عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

إن سياسة النبذ والإهمال المتعمد والإقصاء والمعاملة القاسية المتميزة بالاستعلاء، وبالنظرة الدونية لمواطنين فرنسيين، تمثل لطخة عار في جبين الحضارة الغربية التي تمثل فرنسا مثلا رائدا لها.

إن سياسة النبذ والإهمال المتعمد والإقصاء والمعاملة القاسية المتميزة بالاستعلاء، وبالنظرة الدونية لمواطنين فرنسيين، تمثل لطخة عار في جبين الحضارة الغربية التي تمثل فرنسا مثلا رائدا لها.

ورب قائل: إن هذا اللون من النظر إلى الموضوع: موضوع التنظير السياسي؛ يجنح نحو الأخذ بقراءة اقتصادية، بدليل أن التظاهرات الغاضبة ليست عامة في مجموع بلدان العالم، على الرغم من أنها تعيش جميعها ـ ومن دون استثناء ـ الوضع ذاته: حيث عم الخراب عمرانها الاقتصادي، و أودى بتوازنها المالي.

وعلى هذا الاعتراض نكتفي بالرد التالي:

إن هذه الأسباب المنظورة للوضع السياسي قائمة في معظم البلدان: الغضب من السياسات، موجود في معظم بلدان العالم، وان كانت درجاته متفاوته، ولكن هذا التفاوت يخضع لمقدار تجسيد السياسي لبلد ما لشعار:(أنا خير منه)، في الواقع الاجتماعي هناك، والذي به تبرز أيدلوجيا التفوق الذي لا نشهده إلا في أوربا ضد باقي الأعراق، خصوصا في فرنسا، وسنوضح ذلك في لاحق البحث إنشاء الله تعالى.

ونعني بهذا ـ على وجه التحديد ـ الأيدولوجيا السياسية التي تسوّغ لجماعة من الناس أهدافا لحراكهم الاجتماعي ـ دون الأخذ بنظر الاعتبار إلى أنهم يعاكسون النسق الكوني ـ وتنتج لهم أطرا لتعبئة الطاقة الاجتماعية، والتعبير عنها، وهو ما ينطبق أمره على أي مشروع سياسي آخر يحتاج كي ينتقل من القوة إلى الفعل بلغة أرسطو.. أو من الفكرة إلى الواقع، بلغة ماركس[5].

التوظيف اللأستغلالي للنظريات السياسية الغربية:


إن في جوف كل مجتمع قد تكمن فوقية أو شكل منها، يتناسب طردا في مقداره وحجمه مع انحراف أفراده عن الفطرة وفقدانهم للحرية والسيادة.. وهناك من الواقع الاجتماعي والفعلي ما يهيئ لظهوره. فلكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه.. وما الحركات التكفيرية عندنا إلا رد فعل لايدولوجية (أنا خير منه)؛ التي تعامل بها الغربيون والاستعماريون مع الشعوب؛ فالتكفيريون يرون أنهم خير من الناس وان كل الناس كفار وهم وحدهم أصحاب الجنة والرضا.

فالتفوق الاقتصادي المبني على العرقية يقود إلى تصدعات اجتماعية خطيرة، تعتمد أساسا في اتخاذ الإنسان مستغَلا أو مستغِلا: مما يوفر مستلزمات بروز ظاهرة العنف والعنف المضاد في المجتمع، فليس مستغربا أن تتحول حالات الاستغلال أو التهميش الاقتصادي إلى قنبلة قابلة للانفجار، فماذا تنتظر من ذلك الإنسان الذي يهمش إلى ما دون الحد الأدنى لمقومات الحياة،في وسط مرفه، بالإضافة لافتقاده إلى نظام الرعاية والحماية الاجتماعية، ومتطلبات الحياة المتزايدة تزيد من ضنكه وحرمانه.

فالفئات المهمشة سياسيا، والتي تعيش الضنك على كل أصعدة الحياة، وعلى جميع مراحل الحياة: هي فئات قابلة للانفجار،فهي بؤر يحتمل أن تنطلق منها الفوضى والاضطراب في أي وقت لأنها ببساطة لا تحيى حياة طبيعية, والمجتمع الذي تعيش فيه، سلوكه مضطرب، لأنها تفقد الحرية، ولا خيار لها في هذا الوضع، أو في الخروج منه، فتغشاها الأزمات الفجائية في كل مجال، فتتفجر أحداثها العامة بشكل هبّات وانحرافات جماعية، لأنها في الغالب ردات فعل انفعالية فالواقع السياسي الأوربي خصوصا والغرب عموما لا يتيح لها وسيلة للتعبير عن معاناتها إلا باستعارة أساليب القمع والإرهاب الممارسة ضدها، لذا فهي فئات مرشحة دوما للعنف بكافة أشكاله وأدواته.

والفرد فيها يتقبل كل الأفكار والأيدلوجيات التي تخاطب جمهور المحرومين والمقموعين.

فالإفقار المتعمد لا يقود إلى الاستقرار.. والبطالة أوالعطالة، بسبب التمييز العرقي، لا تؤدي إلى الأمن، بل أنهما الأرضية الاقتصادية – الاجتماعية لبروز حالات التمرد والعنف.

أما عدم الاستقرار في المجتمعات الإسلامية؛ التي تستعير دولها نظريات سياسية غربية في الحكم، فهي ظاهرة مركبة، نشأت عن اجتماع جملة من العناصر والأسباب وتضافرها على النحو الذي لا يمكن معها إرجاع هذه الظاهرة إلى سبب أو عنصر واحد دون سواه.

ولا يمكن فهم هذه الظاهرة إلا ضمن شبكة العوامل والأسباب التي أفضت إلى بروزها وأدت إلى ظهورها.. وكلها تقوم على افتقاد الإنسان لحريته ومقومات سيادته من قبل أخيه الإنسان، بالاعتقاد الخاطئ؛ سواء بعامل الدين وقراءته الخاطئة، أو بالعمل السياسي المستعار غير المستند إلى العقيدة الصحيحة، وفقدان السيادة بالقمع والإقصاء، أو بالعامل الاجتماعي ـ الاقتصادي، الذي نعني به فقدان الإنسان مقومات عيشه وكرامته.

وقد تجسد أسلوب الأوربي لتصدير فوقيتهم المؤدلجة تاريخيا، بشكل واضح لا لبس فيه: فيما عرف بغزو أمريكا، عندما أسس المهاجرون الهاربون من نير الكنيسة البروتستانتية مدينتهم الفاضلة على جثث الهنود الحمر والازتيك، وبسواعد المستعبدين من الأفارقة السود..

إن ممارسات السيد الأبيض في الإبادة الجماعية للهنود الحمر والازاتيك، والاستغلال البشع للأفارقة السود في مناجم الفحم والذهب، والنظر إلى الإسلام كعقيدة دموية وللمسلمين كبدو متوحشين … والمعاملة المباشرة التي تجسد تلك النظرة: ولد حقدا دفينا تغلغل في نفوس هذه الشعوب.

وبهذا الصدد يقول الغذامي في كتابه(رحلة إلى جمهورية النظرية: مقاربات لقراءة وجه أمريكا)؛ عن حال السيد الأبيض مع الأرقاء السود هناك:

إن كل مواطن حرٌّّّ كان يستمتع بعمل أربعة أرقاء في المتوسط، ولم يكن هؤلاء الأرقاء يستخدمون في الخدمة المنزلية وحدها، بل كان منهم الزراع والرعاة، ولكن استخدامهم الأكثر شيوعا، كان في مجال الحرف والصناعات اليدوية واستخراج المعادن.[6]

أما (فرنسيس فوكوياما) – الأمريكي من أصل ياباني لذي ينظّر ويمهد لسيادة الرجل الأبيض ـ فقد جعل من إبادة الهنود الحمر والازاتيك الجماعية واستغلالهم، هدية كبرى قدمها السيد الأبيض لهم، فنراه يقول:

(إن أمريكا هي آخر بلد يمكن إن يكون فيه للاعتبارات العائلية والعرفية أية أهمية، وهي لم تقم ـ كما يدعي البعض ـ على أشلاء أهلها الأصليين من الهنود الحمر والازاتيك الذين كانوا يذبحون أطفالهم قرابين للآلهة).[7]

(الإنسان الأبيض الذي فضلته الطبيعة واختارته ليكون حامل مشعل الحضارة والتقدم: هو المنطق الذي يبرئ الغربيين والمستغلين الاستعماريين من تهمة الإرهاب ولو أبادوا البشرية كلها).[8]

ويقول المستشرق (كارا دو فو) ـ الذي يبرر للفرنسيين قتل الجزائريين أبان الثورة الجزائرية:

(إن البدوي في أفريقيا هو الهندي الأحمر، و يجب تهيئة المصير نفسه الذي آل إليه الهندي الأحمر على أيد الرواد البيض لأمريكا، ويجب إن يختفي البدوي من على وجه الأرض).[9]

وعن (برنا رد لويس)، (ودانيال بايبس)، ينقل، حسن الأمراني أيضا قولهم:

(إن الشعب العربي لا يبدو إن يكون إذن كالهنود الحمر، وان حضارة الغرب وحدها جديرة بان تسود).[10]

هذه النصوص تؤكد ما ذهبنا إليه من إن هناك تيارا قويا في السياسات الغربية، هو الأصل الباطن لما نرى من معايير مزدوجة وسلوك عدواني من قبل الرجل الأبيض، هو الذي أسهم إن لم يكن هو الذي هيأ الأرضية لردود الفعل القوية الانفعالية التي يشهدها العالم اليوم، والذي يميزها إرهاب دموي فظيع.

منذ مائتي سنة تقريبا والأمريكان يبيدون الشعوب الأصلية (حوالي الملايين من الأشخاص)، ويحتلون نصف المكسيك ـ منطقة جزر الكاريبي ومنطقة أمريكا الوسطى ـ ويحتلون هاييتي والفلبين مسببين مقتل مائة آلف فلبيني![11]

وتحاول أن تهيمن على العلاقات الدولية من خلال التهويل بوجود عدو شرير يهدد الأمن ولاستقرار الدولي.

(استراتجيا: تتغير هوية هذا العدو حسب المصالح الأمريكية، كما هي الحال مع صدام حسين، حيث انقلب بين عشية وضحاها من صديق يحارب نيابة عنها، إلى عدو خطير، سرعان ما تخلصت منه).

فتلوح على الرأي العام العالمي بشبح الإرهاب لتنفيذ مخططاتها. علما إنها تدعم علنا دول دكتاتورية أو حتى أنظمة إرهابية فتقدم لها الأسلحة لقمع شعوبهم.[12]

وعندما أعلنت الأوساط الغربية الحكومية عن حربها ضد الإرهاب على أساس انه غدة سرطانية يجب استئصالها من جذورها، كانت الحكومة الأمريكية بإدارة الرئيس الأمريكي آنذاك ومستشاره (الاكسندر هيغ): قد أنشأت منذ عشرين سنة شبكة إرهابية دولية ذات نطاق واسع، لا مثيل له يهدف لمحاربة أعداء الولايات المتحدة المتخلفين حضاريا![13]

وقد نفذت هذه الشبكة عددا لا يحصى من الجرائم في مختلف أنحاء العالم منها ما جرى في أمريكا الوسطى وبالخصوص ما جرى في نيكاراغوا.

وقضية نيكاراغوا سابقة دولية في إرهاب الدولة لا جدال فيها في القانون الدولي: لأنه لأول مرة يصدر عن المحكمة الدولية حكما لا رجوع عنه تدان فيه دولة بعملية إرهابية والقضية أفضع بكثير من اعتداءات 11 أيلول: ذلك إن الحرب التي خاضها الرئيس (رونالد ريغان) ضد نيكاراغوا أسفرت عن وقوع عما يقل عن (57000) ضحية منهم (21000) قتيلا وسببت دمارا وخرابا يعادل قنبلة هيروشيما.[14]

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أصحاب المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) صفاتهم ...
يا قائم آل محمد (عجل الله تعالى فرجه)
لنظرية المهدوية و صناعة التاريخ-2
الإمام المهدي عليه السلام طموح الأحرار في العالم
الحكمة التفصيلية مكتومة:
النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام يوضح ...
فرية السرداب
التمهيد للظهور (الآليات والنتائج)
کتابة رقعة الحاجة إلی مولانا صاحب العصر والزمان ...
الحرب العالمیة فی عصر الظهور

 
user comment