عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

زكاة الفطرة وفوائدها

زكاة الفطرة وفوائدها

علي صاحب الهاشمي

 معنى الزكاة :

الزكاة هي مصدر (زكا) , بمعنى نما وزاد , كما يقال : زكا الزرع أي نما .

ومصدر (زكا) بمعنى طهر أيضاً , كما يقال : زكا عمله أي طهر .

فالزكاة سمّيت زكاة بلحاظ هذين المعنيين , فهي من جهة فيها تطهير للنفس من رذائل الأخلاق ومذامّها من سائر الذنوب والمعاصي , وفي طليعتها رذيلة البخل , كما أنها تكون مطهّرة للأموال ممّا فيها من الشبهات .

فوائد إخراج زكاة الفطرة :

قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِم بِهَا)(التوبة / 103) , إنّ إخراجها يوجب نماء الرزق وزيادته من الله (عزّ وجلّ) بحسن الخلف ومضاعفته , وإلى هذا المعنى أشار قوله تعالى : (وَما آتَيْتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)(الروم / 39) .

وقد أشارت الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام) إلى هذين المعنيين في خطبتها الكبيرة عندما استعرضت فيها فلسفة بعض العقائد والعبادات والأخلاق ؛ حيث قالت (عليها السّلام) : (( فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك , والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر , والزكاة تزكية للنفس ونماء للرزق )) .

وإنها تدفع الموت عمّن أديت عنه ؛ فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السّلام) أنه قال لأحد أصحابه , واسمه متعب : (( اذهب فأعطِ عن عيالي الفطرة , وأعطِ عن الرقيق بأجمعهم , ولا تدع منهم أحداً ؛ فإنك إن تركت منهم إنساناً تخوّفت عليه الفوت )) . فقلت : وما الفوت ؟ قال : (( الموت )) .

وفي حديث الإمام موسى بن جعفر (عليه السّلام) , عن آبائه (عليهم السّلام) قال : (( قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : مَن أدّى زكاة الفطر تمّم الله ما نقص من زكاته ))(1) .

وإنها من تمام الصوم كما أنّ الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) من تمام الصلاة(2) .

وقد أكثر الله ذكر الزكاة في القرآن المجيد وقرنها بالصلاة في آيات عديدة ؛ كقوله تعالى حاكياً قول عيسى (عليه السّلام) : (وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً)(مريم / 32) .

 وكقوله تعالى عند ذكر إسماعيل (عليه السّلام) ومدحه : (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيّاً)(مريم / 55)(3) .

أحكام زكاة الفطرة

 فيمن تجب عليه زكاة الفطرة :

 تجب زكاة الفطرة على كل مكلّف , بشرط :

(1) البلوغ , فلا تجب على الصبي .

(2) الحرية , فلا تجب على العبد المملوك .

(3) العقل (أي كامل العقل) وعدم الإغماء , فلا تجب على المجنون , ولا على المغمى عليه عند دخول ليلة العيد .

(4) الغنى , فلا تجب على الفقير الذي لا يملك مؤونة سنته له ولعياله . نعم يستحب للفقير مطلقاً إخراجها ولو بأن يدير صاعاً على عياله ثمّ يتصدّق على الأجنبي بعد أن ينتهي الدور إليه ، هذا إذا لم يكن بينهم قاصر ، وإلاّ فالأحوط أن يقتصر في الإدارة بينهم على المكلّفين ، ولو أخذ الولي عن القاصر يصرفها له ولا يردّها إلى غيره .

 مسألة 1 : يعتبر وجود الشرائط المذكورة عند دخول ليلة العيد , أي قبيله ولو بلحظة , بأن كان واجداً لها فأدرك الغروب ، فلا يكفي وجودها قبله إذا زال عنده ، ولا بعده لو لم يكن عنده ، فتجب على من بلغ مثلاً عنده أو زال جنونه ، ولا تجب على من بلغ بعده أو زال جنونه . نعم يستحب أداؤها إذا كان ذلك قبل الزوال من يوم العيد .

مسألة 2 : يجب على من استكمل الشرائط المزبورة إخراجها عن نفسه وعمّن يعوله من مسلم وكافر , وحر وعبد , وصغير وكبير ، وكذا كل من يدخل في عيلولته قبل هلال شوال حتّى الضيف وإن لم يتحقق منه الأكل ، وتسقط عن الضيف حينئذ ولو كان غنياً .

مسألة 3 : لو ولد له ولد , أو تزوّج امرأة بعد الغروب لا يجب عليه أن يدفع الزكاة عنهما .

مسألة 4 : إذا أسلم الكافر بعد ظهور الهلال لم تجب عليه , أما إذا أسلم قبل ظهوره وجبت عليه .

مسألة 5 : الغائب عن عياله يجب عليه أن يخرجها عنهم إلاّ إذا وكلهم في إخراجها من ماله , وكانوا موثوقاً بهم في الأداء .

مسألة 6 : الظاهر أنّ المدار في العيال على فعلية العيلولة لا على وجوب النفقة , وإن كان الأحوط مراعاة أحد الأمرين . فلو كانت له زوجة دائمة في عيلولة الغير تجب على ذلك الغير فطرتها لا عليه ، ولو لم تكن في عيلولة أحد تجب عليها مع اجتماع الشرائط ، ومع عدمه لا تجب على أحد ، وكذا الحال في المملوك .

مسألة 7 : تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي ، والمدار على المعيل لا العيال ، والأحوط مراعاة كليهما .

مسألة 8 : تجب فيها النية كغيرها من العبادات ، ويجوز أن يتولّى الإخراج من وجبت عليه ، أو يوكل غيره في التأدية ، فحينئذ لا بدّ للوكيل من نية القربة .

في جنسها :

مسألة 1 : لا يبعد أن يكون الضابط فيه ما يتعارف في كلِّ قوم أو قطر التغذي به وإن لم يكتفوا به ؛ كالبر والشعير والأرز في مثل غالب بلاد إيران والعراق ، وإن كان الأقوى الجواز في الغلات الأربع (الحنطة والشعير , والتمر والزبيب) مطلقاً ، ويجوز دفع الأثمان قيمة ، وتعتبر في القيمة حال وقت الإخراج وبلده .

مسألة 2 : يعتبر في المدفوع فطرة أن يكون صحيحاً ، فلا يجزي المعيب ، كما لا يجزي الممزوج بما لا يتسامح فيه ، بل يشكل إعطاء المعيب والممزوج قيمة عن الصحيح وغير الممزوج .

مسألة 3 : الأفضل إخراج التمر ثمّ الزبيب ، وقد يترجح الأنفع بملاحظة المرجحات الخارجية ، كما يرجع لمن يكون قوته من البر الأعلى الدفع منه لا من الأدون أو الشعير .

في مقدارها :

وهو صاع من جميع الأقوات حتّى اللبن ، والصاع أربعة أمداد ، وبحسب الكيلو في هذا العصر ما يقارب ثلاث كيلوات , تُعطى عن كل نفس .

في وقت وجوبها :

وهو دخول ليلة العيد ، ويستمر وقت دفعها إلى وقت الزوال , والأفضل بل الأحوط التأخير إلى النهار ، ولو أراد صلاة العيد فلا يترك الاحتياط بإخراجها قبل صلاته ، فإن خرج وقتها وكان قد عزلها دفعها إلى مستحقّها ، وإن لم يعزلها فالأحوط عدم سقوطها ، بل يؤدّي ناوياً بها القربة من غير تعرّض للأداء والقضاء .

 مسألة 1 : لا يجوز تقديمها على شهر رمضان ، بل مطلقاً على الأحوط . نعم لا بأس بإعطاء الفقير قرضاً ثمّ احتسابه عليه فطرة عند مجيء وقتها .

مسألة 2 : يجوز عزل الفطرة وتعيينها في مال مخصوص من الأجناس , أو عزل قيمتها من الأثمان ، والأحوط بل الأوجه الاقتصار في عزل القيمة على الأثمان .

 مسألة 3 : الأحوط عدم نقلها بعد العزل إلى بلد آخر مع وجود المستحق .

 مسألة 4 : لو عيّد في إسلامبول وأدى زكاة الفطرة , ووصل إلى طهران قبل غروب ليلة الفطر , فهل يجب عليه زكاة الفطرة ثانياً بإدراك غروب العيد ؟ الظاهر عدم الوجوب وإن كان أحوط . نعم لو لم يؤدها في إسلامبول يجب أداؤها في طهران . ولو صلّى العيد في إسلامبول فالظاهر عدم وجوبها أو استحبابها ثانياً(4) .

دليل وجوبها :

إليها بالخصوص يشير القرآن المجيد بقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى)(الأعلى / 14 ـ 15) .

والمراد من قوله : (تَزَكّى ) أي أخرج زكاة الفطر ، والمراد من قوله : (فَصَلّى) أي صلاة العيد على الأظهر .

 ويؤيّد ذلك أنّ الله يذكر الزكاة في عديد من الآيات بعد ذكر الصلاة , أمّا في هذه السورة فقدّم الزكاة على الصلاة , وفي ذلك إشارة إلى زكاة الفطرة وصلاة العيد ؛ ومن هنا يقول العلماء : إنّه يستحب أن يخرج الإنسان زكاة الفطرة قبل صلاة العيد .

ويؤيد ذلك أيضاً ما روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) في أنّ المراد من قوله تعالى : (تَزَكّى ) أي (( أخرج زكاة الفطرة )) , ومن قوله : (فَصَلّى) أي (( صلاة العيد ))(5) .

في مصرفها :

 مسألة 1 : الأقوى أنّ مصرفها مصرف زكاة المال , وإن كان الأحوط الاقتصار على دفعها إلى الفقراء المؤمنين وأطفالهم ، بل المساكين منهم وإن لم يكونوا عدولاً ، ويجوز إعطاؤها للمستضعفين من المخالفين عند عدم وجود المؤمنين .

 مسألة 2 : الأحوط أن لا يدفع إلى الفقير أقل من صاع أو قيمته وإن اجتمع جماعة لا تسعهم كذلك ، ويجوز أن يعطي الواحد أصواعاً , بل إلى مقدار مؤونة سنته .

 مسألة 3 : يستحب اختصاص ذوي الأرحام والجيران , وأهل الهجرة في الدين والفقه والعقل وغيرهم ممّن يكون فيه بعض المرجحات ، ولا يترك الاحتياط بعدم الدفع إلى شارب الخمر والمتجاهر بمثل هذه الكبيرة ، ولا يجوز أن يدفع إلى من يصرفها في المعصية(6) .

* يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّ الله افترض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر ما يسع فقراءهم , ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلاّ بما يصنع أغنياؤهم . ألا إنّ الله يحاسبهم حساباً شديداً , ويعذّبهم عذاباً أليماً )) .

* وجاء في بعض الأحاديث القدسية أنّ الله تعالى يقول : (( المال مالي , والفقراء عيالي , فمن بخل بمالي على عيالي اُدخله ناري ولا اُبالي )).

* عن الإمام الصادق (عليه السّلام) أنه قال : (( من ختم صيامه بقولٍ صالح , وعملٍ صالح تقبّل الله منه صيامه )) . فقيل له : ما القول الصالح ؟ قال : (( شهادة أن لا إله إلاّ الله . والعمل الصالح إخراج الفطرة ))(7) .
 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشفاء الروحي ـ عبد اللطيف البغدادي / 249 .
(2) مستند الشيعة / المحقق النراقي 5 / 330 .
(3) الشفاء الروحي / 257 .
(4) تحرير الوسيلة ـ السيد الإمام الخميني 1 / 345 ـ 350 , المسائل المنتخبة ـ السيد السيستاني / 229 .
(5) الشفاء الروحي / 256 .
(6) تحرير الوسيلة / 351 .
(7) الشفاء الروحي / 254 .
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أعمــــال ماقبــل النـــوم
المُناظرة الثانية والسبعون /مناظرة أبي جعفر ...
تصوّر الموجود المطلق
الکلم الطیب والفحش والسب والقذف
ضرورة النبوّة
لُزُوم عِصمَةِ الاِمام
من هم آكلة لحم الخنزير وما هو مصيرهم في الكتاب ...
كرامة القرآن وكرامة الانسان
نظَراتٌ.. في التَقيّة 4
ما جاء في ذكر راية رسول الله صلى الله عليه وآله ...

 
user comment