الامر بالمعروف:
وجه الامام ( ع ) هذه الكلمة النيرة إلى الانصار والمهاجرين ، ونعى عليهم تسامحهم عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين بني عليهما المجتمع الاسلامي ، كما عرض إلى المظالم الاجتماعية التي منيت بها الامة ، والتي كانت ناجمة عن تقصيرها في اقامة هذا الواجب الخطير ، وهذا نصها:
" اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الاحبار إذ يقول : " لو لا ينههم الربانيون والاحبار عن قولهم الاثم " ( 1 ) وقال : " لعن الذين كفروا من بني اسرائيل - إلى قوله - لبئس ما كانوا يفعلون " ( 2 ) وإنما عاب الله ذلك عليهم لانهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ، ورهبة مما يحذرون ، والله يقول : " فلا تخشوا الناس واخشون " ( 3 ) . وقال:
" المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " ( 4 ) فبدأ الله بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها ، وذلك أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الاسلام مع رد المظالم ومخالفة الظالم وقسمة الفئ والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها . . . ثم
( 1 ) سورة المائدة : آية 63.
( 2 ) سورة المائدة : آية 78.
( 3 ) سورة المائدة : آية 44.
( 4 ) سورة التوبة : آية 71 . ( * )
[153]
أنتم أيتها العصابة عصابة بالعلم مشهورة وبالخير مذكورة وبالنصيحة معروفة وبالله في أنفس الناس مهابة . يهابكم الشريف ، ويكرمكم الضعيف ، ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ، ولا يدلكم عنده ، تشفعون في الحوائج اذا امتنعت من طلابها ، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الاكابر ، أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق الله ، وإن كنتم عن أكثر حقه تقصرون ، فاستخففتم بحق الائمة ، فأما حق الضعفاء فضيعتم ، وأما حقكم بزعمكم فطلبتم ، فلا مالا بذلتموه ولا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها ، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله ، أتتم تتمنون على الله جنته ، ومجاورة رسله ، وأمانا من عذابه ، لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحل بكم نقمة من نقماته لانكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها ، ومن يعرف بالله لا تكرمون ، وأنتم بالله في عباده تكرمون وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون ، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون ، وذمة رسول الله صلى الله عليه وآله محقورة ، والعمى والبكم والزمن في المدائن مهملة لا ترحمون ، ولا في منزلتكم تعملون ، ولا من عمل فيها تعينون ، وبالادهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون كل ذلك مما أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون ، وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون ذلك بأن مجاري الامور والاحكام على أيدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة ولو صبرتم على الاذى ، وتحملتم المؤونة في ذات الله ، كانت أمور الله عليكم ترد ، وعنكم تصدر ، وإليكم ترجع ، ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم ، واستسلمتم أمور الله في ايديهم يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات ، سلطهم على ذلك فراركم من الموت واعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم ، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن
[154]
بين مستعبد مقهور ، وبين مستضعف على معيشته ، مغلوب يتقلبون في الملك بآرائهم ، ويستشعرون الخزي بأهوائهم اقتداءا بالاشرار ، وجرأة على على الجبار ، في كل بلد منهم لهم خول ، لا يدفعون يد لامس ، فمن بين جبار عنيد ، وذي سطوة على الضعفة شديد ، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد ، فيا عجبا ! : وما لي لا أعجب والارض من غاش غشوم ، ومتصدق ظلوم ، وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم ، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا ، القاضي بحكمه فيما شجر بيننا . . . " ( 1 ).
وحفلت هذه الوثيقة السياسية بذكر الاسباب التي أدت إلى تردي الاخلاق وشيوع المنكر في البلاد الناجمة من عدم قيام المهاجرين والانصار بمسؤولياتهم وواجباتهم الدينية والاجتماعية ، فقد كانت لهم المكانة المرموقة في المجتمع الاسلامي لانهم صحابة النبي ( ص ) وحضنة الاسلام ويمكنهم أن يقولوا : كلمة الحق ، ويناهضوا الباطل إلا انهم تقاعسوا عن واجباتهم مما أدى إلى أن تتحكم في رقاب المسلمين الطغمة الحاكمة من بني امية الذين اتخذوا عباد الله خولا ، ومال الله دولا.
أنواع الجهاد:
وسئل الامام أبو عبد الله ( ع ) عن الجهاد هل هو سنة أو فريضة فأجاب ( ع ):
" الجهاد على أربعة أوجه : فجهادان فرض ، وجهاد سنة لا يقام إلا مع فرض ، وجهاد سنة ، فأما أحد الفرضين فجهاد الرجل نفسه عن
( 1 ) تحف العقول ( ص 237 - 239 ) . ( * )
[155]
معاصي الله ، وهو من أعظم الجهاد ، ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض ، وأما الجهاد الذي هو سنة لا يقام إلا مع فرض فان مجاهدة العدو فرض على جميع الامة لو تركوا الجهاد لاتاهم العذاب ، وهذا هو من عذاب الامة ، وهو سنة على الامام وحده أن يأتي العدو مع الامة فيجاهدهم ، وأما الجهاد الذي هو سنة فكل سنة أقامها الرجل وجاهد في اقامتها ، وبلوغها واحيائها فالعمل والسعي فيها من أفضل الاعمال لانها احياء سنة ، وقد قال رسول الله ( ص ) : " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من اجورهم شيئا . . . " ( 1 ).
تشريع الصوم:
سئل الامام الحسين ( ع ) عن الحكمة في تشريع الصوم على العباد فقال ( ع ) : " ليجد الغني مس الجوع فيعود بالفضل على المساكين " ( 2 ).
انواع العبادة:
وتحدث ( ع ) عن أنواع العبادة فقال : " إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الاحرار ، وهي أفضل العبادة " ( 3 ).
( 1 ) تحف العقول ( ص 243 ).
( 2 ) تاريخ ابن عساكر 13 / 56.
( 3 ) بحار الانوار ، تحف العقول ( ص 246 ) . ( * )
[156]
وتحدث ( ع ) عمن عبد الله حق عبادته فقال : " من عبد الله حق عبادته أتاه الله فوق أمانيه وكفايته " ( 1 ).
مودة أهل البيت:
وحث الامام الحسين على مودة أهل البيت ( ع ) يقول أبوسعيد:
سمعت الحسين يقول:
" من أحبنا نفعه الله بحبنا ، وإن كان أسيرا في الديلم ، وإن حبنا ليساقط الذنوب كما تساقط الريح الورق . . . " ( 2 ).
قال ( ع ) : " الزموا مودتنا أهل البيت فان من لقي الله وهو يودنا دخل في شفاعتنا ".
روى بشير بن غالب أن الامام الحسين ( ع ) قال : " من أحبنا لله وردنا نحن وهو على نبينا ( ص ) هكذا - وضم اصبعيه - ومن أحبنا للدنيا فان الدنيا تسع البر والفاجر . . " ( 3 ).
وحدث ( ع ) عما يكتسبه من أتى إليهم من الفوائد قال : " من أتانا لم يعدم خصلة من أربع : آية محكمة ، وقضية عادلة ، وأخا مستفادا ، ومجالسة العلماء . . . " ( 4 ).
( 1 ) تفسير العسكري.
( 2 ) مناقب ابن المغازلي : رقم الحديث 388 ، من مخطوطات مكتبة الامام امير المؤمنين ( ع ).
( 3 ) تاريخ ابن عساكر 13 / 56.
( 4 ) كشف الغمة . ( * )
[157]
مكارم الاخلاق:
ورسم الامام ( ع ) لاهل بيته وأصحابه مكارم الاخلاق ، ومحاسن الصفات وأمرهم بالتحلي بها ليكونوا قدوة لغيرهم ، وفيما يلي بعضها.
1 - قال ( ع ) : " الحلم زينة ، والوفاء مروءة ، والصلة نعمة ، والاستكثار صلف ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والغلو ورطة ، ومجالسة أهل الدنائة شر ، ومجالسة أهل الفسوق ريبة . . . " ( 1 ).
2 - قال ( ع ) : " الصدق عز ، والكذب عجز ، والسر أمانة ، والجوار قرابة ، والمعونة صدقة ، والعمل تجربة ، والخلق الحسن عبادة ، والصمت زين ، والشح فقر ، والسخاء غنى ، والرفق لب . . . " ( 2 ).
3 - قال ( ع ) : " أيها الناس ، من جاد ساد ، ومن بخل رذل وان أجود الناس من أعطى من لا يرجوه . . . " ( 3 ).
4 - قال ( ع ) : " من جاد ساد ، ومن بخل رذل ، ومن تعجل لاخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا . . . " ( 4 ).
5 - قال ( ع ) : " اعلموا ان حوائج الناس إليكم من نعم الله عزوجل عليكم ، فلا تملوا النعم فتعود النقم . . . " ( 5 ).
6 - رأى الامام ( ع ) رجلا قد دعي إلى طعام فامتنع من الاجابة
( 1 ) نور الابصار ( ص 166 ).
( 2 ) تاريخ اليعقوبي 2 / 219.
( 3 ) نهاية الارب 3 / 205.
( 4 ) نهاية الارب 3 / 205.
( 5 ) طبقات الشعراني 1 / 23 ، مختصر صفوة الصفوة ( ص 62 ) . ( * )
[158]
فقال ( ع ) له : " قم فليس في الدعوة عفو ، وإن كنت مفطرا فكل ، وانت صائما فبارك . . . " ( 1 ).
7 - قال ( ع ) : " صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك ، فاكرم وجهك عن رده . . . " ( 2 ).
8 - كان ( ع ) دوما ينشد هذه الابيات الداعية إلى حسن الخلق ، وعدم العناء في طلب الدنيا ، ويزعم بعض الرواة انها من نظمه وهي:
لئن كانت الافعال يوما لاهلها *** كمالا فحسن الخلق أبهى وأكمل
وإن كانت الارزاق رزقا مقدرا *** فقلة جهد المرء في الكسب أجمل
وإن كانت الدنيا تعد نفيسة *** فدار ثواب الله أعلى وأنبل
وإن كانت الابدان للموت أنشأت *** فقتل امرء بالسيف في الله أفضل
وإن كانت الاموال للترك جمعها *** فما بال متروك به المرء يبخل ( 3 )
وألمت هذه الابيات برغبة الامام بالشهادة في سبيل الله ، كما حكت عن طبيعة كرمه وسخائه.
9 - قال ( ع ) : " لا تتكلف ما لا تطيق ، ولا تتعرض لما لا تدرك ، ولا تعد بما لا تقدر عليه ، ولا تنفق إلا بقدر ما تستفيد ، ولا تطلب من الجزاء إلا بقدر ما صنعت ، ولا تفرح الا بما نلت من طاعة الله ولا تتناول إلا ما رأيت نفسك أهلا له . . . " ( 4 ).
10 - قال ( ع ) : لابن عباس : " لا تتكلمن فيما لا يعنيك فاني أخاف عليك الوزر ، ولا تتكلمن فيما لا يعنيك حتى ترى للكلام موضعا
( 1 ) دعائم الاسلام 2 / 105.
( 2 ) نور الابصار ( ص 166 ) ، كشف الغمة 2 / 244.
( 3 ) مختصر صفة الصفوة ( ص 62 ) ، الانوار البهية ( ص 46 ).
( 4 ) أسرار الحكماء ( ص 90 ) لياقوت المستعصمي . ( * )
[159]
فرب متكلم قد تكلم بالحق فعيب ، ولا تمارين حليما ولا سفيها ، فإن الحليم يقلبك ، والسفيه يؤذيك ، ولا تقولن في أخيك المؤمن إذا توارى عنك إلا ما تحب أن يقول فيك إذا تواريت عنه ، واعمل عمل رجل يعلم أنه مأخوذ بالاجرام مجزي بالاحسان . . . " ( 1 ).
وهذه الكلمات الذهبية هي بعض ما اثر عنه في مكارم الاخلاق ، ومحاسن الصفات التي يكسب بها الانسان المنهج السليم ، وحسن السلوك وسلامة الدارين.
تشريع الاذان:
وزعم بعض المعاصرين للامام أن الذي شرع الاذان عبد الله ابن زيد لرؤيا رآها ، فأخبر بها النبي ( ص ) فأمر ( ص ) به ، فأنكر الامام ( ع ) ذلك وقال:
" الوحي يتنزل على نبيكم ، وتزعمون انه أخذ الاذان عن عبد الله ابن زيد والاذان وجه دينكم . . . " ( 1 ).
الاخوان:
قال ( ع ) : " الاخوان أربعة : فأخ لك وله ، وأخ عليك ، وأخ لا لك ولا له . . ".
وأوضح ( ع ) ذلك بقوله:
( 1 ) البحار.
( 2 ) دعائم الاسلام 1 / 172 . ( * )
[160]
" الاخ الذي هو لك وله فهو الاخ الذي يطلب بإخائه بقاء الاخاء ولا يطلب بإخائه موت الاخاء فهذا لك وله ، لانه إذا تم الاخاء طابت حياتهما جميعا ، وإذا دخل الاخاء في حال التناقض بطلا جميعا ، والاخ الذي لك فهو الاخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الاخاء فهو موفور عليك بكليته ، والاخ الذي هو عليك فهو الاخ الذي يتربص بك الدوائر ، ويغشى السرائر ، ويكذب عليك بين العشائر ، وينظر في وجهك نظر الحاسد فعليه لعنة الواحد ، والاخ الذي لك ولا له فهو الذي قد ملاه الله حمقا فأبعده سحقا فتراه يؤثر نفسه عليك ، ويطلب شح ما لديك . . . " ( 1 ).