* ميلاني كلاين
يبين التحليل النفسي أن ثمة أسباباً لا شعورية عميقة تؤدي دوراً في اختيار الشريك في الحب وتجعل شخصين معينين يستشعران انجذاباً متبادلاً ويحسان بإشباع متبادل. وعواطف الرجل تجاه امرأة تتأثر دائماً بتعلقه الأول بأمه. ولكن هذه الحالة ستكون، هنا أيضاً، لا شعورية على وجه التقريب ومظاهرها يمكنها أن تكون مقنعة جداً. وقد يحدث، في الحب، أن يختار الرجل شريكته امرأة لها صفات تناقض صفات أمه كل التناقض. وعلى الرغم من أن مظهر المرأة المحبوبة قد يكون مختلفاً كل الاختلاف عن مظهر أمه، فإن صوتها أو بعض العناصر من شخصيتها يطابقان مع ذلك انطباعاتها الأولى عن أمه وسيمثلان بالنسبة له فتنة خاصة. أو إنه سيختار أيضاً شريكة لا تشبهها على الإطلاق، لأنه على وجه الضبط سيرغب في أن يهرب من تعلق بها شديد جداً.
ومن الواضح أن اتجاهاً قائماً على مثل هذه العواطف سيختلف عن اتجاه رجل يبحث على وجه الخصوص عن صورة الأم في امرأة، على الرغم من أن رجلاً يتأثر اختياره بعواطف إزاء أخته يمكنه أيضاً أن يبحث عن بعض السمات الخاصة بأمه لدى شريكته. والتأثير الأول الذي يمارسه مختلف الأشخاص الذين يكوّنون وسط الطفل يخلق تنوعاً كبيراً من الإمكانات: وبهذا الصدد، فإن ممرضة، أو عمة، أو جدة، يمكنهن أن يؤدين دوراً ذا أهمية. ومن الطبيعي أن يكون علينا، في دراسة التأثير الذي تمارسه العلاقات الأول في اختيار لاحق، أن لا ننسى أن الانطباع الذي حصل عليه الطفل من الشخص المحبوب في ذلك الزمن، وأن الاستيهامات المرتبطة بهذه الانطباعات، هما اللذان يرغب الطفل في أن يكتشفهما مجدداً فيما بعد في علاقته الغرامية. يضاف إلى ذلك أن اللا شعور يجري ارتباطات على قواعد تختلف عن قواعد الشعور. وهذا هو السبب الذي من أجله تتآزر انطباعات شتى منسية كلياً ـ مكبوتة ـ لدى فرد معين لتجعل شخصاً أكثر جاذبية من شخص آخر، من الناحية الجنسية ومن النواحي الأخرى.
وثمة عوامل مماثلة تتدخل في الاختيار الذي تجريه المرأة. فالانطباع الذي يحدثه الأب، وعواطفها تجاهه، وإعجابها، وثقتها به، يمكنها أن تؤدي دوراً غالباً في اختيارها شريكاً في الحب. وحبها الأول لأبيها يمكنه مع ذلك أن يكون قد تزعزع. وربما انصرفت عنه بسبب نزاعات عنيفة جداً أو لأنه خيّب أملها كثيراً. فاستطاع أخ، أو ابن عم، أو رفيق، أن يتخذوا في ناظريها كثيراً من الأهمية، واستطاعت أن تستشعر بالنسبة لهم رغبات واستيهامات جنسية، وأن تستشعر على حد سواء عواطف الأمومة. وستبحث عندئذ، بدلاً من شريك من النموذج الأبوي، عن حبيب أو زوج يطابق هذا الصورة، صورة أخ. ويتوافق لا شعوراً الشريكين في الحب في علاقة ناجحة. وفي حالة امرأة حنون حنان أم بالحري، باحثة عن شريك يشبه أخاها، ستكون استيهامات الرجل ورغباته مناسبة إذا كان يبحث عن امرأة حنون حنان أم. وإذا كانت المرأة متعلقة بأبيها كثيراً، فإنها ستختار اختياراً لا شعورياً رجلاً يحتاج إلى امرأة يؤدي تجاهها دور أب طيب.
وعلى الرغم من أن العلاقات الغرامية في حياة الرشد تستمد أسسها من أوضاع وجدانية قديمة ذات علاقة بالأبوين والإخوة والأخوات، فإن العلاقات الجديدة لن تكرر الأوضاع الأسرية في الزمن الماضي بالضرورة. فثمة ذكريات، وعواطف، واستيهامات لا شعورية، تندمج على نحو خفي بالصداقة الجديدة أو بالعلاقة الغرامية الجديدة. وكثير من العوامل تتدخل في السيرورة المعقدة لتكون صداقة أو علاقة حب، إلى جانب تأثيرات أولى. والعلاقات الجديدة الراشدة تحتوي دائماً على عناصر جديدة ناجمة عن الوضع الجديد، أي عن ظروف الناس الذين نتصل بهم وشخصيتهم، وناجمة أيضاً عن استجاباتهم لحاجاتنا الوجدانية ولاهتماماتنا العملية، اهتمامات أشخاص كبار.