عربي
Thursday 18th of April 2024
0
نفر 0

واستدل عكرمة ومقاتل بسياق الآية على أنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله ولا تشمل أهل بيته ، وقد عرض الامام شرف الدين بصورة موضوعية إلى ابطال ذلك ، قال رحمه الله : ولنا في رده وجوه:

وهن استدلالهما:

واستدل عكرمة ومقاتل بسياق الآية على أنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله ولا تشمل أهل بيته ، وقد عرض الامام شرف الدين بصورة موضوعية إلى ابطال ذلك ، قال رحمه الله : ولنا في رده وجوه:

" الاول " : إنه اجتهاد في مقابل النصوص الصريحة ، والاحاديث المتواترة الصحيحة.

" الثاني " : إنها لو كانت خاصة في النساء - كما لا يزعم هؤلاء - لكان الخطاب في الآية بما يصلح للاناث ، ولقال عز من قائل : عنكن ويطهركن ، كما في غيرهما في آياتهن ، فتذكير ضمير الخطاب فيها دون غيرها من آيات النساء كاف في رد تضليلهم.

" الثالث " : إن الكلام البليغ يدخله الاستطراد والاعتراض وهو تخلل الجملة الاجنبية بين الكلام المتناسق ، كقوله تعالى في حكاية خطاب العزيز لزوجته إذ يقول لها : " إنه من كيدكن ان كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك " فقوله : " يوسف أعرض عن هذا " مستطرد بين خطابيه معها - كما ترى - ومثله قوله تعالى : " ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون واني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون " فقوله : " وكذلك يفعلون " مستطرد من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس ، ونحوه قوله عز من قائل:

" فلا أقسم بمواقع النجوم . وإنه لقسم لو تعلمون عظيم . وإنه لقرآن

[65]

كريم " تقديره أفلا أقسم بمواقع النجوم . إنه لقرآن كريم ، وما بينهما استطراد على استطراد وهذا كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب وغيرهم من البلغاء.

وآية التطهير من هذا القبيل جاءت مستطردة بين آيات النساء ، فتبين بسبب استطرادها أن خطاب الله لهن بتلك الاوامر والنواهي والنصائح والآداب لم يكن إلا لعناية الله تعالى بأهل البيت " أعني الخمسة " لئلا ينالهم " ولو من جهتهن " لوم أو ينسب إليهم " ولو بواسطة " هناة أو يكون عليهم للمنافقين " ولو بسببهن " سبيل ولو لا هذا الاستطراد ما حصلت النكتة الشريفة التي عظمت بها بلاغة الذكر الحكيم ، وكمل اعجازه الباهر كما لا يخفى ( 1 ).

ورأى الامام شرف الدين رأي وثيق فقد قطع به تأويل المتأولين ، ودحض به أو هام المعاندين ، وتمت به الحجة على المناوئين.

دلالتها على العصمة:

ودلت الآية بوضوح على عصمة الخمسة من أهل البيت ( ع ) فقد أذهب تعالى عنهم الرجس - أي المعاصي - وطهرهم منها تطهيرا وهذا هو واقع العصمة وحقيقتها.

وقد تصدرت الآية للدلالة على ذلك بكلمة " إنما " التي هي من أقوى أدوات الحصر ، ويضاف اليه دخول اللام في الكلام الخبري ، وتكرار لفظ الطهارة ، وكل ذلك يدل - بحسب الصناعة - على الحصر والاختصاص وارادة الله في ذلك إرادة تكوينية يستحيل فيها تخلف المراد عن الارادة " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ".

ويقول الامام شرف الدين : إنها دلت بالالتزام على إمامة أمير المؤمنين


( 1 ) الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء ( ع ) ( ص 196 - 197 ) . ( * )

[66]

عليه السلام لانه ادعى الخلافة لنفسه ، وادعاها له الحسنان وفاطمة ، ولا يكونون كاذبين ، لان الكذب من الرجس الذي أذهبه الله عنهم ، وطهرهم منه تطهيرا ( 1 ).

آية المودة:

وفرض الله على المسلمين مودة أهل البيت ( ع ) قال تعالى : " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ان الله غفور شكور " ( 2 ).

ذهب جمهور المسلمين إلى أن المراد بالقربى هم علي وفاطمة وابناهما الحسن والحسين وان اقتراف الحسنة إنما هي في مودتهم ومحبتهم ، وفيما يلي بعض ما أثر في ذلك:

1 - روى ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم ؟ قال ( ص ) : " علي وفاطمة وابناهما " ( 3 ).

2 - روى جابر بن عبد الله قال : جاء اعرابي إلى النبي ( ص ) فقال : يا محمد اعرض علي الاسلام ، فقال ( ص ) : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، قال الاعرابي:

تسألني عليه أجرا ؟


( 1 ) الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء ( ع ) ( ص 201 ).
( 2 ) سورة آل حم الشورى : آية 23.
( 3 ) مجمع الزوائد 7 / 103 ، ذخائر العقبى ( ص 25 ) ، نور الابصار ( ص 101 ) ، الدر المنثور . ( * )

[67]

قال ( ص ) لا إلا المودة في القربى.

الاعرابي : قرباي أم قرباك ؟ الرسول ( ص ) : قرباي.

الاعرابي : هات أبايعك . فعلى من لا يحبك ، ولا يحب قرباك لعنة الله.

قال ( ص ) : ( آمين ) ( 1 ).

3 - روى ابن عباس قال : لما نزل قوله تعالى : " قل لا اسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " ، قال قوم في نفوسهم : ما يريد إلا أن يحثنا على قرابته من بعده , فأخبر جبرئيل النبي ( ص ) انهم اتهموه ، فأنزل " أم يقولون افترى على الله كذبا " ، فقال القوم : يا رسول الله انك صادق ; فنزل " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " ( 2 ).

4 - احتجاج العترة الطاهرة بأنها نزلت فيهم فقد خطب سبط الرسول صلى الله عليه وآله الاول وريحانته الاما الحسن ( ع ) فقال في جملة خطابه:

" وأنا من أهل البيت الذين أفترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك وتعالى : " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا " فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت " ( 3 ).

واحتج بها سيد الساجدين والعابدين الامام علي بن الحسين ( ع ) لما جئ به أسيرا إلى الطاغية يزيد وأقيم على درج دمشق انبرى اليه رجل من أهل الشام فقال له:

" الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ، وقطع قرني الفتنة ".


( 1 ) حلية الاولياء 3 / 201.
( 2 ) الصواعق المحرقة ( ص 102 ).
( 3 ) حياة الامام الحسن 1 / 68 . ( * )

[68]

فنظر اليه الامام فرأه مغفلا قد خدعته الدعايات المضللة وحادت به عن الطريق القويم فقال له:

" اقرأت القرآن ؟ ".

" نعم ".

" اقرأت آل حم ؟ ".

" قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم ".

" ما قرأت ( لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ؟ ".

فذهل الرجل ومشت الرعدة باوصاله وسارع يقول:

" وانكم لانتم هم ؟ ".

" نعم " ( 1 ).

وقال الامام أمير المؤمنين ( ع ) : فينا آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن ثم قرأ " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " ( 2 ) كلمة الفخر الرازي.

وعلق الفخر الرازي على هذه الآية مشيدا بآل النبي ( ص ) قال ما نصه:

" واذا ثبت هذا - يعني اختصاص الآية بآل البيت ( ع ) - وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعطيم قال ويدل عليه وجوه:

" الاول " : قوله تعالى : " إلا المودة في القربى " ووجه الاستدلال به ما سبق وهو ما ذكره من قبل أن آل محمد ( ص ) هم الذين يؤول أمرهم اليه فكل من كان أمرهم اليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين كان التعلق بهم وبين رسول الله ( ص )


( 1 ) تفسير الطبري 25 / 16.
( 2 ) كنز العمال 1 / 218 ، الصواعق المحرقة ( ص 101 ) . ( * )

[69]

أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل.

" الثاني " : لا شك أن النبي ( ص ) كان يحب فاطمة ( ع ) قال ( ص ) : " فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها " وثبت بالنقل المتواتر عن محمد ( ص ) أنه كان يحب عليا والحسن والحسين عليهم السلام ، واذا ثبت ذلك وجب على كل الامة مثله لقوله تعالى : " واتبعوه لعلكم تهتدون ".

ولقوله تعالى : " فليحذر الذين يخالفون عن أمره " ولقوله : " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله " ولقوله سبحانه : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ".

" الثالث " : إن الدعاء للآل منصب عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد " واجب . . . ( 1 ).

ان مودة أهل البيت ( ع ) من أهم الواجبات الاسلامية ، ومن أقدس الفروض الدينية ; يقول الامام محمد بن ادريس الشافعي:

يا أهل بيت رسول الله حبكم *** فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر انكم *** من لم يصل عليكم لا صلاة له ( 2 )

وقال ابن العربي:

رأيت ولائي آل طه فريضة *** على رغم أهل البعد يورثني القربى

فما طلب المبعوث أجرا على الهدى * بتبليغه إلا المودة في القربى

ويقول شاعر الاسلام الكميت:

وجدنا لكم في آل حم آية *** تأولها منا تقي ومعرب

إن في مودة آل البيت ( ع ) أداءا لاجر الرسالة ، وصلة للرسول


( 1 ) تفسير الرازي في ذيل تفسير آية المودة في سورة الشورى.
( 2 ) الصواعق المحرقة ( ص 88 ) . ( * )

[70]

الاعظم ( ص ) وشكرا له على ما لاقاه من عظيم العناء والجهد في سبيل انقاذ المسلمين من الشرك ، وتحرير عقولهم من الخرافات ، وقد جعل تعالى حق نبيه العظيم على هذه الامة أن توالي عترته ، وتكن لها المودة والولاء.

آية المباهلة:

من آيات الله البينات التي أعلنت فضل أهل البيت عليهم السلام آية المباهلة قال تعالى : " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " ( 1 ).

واتفق المفسرون ورواة الحديث أنها نزلت في أهل البيت ( 2 ).

وان أبناءنا اشارة إلى ( الحسنين ) ونساءنا اشارة إلى ( فاطمة ) ، وأنفسنا إلى علي... نزلت الآية الكريمة في واقعة تاريخية بالغة الخطورة جرت بين قوى الاسلام وبين القوى الممثلة للنصارى ، وموجز هذه الحادثة أن وفدا من نصارى نجران قدموا على رسول الله ( ص ) ليناظروه في الاسلام ، وبعد حديث دار بينهم وبين النبي ( ص ) اتفقوا على الابتهال أمام الله ليجعل لعنته ، وعذابه على الكاذبين والحائدين على الحق ، وعينوا


( 1 ) سورة آل عمران : آية 60.
( 2 ) تفسير الرازي 2 / 699 ، تفسير البيضاوي ( ص 76 ) تفسير الكشاف 1 / 49 ، تفسير روح البيان 1 / 457 ، تفسير الجلالين 1 / 35 ، صحيح الترمذي 2 / 166 ، سنن البيهقي 7 / 63 ، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ، مسند أحمد بن حنبل 1 / 185 ، مصابيح السنة للبغوي 2 / 201 ، سير أعلام النبلاء 3 / 193 . ( * )

[71]

وقتا خاصا لذلك ، وانصرف وفد النصارى على موعد للعودة للمباهلة حتى يستبين أمر الله ويظهر الحق ويزهق الباطل ، وقد هامت نفوسهم بتيارات من الهواجس والاحاسيس ، لا يعلمون أن النبي ( ص ) بمن يباهلم ؟ وفي اليوم الذي اتفقا عليه خرج النبي ( ص ) وقد اختار للمباهلة أفضل الناس وأكرمهم عند الله ، وهم باب مدينة علمه وأبوسبطيه الامام أمير المؤمنين ( ع ) وبضعته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.

وأقبل ( ص ) وقد احتضن الحسين ، وأمسك بيده الاخرى الحسن وسارت خلفه الزهراء مغشاه بملاة من نور الله ، يسير خلفها الامام أمير المؤمنين ( ع ) وهو باد الجلال . ..

وخرج السيد والعاقب بولديهما وعليهما الحلي والحلل ، ومعهم نصارى نجران وفرسان بني الحرث على خيولهم وهم على أحسن هيأة واستعداد ، واحتشدت الجماهير وقد اشرأبت الاعناق تراقب الحادث الخطير ، وساد الوجوم وصار الكلام همسا ، ولما رأت النصارى هيأة الرسول مع أهل بيته ، وهي تملا العيون ، وتعنو لها الجباه امتلات نفوسهم رعبا وهلعا من هيبة الرسول وروعة طلعته ، وجثا النبي صلى الله عليه وآله للمباهلة بخضوع فتقدم اليه السيد والعاقب وقد سرت الرعدة في نفوسهم قائلين:

" يا أبا القاسم بمن تباهلنا ؟ ".

فاجابهم ( ص ) بكلمات تمثلت فيها روعة الايمان والخشية من الله قائلا:

" أباهلكم بخير أهل الارض ، وأكرمهم إلى الله ، وأشار إلى علي وفاطمة والحسنين ".

وانبريا يسألان بتعجب قائلين:

[72]

" لم لا تباهلنا بأهل الكرامة ، والكبر وأهل الشارة ممن آمن بك واتبعك ؟ ! ! ".

فانطلق الرسول ( ص ) يؤكد لهم أن أهل بيته أفضل , بيته أفضل الخلق عند الله قائلا:

" أجل أباهلكم بهؤلاء خير أهل الارض وأفضل الخلق ".

فذهلوا ، وعرفوا أن الرسول ( ص ) على حق ، وقفلوا راجعين الى الاسقف زعيمهم يستشيرونه في الامر قائلين له:

" يا أبا حارثة ماذا ترى في الامر ؟ "

" أرى وجوها لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلا من مكانه لازاله "

ولا يكتفى بذلك ، وانما دعهم قوله بالبرهان ، واليمين قائلا:

" أفلا تنظرون محمدا رافعا يديه ، ينظر ما تجيئان به ، وحق المسيح - إن نطق فوه بكلمة - لا نرجع الى أهل ، ولا الى مال ! ! ! ".

وجعل ينهاهم عن المباهلة ويهتف فيهم قائلا:

" ألا ترون الشمس قد تغير لونها ، والافق تنجع فيه السحب الداكنة والريح تهب هائجة سوداء ، حمراء ، وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان ، لقد أطل علينا العذاب ، انظروا الى الطير وهي تقئ حواصلها والى الشجر كيف تتساقط أوراقها ، والى هذه الارض كيف ترجف تحت أقدامنا ! ! ! ".

لقد غمرتهم تلك الوجوه العظيمة ، رأوا بالعيان ما لها من مزيد الفضل والكرامة عند الله ، ويتدارك النصاري الامر فاسرعوا الى النبى صلى الله عليه وآله قائلين:

" يا أبا القاسم . إقلنا اقال الله عثرتك ".

ويخضعون لما شرطه النبي ( ص ) عليهم ، وأعلن بعد ذلك أنهم لو استجابوا للمباهلة لهلكت النصاري قائلا:

[73]

" والذي نفسي بيده ان العذاب تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي نارا ، ولاستأصل الله نجران وأهله ، حتى الطير على الشجر ، وما حال الحول على النصارى كلهم . . . " ( 1 ).

وأوضحت هذه الحادثة الخطيرة مدى أهمية أهل البيت ( ع ) وأنهم لا مثيل لهم في المجتمع الاسلامي الحافل آنذاك بالمجاهدين والمكافحين في سبيل الاسلام ولو أن النبي ( ص ) وجد من هو خير منهم ورعا وتقوى لاختارهم للمباهلة ، بل لو كان هناك من يساويهم في الفضل لامتنع أن يقدم أهل بيته عليهم لقبح الترجيح بلا مرجح - كما يقول علماء الاصول - كما أنه ( ص ) لم ينتدب للمباهلة أحدا من عشيرته الاقربين فلم يدع صنو أبيه وعمه العباس بن عبد المطلب ، ولم يدع أحدا من ابناء الهاشميين ليضمه إلى سبطيه وكذلك لم يدع واحدة من امهات المؤمنين وهن كن في حجراته بل لم يدع شقيقة أبيه صفية ولا غيرها ليضمها إلى بضعته سيدة نساء العالمين ولم يدع غيرها من عقائل الشرف وخفرات عمرو العلى وشيبة الحمد ولا واحدة من نساء الخلفاء الثلاثة وغيرهم من المهاجرين والانصار ، وجميع أسرته كانوا بمرأى منه ومسمع ، والغرض من ذلك التدليل على فضل أهل بيته وعظيم شأنه عند الله " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ".

يقول الامام شرف الدين رحمه الله . . . " وأنت تعلم أن مباهلته ( ص ) بهم والتماسه منهم التأمين على دعائه بمجرده لفضل عظيم ، وانتخابه إياهم لهذه المهمة العظيمة ، واختصاصهم بهذا الشأن الكبير ، وايثارهم فيه على من سواهم من أهل السوابق ، فضل على فضل لم يسبقهم اليه سابق ولن


( 1 ) نور الابصار ( ص 100 ) . ( * )

[74]

يلحقهم فيه لاحق ، ونزول القرآن العزيز آمرا بالمباهلة بهم بالخصوص فضل ثالث ، يزيد فضل المباهلة ظهورا ، ويضيف إلى شرف اختصاصهم بها شرفا ، والى نوره نورا " ( 1 ).

كما دلت الآية - بوضوح - على أن الامام أمير المؤمنين هو نفس رسول الله ( ص ) ورسول الله أفضل من جميع خلق الله فعلي كذلك بمقتضى المساواة بينهما ، وقد أدلى بهذا الفخر الرازي في تفسيره الكبير قال : " كان في الري رجل يقال له محمد بن الحسن الحمصي ، وكان معلم الاثنى عشرية وكان يزعم أن عليا أفضل من جميع الانبياء سوى محمد ( ص ) واستدل على ذلك بقوله تعالى : " وأنفسنا وأنفسكم " إذ ليس المراد بقوله:

" وأنفسنا " نفس محمد ( ص ) ، لان الانسان لا يدعو نفسه بل المراد غيرها ، وأجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالب ، فدلت الآية على أن نفس علي هي نفس محمد ، ولا يمكن أن يكون المراد أن هذه النفس هي عين تلك ، فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس ، وذلك يقتضي المساواة بينهما في جميع الوجوه ، تركنا العمل بهذا العموم في حق النبوة ، وفي حق الفضل بقيام الدلائل على أن محمدا ( ص ) كان نبيا ، وما كان علي كذلك ، ولانعقاد الاجماع على أن محمدا ( ص ) كان أفضل من علي فبقي ما وراءه معمولا به ، ثم الاجماع دل على أن محمدا ( ص ) كان أفضل من سائر الانبياء ( ع ) فيلزم أن يكون على أفضل من سائر الانبياء . . . " ( 2 ).


( 1 ) الكلمة الغراء ( ص 184 ).
( 2 ) تفسير الرازي 2 / 488 . ( * )
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

المحاولات اليهودية لعرقلة انتشار الإسلام
في رحاب نهج البلاغة (الإمام علي عليه السلام ...
لماذا هاجر الحسين (ع) من المدينة ؟
مکاتبات علي عليه السلام ومعاوية
نقش الخواتيم لدى الأئمة (عليهم السلام)
تعريف الإمامة و وجوب نصب الإمام
الكيسانية
ثورة النفس الزكية محمد بن عبدالله بن الحسن
قبيلة أشْعَر
تأملات وعبر من حياة أيوب (ع)

 
user comment