معجم الرموز الشيعية... كربلاء المقدسة
حيدر الجراح
تختصر مدينتا كربلاء المقدسة والنجف الأشرف جميع ما يمكن أن يتعلق بالشيعة على امتداد العالم ، رغم وجود مدن وأماكن تحتوي على مزارات مقدسة تشكل الوعي الشيعي وامتداداته في التنظير والممارسة .
إضافة إلى كون النجف هي العاصمة الدينية لشيعة العالم ، وهي ترقى إلى مستوى الفاتيكان بالنسبة للمسيحين ، وذلك لوجود مرقد الإمام علي (عليه السلام) ، ووجود أكبر مقبرة فيها على مستوى العالم ، يقصدها الملايين لدفن موتاهم في ترابها ، إضافة الى حوزتها العلمية الشهيرة .
وفيما يتعلق بكربلاء ، وبعيداً عن المنافسة التاريخية التقليدية بينها ، وبين توأمها مدينة النجف ، تشكل تلك المدينة بما تضمه من ضريحي الإمامين الحسين والعباس (عليهما السلام) ، تاريخ الألم الشيعي ووجودهم الإجتماعي الذي لا يمكن أن ينفصل عن هذه المدينة ، فهي مقصد الزائرين على مدار العام ، فليس هناك بوم أو موسم محدد لزيارتها ، كما هو الحال مع بقية المدن التي تضم الأضرحة المقدسة ، وقد تجد الكثيرين من الشيعة لا يزورون تلك المدن إلا زيارات معدودة في حياتهم ، إلاّ أن كربلاء تعتبر زيارتها من أوجب الواجبات لدى الشيعة ، لما تمثله من حجم الإرث الضخم من المظلومية ، وقيم الثورة ضد التحريف والزيف والطغيان ، والإيثار والإستشهاد في سبيل الحق من جانب ، والروايات الواردة التي تؤكد استحباب بل وجوب شد الرحال إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) من جانب آخر .
عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (( مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (عليه السلام) فإن إتيانه يزيد في الرزق ، ويمد في العمر ، ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقر له بالإمامة من الله )) [ وسائل الشيعة ج14ص413ب37ح19583 ] .
وعن الإمام الصادق أيضاً (عليه السلام) : (( مَن أراد أن يكون في جوار نبيّه وجوار عليٍ وفاطمة ، فلا يدع زيارة الحسين بن عليّ (عليهما السلام)) [ كامل الزيارات باب 44 ] .
فالكثير من المدن تحيا في الذاكرة بغض النظر عن حجمها وعن أدوارها السياسية أو الإجتماعية ، فهي تخلد في الذاكرة نتيجة لحدث معين في فترة من حياتها ، وتعيد أحيانا تمثلاته في حاضرها ، من خلال العيش مجددا في هذا الحدث ، أو جزءاً منه عبر استذكاره واستدعائه في مناسبات معينة .
ومن تلك المدن ( روما – قرطاج – بابل – تدمر –غرناطة – مكة – المدينة المنورة - ستالينغراد – هيروشيما – ناجازاكي ) الى آخر تلك المدن التي انقرض قسم منها ، وبقيت اوابد وآثار تحكي عظمتها في زمن ماض بعيد ، ومنها لا يزال مستمراً يرفض الإندثار رغم بعد الحدث الذي شكل وجودها في وعينا وذاكرتنا .
وكربلاء إحدى مدن العراق الواقعة على شاطئ الفرات ، تعددت الآراء وتشعبت في معنى الكلمة ، فثمة نصوص تشير إلى أنها مؤلفة من كلمتي (كرب) و (بلاء) ، بمعنى الموضع الإلهي المقدس أو المقرّب ، أو - حرم الله - كما ورد في موسوعة العتبات المقدسة .
ويرى آخرون أن كلمة (كربلاء) منحوتة من (كور بابل) العربية ، وتعني مجموعة قرى بابلية ، وذهب آخرون إلى أنها كلمة فارسيّة المصدر ، مركبة من كلمتين هما ( كار) أي عمل و(بالا) أي الأعلى ، فيكون معناهما ( العمل الأعلى ) .
ويحتمل آخرون أن اسم كربلاء ربما كان ذا صلة باللغة الآرامية والآشورية - كربلاتو Karbalatu - ، وهو يعني نوعاً من غطاء الرأس .
أما ياقوت الحموي فقد أشار في معجمه إلى أن معنى كربلاء يحتمل عدة وجوه منها : قوله: ـ كربلاء بالمد وهو الموضع الذي قُتل فيه الحسين بن علي (عليهما السّلام) في طرف البرية عند الكوفة ، فأما اشتقاقه : فالكربلة رخاوة في القدمين ، يقال جاء يمشي مكربلاً ، فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة ، فسميت بذلك ، ويقال: كَرْبلتُ الحنطة ، إذا هززتها ونقّيتها ، فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض مُنقاةً من الحصى والدغل فسْمّيت بذلك ، والكربل اسم نبت الحمّاض ، فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر وجوده هناك فَسُمّي به .
وربط بعض الكتّاب بين الاسم والفاجعة التي قُدِّر لها أن تصبغ أرض المدينة بالدم ، فهي مركب من كلمتين هما كرب وبلاء ، وإلى هذا أشار الشريف الرضيّ في قوله: كربلا ما زلتِ كرباً وبلا .
وهو قول الإمام الحسين (عليه السلام) لما وصل إليها ، قال : (( ما اسم هذه الأرض ؟ )) فقيل له : كربلاء . فقال : (( اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء )) [ منتهى الآمال: ج1 / ص471 ] .
ولبقاع كربلاء المختلفة أسماء متفاوتة منها : كربلاء أو (عقر بابل) ، وهي في الشمال الغربي من الغاضرية ، وكور بابل ، ونينوى ، والغاضرية ، وتعرف اليوم بأرض الحسينية ، وكربلة بتفخيم اللام ، وتقع إلى شرقي كربلا وجنوبها والنواويس - وكانت هذه المنطقة مقبرة للنصارى قبل الفتح الإسلامي ، ومكانها اليوم من أراضي ناحية الحسينية قرب نينوى ، إلى حدود روضته الشريفة أو حدود الصحن - ، والطف ، وشفية ، والعقر ، ونهر العلقمي ، وعمورا ، ومارية ، وما شابه ذلك ، وبعض هذه الأسماء تعود إلى قرى وأراضي شاسعة في هذه المنطقة .
والحير ويعرف (بالحائر) وهو اليوم موضع قبر الحسين (عليه السّلام) ، والحائرتطلق اصطلاحاً على صحن سيّد الشهداء (عليه السلام) .
ولهذه الكلمة جذراً لغوياً ، وجذراً تاريخياً ، جاء في لسان العرب في تعريف الحائر أنه : الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء [سفينة البحار 1: 358] ، وجاءت أيضاً بمعنى الشخص الحيران ، وكان يطلق على كربلاء قديماً اسم ( الحير ) ويعني المنطقة المرتفعة الفسيحة ، حيث كانت منذ القدم موضعاً لسكنى أقوام من العرب .
وتدل في المصطلح الفقهي والعبادي على ما يشتمل عليه الصحن الشريف من ضريح وأورقة ومتحف و… الخ ، بأقسامها القديمة والجديدة .
أنّ للإقامة والعبادة في حائر أبي عبد الله (عليه السلام) فضيلة ، كما أنّه من جملة المواضع التي يخيّر فيها المسافر بين الصلاة قصراً أو تماماً، وللعلماء فيها آراء مختلفة [ بحار الأنوار 86: 88 ، المزار للشيخ المفيد: 140] .
كما ويطلق على أهالي كربلاء ومن يسكن إلى جوار الصحن الشريف اسم (الحائري) .
أمّا المناسبة التاريخية التي دعت إلى إطلاق هذا الاسم على صحن الشهداء فهي أنّ المتوكّل العباسي لما أمر بهدم القبر ومحو آثاره وتفريق جموع الشيعة من حوله ، لأنه كانت بمثابة مصدر إلهام يشكل خطراً عليهم ، أجروا الماء على موضع القبر ، إلاّ أنّ الماء حينما بلغ ذلك الموضع توقف وتجمع وبقي حائراً في مكانه ، وتراكم حول القبر حتى صار كالجدار ، فيما بقيت باحة القبر جافة [ الإعلام للزركلي30:8 (الهامش)، بحار الأنوار 50: 225، سفينة البحار 1: 358] ، ولما كان موضع تجمع الماء يسمى حائراً ، فقد اتخذت باحة القبر هذا الإسم أيضاً .
وقد سبق للإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) أن نزل هذه الأرض أثناء سفره إلى حرب صفين ، وشوهد فيها متأمّلاً فيما بها من أطلال وأثار ، فسئل في ذلك فقال : إن لهذه الأرض شأناً عظيماً ؛ فها هنا محطّ ركابهم ، وها هنا مهراق دمائهم ، فسُئل عن ذلك فقال : ثِـقْـلٌ لآل محمد ينزلون ها هنا.
يبدأ تاريخ كربلاء كمدينة مقدسة في 12 محرم من عام 61 هـ بعد واقعة الطف بيومين ، حيث دفن بنو أسد الجسد الطاهر للإمام الحسين (عليه السلام) وأخيه أبي الفضل العباس (عليه السلام) وصحبه الميامين (عليهم سلام الله جميعا) .
وقد توسعت المدينة عمرانياً من خلال توسع الضريح والإهتمام به عبر الفترات التاريخية اللاحقة .
* ففي سنة 247 هـ أعاد المنتصر العباسي بناء المشاهد في كربلاء ، وبنى الدور حولها بعد قتل أبيه المتوكل الذي عبث بالمدينة وهدم مافيها ، ثم استوطنها أول علوي مع ولده ، وهو السيد ابراهيم المجاب الضرير الكوفي بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم (عليهم السلام) .
* وفي سنة 372 هـ شيد أول سور للحائر وقد قدرت مساحته 2400 م2.
* في سنة 412 هـ أقام الوزير - الحسن بن الفضل بن سهلان الرامهرمزي - السور الثاني للمدينة ، ونصب في جوانبه أربعة أبواب من الحديد .
* في سنة 941 هـ زار الشاه اسماعيل الصفوي كربلاء ، وحفر نهراً دارساً وجدد وعمر المشهد الحسيني .
* سنة 953 هـ أصلح سليمان القانوني الضريحين ، فأحال الحقول التي غطتها الرمال إلى جنائن .
* في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي زار أحد ملوك الهند كربلاء - بعد حادثة الوهابيين سنة 1216 هـ - وبنى فيها أسواقا جميلة وبيوتا ، أسكنها بعض من نكبوا ، وبنى سورا منيعا للبلدة .
* سنة 1217 هـ تصدى السيد علي الطباطبائي - صاحب الرياض - لبناء سور المدينة الثالث بعد غارة الوهابيين ، وجعل له ستة أبواب عرف كل باب باسم خاص .
* في سنة 1285 هـ 1868 م وفي عهد المصلح - مدحت باشا - بنيت الدوائر الحكومية ، وتم توسيع واضافة العديد من الأسواق والمباني ، وهدم قسماً من سور المدينة من جهة باب النجف ، وأضاف طرفاً آخر الى البلدة سميت بمحلة - العباسية - .
* سنة 1860 م تم إيصال خطوط التلغراف ، واتصال كربلاء بالعالم الخارجي .
* سنة 1914 م وبعد الحرب العالمية الأولى ، أنشئت المباني العصرية والشوارع العريضة ، وجففت أراضيها وذلك بإنشاء مبزل لسحب المياه المحيطة بها .
تضم مدينة كربلاء الكثير من المراقد والمقامات المقدسة التي تزار في مناسبات عديدة :
مرقد السيد إبراهيم المجاب (عليه السلام) ، مرقد حبيب بن مظاهر الأسدي ، ضريح الشهداء من أصحاب الحسين (عليهم السلام) ، والقاسم بن الحسن (عليه السلام) .
ومن المقامات والأماكن التي يتبرك بها الزوار: ـ نخل مريم ، مقام الحر بن يزيد الرياحي (عليه السلام) ، المخيم الحسيني ، مقام الإمام المهدي (عج) ، مقام تل الزينبية ، مقام الكف الأيمن للعباس (عليه السلام) ، مقام الكف الأيسر للعباس (عليه السلام) ، مقام الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، مقام عون بن عبدالله ، مقام بن حمزة ، مقام الحسين وابن سعد ، مقام ابن فهد الحلي ، مقام فضة ، مقام الإمام علي (عليه السلام) ، مقام موسى بن جعفر (عليه السلام) ، مقام علي الأكبر (عليه السلام) ، مقام رأس الحسين (عليه السلام) ، مقام أم البنين (عليه السلام) ، مقام الأخرس بن الكاظم (عليه السلام) .
---------------------------------
مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي (بتصرف) .