انقلاب اللاموقف اءلي الموقف المضاد:
اءنّ مسالة الصراع لا تتحمّل (اللاموقف)، فاءذا لم يتحمّل الاءنسانالموقف الصعب وضعف عن اتخاذ موقف الحق فلا يمكن ان يبقي مندون موقف اءلي الاخير، واءنّما ينقلب اللاموقف في حياته اءليموقفمضاد.
والسبب في انقلاب اللاموقف اءلي الموقف المضاد هو السبب فيانقلاب الموقف اءلي اللاموقف وهو الجزع من الموت.
فاءنّ الجزع من الموقف اءذا كان يدعو الاءنسان اءلي التخاذل من الحقاءيثاراً للعافية؛ فاءن الطاغية لا يتركه اءلي الاخير عنصراً غير ذي لون، واءنمايصبغه بصبغته ويسوقه اءلي جانبه، ونفس السبب الذي اعجزه عن اتخاذالموقف الحق يعجزه عن الامتناع من الانحدار اءلي الباطل، وبذلك يتمتصنيفه في جهة الباطل، فاءنّ ساحة الصراع ـ كما ذكرنا ـ لا تترك الاءنسانمن دون تصنيف، فاءن لم يبادر الاءنسان ليُصنّف نفسه ضمن جبهة الحقالذي يؤمن به؛ فاءنّ الساحة تُصنّفه ضمن الخط الحاكم، فيكون عندئذٍ منجند الطاغية واءن كان قلبه ورايه في اتجاه معاكس.
وهنا ينشطر الاءنسان شطرين متعاكسين: رايه (عقله)، وعاطفته(قلبه) في اتجاه الحق، وموقفه وموضعه الرسمي (اءرادته) المعلن فياتجاه الباطل.
وهذه هي ظاهرة انفلاق الشخصية؛ حيث تنشطر شخصية الاءنساناءلي شطرين متخالفين: فيفقد الاءنسان الانسجام في شخصيته، ويتضاربظاهره مع باطنه.
سللتم علينا سيفاً لنا في ايمانكم:
وهذا المفهوم يطرحه الاءمام الحسين(ع) علي جند ابن زياد فيكربلاء يوم عاشوراء: «سللتم علينا سيفاً لنا في ايمانكم». وهذا السيف الذييذكره الاءمام هو القوّة والقدرة والسلطان. والاءسلام هو الذي اعطاهم هذاالسلطان. لقد كانوا اُمّة ضعيفة معزولة في الصحراء، فاعطاهم رسولالله(ص)هذه القوّة وهذا السلطان بايمانهم، فهذا السلطان لرسول الله ولمَن ا´منبرسول الله، واخلص وسار علي خط رسول الله، ومَن مع رسول اللهواهلبيته، كما صرّح به(ص) فياكثر من موقف، وهذا هو المعني الاوّللكلمة (سيفاً لنا في ايمانكم)، والمعني' الذي يستتبع المعني الاول: ان هذاالسيف الذي جعلناه في ايمانكم لابدّ ان تقاتلوا به اعداءنا واعداءكم،ولكنّكم وضعتم هذا السيف فينا نحن ابناء رسول الله وخلفاؤه، ووظّفتمهذا السيف في خدمة اعدائنا.
وهذا هو التشخيص الدقيق الذي قدّمه الفرزدق عن اهل الكوفةعندما ساله الاءمام الحسين(ع) عمّا وراءه فقال: قلوبهم معك وسيوفهمعليك، فاءنّ اهل الكوفه كانوا في الاغلب علويين، وقلوب العلويينكانت مع الحسين، ولكن سيوفهم انقلبت عليه(ع)، وكثير من الذينخرجوا في جيش ابن زياد لقتال الاءمام الحسين(ع)، كانوا يحبّون الحسين،وكانوا من الذين كتبوا اءليه يطلبون منه ان ياتيهم.
والاءنسان راي (عقل) وعاطفة (قلب) حب وبغض وموقف (اءرادة)وهذه الثلاثة عندما تكون منسجمة ومتكاملة يكون الاءنسان قوياً، فاءذاتخالفت وتضاربت ضعف الاءنسان، واصبح بذلك اداة طيّعة بيد الطغاة.
ا´خر مراحل الردّة:
لقد فات الفرزدق ان يقول ـ وكان حرياً به ان لا يفوته ذلك ـ : اءنّانسحاب الاءنسان يبتدي اولاً وثانياً من الموقف اءلي اللاموقف، ومناللاموقف اءلي الموقف المضاد المعاكس، هذه هيالمرحلة الاُولي والثانيةمن الردّة، والمرحلة الثالثة انّ الموقف المضاد يصادر الراي والفكر،ويوجّه الاءنسان اءلي الراي الا´خر وينمّقه له، ويوجّهه حتّي يصادر الرايالاوّل تماماً، فينقلب الراي اءلي راي معاكس، وينقلب (الحب) اءلي(بغض)، وينقلب البغض اءلي الحب، وهذه هي المرحلة الاخيرة من الردّةالتي نسيها الفرزدق، واءذا غابت عن الفرزدق هذه المرحلة الاخيرة منالردّة فاءن القرا´ن يسجّلها بوضوح: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءي' أَنكَذَّبُوا بِا´يَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ).
ومن اءساءة السوء ان يحمل الاءنسان المؤمن السيف علي الله ورسولهواولياء الله، ويقاتلهم في الدفاع عن الطاغوت؛ فاءذا فعل ذلك فاءنّ الله تعالييسلب عنه التصديق والاءيمان والوعي والراي، فيكذّب با´يات الله، واءذاكذّب با´يات الله ورسوله واولياءه عاداهم وابغضهم وهذه الردّة الكاملة.
عودة الانسجام في الطرف المعاكس والانقلاب علي الاعقاب:
وهكذا يعود الانسجام بين البؤر الثلاث لشخصية الاءنسان: (العقل،القلب، الاءرادة)، او (الراي، العاطفة، الموقف) بعد ان انفلقت الشخصيةواختلّت وظهر عليها الارتباك والقلق، يعود الانسجام مرة اُخري اءليشخصية الاءنسان، ولكن هذه المرة في خط معاكس تماماً، وفي اتجاهسلبي باتجاه عداء الله ورسوله واوليائه.
الاطوار الثلاثة في حياة الاءنسان:
ومن صور ذلك نجد انّ هناك ثلاثة اطوار للاءنسان:
الطور الاوّل: الانسجام بين القلوب والسيوف في اتجاه الحق.
الطور الثاني: التخالف بين القلوب والسيوف بين الحق والباطل.
الطور الثالث: الانسجام بين القلوب والسيوف في اتجاه الباطل.
ـ الحالة الاُولي:
حالة الانسجام بين القلوب والسيوف هي حالة فطرية وسليمةوصحيحة، وفيها تجتمع البؤر الثلاث: (العقل، القلب، الاءرادة) فتُرجمالعمل بالاءرادة.
هذه الحالة هي حالة الانسجام والاستقامة والقوة؛ لانّ اجتماع هذهالبؤر الثلاث يمنح الاءنسان القوة، وهي حالة طبيعية وفطرية، وهذه البؤرالثلاث تتبادل التاثير فيما بينها، وبعضها يؤثّر في البعض الا´خر.
ومن ا´ثار هذه الحالة: انّ الاءنسان يعيش مطمئنّاً لا يعاني من القلق؛لانّ الراحة النفسية ليست في الامن والرفاه، واءنما في الاّنسجام بين البؤرالداخلية لشخصية الاءنسان باتجاه الفطرة، ويتكامل الاءنسان في هذه الحالةوينمو بصورة سويّة.
ـ الحالة الثانية:
هي حالة تخالف القلوب والسيوف عندما تخضع اءرادة الاءنسانلعامل الترغيب والترهيب من ناحية الطاغوت، والطاغوت يعمللاحتلال البؤر الثلاث جميعاً، واوّل قلعة تسقط هي قلعة الاءرادة تحتضغط الاءرهاب، وهذه هي بداية السقوط والمرحلة الاُولي من الردّة،ويبقي العقل والقلب مستقرّين، واءنّ اول انهيار يصيب الاءنسان فيمواقفه العملية والرسمية والبارزة هو استسلامه لضغط الطاغوت.
والحالات التي ذكرناها سابقاً تنعكس، فيفقد الاءنسان الراحة وحالةالاطمئنان والانجسام النفسي، ويعاني من القلق وعدم الانسجام،ويضعف ويفقد صبغة الله في شخصيته ويفقد النمو، وهذه المرحلة هيمرحلة (الضعف) في شخصية الاءنسان، ويعمل الضمير في استعادةالتوازن والتعادل والانسجام، فاءذا نجح فلابدّ ان تعود الشخصية اءلي توازنهافي انسجامها، واءلاّ فاءنّ الاءنسان يسقط اءلي المرحلة الثالثة، ويدخل الضميرفي صراع عنيف في المرحلة الثانية، وينقسم الناس فيها اءلي شطرين:شطر من نموذج شخصية (الحرّ) يملك ضميراً سليماً قوياً يعيده اءلي اللهمرة اُخري، وشطر من نموذج (عمر بن سعد) لا يملك الضمير القويفيسقط اءلي المرحلة الثالثة (المرحلة الثانية من السقوط).
ـ الحالة الثالثة:
في هذه الحالة يعود الانسجام مرة اُخري بين البؤر الثلاث، ولكن فياتجاه السقوط والباطل، وكان الاءنسان في داخله يطلب الانسجام، فاءذا لميتمكن في اتجاه الحق وضعف الضمير من استعادة الانسجام في طرفالحقّ، فاءن الانسجام يعود في طرف الباطل، فيكون قلب الاءنسان وعقلهباتجاه اءرادته وعمله، وهذه هي مرحلة الصفر من سقوط الاءنسان يستفرغفيها (الطاغوت) و(الهوي) الضمير، ويحتلاّن (العقل) و(القلب)،وعندئذٍ يحتل الطاغوت المعاقل الثلاثة جميعاً لشخصية الاءنسان، اءضافةاءلي استفراغ الضمير من كل ما اودع الله تعالي فيه من المقاومة، وهي حالةالصفر في شخصية الاءنسان، وعندئذٍ تنقطع الرحمة الاءلهية عن الاءنسان؛لانّ الرحمة تنزل علي الضمير والقلب والعقل والاءرادة، فاءذا نفذتواستهلكت جميعاً وصودرت فلا يبقي موقع لنزول رحمة الله، وهذهحالة (الكفر)، وهناك حالة اُخري تحت الكفر (تحت الصفر)، وهي حالة(النفاق)، وفي هذه الحالة تعود السيوف اءلي جانب الحق، ولكن للمكربالحق وليس استجابة له، تبقي القلوب متعلّقة بالباطل، وهذه الحالة تحتالكفر؛ لانّ القلوب لا تزال فاقدة في هذه المرحلة للاءيمان والوعيوالنور؛ ولذلك يقول الله تعالي: ( اءِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الاَسْفَلِ مِنَالنَّارِ...).