ديوان شيخ الأباطح أبي طالب
الكتاب: ديوان شيخ الأباطح أبي طالب.
الجامع: أبو هِفّان عبدالله بن أحمد المهزمي العبدي ( ت 392 هـ ).
المحقّق: السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم.
الناشر: مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران.
الطبعة: الأولى ـ بلا تاريخ.
عمّ النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله وحامي رسالته، وصاحب الجهود المتواصلة والأيادي المشكورة في حفظ رسول الله صلّى الله عليه وآله من أيدي المشركين. وقد شهد له التاريخ أنْ كانت له مواقف شامخة مشرّفة في أشدّ أيّام المحن عند صدر الإسلام؛ فقد دافع رضوان الله عليه عن الرسالة والرسول بالحكمة والتقيّة، وحامى بيده ولسانه، وجمع إلى ذلك إفاضاته المباركة بالأشعار المُمجِّدة للإسلام وللنبيّ صلّى الله عليه وآله، فكانت منه أبياتٌ وقصائد هي إحدى دلائل إيمانه السامي وجهاده الصُّلب وشهامته وغَيرته.
وكان من الضروريّ جمع تلك الأشعار؛ تخليداً لهذا المؤمن المظلوم الذي تحمّل ما تحمّله في حياته، فكان له أجرانِ كأجْرَي مؤمن آل فرعون الذي كتم إيمانه، وتخليداً لتراث الإسلام القيّم، حيث حَوَت أبياتُ أبي طالب كثيراً من تاريخ هذا الدين في أوائل ظهوره المبارك في مكّة المكرّمة. قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: » كان أمير المؤمنين عليه السلام يُعجِبه أن يُروى شِعرُ أبي طالبٍ وأن يُدوَّن «، وقال عليه السلام: » تَعلَّمُوه وعَلِّموه أولادَكم؛ فإنّه كان على دِين الله، وفيه عِلمٌ كثير «.
أجل.. وكان من موارد ردّ الفِرْية العظمى على أبي طالب عليه السلام تلك الأشعار التي قالها في حقّ الإسلام ورسوله محمّد صلّى الله عليه وآله، فحِينَ قيل للإمام الصادق عليه السلام: إنّهم يزعمون أن أبا طالب كان كافراً! قال: » كذبوا! كيف يكون كافراً وهو يقول:
ألَم تَعلَموا أنّـا وَجَدنـا محمّـداً نبيّاً كموسى خُطَّ في أوّلِ الكُتْبِ
وقد حقّ للشاعر الذي قال:
ولولا أبـو طالـبٍ وآبنُـهُ لَما مَثُلَ الدِّينُ شَخصاً فقاما
فَذاك بِمكّـةَ آوى وحامـى وهذا بِيَثرِبَ جَسَّ الحِمامـا
وقد كتب أصحاب العقيدة والتحقيق كتباً كثيرة في إيمان أبي طالب سلام الله عليه، كان من أفاضلها: مؤمن قريش للخُنَيزي، ومُنْية الراغب في إيمان أبي طالب للطبسي النجفي، والغدير للأميني ( ـ الجزء السابع ص 330 ـ 409 والجزء الثامن ص 3 ـ 29 ).. وغيرها، وقد حوت بعض المؤلّفات شتاتاً من الأبيات الشعريّة، وقد وُفِّق لجمع شيءٍ من ذلك الشَّتات الأديبُ الفاضل أبو هِفّان رحمه الله.
من ذاك الجامع ؟
هو عبدالله بن أحمد، المكنّى بأبي هِفّان والملقّب بالمهزمي والعبدي، وُلد سنة 330 هجرية. قال فيه:
• الخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ): كان له محلٌّ كبيرٌ في الأدب، وروى عنه جماعة.
• والعلاّمة الحلّي في ( الخلاصة ): إنّه مشهورٌ في أصحابنا، وله شعرٌ في المذهب.
• وزاد النجاشي في ( الفهرست ): وبنو مهزم بيتٌ كبير بالبصرة في عبد القيس، شيعة لعبد الله، وله كتاب شعر أبي طالب بن عبدالمطّلب وأخباره، وكتاب ( طبقات الشعراء )، وكتاب ( أشعار عبد القيس وأخبارها ).
• وعَدّه العلاّمة المجلسيّ في ( الوجيزة ) من الممدوحين.
• وذهب إلى ذلك المحقّق البحراني في ( بُلغة الرجال ).
• واعتبره الحاج ميرزا إبراهيم الخوئي في الحِسان من رجاله.
• وأطراه الشيخ المامقانيّ في ( تنقيح المقال ).
• ومِن قَبلُ ذكره ياقوت الحَمَوي في مواضع كثيرةٍ من كتابه ( معجم الأدباء ). وهو من مشايخ اللغويّ المعروف ابن دُرَيد صاحب كتاب ( الجمهرة في اللغة ). تُوفّي رحمه الله سنة 392 هجرية.
أمّا الراوي
لهذا الديوان الشريف، فهو ابن جِنّي النَّحْوي، أبو الفتح عثمان بن جنّي الموصلي البغدادي. كان من مشايخ الشريف الرضي، وأخذ عنه الشريف المرتضى. وقد قرأ ابن جنّي على النحويّ المشهور أبي علي الفارسي وصاحَبَه أربعين سنة، وقرأ ديوان المتنبّي على صاحبه.
عرّف به ابنُ خلِّكان بقوله: كان إماماً في العربيّة. وكتب ياقوت الحَمَويّ حوله في ( معجم الأدباء ): كان ابن جِنّي.. مِن أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، صنّف في ذلك كتباً أبَرّ بها على المتقدّمين، وأعجَزَ المتأخّرين، ولم يتكلّم أحدٌ في التصريف أدقَّ كلاماً منه.
ثمّ ذكر الحمويُّ أبياتاً من الشعر لابن جنّي يقول فيها:
فإنْ أُصبِحْ بلا نَسَـبٍ فعِلْمي في الوَرى نَسَبي
على أنـي أَأُولُ إلـى ـقُرومٍ سـادةٍ نُجُـبِ
قَياصِـرَةٌ إذا نَطَقُـوا أرمّ الدهر في الخُطَبِ
أُولاك دعا النبيُّ لهـم كفى شَرَفاً دعاءُ نبـي
هذا، فيما قال الثعالبيّ في ( يتيمة الدهر ج 1 ص 77 ) حوا ابن جنّي: هو القطب في لسان العرب، وإليه انتَهَت الرياسةُ في الأدب... وكان الشعرُ أقلَّ خِلالِه؛ لِعِظَمِ قَدْره وارتفاع حالهِ. ثمّ ذكر له في الغزل قولَه:
غَزالٌ غيـرُ وحشـيٍّ حكى الوحشيُّ مُقلَتَـهُ
رآهُ الوردُ يَجني الـوَر دَ فآسْتَـكْسـاهُ حُلَّتَـهُ
وشَـمَّ بأنفِـهِ الرَّيحـا نَ فآستهـداهُ زَهرتَـهُ
وذاقَتْ رِيقُه الصَّهبـا ءَ فآختَلَسَتْـه نَكْهتَـهُ
وفي ( دُمية القَصْر ) كتب الباخرزي: ليس لأحدٍ من أئمّة الأدب في فتح المُقْفَلات، وشرح المشكلات ما له، ولا سيّما في علم الإعراب.. ومَن تأمّلَ مصنَّفاتِه، وَقَع على بعض صفاتهِ.
وله مؤلّفات كثيرة ذَكَرَها: السيوطيُّ في ( البُغْية )، والحمويُّ في ( معجم الأدباء )، وابن خلِّكان في ( وَفَيات الأعيان ).. وغيرهم.
وُلدِ ابن جنّي سنة 330 هـ بالموصل، وتُوفّي ببغداد سنة 392 هـ، نجد له ذِكراً في: ( نزهة الألِبّاء ) للأنباري، و ( الكامل في التاريخ ) لابن الأثير، وفي كثيرٍ من التراجم.
مَرّ الكرام
بعد أن عرّف المحقّق السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم بجامع الديوان ابن هِفّان، وبراويه ابن جِنّي، كتب مقدّمة حَسَنةً وضروريّةً حول شخصية أبي طالب عليه السلام، كانت نافعة رغم اختصارها، ختمها بعنوان: ديوان أبي طالب، ليكتب في ظلّه.
إذا عرفتَ أبا طالبٍ في منزلته التي أنزله الله تعالى بها، فإنّك تجد في نفسك نزوعاً إلى التعرّف على سيرته، وما يُسنَد إليه من: كلمةٍ قيّمة، أو قريضٍ فائق، يحملان إليك: عِلماً جَمّاً، وأدباً رائقاً، وإصحاراً بالحقائق، وإشادةً بِذِكر النبيّ الكريم صلّى الله عليه وآله.. ولقد أتحفَنا بهذا الديوان القيّم العلاّمةُ الخبير الأستاذ الشيخ محمّد السماوي دام عُلاه، وأذِن لنا أن ننتسخه عن نُسخته التي كتبها عن نسخةٍ ظَفَر بها في إحدى المكتبات الكبرى ببغداد، قد كُتبت عن النسخة التي كتبها لنفسه عفيف بن أسعد ببغداد في محرم سنة 380 هـ، عن نسخةٍ بخطّ الشيخ أبي الفتح عثمان بن جنّي النحوي، وعارَضَها به وقرأها عليه..
ثمّ بعد البسملة يبدأ الديوان بهذه العبارات:
قال أبو هِفّان عبدُالله بن أحمد المهزميّ من عبد القيس: قال أبو طالب، واسمه عبد مَناف بن عبدالمطّلب بن هاشم عبد مَناف بن قُصي بن كلاب... بن مُضَر. وأنشدني عمّي خالد بن حرب بن عبدالله بن العباس بن الحسين بن عبيدالله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب رضوانُ الله عليهم أجمعين.
ثمّ تبدأ الأبيات، وفي هوامش الصفحات تحقيقاتٌ عالية إلى الصفحة 39، لنرى بعدها مُلحَقاً اسمه: زهرة الأدباء في شرح لاميّة شيخ البطحاء، تأليف الشيخ جعفر النقدي / طبع المطبعة الحيدريّة في النجف الأشرف عام 1356 هـ. وهو في خمسين صفحة شرَحَ فيها قصيدةَ أبي طالب التي يقول في أوّلها:
خَلِيلـيَّ ما أُذنـي لأوّلِ عـاذلِ بِصَغْواءَ في حقٍّ ولا عندَ باطلِ
ويقول في آخرِها:
فأصبح فينـا أحمـدٌ في أُرومـةٍ تُقصِّـر عنـه سَورةُ المُتطـاوِلِ
وَجُدتُ بنَفْسـي دونَـه وحَمَيتُـهُ ودافَعـتُ عنه بالذُّرى والكـلاكلِ
ولا شَـكَّ أنّ اللهَ رافــعُ قَـدْرِهِ ومُعْلِيهِ في الدُّنيا ويـومَ التَّخـاذُلِ
كما قد أرى في اليوم والأمسِ قَبلَهُ ووالده رؤيـاه مَـن خيـرُ آفِـلِ
أمّا ديوان أبي طالب نفسه، فقد حوى أشعاراً فائحةً بأسمى الإيمان وأجلى صور النُّصرة لله ولرسوله وللإسلام الحنيف، كان منها قوله عليه السلام في رسول الله صلّى الله عليه وآله:
وأبيضُ يُستسقى الغَمـامُ بوجهِـهِ ربيعُ اليتامى عِصمـةٌ للأرامـلِ
لَعَمْري لقد كُلِّفتُ وَجْـداً بأحمـدٍ وإخوتِه دَأْبَ المُحِـبِّ المُواصـلِ
فمَن مِثلُه في الناس، أو مَن مُؤَمَّلٌ إذا قايسَ الحُكّامُ أهـلَ التفاضُـلِ
حليمٌ رشيدٌ عادلٌ غيـرُ طـائشٍ يُوالي إلهـاً ليـس عنـه بِذاهـلِ
فأيَّـدهُ ربُّ العبـادِ بـنـصـرِهِ وأظهَرَ ديِناً حقُّـه غيـرُ ناصـلِ
لقد عَلِمـوا أنّ آبنَنـا لا مُكـذَّبٌ لَدَيهم، ولا يُعنى بقـولِ الأباطـلِ
وقولُه عليه السلام:
ألا إنّ خيرَ الناسِ نَفْساً ووالداً إذا عُدَّ ساداتُ البريّةِ: أحمـدُ
نبيُّ الإله والكريـمُ بأصلِـهِ وأخلاقِهِ، وهو الرشيدُ المُؤيَّدُ
وقوله عليه السلام يخاطب النبيَّ صلّى الله عليه وآل ويناصره:
واللهِ لن يَصِلُوا إليـك بجمعِهِـم حتّى أُوَسَّدَ فـي التـرابِ دَفينـا
فانفذْ لأمرِكَ ما عليك غضاضةٌ فكفى بنـا دُنيـاً لديـك ودِينـا
ودَعَوتَني وزَعَمت أنّك ناصـحٌ فَلقَد صَدَقتَ وكنـتَ قبلُ أمينـا
وعَرَضتَ دِيناً قد علمتُ بأنَّـهُ مِن خيرِ أديـانِ البريّـةِ دِينـا