عربي
Tuesday 30th of April 2024
0
نفر 0

التشيع و سقوط بغداد على ايدي المغول .

التشيع و سقوط بغداد على ايدي المغول .

تـحـدثـنا سابقا عن تغلغل التشيع في العراق و عندما نقل اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـعاصمته من الـمدينة الى الكوفة لمواجهة المشاكل العديدة المستجدة في عصره ((1583)) , فانه غرس بذرة التشيع في هذه المدينة على امتداد اربع سنين ونصف من حكمه , فنمت اشجارها و ان كانت ثمار تلك الاشـجـار غير كبيرة ((1584)) ,لكن اغصانها رفرفت على جز من العراق في القرن الثاني و ما بـعـده , الـى ان مـضت برهة من الزمان فامتد التشيع في بغداد بجهود علما الشيعة و على الرغم من ضـغـوط الـعـباسيين التي مارسوها ضدالشيعة و ضروب الظلم التي انزلوها بهم , و هي لا تحصى , فانهم تمكنوا من المحافظة على كيانهم .
و اسـتمر هذا الوضع الى ان دخل البويهيون بغداد في الربع الثاني من القرن الرابع ,فاصبحوا حماة لـلـشيعة و عملوا على توسيع دائرة التشيع الى جانب بعض العلما كالشيخ ‌المفيد, و ذلك على امتداد قرن من الزمان
((1585)) .
ثم جا السلاجقة فضيقوا على الشيعة , و حدوا من قدرتهم , بيد ا نهم لم يستطيعوا ان يقضوا عليهم و تـعـاظـمت قدرة العلويين على مر التاريخ , و لفت الشيعة انظار الاخرين اليهم بوصفهم فرقة دينية خـطـيـرة فـي بغداد يضاف الى ذلك , ان الحلة اضحت مركزاللتشيع ايضا و كانت منزلة الشيعة و مـشـاركـتهم في الشؤون السياسية قد اثارتا اهل السنة فانبروا الى مناواتهم والاصطدام بهم و كان الحكام العباسييون يضيقون على الشيعة غالبا ويقفون الى جانب اهل السنة .
و عندما طفق المغول يعتدون على الشرق الاسلامي , كان الحاكم العباسي يومذاك الناصر لدين اللّه , فـاظهر جنوحه الى العلويين و الشيعة , و ذلك من اجل استقطابهم اذكانوا يشكلون قوة يؤبه لها في بـغـداد, هـذا مـن جـهـة , و من جهة اخرى , اتخذ هذا الموقف متذرعا بان الخوارزمشاهيين كانوا يعارضون الحكومة العباسية علما بان ميله اليهم قد بلغ ‌حدا ا نه اتهم بالتشيع ايضا.
كـمـا ان ابن الطقطقي قال فيه : انه ((كان يرى راي الامامية
((1586)) )) و كذلك وزراؤه ,فقد كانوا اما ذوي ميول خاصة الى التشيع , او كانوا انفسهم شيعة .

و ذهـب الـبـعـض الـى ان هـذا الـمـوقف من الناصر يعد موقفا سياسيا اتخذه لاستقطاب الشيعة و اسـتـمـالتهم ((1587)) و ذكر الساعدي ان استيزار ابن العلقمي الشيعي كان من اجل اقناع العالم الشيعي رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني ((1588)) .
ان هـذا الموقف من الناصر, مضافا الى ا نه يدل على قدرة الشيعة و قوتهم , فهويكشف عن تعارضهم مـع مناوئيهم , ذلك التعارض الذي كان الناصر يحاول رفعه لمصلحته و استمر هذا التعارض قرونا عـديـدة , و كـانـت تظهر معالمه في بغداد من خلال اشتباك الفريقين سنويا في يوم عاشورا, و يوم الـغدير و وردت تفاصيله في كتاب البداية والنهاية لابن كثير, و المنتظم لابن الجوزي , و شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي .
و بلغ تغلغل التشيع في الجهاز الاداري للحكومة العباسية في الفترة الاخيرة من عمرها ان كثيرا من وزرائها كانوا شيعة , و هذا لا يمكن ان يكون بعيدا عن هدفهم المتمثل باستمالة الشيعة لقبول السيادة السنية في المجتمع الاسلامي كله , مضافا الى ان اولئك الوزرا كانوا ذوي كفاات ادارية .
و اخـتـار الـمـسـتعصم , و هو آخر حاكم عباسي , مؤيد الدين بن العلقمي الشيعي وزيراو ظل في منصبه حتى سقوط بغداد و مقتل الحاكم المذكور.
و عـلى الرغم من هذا الموقف الذي اتخذه الحكام العباسيون , فان عناصر من السنة كانت متسللة في داخل الحكومة و كانت تحرض الحاكم العباسي احيانا ضد الشيعة ,فتترك الوضع في بغداد مزيجا من الدم والنار, و يتكبد الفريقان خسائر جسيمة فادحة من جرا الاصطدامات التي تجري بينهما.
و حـدث احـد الاصـطدامات في بغداد حتى في آخر سنة من سنوات الحكم العباسي ـقبل سقوطه بـسنة ـ اي : سنة 654 ه ((1589)) , فزاد حقد الشيعة على الحكومة العباسية بسبب الظلم الذي مورس بحقهم .
و فـي هـذا الـمجال , كتب ابن العلقمي رسالة الى احد كبار الشيعة , و هو السيد تاج الدين محمد بن نـصـر الـحـسـيني , ننقلها فيما ياتي ليستبين موقف الشيعة من الحكم العباسي ((ا نه قد نهب الكرخ الـمكرم [حي في الجانب الغربي من بغداد كان يسكنه الشيعة ], و قد ديس البساط النبوي المعظم , و قـد نـهبت العترة العلوية , و استؤسرت العصابة الهاشمية فلهم اسوة بالحسين ـ عليه السلام ـ حيث نهب حريمه , و اريق دمه ((1590)) )).
ان هـذه الـسابقة المذكورة امر ثابت و على الرغم من التقارب الذي كان يحصل بين الحين و الاخر على سبيل الاستثنا, بيد ان التعصب كان يشدد الامر على الطرفين و كان الحكام يثيرون الخلاف في غـيـر مـصـلـحتهما و مصلحة الناس , و ذلك من وحي التعصب او رغبة في ايجاد التفرقة , و بس ط نفوذهم مدة اطول .
و ادت هـذه الارضية الى توجيه التهمة ضد الشيعة في حادثة سقوط بغداد الذي يمثل سقوط الحكم الـعباسي في الحقيقة و اصبح وجود الشيعة في راي المتعصبين باعثا على تحريض المغول لاسقاط الحكومة العباسية .
بـيـنما كان كثير من علما السنة في عداد خواص الحاكم العباسي الملازمين له , مثل شرف الدين بن الـجـوزي كـمـا كـان عـدد كبير منهم في بطانة هولاكو و لعل اساس تلك التهمة وجود الخواجه نـصـيـرالـديـن الطوسي ـ رحمه اللّه ـ (597 ـ 672), و مشاركة مؤيدالدين بن العلقمي وزير الـمستعصم في هذه الحوادث و اشيعت هذه التهمة من قبل الحنابلة و احلافهم الذين كانوا اكثر من غيرهم في سابقة عدائهم للشيعة و سائر المذاهب الاسلامية في بغداد.
ان ما نهدف الى دراسته هنا هو ما ياتي :.
اولا : ان المغول كانوا منذ البداية يزمعون على تكثيف هجماتهم على ايران و العراق ,و هم في غنى عمن يحرضهم على هذا العمل .
ثـانيا: ان الاخبار التي تتحدث عن حضور الخواجه نصيرالدين الطوسي في بلاطهولاكو لا يمكن ان تثبت ضلوعه في تحريض ملك المغول لاسقاط الحكومة العباسية .
ثـالـثـا: ان التاريخ يشهد على ان ما قام به الخواجه قد حال دون ضياع الاسلام و تدميره ,و قلل من الخسائر المحتملة .
رابعا: ان ابن العلقمي كما اشاع مناوئوه عنه ايضا لم يبدر منه الا نصيحته الصادقة في هذا المجال , و قـد اتـخذ موقفا صحيحا تبعا للاوضاع السائدة , و ذلك من اجل حقن دماالناس الابريا الذين ضيعتهم الحكومة حفاظا على مصالحها الخاصة .
خامسا: ان حكام بغداد انفسهم هم الذين طمعوا المغول فيهم ـ كما قال ابن الاثير ـو هم الذين دلوهم على الاقطار الاسلامية و نعتقد ايضا ان الشيعة , باتخاذهم الموقف الصحيح ككثير من اهل السنة , لم ينقذوا انفسهم من هذه الورطة الرهيبة فحسب , بل استثمروها ايضا لتوسيع نطاق الثقافة الاسلامية بعامة , والثقافة الشيعية بخاصة .
و نـرى مـن الـضـروري ـ قـبـل استعراض هذه المسائل ـ ان ننقل عبارات الذين رمواالشيعة و الخواجه نصيرالدين الطوسي بهذه التهمة , ثم ناتي على نقدها.
ان مـن بين المؤرخين القريبين من زمان الواقعة المذكورة هو احمد بن محمد بن تيمية (م 728 ه) الـذي لـصـق هـذه الـتهمة بالخواجه نصيرالدين و يعد ابن تيمية مبدعا لمذهب جديد بين المذاهب الاسلامية تمتد سابقته الى احمد بن حنبل و اهل الحديث .
و اشـتـهـر فـي كتبه بتهجمه على الشيعة اكثر من الفرق الاخرى , و دل في كثير من مؤلفاته على عـدائه الـشـديد لهم و تعصبه البغيض ضدهم و اصدر حكمه الموافق لهواه ـ لا جرم ا نه ناتج عن الـقـوة الـمـتصاعدة للشيعة في عصره ـ فاعتبر الخواجه مقصرا في غزو بغدادخلافا للنصوص الاصـيـلـة الـمـتـعلقة بتاريخ الهجمات العسكرية للمغول و المدونة قبله و قال في موضع من كتابه منهاج السنة بعد ان ذكر شهرة الخواجه بين الخواص والعوام : هو الذي حرض ملك المغول على قتل الـخـلـيـفـة و الـعلما و بعد ذلك اتهمه بعدم المبالاة في رعاية الشعائر الاسلامية , و عدم اجتناب الـمـحرمات الشرعية , و اضاعة الصلاة , و ارتكاب الفواحش , و شرب الخمر, و عدم الصلاة في شهر رمضان المبارك , و ارتكاب الزنا ((1591)) .
و قـال فـي مـوضـع آخر و هو يشير الى الخواجه ايضا: هو الذي امر بقتل الخليفة ,و القضا على الحكومة العباسية ((1592)) .
و كـان ابن القيم الجوزية , و هو من تلاميذ ابن تيمية , احد الذين اشاروا الى الخواجه باصابع الاتهام تـبـعـا لاسـتـاذه فـاتـهـمه بضلوعه في قتل الحاكم العباسي والعلما, بعد ان اخترع له القابا نحو: نصيرالشرك والكفر والالحاد و ادان آراه الفلسفية , و رماه بتهمة انكارالمعاد, و انكار صفات اللّه و و تـعـلـم السحر و عبادة الاصنام ((1593)) نستشف مما تقدم ان ابن تيمية , و ابن القيم كليهما لم يـتـورع فـي الـصـاق التهم و التقول على الخواجه بدا بارتكاب المحرمات الشرعية و انتها بعبادة الاصنام و ثمة اشخاص آخرون كالسبكي ((1594)) , و خواندمير ((1595)) قد رموا الخواجه بهذه التهمة ايضاو عدوه عنصرا مؤثرا في غزو بغداد تبعا لابن تيمية و نظائره .
و نلحظ بين المستشرقين ايضا في العصر الحديث من ذكر هذا الدور للخواجه و لم ينكره , كمؤلفي كتاب تاريخ ايران ـ كمبريج ((1596)) و يمكننا ان ننقل اسما غيرهم كادواردبراون , و آربري اللذين عدهما الدكتور الحائري مع من ذهب الى تثبيت مثل هذاالدور للخواجه ((1597)) .
و نـرى بـيـن الـشـيـعة , من القرن العاشر فما بعده , من اثنى على عمل الخواجه ضدالعباسيين في سـريـرته , و اعتبره نقطة قوة للخواجه و من هؤلا : الخوانساري في روضات الجنات , و قد ذكر عبارة حادة في هذا المجال ((1598)) .
و كذلك اثنى عليه القاضي نوراللّه الشوشتري (م 1019 ه) كصاحب الروضات ((1599)) و بقطع الـنـظر عن ان هذه الخطوة نقطة قوة للخواجه اولا, فان اشتراك الخواجه في تلك الحادثة موضع شـك و تـرديد و ما قاله الخوانساري و امثاله ناشئ عن تعصبهم ضدالحكام العباسيين فحسب لذا لا يمكن الاعتماد على ما نقلوه ـ لاسيما بعد ان ثبت من المصادر الاصيلة عدم وجود مثل هذا الدور ـ لانهم الفوا كتبهم بعدالحادثة المذكورة بعدة قرون في الاقل .
و مـن المناسب ان نشير هنا الى باحث آخر قد ادى به عدم التمعن , و خضوعه لتاثيرالخلافات بين الشيعة والسنة الى ان يشط اكثر من ابن تيمية فيلقي اللوم على الشيعة و يراهم المقصرين الحقيقيين في هذه القضية , مع انه نفى تهمة الالحاد عن الخواجه و دافع عنه في هذا الحقل يذكر هذا الباحث ان دور الشيعة كان من البواعث الاولى على سقوط الحكومة العباسية ((1600)) , و يـقول : ((و اخيرا خرجت يدالشيعة من كم المغول و حسمت الامور ((1601)) )) و يقول ايضا مـشـيـرا الـى مـا نـقـلـه خـوانـدمـيـر في حبيب السير (وخواندمير مؤرخ من القرن التاسع ), والقاضي نوراللّه الشوشتري , و ابن تيمية ((1602)) ,و ابن القيم الجوزية , و السبكي ((1603)) (( و تجمع المصادر كلها تقريبا على هذاالموضوع بصراحة ((1604)) )) و يقصد من الموضوع في كلامه الدور الاساس المزعوم للخواجه نصيرالدين الطوسي في الاطاحة بالحكم العباسي .
و سـنلاحظ ان هذه القضية لم يتفق عليها المؤرخون القريبون من زمن الحادثة ((1605)) , و ان ما نـقـلـه البعض مشوب بالتعصب غالبا, و حتى لو فرضنا فرض محال ان الخواجه كان ضالعا في هذه الـقـضية , فان القول بخروج يد الشيعة من كم المغول بعيد كل البعد عن حكم التاريخ و منطق التقييم المنصف , و لا يليق بباحث ان يذكره .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اذا اردنا ان نرتفع بمستوى دراستنا الى مصاف ...
مناظرة الإمام الرضا(ع) مع سليمان المروزي في ...
المذهب الحنبلي
ابراهيم بن محمد، ابن الرسول محمد بن عبد الله صلى ...
الخوارزمشاهيون والميل الى التشيع .
محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ...
عبد الله بن سبأ ونشأة التشيع
وهذه نماذج من أحاديث الرجعة:
مناظرة الشيخ المفيد مع أبي بكر الباقلاني وبعض ...
هل صحّ حديث (لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة) من طرق ...

 
user comment