عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

مقدمات في طريق إثبات ولادة الإمام المهدي (عج)

مقدمات في طريق إثبات ولادة الإمام المهدي (عج)

مقدّمات في طريق إثبات

ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)(*)

آية الله الشيخ بشير النجفي

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين , والصلاة والسّلام على رسوله وآله الطاهرين , واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين .

لعلّ من هوان الدنيا على الله سبحانه , ومن مصائب الدهر أن نحتاج لإثبات ولادة المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) , وما أشبه هذه المصيبة بمصيبة إثبات يوم الغدير ؛ يوم الغدير الذي شهده مئات بل اُلوف وسمعوا من النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) أنه قال : (( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ... )) .

بل لم يكتفِ (صلّى الله عليه وآله) بهذا القول , وإنّما أخذ بيد أمير المؤمنين (عليه السّلام) , وكشف عن الإمام بيده , وعمّمه بعمامته , وأخذ البيعة له , وبقى فترة في الغدير , ثمّ بعد ذلك نضطر إلى إثبات سند الغدير .

فبدلاً من أن نجتمع لنستفيد ممّا ورد عن وليّ الله الأعظم (أرواحنا فداه) من كلمات ونصائح وأوامر , الذي هو أمل الإسلام , أمل الأنبياء (عليهم السّلام) ، أمل الرسل (عليهم السّلام) , وأمل الشهداء على مرّ التأريخ .

هذا الإمام بدلاً من أن نستفيد ممّا صدر منه (سلام الله عليه) نريد أن نثبت ولادته .

على أي حال فليست هذه المصيبة بأعظم من مصيبة كربلاء التي تحمّلها أهل البيت (عليهم السّلام) كما تحمّلوا ما تحمّلوا هم وأصحابهم (عليهم السّلام) .

وليست هذه المصيبة بأعظم من مصيبة حرماننا وحرمان المسلمين من رؤية الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) في هذه الفترة . والدنيا مليئة بالمصائب كما نُقل عن الإمام الباقر (عليه السّلام) أنّه قال : (( الجنّة محفوفة بالمكاره , والنار محفوفة بالشهوات )) .

 

نظرة على الشبهات

إنّ الشبهات التي تثار حول الإمام الثاني عشر (عليه السّلام) هي شبهات واهية ضعيفة , ولا تستحق أن ينظر أحد فيها , ولكن كما قلت قبل قليل : إنّه ليست هذه المصيبة بأعظم من المصائب التي مرّت على أهل البيت (عليهم السّلام) , وعلى الإسلام , وعلى دين الله سبحانه وتعالى .

ونحن نشير هنا إلى بعض الشبهات , ونمهّد بعض المقدمات , وبعدها نحاول أن نثبت أنّ حدوث ولادته (عليه السّلام) وثبوتها كاد أن يكون أمراً وجدانياً لا يشك فيه إلاّ من ابتُلي بالعمش ولا يرى الشمس في رابعة النهار .

وأبرز الشبهات المطروحة أنّ بعض المؤرّخين , أو بعض أهل النسب , أو الذين يدّعون أنّهم من أهل الخبرة في النسب ينكر وجوده المادي ؛ قائلين بأنّ الإمام العسكري (عليه السّلام) لم يُعلم له ولد , أو أنه مات عقيماً ...

كما أنّ جعفرَ أخا الإمام العسكري قد أنكر الولادة , والطبري أنكرها أيضاً , وابن تيمية كذلك أنكرها في منهاج السنة الذي ملأه بالشتائم على الشيعة وخصوصاً على العلامة الحلّي (رضوان الله تعالى عليه) .

هذه عمدة الشبهات , وما عداها فمجرّد استغرابات أو قضايا مبنيّة على عدم معرفة حقيقة الإمام (عليه السّلام) . فكما أنّ الله سبحانه وتعالى أعمى بصيرتهم عن فهم حقيقة النبي (صلّى الله عليه وآله) والنبوة كذلك أعمى بصائرهم وبصيرتهم عن فهم حقيقة الإمام (عليه السّلام) .

 

عمدة هذه الشبهات

1 ـ إنّ بعض أهل النسب أنكر

2 ـ جعفر الكذّاب أنكر

3 ـ إنّ سلطات ذلك الوقت قد هجموا على بيت الإمام العسكري (عليه السّلام) فلم يجدوا الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) .

4 ـ إنّ الإمام العسكري (عليه السّلام) قد أوصى بأمواله إلى والدته .

5 ـ اختلاف أسماء اُمّ الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) .

هذه هي الشبهات , وكأنّ هذه الاُمور تكسبهم دليلاً أو علماً على عدم وجود الإمام (عليه السّلام) والعياذ بالله .

ونحن قبل أن نحاول الردّ على هذه الشبهات نمهّد بعض المقدّمات :

المقدّمة الاُولى :

لا شكّ ولا ريب أنّ التواتر يفيد العلم عند جلّ الاُصوليِّين إلاّ من شذّ منهم , وهم من بعض أبناء العامة , وهم أيضاً استنكروا قول من يقول بأنّ التواتر لا يفيد العلم .

نعم إنّ بعضهم قالوا بأنّه يفيد علماً وجدانياً كما يلوح من كلام الغزالي في كتابه المستصفى في علم الاُصول , وبعض آخر ذكروا بأنّ التواتر يفيد الاطمئنان , أي يفيد علماً اطمئنانياً وليس علماً وجدانياً .

ولم يختلف أحد من العقلاء ممّن يُعتنى بقوله وعقله في مجال العلم أنّ التواتر أفضل الأخبار وأحسنها , وهو العمدة في إثبات أمر بخبر .

ولا نحاول أن نتلف الوقت في إثبات أنّ التواتر يفيد العلم أو لا ؛ إذ إنّ طلاّب العلوم الدينيّة يدرسون في الحوزات أنّ التواتر ربّما يكون من اليقينيّات , وهذا ما تناولته جلّ الكتب التي ألّفها العامّة والخاصّة .

وأقول : إنّ التواتر من الاُمور التي يعتمد عليها العقلاء , بل تبتني عليها اُمور الدين والدنيا في الجملة , وهذا ممّا لا ينبغي الريب فيه والشك .

إنما الكلام في بعض النقاط المهمة , فقد قالوا : إنّ التواتر قسم من الخبر , ويشترط في الخبر أن يكون المخبِر يُدرك المخبَر عنه بأحد الحواس , كأن يرى بعينه أو يلمس بيده أو يسمع بأذنه , وهكذا .

وهذا المعنى كأنّه قد اتفق عليه الكلّ , ولكن هناك أمورٌ لا يمكن وصول الحواس الخمس إليها , وإذا كان الأمر من هذا القبيل فلا يمكن للحواس الوصول إليه , فكيف يمكن إثباته بالأخبار , أو بالشهادة أمام القاضي , أو بالخبر الواحد , أو بالخبر المتواتر ؟

فمثلاً أنّ عدالة العادل كيف يمكن إثباتها خصوصاً أنّها من الملكات , فكيف يشهد الشاهد بأنّ زيداً عادل ، وكيف يمكن إثباته ؟

قالوا : إنّ هذا المخبر يعاشر زيداً معاشرةً تكشف عن خبيّات حاله بحيث يطمئن هذا المخبر ـ الشاهد ـ بعدالة زيد ؛ فإنه يُصبح مطّلعاً ومطمئناً من عدالته من خلال ما يشاهده من حالات وشؤون زيد , والعمل والمواظبة .

إذاً من هذا ماذا نستفيد ؟ نستفيد أنّه إذا كان المُخبَر عنه أو المُخبَر به من الاُمور الملموسة أو المحسوسة فالمخبر يشاهده , وأمّا إذا كان الخبر عن أمرٍ غير محسوس فالشهادة والإخبار يتمّ تحملهما بالمعاشرة , أي بمشاهدة اُمور , وتكون تلك الاُمور مفيدة للاطمئنان أو العلم بأنّ هذا الفعل قد حصل كما في عدالة زيد .

فكيف تثبت الأنساب إذاً ؟ نقول : تثبت بالطريقة نفسها التي تثبت فيها العدالة , أي أنّ هناك اُموراً ملازمة لصحّة النسب إذا شاهدناها فحينئذٍ يثبت النسب ؛ كأن يعترف الوالد بأنّ هذا ابنه , ويثبت أنّه ولد على فراشه , أو اعتراف كلٍّ من الوالد والولد .

هذا الذي يمكن مشاهدته , وهذا الذي به تثبت الأنساب , وبغير هذه الطريقة لا سبيل إلى إحراز الأنساب أبداً .

وإلاّ على (إحسان إلهي ظهير) إذا لم يكتفِ بهذا ـ وهو من أشدّ المتحمّسين الجدد , وقبله ابن تيمية , وقبلهما غيرهما ـ عليه أن يثبت بالشواهد أنّه كان هناك من يشاهد بالنظّارة (المجهر) , وكان هناك من يشاهد كلّ مراحل تكوينه إلى أن صار طفلاً مشؤوماً وبعد ذلك خرج .

ثمّ تثبت الشهادة أيضاً أنّ اُمّه لم تغيّره بغيره , هذا إذا كان هناك من يراقب طفولته ورداءته , وإلاّ فهو ليس ابن أبيه , أي ابن مَن ينسب نفسه إليه .

خلاصة الكلام في هذه المقدمة هو أنّ نسبة شخص إلى شخص , وإثبات أنّ فلاناً ابن فلان منحصر في الشهادة على الاعتراف بأنّ فلاناً يعترف بأنّه ابنُ فلان , وفلاناً يعترف بأنّ فلاناً ابنه , أو تشهد النساء أو غيرها على أنّ هذا الطفل خرج من بطن اُمّه , بهذا فقط يثبت النسب إلى الأم ، وأمّا إلى الأب فلا يمكن أن يثبت إلاّ بالاعتراف , أو بظاهر الفراش الذي قلنا : إنّما يثبت بحسب الظاهر .

المقدّمة الثانية : عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود

وهذه قاعدة عقلائية إذا لم تكن عقلية . فلو أنّ إنساناً بحث عن شيء في غرفة فلم يجده ، فعدم وجدانه لا يعني بالضرورة عدم وجود ذلك الشيء في الغرفة , خصوصاً إذا كانت هناك أسباب تدعو إلى إخفاء ذلك الشيء ؛ ففي هذه الحالة عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود .

وعلى هذه القاعدة العقلائيّة , بل العقليّة , رتّب علماء العامّة والخاصّة مطالب علمية كثيرة , وفي مختلف أبواب علم الاُصول والفقه وغيرهما .

فمن جملة هذه المطالب أنّهم قالوا : إنّ الجارح يُقدّم قوله على المعدِّل , فمثلاً لو اختلف شخصان في عدالة أحد الرواة ؛ أحدهما يعدّله ، أي يحكم بعدالته , والآخر يحكم بفسقه , فهنا قالوا بأنّ الجارح يُقدّم على المعدِّل ؛ لأنّ الذي يحكم بعدالته ـ بناءً على أنّ العدالة ملكة ـ إنما يدّعي أنّه عاشر هذا الرجل من قريب , ورآه في قيامه وقعوده , وفي صلاته وصومه , وعاش معه في جواره , وكان له صديقاً لفترة طويلة ولم يجد منه إلاّ الحسن ؛ ومن هنا اكتشف أنّه عادل .

وأمّا الجارح فيقول : أنا رأيته يشرب الخمر , (والعياذ بالله) , أو يرتكب جريمة يعاقب عليها الشرع . ففي تقديم قول الجارح على قول المعدِّل ليس تكذيباً لقول المعدِّل , بخلاف ما إذا رجّحنا قول المعدِّل ؛ فإنّ فيه تكذيباً للجارح ؛ لأنّ المعدِّل يقول بأنّه لا يرتكب , والجارح يقول : أنا رأيته يرتكب المعصية , أو سمعته يدلّس في الأخبار مثلاً , أو سمعته يفتري , أو ينسب خبراً إلى فلان مع أنّه لم يره ؛ لأنه ولد بعده بكذا فترة من الزمن , فهو كاذب فلا بدّ أن يرفض خبره , بينما المعدِّل يقول بأنّه لم ير منه ذلك , فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود .

وعلى هذا الأساس قالوا بأن عدم وجدان المعدِّل صدور المعصية من هذا الشخص لا يعني أنّه لم تصدر منه هذه المعصية . نعم إذا كان الله تعالى هو الشاهد على عدالة أحد أو عصمة أحد فإنّ الله هو علاّم الغيوب , وهذا مطلب آخر .

ومعظم أدلّة هؤلاء ـ إحسان إلهي ظهير , وابن تيمية ومَن لفّ لفهم ـ مبتنية على قول بعض أهل الأنساب ممّن حمل في طيّاته النصب لأهل البيت (عليهم السّلام) ؛ حيث قالوا : لم يُعلم له خبر , أو لم يُعرف له ولد .

فهذه الأخبار إن صحّت , وهي كما سنثبت ليست صحيحة , فمعظمها أكاذيب إحسان إلهي ظهير وابن تيمية . نعم إن ثبتت فإنّما تدل على أنّ مَن أخبر ابن تيمية , ومَن أخبر إحسان إلهي ظهير لم يجد لا أنه يتمكّن من إثبات العدم .

وكيف كان فإنّه لا يمكن إثبات العدم ؛ حيث إنّ عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود كما تشهد به القاعدة العقلية أو العقلائية التي أشرنا إليها .

 

المقدّمة الثالثة : اشتراط عدم النصب

ومن جملة المقدّمات التي ينبغي أن ننظر فيها نقطةٌ وردت في كلام الغزالي في أواخر بحث التواتر , حيث قال : إنّ الروافض يشترطون في إفادة التواتر العلم بوجود المعصوم بين المخبرين .

ليت شعري ! من اشترط ذلك ؟! هذه كتب اُصول المذهب وغيرها بين أيدي العامّة والخاصة , هذه عدّة الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) , وهذه كتب العلاّمة الحلّي في الاُصول والفقه , وهذه كتب غيرهما , كأنّ الغزالي ـ كغيره ـ يأخذ المذهب الجعفري وقواعده من أفواه الشوارع , ولا يطّلعون على المبادئ التي حقّقها ومحّصها علماؤنا الأبرار .

وليس هذا من شرائط إفادة التواتر للعلم ؛ إذ لم يشترطه أحد , لا من أبناء العامّة ولا من أبناء الخاصّة . نعم إنّ علم الهدى السيد المرتضى (قدّس سرّه) قد أضاف شرطاً إلى الشرائط المعتبرة في إفادة التواتر العلمَ ؛ وهو أنّ العقل إنما يستفيد من التواتر العلمَ إذا كان خالياً عن النصب والعداوة تجاه شخص ، وأما إذا كان في ذهنه العداوة والنصب , والاعتقاد بأنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّه كلّما زاد المخبرون عن ما هو خلاف عقيدته زاد تعنّتاً وعداوة ووحشية ، كما هو الحال في أمثال ابن تيمية وإحسان إلهي ظهير ؛ فعندما يرى أخباراً متواترة في ولادة الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يزداد تعنّتاً .

نعم لقد اشترط علم الهدى هذا الشرط , وهذا الشرط موجود , ولكنه لم يشترط لا هو ولا أحد من علمائنا الأبرار أن يكون في المخبرين معصوم .

لقد جاءت كلمة المعصوم في كلمات الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ؛ حيث قال بأنّه لمّا أنكر جعفر أخو الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام) الولادة فإنّ هذا الإنكار لا يكون مفيداً للعلم مقابل الأخبار التي تثبت الولادة ؛ لأنّه ليس معصوماً ؛ إذ لو كان معصوماً لأمكننا الاعتماد عليها لنفي هذه الأخبار كلّها , ولكنه لمّا كان غير معصوم فلا قيمة لخبره في مقابل هذه الأخبار .

وهذا شيء آخر غير ما ينسبه الغزالي في مستصفاه إلى المذهب الجعفري ؛ إذ يقول بأنّهم يشترطون أن يكون في المخبرين معصوم .

هذه بعض المقدّمات التي نحاول أن نحافظ عليها كمقدّمة لدفع الشبهات التي ذكرها أعداء أهل البيت (عليهم السّلام) , أعداء الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) .

 (*) تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المقال قد اُخذ من موقع شبكة المنطقة الشرقية للعلوم الثقافية ـ بتصرّف كبير من موقع معهد الإمامين الحسنين (عليهما السّلام)

هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين  

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

کتابة رقعة الحاجة إلی مولانا صاحب العصر والزمان ...
الحرب العالمیة فی عصر الظهور
في رحاب بقية الله: المهدوية عقيدة النجاة
المعالم الاقتصادية والعمرانية في حكومة الامام ...
تكاليف عصر الغيبة الكبری
المهدي والحسين عليه السلام الدور والتجلي
سيرة الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه)
أتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
كيف يكون الإنتظار للإمام المهدي عليه السلام
المدخل إلى عقيدة الشيعه الإمامية في ولادة الإمام ...

 
user comment