بينما كنت أقود سيارتي متجهة إلى السوق المركزي استوقفني مشهد أمَّ محجبة تفتح نافذة سيارتها وترمي بعلبة العصير في الشارع العام وعلى مرأى من أطفالها الصغار!!
ومشهد آخر لطفل في رياض الأطفال في حديقة من حدائق لندن لفت نظري بينما كنت أصطحب ابنتي الصغيرة للتنزه، حينما انتهى هذا الطفل من تناول طعامه جمع البقايا في كيس وبحث عن سلة الحاوية وكانت بعيدة بمسافة، ركض نحوها وفتح الغطاء ورمى الكيس. وهنا تكمن المفارقة ، فرغم أن الأمَّ محجبة يعني ملتزمة، مؤمنة، تدرك أن النظافة من الإيمان وهي قيمة عقائدية لها أبعاد حضارية عميقة، وبرغم كل هذه الوصايا لم تلتزم بتطبيقها كسلوك يقتديه أطفالها. إننا ننادي دوماً وعبر الأعياد الوطنية بحبنا لبلدنا الكويت، ولكننا عندما نقف أمام أبسط الأمور الداعمة والمؤكدة لهذا الحب نخذل الكويت ونشوَّه وجهها الجميل بين البلدان، ونروج صورة فوضوية عن شعبنا الذي يأكل ويشرب ثم يبقي فضلاته في محلها ويمضي.. فشوارعنا تمتلئ بعلب العصير وقراطيس الطعام وورق المحارم التي تقذف من نوافذ السيارات، وحتى الحدائق لم تسلم من هذا التشويه، ففي عطلة نهاية الأسبوع تتحول إلى مرتع مزابل، وكذلك شواطئنا الجميلة تتلوث بفعل مخلفات الشواء والأطعمة. الغرب يقيمنا كعرب ومسلمين بشعوب غير نظيفة ويعتبر ذلك من علامات التخلف، بل وينظر إلينا باستعلاء وفوقية بحكم ما يشاهده من صور مستهجنة وبشعة في إهمالنا للنظافة. فخذ مثلاً تجربة اليابان في النظافة، عامل النظافة يُسمى (مهندس صحي) براتب (۵۰۰۰ إلى ۸۰۰۰) دولار أمريكي في الشهر، ويخضع قبل انتدابه لاختبارات خطيّة وشفوية، والأطفال اليابانيون ينظفون مدارسهم كل يوم مدة ربع ساعة مع المدرسين مما أدى إلى ظهور جيل متواضع وحريص على النظافة، والأطفال في المدارس يأخذون فرش أسنانهم المعقمة لينظفوا أسنانهم في المدرسة بعد الأكل فيتعلمون الحفاظ على صحتهم في سن مبكرة. النظافة معيار للشعوب المتحضرة، الراقية، بل وتدخلها كثقافة في المنهج الدراسي منذ الصغر، وأعتقد أنها من القيم الأخلاقية التي ينبغي أن تغرسها الأمَّ في ذهن أطفالها منذ نعومة أظفارهم، فبعض الأمهات للأسف الشديد تعتني بزينتها ومظهرها الخارجي وتهمل أسس النظافة في يوميات حياتها وحياة أسرتها، فكم أمَّ علَّمت أولادها غسل اليدين قبل تناول الطعام، ورمي النفايات في الحاوية، والتقاط الأوساخ وبقايا الطعام من الطرق أثناء السير فيها، أو فكرت في وضع كيس صغير داخل سيارتها ليتعلم أولادها جمع النفايات فيه بدلاً من رميها في الشارع؟ إن النظافة ثقافة ذات بُعد أخلاقي تربوي، والشخص النظيف يعبّر عن شخصية متوازنة، منظمة، نقيّة، وهي من القيم التي حثت عليها كل الأديان السماوية، وأعتقد أنها تستحق لأن تكون منطلقاً حقيقياً للشعور بالالتزام والمسؤولية. فشوارع وطننا وطرقاته وحدائقه ودوره ومحلاته وأسواقه تستحق أن تبقى نظيفة لتعبّر عن شعب مثقف ومتحضر يعرف كيف يلمّع وجه بلده أمام العالم ويفتخر أن حافظ على نعمة الوطن ليبقى جميلاً، مشرقاً، رائعاً.