس النكتة وهو أن ... إلا الرواية التي قرأناها عن أمير المؤمنين أنه نقل عن رسول الله وإلا باقي الأئمة يروون ويقولون أن الناس ... ولكن هذا ليس معناه رد الحديث، وإلا لو كان هذا الحديث لم يصدر عن الرسول صلى الله عليه وآله لرده الأئمة عليهم السلام (سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام عما يروون أن الله خلق آدم على صورته، فقال: هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه فقال: (بيتي، ونفخت فيه من روحي)).
أنا أتصور أن هذه واضحة، صورة مخلوقة محدثة ولكنه كل الصورة كذلك، لماذا هذه الصورة اختصها الله ونسبها إلى نفسه وأسندها لنفسها؟ قال: (لكرامته، لعزتها، لشرفها).
وهذا ما نجده في التعليقات على أصول الكافي، فمن علق عليه أشار إلى هذا المعنى ومنهم ما ورد في (الحاشية على الاصول من الكافي، ص435) تأليف رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني المرزا رفيعة المتوفى 1082هـ تحقيق محمد حسين الدرياتي، مجموعة آثار المؤتمر الدولي لذكرى الشيخ ثقة الإسلام الكليني، قال: (أي على الصورة الشريفة) إن الله خلق آدم على صورته أي على الصورة الشريفة التي لشرفها من بين الصور المخلوقة تستحق أن تضاف إليه سبحانه وتعالى. فإن الصور كلها مخلوقات له سبحانه وهو منزه عن الصورة والمثال، كما يقول ابن تيمية (تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا).
وهكذا ما ورد أيضاً لعلم من أعلام مدرسة أهل البيت وهو العلامة المازندراني في شرحه لأصول الكافي، قال: (شرح جامع لأصول الكافي وللروضة، ج4، ص160 و 161) للمولى محمد صالح المازندراني المتوفى سنة 1086هـ قال: (قال عدة من أصحابنا) ثم يشير إلى السند يقول: (كوفي ضعيف، ولكن ضعفه لا يضر بصحة مضمون هذا الحديث، لاعتضاده بالعقل والنقل ... كما قال وصوركم فأحسن صوركم فأضافها إلى نفسه تشريفاً وتكريماً وإظهاراً لاصطفائها).
يكون في علم المشاهد هذا المعنى اختاره أيضاً الشريف المرتضى في ص173.
إذن الاتجاه الرابع قال: (سلمنا معكم أن مرجع الضمير يعود على الله ولكنه الإضافة إضافة تشريف لا إضافة توصيف وإضافة ذات).
إلى هنا انتهينا من أربعة اتجاهات:
الاتجاه الخامس: هذا الاتجاه يقول أيضاً نقبل منكم أن الضمير يعود على الله سبحانه وتعالى ونقول أيضاً أنه للتوصيف لا للتشريف ولكن نقول ليس معنى الصورة الصورة المحسوسة وإنما المراد من الصورة الصفة والصورة المعنوية يعني العلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة ونحو ذلك، وهذا هو مقتضى الخلافة في الأرض يعني أن باقي الملائكة أو باقي الموجودات لو كان فيها قدرة على أن تكون خليفة لله لماذا الإنسان يكون خليفة والملائكة لا يكونون خلفاء لله. إذن هذا يكشف عن أن الإنسان أعطي من الصفات الإلهية ما لم يعطى أحد من الموجودات الأخرى، إذن الضمير يعود على الله والإضافة للتوصيف لا للتشريف ولكن المراد من الصورة الصورة المعنوية.
وهذا هو الذي أشرنا إليه في أوائل هذه الأبحاث، نحن في بيان تلبيس الجهمية قسم الدراسة في الجزء الأول، قسم الدراسة من هذا الكتاب (ص398) قال: (والصورة ضربان: أحدهما محسوس كصورة الإنسان والفرس ويدرك بالمعاينة والرؤية والثاني معقول كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والرؤية والمعاني التي خص بها شيء بشيء).
على هذا الأساس جملة من أعلام المسلمين ومنهم الإمام الحافظ القرطبي في (المفهم لما اشكل من تلخيص كتاب مسلم، ج6، ص598) تأليف الإمام الحافظ أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي المتوفى 656هـ وقلنا أن هذا غير صاحب التفسير، قال: (ولو سلمنا أن الضمير عائد على الله) يعني أولاً نقول أن هذا الضمير لا يعود على الله وإنما يعود على آدم أو على المضروب ولكن لو تنزلنا وقلنا أن ظاهر الحديث كما يعرف أهل العلم، افترضنا جدلاً، قال: (أن الضمير عائد على الله فللتأويل فيه وجه صحيح وهو أن الصورة قد تطلق بمعنى الصفة كما يقال صورة هذه المسألة كذا) في الرياضيات يقال صورة المسألة كذا مع أنه من الواضح أن المراد من الصورة ليس الشيء المحسوس (أي صفتها وصور لي فلان كذا فتصورته أي وصفه لي ففهمته وضبطت وصفه في نفسي، وعلى هذا فيكون معنى قوله أن الله خلق آدم على صورته أي خلقه موصوفاً بالعلم الذي فصل به بينه وبين جميع أصناف الحيوانات) ولذا نجد أن الإنسان مكلف أما باقي الموجودات فغير مكلفة، الجن أيضاً مكلف ولكنه لا يوجد فيهم نبي، الإنسان فقط اختص بالنبوة وأن يكون واسطة بين الله وخلقه، مع أنه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). ولكن الجن لم يصل إلى مقام الإنسانية حتى يستطيع أن يصل إلى مقام النبوة وأن يتلقى الوحي من الله سبحانه وتعالى، هذه من اختصاصات الإنسان (ولقد كرمنا بني آدم) (أي خلقه موصوفاً بالعلم الذي فصل به بينه وبين جميع أصناف الحيوانات وخصه منه بما لم يخص به أحداً من ملائكة الأرضين والسموات) أعطي ما لم يعطى ... (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) يعني حتى الملائكة المقربون أيضاً سجدوا لآدم يعني حتى جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وباقي الملائكة المقربين والمهيمنين كلهم خضعوا لآدم، لماذا خضعوا؟ هل هذا اعتبار؟ لا، هذه حقيقة وجودية وهو أن الإنسان يمكن أن يبلغ مقاماً لا يبلغه أحد من المخلوقات دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى.
طبعاً عندما نقول الإنسان لا يتبادر إلى ذهن أحد أن نوع الإنسان سجد له الملائكة، لا لا، لا يتبادر الذهن إلى أن جبرائيل سجد خضوعاً للفراعنة والطواغيت، لا أبداً، وإنما المراد من هم على مستوى الأنبياء بل من هم على مستوى خاتم الأنبياء (فدنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) قال: (وخصه منه بما لم يخص به أحداً من ملائكة الأرضين والسموات وقد قلنا فيما تقدم ...).
إذن هذا الكلام واضح جداً أنه يقول حتى لو سلمنا أن الضمير يعود على الله فالمراد الصورة المعنوية.
ولعل من اوضح أولئك الذين وقفوا عند هذه القضية هو العلامة الكبير العلامة الألوسي في تفسيره (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج18، ص162، أوائل سورة المؤمنون) مؤسسة الرسالة، الطبعة الأخيرة، هذا الرجل الكبير والعلامة المفسر الكبير واقعاً أنا أنصح من يبحث عن التفاسير المهمة يعد هذا التفسير ... هذا لا يعني أننا نوافقه في كل ما يقوله، هذه طبيعة العلم، طبيعة العلم أن العلماء يختلفون فيما بينهم ولكن كل يحترم الآخر ولا يوجد هناك أي مشكلة في قبول الآخر. قال: (وفي قوله سبحانه (ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) إشارة إلى نفخ تلك الروح المخلوقة من ذلك النور الإلهي) ولا يدل ذلك على التبعيض ولا يدل على الاتحاد وإنما يدل على أن هذا نشأته من قبيل الحق من ربك، الحق من ربك يعني الحق مقتطع من الله ... يا أخي تدبر (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (وهي الحقيقة الآدمية المرادة في قوله خلق الله تعالى آدم على صورته أي على صفته سبحانه من كونه حياً عالماً مريداً قادراً ...).
وكذلك في موضع آخر في (ج29، ص155) من نفس الكتاب، بعد أن يقول في أحسن تقويم في سورة التين، قال: (ومما يدل على أحسنيته تقويمه) ما هو الدليل على أنه أحسن، قال قومه. (إن الله سبحانه رسم فيه) يعني وضع فيه وجعل فيه، يعني خلق فيه (رسم فيه من الصفات ما تذكره صفاته عز وجل وتدله عليها). وإلا كيف نحن نقول أفلا ينظرون أفلا ينظرون، القرآن الكريم عندما يقول أنه جعل الإنسان من عرف نفسه فقد عرف ربه، أعرفكم بأنفسكم أعرفكم بربكم، هذه النصوص سواء القرآنية أو النصوص الروائية الواردة عن الرسول الأعظم كلها تبين أنك إذا عرفت نفسك عرفت خالقك، كيف إذا لم يكن فيّ علامة منه، تجلى في صفاته، لا تشابه، لا كما يقول المجسمة والمشبهة.
قال: (ما تذكره صفاته عز وجل وتدله عليها فجعله عالماً مريداً قادراً ...).
بالمورد الرابع بعد أن نقول الحديث يقول: (أقول وفيه وجه سادس) ذكرنا نحن إلى الآن أربعة وجوه هذا الوجه الخامس، وذكر هو خمس وجوه وهذا الوجه السادس (وفيه وجه سادس ذكره جماعة .... وهذا وجه لا يفضي إلى التشبيه).
(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
إلى هنا اتضح لنا أنه توجد هناك اتجاهات خمسة في المسألة.
المقُدَّم: الأخ محمد من السعودية.
الأخ محمد: السلام عليكم.
المقُدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ محمد: عندي مداخلة وعندي مسألة وعندي طلب حاجة، المداخلة هذا موجود في الكتب التي ذكرتها، أنا متزوج وزوجتي تدرس ... أنا حاولت أن أبحث في كتب الأحاديث او التفاسير كتفسير موجودة كانت مبسطة.
المقُدَّم: الأخ أبو سالم من اليمن.
الأخ أبو سالم: السلام عليكم.
المقُدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ أبو سالم: نحن نستمع إلى الشيخ وتابعناه، الموضوع وما فيه أن هذا الاختلاف بين الوهابية ونحن أبناء السنة والجماعة هم عندهم ما ورد عن ابن تيمية نحن نتكلم عن أن ابن تيمية وغيرهم لا يؤخذ من كلامهم.
المقُدَّم: الذي فهمناه من كلام الأخ أن ابن تيمية أحد الذين يؤخذ منهم ويرد.
سماحة السيد كمال الحيدري: المشكلة هي أن ابن تيمية أخطأ في مسألة التوحيد، لو كان قد أخطأ في مسألة فرعية فقهية ثانية نعم، أما إذا كان أساس توحيد الشيخ ابن تيمية باطلاً وقائم على أساس التشبيه والتجسيم، لماذا تبسطون المسائل، إذا ثبت أن ابن تيمية في توحيده مجسم ومشبه فماذا يؤخذ منه في هذا المجال. صرحوا بأن الشيخ ابن تيمية مجسم ومشبه ولا نقبل منه، لا أن الوهابية المعاصرة تأخذ كل أفكار التجسيم والتشبيه منه وتدافع عنه دفاعاً مستميتاً.
المقُدَّم: الأخ إبراهيم عمر.
الأخ إبراهيم: السلام عليكم.
المقُدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ إبراهيم: بارك الله فيك ... أحببت أن أشكر الشيخ ... هذا هو مجلس الحوار الطيب والحوار العلمي الذي يمكن الاستفادة منه، ومتابعة الشيخ مكسب وفضيلة في هذا المجلس العلمي، بارك الله فيك يا شيخ كمال الحيدري، نفسي أتقابل معه وأجلس معه واستفيد من علمه. وأتمنى أن يتواصل مع علماء الأزهر، الله يعلم أني سني وهذه الطائفة داخلة علينا وابتلينا بهم أكثر منكم.
سماحة السيد كمال الحيدري: شكراً على مداخلة الأخ العزيز، رسالة هذا البرنامج هي إيصال هذه الرسالة إلى العالم الإسلامي أنه نحن جميعاً أخوة في الإسلام قد نختلف في بعض المسائل ولكن لا داعي للتكفير وللتفسيق وللإخراج من الدين وللقتل وأنتم مع الأسف الشديد الآن في هذه الأجواء الإعلامية تجدون أن بعض الفضائيات كيف تحاول أن توجد الكراهية البغضاء بين المسلمين، وهمنا في هذا البرنامج أن نوجد المحبة والتقريب وأن هناك نقاط مشتركة كثيرة بين علماء السنة والشيعة يمكن أن يؤسسوا لها.
المقُدَّم: الأخ عبد الله من السعودية.
الأخ عبد الله: السلام عليكم.
المقُدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ عبد الله: شيخ الإسلام ابن تيمية هو رجل من علماء المسلمين له ما له وعليه ما عليه، له أخطاء في بعض الأشياء في اجتهاده وهذا مردود بأنه ليس بمعصوم، ولكن ينبغي علينا أن ننصف الرجل وذلك أنه في بحثك عندما ذكر حديث الصورة أورد أيضاً قول إمام السنة قاطبة أحمد بن حنبل، قال ما لنا أن نفسر ... فابن تيمية يعتقد بهذا الاعتقاد يرى بأن هذا الحديث ... شيخ الإسلام يرى بأن (ليس كمثلك شيء) وهو القائل المشبهة يعبد صنماً والمعطل يعبد عدماً. هذه الكلمة مشهورة جداً لشيخ الإسلام.
سماحة السيد كمال الحيدري: بيني وبين الله أنا لا مشكلة عندي أنه إذا ثبت أن الشيخ ابن تيمية يقول هذا الكلام، أنتم رأيتم أن الشيخ ابن تيمية يرجع الضمير على الله ويقول يراد بذلك الصورة المحسوسة، وما ذكرته من (من شبه فقد عبد صنماً) مقصوده من التشبيه التمثيل، يعني التشبيه من كل جهة، وإلا هو صرح بانه من لم يكن مشبهاً من وجه فهو جاحد ومعطل لرب العالمين، أخي العزيز أنا لا استطيع أن أعيد الحلقات الماضية، هذا أولاً. وثانياً أنتم تقولون بأن الشيخ ابن تيمية يؤخذ منه ويرد أو يصح منه ويخطأ هذا جيد جداً، صرحوا بذلك وقولوا نحن إذا قال الشيخ ابن تيمية في التجسيم والتشبيه لا نوافقه، لا أننا قرأنا في عشرات الكتب من معاصري الوهابية أنهم يدافعون عنه، وإلا لو خطئوه لقلنا أن العلماء المعاصرين من الوهابية خطئوا هذا الرجل.
المقُدَّم: وقد ذكرتم سماحة السيد في حلقة سابقة أنه أصر قال: الصورة الحسية.
سماحة السيد كمال الحيدري: أنا أتصور بشكل واضح وصريح هذا كله قلته وأساساً حتى الكلام الذي نقلناه عن الإمام القرطبي هو يصر على أنه لا يمكن أن يكون صفة.
المقُدَّم: أبو أحمد من بريطانيا.
الاخ أحمد: السلام عليكم.
المقُدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ أحمد: عندي مداخلة بسيطة ومن ثم اقتراح، أحب أن أقول أن هذا البرنامج برنامج مبارك ونافع، لأنه فتح العقول على مصراعيها ويساهم في تحقيق الوحدة الإسلامية الحقيقة عن طريق تنقية التراث الإسلامي من الايديولوجية المنحرفة التي شوهت صورة الإسلام في العالم، وهذا موضوع ابتلاء يومي مرتبط بالعقيدة والشريعة، اطروحاتكم تعرض بشكل موضوع وعلمي وبالحجة البارعة، ومن ناحية اكاديمية هذه الطريقة صحيحة وليس كما يريد البعض من مناظرات.
نحن نحكم على النتائج ونتئاج هذا البرنامج ممتازة، وأعطى النموذج الفعال، ولذا اقترح من سماحتكم أن تختاروا فريقاً من العلماء ومن علماء أهل البيت ولكن هذا الفريق العلمائي يقدم هكذا برامج ليس فقط على يومين بل على طول الأسبوع ولوقت أطول، وهدف هذا البرنامج الوحيد هو الوحدة الإسلامية وتنقية التراث الإسلامي وعزل الوهابية بنفس أسلوب سماحتكم بهذا البرنامج.
سماحة السيد كمال الحيدري: أخي العزيز واقعاً هذه المداخلة أنا كان بودي أن أقولها في في آخر البحث أريد أن أقول بأن منهجي في التقريب هو هذا، أنا الآن لا أتكلم في التقريب على مستوى البحث الاجتماعي أو على مستوى البحث السياسي، التقريب بين الاتجاهات والمدارس الإسلامية على المستوى العقدي والفكري أنا أتصور بأن هذا البرنامج يعطي أطروحة واضحة على أن هناك نقاط كثيرة للاتفاق والتأسيس ولأننا نقول أن كلمتنا واحدة.
انظروا في هذه المسألة (إن الله خلق آدم على صورته) اتضح للمشاهد الكريم أنه أكثرية علماء أهل السنة في قبال ابن تيمية وأتباعه من الوهابية ذهبوا إلى أن الضمير لا يعود على الله وإذا عاد على الله فليس المراد منه الصورة المحسوسة وهذا ما قرأناه بشكل واضح وصريح من روايات أهل البيت وكلمات علماء مدرسة أهل البيت، وليست هذه المفردة بل عشرات المفردات الأخرى نستطيع التوافق عليها بهذا المستوى، ولذا أتصور بأن هذا البرنامج يؤسس لأساس علمي صحيح لمسألة التقريب في المسائل الفكرية والعقدية،
المقُدَّم: وقد ثبت أن الإجماع يكشف عن رأي المعصوم.
سماحة السيد كمال الحيدري: أنا عندما أقول بأنه التقريب، ليس مقصودي بأن السيني يكون شيعياً والشيعي يكون سنياً، لا والله، أريد أن اعرف رأيه ويعرف رأيي، أريد منه أن يحترم رأي وأحترم رأيه، أريد منه أن يقبلني كما أنا في اعتقاداتي وأقبله كما هو في اعتقاداته، أريد منه أن لا يكفرني وأن لا أكفره، أريد منه أن لا يقتلني ولا أن أقتله، أريد منه أن لا يخرجني عن الإسلام وأنا لا أخرجه عن الإسلام، هذا هو التقريب.
المقُدَّم: الأخ أبو معاذ من الرياض.
الأخ أبو معاذ: السلام عليكم.
المقُدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ أبو معاذ: سؤالي للشيخ: كيف فهم الرسول وعلي بن أبي طالب كيف فهموا قول الله تعالى (وجاء ربك والملك صفاً صفاً) وقوله الله تعالى (ثم استوى على العرش) كيف فهم الرسول صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب، هاتين الآيتين مع الدليل.
المقُدَّم: الأخ أبو حيدر من العراق.
الأخ أبو حيدر: السلام عليكم.
المقُدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ أبو حيدر: أشد على أيديكم وكذلك الدكتور سالم، أولاً نهنئكم على هذه البرامج العلمية الشاملة التي أوضحتم فيها الحاقدين على الإسلام والرسول الأعظم وأهل البيت الكرام وبعدهم عن المحجة البيضاء، فهم كما قال عز وجل (قل هل ننبأكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ...).
المقُدَّم: الأخ أبو مصطفى من إيطاليا.
الأخ أبو مصطفى: السلام عليكم.
المقُدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ أبو مصطفى: الكل يخطأون، وعندي سؤال وهو ما معنى الله.
المقُدَّم: الأخ أبو محمد من تونس.
الأخ أبو محمد: السلام عليكم.
المقُدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ أبو محمد: عندي مداخلة وملاحظة .... ماذا يقول في التوحيد؟ يقول: الحمد لله الذي لا مكان له ولا جهة ولا زماناً ...
سماحة السيد كمال الحيدري: هذا هو توحيد أهل السنة، وهذا هو توحيدنا وقد نختلف في بعض التفاصيل لا مشكلة في ذلك، ولكن التوحيد العام الذي اجتمع عليه المسلمون الذي يحاول بكل إصرار أن يقول بالتجسيم والتشبيه.
أما بالنسبة للأخ الذي قال ماذا فهم رسول الله وماذا فهم علي بن أبي طالب من قوله تعالى (وجاء ربك) و(استوى على العرش) أنا أقول جملة واحدة وهو ما قاله العلامة العثيمين يقول: (ان من المعلوم أنه لا يراد به ظاهره بإجماع المسلمين والعقلاء) يعني إذا كان مقصودك وجاء ربك كما أنا أأتي وأنت تأتي معاذ الله، الله سبحانه وتعالى واقعاً تعالى الله عما يقول الجاهلون والظالمون علواً كبيراً. وإذا فهمت استوى على العرش يعني جلس على العرش كما يعتقد هؤلاء كما في كتاب (إثبات الحد لله وبأنه قاعد وجالس على عرشه) معاذ الله واقعاً تعالى الله عما يقول الجاهلون والظالمون علواً كبيراً. نحن نعتقد أن الله له كرسي وسع كرسيه، نعتقد أنه استوى على العرش ولكنه دائماً أبداً لا تنسى قوله (ليس كمثله شيء) نعتقد به ولكن نقول لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.
إذن أنت عندما قبلت في المنطق القرآني أنه توجد آيات محكمة وتوجد آيات متشابهة وأن المتشابهات لابد من إرجاعها إلى المحكمات، إذن في أي آية اختلفنا فيها فهي من المتشابهات فلابد من إرجاعها إلى قوله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار).
إذن غيما يتعلق بهاتين الآيتين نفهمها ضمن هذا الضابط العام. نعم، من حفك أن تسأل ما هو الاستواء؟ في محله سيأتي إن شاء الله. ما هو المراد من مجيء الله؟ سيأتي إن شاء الله. ولكن الأصل هو لا يشبهه شيء (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
المقُدَّم: يفهم أن الناس وصلوا إلى المحشر قبل الله.
سماحة السيد كمال الحيدري: المهم أني قد أعطيت الضابطة بأنه كلما صح على الإنسان إن صح على المخلوق امتنع عن خالقه كما قال الإمام الرضا عليه السلام وهذه القاعدة الأصلية التي أشرنا إليها مراراً وتكراراً للأعزاء قلنا أن الإمام الرضا عليه السلام يشير إلى هذا الأصل الذي ذكرناه مراراً وتكراراً قال الإمام الرضا عليه السلام: (فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه وكل ما يمكن فيه) أي في الخلق (يمتنع من صانعه، لا تجري عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه أو يعود إليه ما هو ابتدأه).
أريد أن أنهي هذا الموضوع في هذه الخلاصة، تلخص مما تقدم من قوله صلى الله عليه (أن الله خلق آدم على صورته) فيه اتجاهات خمسة:
الاتجاه الشاذ هو الاتجاه الذي ذهب إليه ابن تيمية وأتباع ابن تيمية. وهو أن الضمير يعود على الله وأن المراد من الصورة الصورة المحسوسة.
أما عموم علماء المسلمين من سنة وشيعة من روايات أهل السنة ومن أئمة أهل البيت قالوا أن الضمير إما أن يعود على غير الله وإذا عاد على غير الله فيراد به إما آدم وإما المضروب، وإذا عاد على الله سبحانه وتعالى فإما أن يراد الإضافة إضافة تشريف وإما أن يراد من الصورة الصفة والأمر المعنوي. وبهذا يتضح للمشاهد الكريم أن الإجماع قائم تقريباً بين علماء السنة الشيعة على بطلان ما ذهب إليه ابن تيمية ومن يتبع الشيخ ابن تيمية.
المقُدَّم: شكراً لكم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، شكراً لكم مشاهدينا الكرام، إلى اللقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.