الطبيب امام الواجب
ان من الواضح أن المريض لا يستطيع أن يعلّق آماله فيما هو فيه على أحد، حتّى على أقرب الناس إليه؛ لانه يعرف: أنهم لا يملكون لإنقاذه حيلة، ولا يجدون للتخفيف من آلامه سبيلا..
وانما هو يتجه بآماله وتوقّعاته إلى ذلك الذي أمره الله بمراجعته في حالات كهذه، ألا وهو الطبيب العارف.. فالطبيب هو الذي يستطيع أن يقدّم له معونة من نوع ما، وهو الذي يمكنه أن يخفّف من آلامه، وينقذه مما هو فيه.
ومن البديهيّ: أنّ التداوي والرجوع إلى الطبيب لا ينافي التوكّل، كما لا ينافيه الأكل والشرب لدفع الجوع(1).
اذن.. فالطبيب يتحمل أعظم المسؤولية في هذا المجال، سواء على صعيد تقديم العون المادي بالدواء والعلاج النافع، أو على صعيد المعونة الروحية والنفسية، فهو الذي يستطيع أن يبعث البهجة في نفس المريض، وينعش فيه أملاً، ويعيد إليه الثقة بالحياة والمستقبل.
وعلى هذا فقد كانت مسؤوليات ومواصفات الطبيب في نفسه، وبالنسبة لعلاقته بمن يُفترَض فيه أن يعالجه.. كثيرة ومتنوّعة من وجهة نظر إسلاميّة، وهي مجملة على النحو التالي:
المبادرة إلى العلاج
لا يجوز للطبيب التعلل بعدم الأجرة، أو بقلّتها، فإن التارك شفاءَ المجروح من جرحه شريك جارحه لا محالة، لان جارحه أراد فساده، وهذا لم يرد صلاحه، فالسلبية هنا لا تعني إلاّ اتخاذ الموقف المضاد، لأنها تعني فسح المجال لفتك المرض بصاحبه، والتغلب على سائر ما يملكه من قدرات ومناعات، وبالتالي إلحاق أفدح الخسائر فيه.
وبعد.. فإن المبادرة إلى العلاج هو ما تفرضه الأخلاق الفاضلة، والإنسانية الرفيعة، والفطرة السليمة والمستقيمة، وتنسجم مع أريحية الإنسان، ومع عواطفه النبيلة، وسجاياه الرضيّة الكريمة.
عدم التمييز بين الغني والفقير
أما لزوم عدم التمييز بين الغني والفقير، فنحسب أنه لا يحتاج إلى بيان ولا إلى اقامة برهان، فإن الوجوب الشرعي الكفائي، أو العيني أحياناً، لم يُلاحَظ فيه الغنيّ دون الفقير، ولا الأبيض دون الأسود.
بل يمكن أن يقال: إن اهتمام الإسلام بالفقير يفوق كثيراً اهتمامه بالغني، أضف إلى ذلك: أن الغني يَقْدر على الوصول إلى ما يريد، عن طريق بذل ماله دون الفقير.
وبعد، فإن الاوامر القاضية برجحان قضاء حاجة المريض، والاهتمام بأمره، وترتيب الثواب على ذلك ـ وهي متواترة ـ لم تخصّص غنياً ولا فقيراً، ولا غيرهما بذلك.
وكذلك الحال بالنسبة للروايات القاضية بلزوم المبادرة إلى شفاء المجروح من جرحه، بل جميع الروايات التي تتعلّق بالطبّ، وهي تُعَدّ بالمئات، لا يمكن أن تلمح فيها أثراً لظاهرة التمييز هذه، مهما كان حجمه ونوعه.
هذا، ولا يجب أن ننسى تلك الروايات التي تذم مَن يحترم الغني لغناه، ويجعل له امتيازاً من أجل غناه. ويكفي أن نذكر هنا ما رُوي عن الإمام الرضا عليه السّلام: « مَن لقيَ فقيراً مسلماً، فسلّم عليه خلاف سلامه على الغنيّ، لقيَ الله عزّوجلّ يوم القيامة وهو عليه غضبان(2).
ثمّ هناك حكاية الرجل الذي بنى قصراً، ثمّ صنع طعاماً، فدعا إليه الاغنياء، وترك الفقراء، فإذا جاء الفقير قيل له: إن هذا الطعام لم يُصنَع لك، ولا لأشباهك. فجاء ملكانِ في زيّ الفقراء فمُنعا، ثمّ جاءا في زيّ الأغنياء فسُمِح لهما بالدخول، فأمرهما الله بخسف المدينة بمن فيها(3).
والروايات في مدح الفقراءِ ومحبة الله لهم، وأنه ينبغي الاهتمام بشأنهم وملاحظة أحوالهم، كثيرة.
وأخيراً.. فإن حكم العقل والفطرة، والاخلاق الفاضلة، لا يفرّق بين غني وفقير، ولا بين كبير وصغير.
وإذا كان الفقير يعاني في أحيان كثيرة من الآلام النفسية أكثر من الجسدية، حيث أنّه يشعر بعقدة الفقر الذي ربّما تتحوّل إلى حقد، ثمّ من عقدة الخوف من عدم تمكّنه من الحصول على أدنى ما يجب الحصول عليه.. إذا كان كذلك، فإن القربة إلى الله تعالى تكون في مساعدته أكثر، والنتيجة التي تترتّب على هذه المساعدة أعظم وأكبر.
قال عليّ بن العبّاس: إنّ على الطبيب: « أن يجدّ في معالجة المرضى، ولا سيّما الفقراءَ منهم، ولا يفكّر في الانتفاع المادي وأخذ الاجرة من هذه الفئة، بل إذا استطاع أن يقدّم لهم الدواء من كيسه هو فليفعل، وإذا لم يفعل فليجدّ في معالجتهم ليلاً ونهاراً، ويحضر إلى معالجتهم في كلّ وقت..(4).
نعم.. وهذا هو ما يجعل الفقير يثق بنفسه وبمجتمعه، ويطمئن إلى مستقبله، ويجعله أكثر حيويةً ونشاطاً، وتفاعلاً مع سائر الفئات الفاعلة في المجتمع. كما أنّه يزرع الحبَّ والوفاء والرجاء في نفسه، ويبعد الحقد والحسد وسائر الصفات الذميمة عن روحه ونفسه، ولا يعود يعاني من عقدة الاحتقار والمهانة والخوف.
إقدام الطبيب على ما يعرف
إذا كان الطبيب متخصّصاً في أمراض العين مثلاً، فليس له أن يتصدّى للنظر في أمراض القلب، وكذا العكس؛ لأنّه جاهل في حقيقة الأمراض التي تُعرَض من هذه الجهة، فيُلحَق بالجهّال من الاطباء، الذين ينبغي على الإمام ( الحاكم ) أن يحبسهم إذا أرادوا التصدّي للتطبيب في مجالٍ يجهلونه. وكذلك فإنّه يكون من القول بغير علم، الذي جاءت الآيات الكثيرة والأقوال المتواترة عن المعصومين، في المنع والردع عنه(5).
1 ـ الحذق 2 ـ الامانة 2 ـ استجلاب الثقة:
1 ـ و 2 ـ فالطبيب الحاذق هو الذي يستطيع أن يؤدي واجبه على النحو الأكمل والأفضل، وهو بالتالي الذي يكون خطأه أقلّ، واستفادة المريض من خبراته أتمّ، ومنفعته أعمّ.. وهو أقدر على الحصول على ثقة المريض، واعتماده عليه، وتسليمه له، الامر الذي يسهّل عليه علاجه، كما أنه يسهل على المريض الالتزام بنصائحه، والعمل بتوجيهاته.
بل إنّ على الطبيب نفسه أن يسعى للحصول على هذه الثقة، كما يشير إليه ما رُوي عن الصادق عليه السّلام: « كلُّ ذي صناعة مُضطَرّ إلى ثلاث خصال يجتلب بها المكسب: وهو أن يكون حاذقاً بعمله، مؤدّياً للأمانة فيه، مستميلاً لمن استعمله »(6).
وقد لُوحظ: أن النبيّ صلّى الله عليه وآله يتحرّى لمعالجة بعض مَن جُرح من أصحابه أطبَّ الرجلَين، اللذين دُعِيا لهذا الغرض(7).
نعم.. وهذا هو المنسجم مع الفطرة، ومع حكم العقل السليم، والنصيحة للمسلمين، ومَن أولى منه صلّى الله عليه وآله بذلك، وبغيره من مكارم الأخلاق ومعاليها ؟!
وبعد.. فقد قيل: إنّ الطب معناه الحذق بالأشياء، وإن كان في غير علاج المريض، ورجل طبيب أي حاذق؛ سُمّي بذلك لحذقه.
3 ـ وأما الأمانة وأداؤها في المجال الطبي، فهي من أوجب الأمور؛ لأن الطب مسؤوليّة: شرعيّة، عرفيّة، أخلاقيّة، إنسانيّة، وحتّى عقليّة أيضاً. هذا بالاضافة إلى ما أشار إليه الإمام الصادق عليه السّلام من أن أداء الامانة في الصنعة يوجب اجتلاب المكسب بها، حيث يطمئنّ الناس إليه، ويعتمدون عليه، ويُقْبلون إليه بكل رضىً واطمئنان.
1 ـ النصح 2 ـ الاجتهاد 3 ـ التقوى:
وعدا عن أن النصح، والاجتهاد، وتقوى الله وظائف إنسانيّة وأخلاقيّة، فإنّها وظيفة شرعية أيضاً ـ وخصوصاً في الطبّ ـ فعن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام أنه قال: « مَن تطبّب فَلْيتّقِ الله، ولينصحْ، وليجتهد »(8)..
1 ـ نعم.. لابدّ من الاجتهاد في معالجة المريض، ولا يجوز التعلّل ولا التساهل في ذلك على الإطلاق. ولابدّ أيضاً من النصح في ذلك؛ لأنّ الغشّ فيه معناه الجنايةُ على نَفْسٍ محترمة، وتعريضها للخطر الجسيم، الأمر الذي يكشف عن نفس مريضة وحاقدة، لا تملك شيئاً من الخلق الانساني الرفيع، بل هي أقرب إلى النفس السَّبُعيّة التي لا تعرف إلاّ الاعتداء والظلم والشر، بل هي أكثر بشاعةً وخطراً منها حينما يمتزج الظلم بالخداع، والاعتداء بالتدليس والتزييف البغيض المقيت.
2 ـ ولابد كذلك من تقوى الله في المريض، لأنّ بتقوى الله لا يبقى غشّ ولا اعتداء ولا تزييف، ولا يبقى أيضاً تساهل أو تعلّل، ولا يبقى كذلك أي لون من ألوان الرذيلة في داخل الإنسان، وبتقوى الله يندفع الإنسان إلى القيام بواجباته الشرعيّة والإنسانيّة على النحو الأكمل والأفضل. ولأجل ذلك، نلاحظ أن أمير المؤمنين عليه السّلام قد قدّم الامر بتقوى الله على الأمر بالنصح وبذل الجهد، وليس ذلك عفويّاً، بل هو متعمَّد ومقصود، ولاسيما في توجيه الطبيب الذي بيده راحة المرضى، فهو إذن بأمسّ الحاجة إلى هذه التقوى حتّى لا يفرّطَ فيما جعله الله تعالى مسؤولاً عنه.
3 ـ وبعد.. فإنّ الله يحب عبداً إذا عَمِل عملاً أحكمه، كما رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله حينما لُحّد سعد بن مُعاذ(9). كما إنّنا نجد في نصائح عليّ بن العبّاس: أنّ « على الطبيب أن يجدّ في معالجة المرضى وحسن تدبيرهم، ومعالجتهم، سواءً: بالغذاء أو بالدواء »(10)
النصح: حدوده وأبعاده
من الواضح: أنّ على الطبيب أن يمتنع هو أوّلاً عما يطلب من غيره الامتناعَ عنه عند الحاجة، وأن يلتزم هو بالتوصيات قبل أن يطلب من غيره الالتزام بها.
وإلاّ.. فإنه إذا لم يستطع أن يعالج نفسه قبل أن يعالج غيره، فإنه يكون ـ ولا شك ـ غيرَ ناصح لذلك الغير، بل هو إمّا يُجري على المريض بعضَ تجاربه التي لم تصل بعدُ لديه إلى درجة النجاح، وإمّا أنه يعطيه دواءً يعلم هو أنه لا ينفعه، إن لم يكن فيه الكثير من الضرر له، إما لأجل أن يحصل منه ومن أمثاله على المال، أو من أجل الحفاظ على الشهرة الفارغة والصيت الأجوف، أو لغير ذلك من أمور.
ولا أقلّ من أن يفكّر المريض والمراجع له هذا التفكير، الذي يملك كلَّ المبررات الموضوعية والاخلاقية، يقول أبو الأسود الدؤليّ:
يـا أيُّـهـا الـرجلُ المـعلّم غـيرَه هـلاّ لـنـفـسك كان ذا التعليمُ
تَصِف الدواءَ لذي السُّقام وذى الضنا كـيما يـصحَّ بـه، وأنت سقيمُ!
أما إذا كان الطبيب يجرّ الداء إلى نفسه، فإن من الواضح أن سوف لا يكون ناصحاً لغيره، لأنه لن يحبَّ غيره أكثر من محبته لنفسه، ولن يستطيع أن يضر نفسه وينفع غيره. ومن هنا، فإن من حقّ كل أحد أن يشير إليه بأصابع الاتّهام والشكّ، وقد روى عن عيسى المسيح عليه السّلام هذا المعنى، قال عليه السّلام في حديث: « فإذا رأيتم الطبيب يجرّ الداء إلى نفسه، فاتهموه، واعلموا: أنه غير ناصح لغيره »(11)
1 ـ الرفق بالمريض 2 ـ حسن القيام عليه:
يكفي هنا أن نذكر: أنه قد ورد في بعض النصوص التعبير عن الطبيب بـ « الرفيق » من الرفق، فعن الإمام علي عليه السّلام: « كن كالطبيب الرفيق، الذي يَدَع الدواء بحيث ينفع »(12)
وفي رواية عن الإمام الرضا عليه السّلام قال: « سمعتُ موسى بنَ جعفر عليه السّلام، وقد اشتكى فجاء المترفّقون بالأدوية ـ يعني الاطباء »(13)
وفي بعض: النصوص: « إنّ الله عزّوجلّ الطبيب، ولكنّك رجل رفيق »، وفي نصّ آخر: « أنت الرفيق، واللهُ الطبيب »(14)
ومَن أولى من المريض بأن يكون موضعاً للعناية والرفق، والمدرارة ومراعاة الجانب ؟! وقد رُوي: أن أمير المؤمنين عليه السّلام قد قطع أيدي سُرّاق، ثم قال: « يا قنبر، ضُمَّهم إليك فداوِ كلومَهم، وأحسِنِ القيامَ عليهم ». وبعد أن برئت كلومهم كساهم ثوبَينِ ثوبين، وخلّى سبيلهم، وأعطى كلَّ واحد منهم ما يكفيه إلى بلده. وزاد في نصّ آخر: أنّه أمرهم أن يدخلوا دار الضيافة، وأمر بأيديهم أن تُعالَج، فأطعمهم السمن والعسل واللحم حتّى برئوا(15)
وعن الإمام عليّ عليه السّلام: مَن كنتَ سبباً في بلائه، وجب عليك التلطّفُ في علاج دائه »(16)، فعبَّرَ بالتلطّف لما ذكرناه.
رفع معنويات المريض
إذا كان ضعف الإنسان وانهزامه نفسيّاً أمام المرض في بادئ الامر يكون أمراً طبيعيّاً، بسبب شعوره بآلام ومتاعب يجد نفسه عاجزاً عن دفعها، ومواجهتها.. إذا كان كذلك، فإن من الطبيعي أن يكون لرفع معنويات المريض، وبعث الثقة في نفسه بالشفاءِ أكبر الأثر في تقويته وسيطرته على المرض، وبالتالي في شفائه منه، والتخلّص من آثاره.
وأمّا الانهزام النفسيّ أمام المرض، فإنه يعود بأسوأ الآثار عليه، ويجعل من الصعب عليه التغلّب على المرض ومواجهة عوارضه، لأنّ الانهيار النفسيّ يتبعه الانهيار الجسديّ الخطير دون شكّ.
ولذلك نلاحظ: أنّ الإسلام يهتمّ في تطييب نفس المريض، بل يكون دور العلاج الجسدي بالنسبة للعلاج النفسي ثانوياً للغاية، ومما يوضّح لنا هذه الحقيقة المهمّة: أننا نجد في بعض النصوص ـ بعد محاولة ربط المريض بالله تعالى، وافهامه أنه هو الشافي له وليس سواه ـ يشير إلى أنّ دور الطبيب هو أن يطيّب نفس المريض، ويبعث الأمل في نفسه، فقد ورد: أن المعالج يُسمّى بالطبيب؛ لأنّه يطيب بذلك أنفسهم(17).
بل لقد جاء أنه حتّى الذين يقومون بعيادة المريض، ينبغي لهم: أن يفسحوا له في الأجل.
يتقي الله، ويغضّ بصره عن المحارم
لعلّ اكثر الناس ابتلاءً بالنظر إلى ما يحرم في الأحوال العادية النظر إليه، هم الاطباء.. وواضح أنّ الأمر بغضّ البصر عمّا يحرم النظر إليه يبقى واجبَ الامتثال حتّى تحكم الضرورة، فيجوز حينئذ النظر بمقدار ما ترتفع به الضرورة.
فلو استطاع الطبيب أن يعالج المريض علاجاً صحيحاً، استناداً إلى وصف المريض له مايعانيه من أعراض، فإنه يجب الاقتصار على ذلك، ولا يجوز النظر. وإذا استطاع أن يعالج بالنظر إلى دائرة أضيق، لم يجز له التعدّي إلى ما زاد، بل انه إذا تمكن من المعالجة بواسطة النظر في المرآة لم يجز التعدّي إلى النظر المباشر.. وبعد، فإنه إذا استطاع الطبيب أن يعالجه استناداً إلى النظر لم يجز له التعدي إلى اللمس، وهكذا يُقال بالنسبة إلى التعدّي من اللمس القليل إلى الكثير، هذا ان لم يكن اللمس بواسطة.
ومن هنا نجد الإمام عليه السّلام يأمر الطبيبَ أوّلَ ما يأمره بتقوى الله، ثم بأن ينصح ويجتهد، فعن أمير المؤمنين علي عليه السّلام: « مَن تطبب فلْيتّقِ الله، ولينصح، وليجتهد ».
وأخيراً.. فقد جاء في نصائح عليّ بن العباس: « وأن لا ينظر إلى النساءِ بريبة، سواء كان النظر للسيدة، أم للخادمة، ولا يدخل إلى منازلهنّ إلاّ للمداواة » وقال: « وعليه أن يكون رحيماً، بريء النظرة »(18).
من وصايا الأهوازيّ
قال علي بن العباس الاهوازي: « على الطبيب أن يكون نظيفاً، يخاف الله، عَذْب اللسان، حسن السلوك، وأن يبعد عن كل سوءٍ وكل مشين، وأن لا ينظر إلى النساء »(19).
تجويز الافطار للصائم ونحو ذلك
نجد بعض الأطباء، إذا جاءهم المريض في شهر رمضان مثلاً وكان صائماً، فإنّهم يبادرون إلى تجويز الإفطار له، بل إنهم يوجبون عليه ذلك في كثير من الأحيان، مع عدم وجود ضرورة تقتضي ذلك، بل قد لا يكون هناك ضرورة أصلاً.. ومثل ذلك أمرُهم له بالصلاة من جلوس مع قدرته على القيام، وعدم الضرر فيه عليه، وما أشبه ذلك.
ونحن لابد وأن نشير هنا: إلى أنّ الطبيب يتحمّل مسؤولية في ذلك أمام الله تعالى، ولأجل ذلك فإنّ عليه أن يتروّى فيه، ويحققه قبل أن يَقْدم عليه، فلا يجوّز له الإفطار أو الصلاة من جلوس مثلاً لأسباب تافهة لا تقتضي ذلك إلاّ إذا احتمل الحاجة إلى ذلك احتمالا قوياً، لأنّ المريض إنّما يجوز له ان يأخذ بقوله ويستند إليه على اعتبار أنه من أهل الخبرة، فلابدّ وأن يستعمل خبرته في اكتشاف السبب الذي يحتّم عليه ذلك، والذي يَعتمد عليه المكلّف في عملية اكتشافه، وتشخيصه.
---------
1 ـ بحار الأنوار، للشيخ المجلسيّ 77:62.
2 ـ أمالي الصدوق 396. وسفينة البحار، للشيخ عبّاس القمّي 379:2. ووسائل الشيعة، للحرّ العامليّ 442:8
3 ـ سفينة البحار، للشيخ عبّاس القمّي 380:2.
4 ـ راجع كتاب: تاريخ طب در إيران، لنجم آبادي 457:2 عن كتاب: كامل الصناعة الطبية الملكي ـ الباب الثاني / المقالة الأولى.
5 ـ راجع على سبيل المثال: البحار 111:2 ـ 124، وغيره من المصادر.
6 ـ تحف العقول، لابن شعبة الحرّاني:238. والبحار 236:78.
7 ـ موطّأ مالك المطبوع مع تنوير الحوالك 121:3.
8 ـ البحار 74:62. ومستدرك الوسائل، للحرّ العامليّ 127:3.
9 ـ الفصول المهمة، للحر العامليّ 503.
10 ـ تاريخ طب در إيران 457:2.
11 ـ البحار 107:2 / ح 5.
12 ـ البحار 53:2.
13 ـ الفصول المهمة 415.
14 ـ راجع: كنز العمال، للمتقي الهندي 3:10.
15 ـ تهذيب الأحكام، للطوسيّ 125:10 ـ 127 / ح 126 و 119 و 118. والكافي، لللكلينيّ 264:7 و 286. والوسائل 529:18 و 528 عنهما. ومستدرك الوسائل، للميرزا النوريّ 239:3.
16 ـ غرر الحكم، للآمديّ 718:2.
17 ـ علل الشرائع للصدوق 525. وروضة الكافي للكليني 88. والوسائل 176:17. والبحار 65:62 و 75. والفصول المهمة 400.
18 ـ عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء، لابن أبي أُصيبعة 45.
19 ـ تاريخ طب در إيران 457:2 عن كتاب كامل الصناعة الطبية الملكي.