الفصل الثالث عشر في تقدم الشيعة في فنون الشعر في الإسلام
فإنهم سبقوا إلى أشياء فاستحسنها الشعراء واتبعوهم فيها فأول من نبغ في صدور الإسلاميين منهم الفرزدق، قال جرير: الفرزدق نبعة الشعر في يده - يعني أشعر الإسلاميين. وإن تقدمه من شعراء الشيعة النابغة الجعدي الذي يقول بصفين: قد علم المصران والعراق *** أن عليا فحلها العتاق أبيض جحجاح له رواق *** وأمه غال بها الصداق أكرم من شد به نطاق *** أن الأولى جاروك لا أفاقوا لهم سباق ولكم سباق *** قد علمت ذلكم الرفاق سقتم إلى نهج الهدى وساقوا *** إلى التي ليس لها عراق وكعب بن زهيرة صاحب بانت سعاد الذي يقول: صهر النبي وخير الناس كلهم *** فكل من رامه بالفخر مفخور صلى الصلاة مع الأمي أولهم *** قبل العباد ورب الناس مكفور ولبيد بن ربيعة العامري المذكور في رياض العلماء في شعراء الشيعة وأبو الطفيل عامر بن وائلة الصحابي الشاعر المشهور، قال أبو الفرج
[ 137 ]
الأصفهاني كان من وجوه الشيعة وأبو الأسود الدؤلي، قال ابن بطريق في العمدة: هو من بعض الفضلاء الفصحاء من الطبقة الأولى من شعراء الإسلام وشيعة علي بن أبي طالب عليه السلام وليس في المولدين أشهر أسماً من الحسن ابي نواس ثم أبي تمام حبيب والبحتري فقد أخملا في زمانهما خمس مائة شاعر كلهم مجيد كما في عمدة ابن رشيق حتى قال الشاعر: إن تكن فارساً فكن كعلي *** أو تكن شاعراً فكن كابن هاني وأول من قيل لشعره سلسلة الذهب هو البحتري، وأول من قيل فيه صيقل المعاني أبو تمام، وهو أول من بوب مختاراته من شعر العرب على ثمانية أبواب أولها الحماسة ويتبعهما في الاشتهار ابن الرومي والكل من الشيعة تراجمهم في الأصل وفي طبقة أبي نواس من فحول شعراء أصحابنا أبو الشيص والحسين بن الضحاك الخليع ودعبل ونظراء هؤلاء. وفي طبقة حبيب والبحتري من فحول شعراء أصحابنا ديك الجن وهو شاعر الشام، قصد داره دعبل الخزاعي فكتم نفسه عنه خوفاً من قوارصه ومشارته، فقال دعبل: ماله يستتر وهو أشعر الجن والإنس، أليس هو الذي يقول: بها غير معلول فداو خمارها *** وصل بعشيات الغبوق ابتكارها ونل من عظيم الردف كل عظيمة *** إذا ذكرت خاف الحفيظان نارها فظهر إليه واعتذر له وأحسن نزوله. وهما ممن لم ينتجعا بشعرهما خليفة ولا أميراً ولاغيرهما وتقدما بهذا الشرف على طبقتهما.
[ 138 ]
وهم أول الإسلاميين إختراعاً وتوليداً للمعاني. قال ابن رشيق وأكثر المولدين اختراعاً وتوليداً فيما يقول الحذاق أبو تمام وابن الرومي، قلت: أبو تمام صيقل المعاني ولابن الرومي معان لم يسبق إليها يغوص على المعاني النادرة ويستخرجها من مكانها ويبرزها في أحسن صورة ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقى فيه بقية، اشتهر بالتوليد في الشعر ولد ببغداد سنة 221 وتوفى سنة 283 والكميت ابن زيد المضري الأسدي قال ابن عكرمة الضبي لولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان ولا للبيان لسان وقال أبو مسلم الهرا لما سئل عن الكميت: ذاك أشعر الأولين والآخرين، قلت: وفي العيان ما يغني عن الخبر هذه الهاشميات قد طبعت جديداً بمصر. وأول من أطال المدح كثير، قال ابن رشيق: وكان ابن أبي أسحق وهو عالم ناقد ومتقدم مشهور يقول أشعر الجاهلية مرقش وأشعر الإسلاميين كثير، قال ابن رشيق: وهذا غلو مفرط غير أنهم مجمعون على أنه أول من أطال المديح قلت فالتقدم في ذلك للشيعة. وأول من أكثر في معنى واحد هو السيد الحميري، قال ابن المعتز في التذكرة: وكان للسيد الحميري أربع بنات كل واحدة منهن تحفظ أربعمائة قصيدة لأبيها نظم كلما سمعه في فضل علي ومناقبه ما مثله في نظم الحديث وكل قصائده طوال قال: وكان شيعياً مجاهراً مع أن أبويه لم يكونا على ذلك من حمير الشام قال صبت علي الرحمة صباً فكنت كمؤمن آل فرعون، مات سنة 173 وقيل 193 وقيل تسع وتسعين ومائة. واعلم أن الذين أنفذوا شعرهم في معنى واحد وهو مديح أهل البيت
[ 139 ]
ونظم مناقبهم في الشيعة جماعة من قدماء الشعراء والمحدثين ذكرتهم في الأصل. ومنهم من كان فرد زمانه فيما ابتكر من المجون كابن الحجاج الحسين ابن أحمد الكاتب البغدادي فإنه لم يسبق إلى تلك الطريقة مع عذوبة الألفاظ وسلامة شعره من التكلف ديوانه عشر مجلدات انتخب منه السيد الشريف الرضي ما سماه الحسن من شعر الحسين ورتبه بديع الأسطرلاني الشاعر هبة اللّه بن الحسن على أحد وأربعين ومائة باب وجعل كل باب في فن من فنون الشعر وسماه درة التاج في شعر ابن الحجاج مات ابن الحجاج سنة 391 ودفن بمشهد موسى بن جعفر (ع) ومات الأسطرلابي سنة 434 وأول من أخترع الموشح المضمن صفي الدين الحلي الشاعر الوحيد المتوفى سنة 750 هـ لم يسبق إليه جمع ديوانه هو في ثلاث مجلدات كله من الجيد وعداده في الكاملين. وأول مكثر مجيد السيد الشريف الرضي أخو المرتضى وهو أول من قيل فيه أشعر قريش وأشعر الطالبين لا يذكر معه شاعر لا من المتقدمين ولا من المتأخرين. ومن حسناته (رض) مولاه مهيار الديلمي كان أحد أفراد الدهر ديوانه أربع مجلدات كله من الجيد الذي لا يبارى وله ابن مثله في الفضل ذكره في دمية القصر وهو صاحب الحائية التي يقول فيها: يا نسيم الريح من كاظمة *** شد ما هجت الجوى والبرحا واسمه أبو عبد اللّه الحسين بن مهيار بن مرزويه الكسروي وكانت وفاة مهيار سنة 428 هـ.
[ 140 ]
ومنهم من يشهد له المتنبي بالتقدم والتبرز ويتحامى جانبه فلا يبرز لمبارزته ولا يجترئ على مجاراته وهو أبو فراس الحرث بن حمدان لم يذكر معه شاعر إلا أبا الطيب وحده، وقد سمعت شهادته له حكاها الثعالبي في اليتيمة وحكى عن الصاحب ابن عباد أنه قال بدئ الشعر بملك وختم بملك يعني امرؤ القيس وأبا فراس المتوفى سنة 320 هـ. ومنهم أشعر أهل المغرب على الإطلاق بالاتفاق وهو أبو القاسم محمد بن هاني الأندلسي المغربي الإمامي المقتول سنة 362، قال ابن خلكان: وليس في المغاربة من هو في طبقته لا من متقدميهم ولا من متأخريهم بل هو أشعرهم على الإطلاق وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة وكانا متعاصرين. ومنهم الملقب بكشاجم مأخوذة من أربع كلمات الكاتب الشاعر المتكلم المنجم الكامل في الكل كما أنه مجيد للأوصاف كلها ولا عديل له في عصره وهو أبو الفتح أو أبو الفتوح محمود أو محمد بن الحسن أو الحسين بن السندي بن شاهك بالكاف وقيل بالقاف صاحب كتاب المصائد والمطارد من الشيعة وعده رشيد الدين في معالم العلماء في شعراء أهل البيت عليهم السلام وهو من مصاديق قوله تعالى: يخرج الحي من الميت لأن السندي باشر سم الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وكان في حبسه، مات كشاجم سنة خمسين وثلثمائة. وأول من لقب بالناشئ منهم علي بن عبد اللّه بن وضيف الشاعر، قال السمعاني ناشي بفتح النون وآخره شين معجمة يقال لمن كان نشأ في فن من فنون الشعر واشتهر به قال: المشهور بهذه النسبة علي بن عبد اللّه الشاعر المشهور كان في زمن المقتدر والقادر والراضي وغيرهم وهو بغدادي الأصل
[ 141 ]
سكن مصر وذكره ابن كثير الشامي في تاريخه ونص على أنه كان من متكلمي الشيعة وكذلك ابن النديم عده في متكلمي الإمامية وقال أبن خلكان كان من كبار الشيعة وذكره في نسمة السحر وفضله على المتنبي وأن المتنبي أخذ من شعره، قال لكن متانة شعر الناشئ وأنه السابق فضحت المتنبي، قلت: ذكر القصيدة ابن خلكان وقال أن المتنبي أخذ منها في مدح سيف الدولة وأول القصيده: بآل محمد عرف الصواب *** وفي أبياتهم نزل الكتاب وهم حجج الإله على البرايا *** بهم وبجدهم لا يستراب ولا سيما أبو حسن علي *** له في المجد مرتبة تهاب طعام حسامه مهج الأعادي *** وفيض دم الرقاب له شراب كأن سنان ذابله ضمير *** فليس عن القلوب له ذهاب وصارمه كبيعته نجم *** معاقدها من الخلق الرقاب هو البكاء في المحراب ليلا *** هو الضحاك إن جد الضراب هو النبأ العظيم وفلك نوح *** وباب اللّه وانقطع الخطاب كان تولد الناشئ سنة 271 هـ ومات سنة 366 هـ عمره 95 سنة. وأول من زهى في جمع فنون الشعر حتى لقب بالزاهي علي بن إسحق ابن خلف الشاعر البغدادي أحد أفراد الدهر ترجمه الخطيب وأبو سعيد ابن عبد الرحيم في طبقات الشعر وابن خلكان في الوفيات والقاضي في طبقات الشيعة وابن شهر اشوب في معالم علماء الشيعة قال وهو من المجاهرين في مدح أهل البيت عليهم السلام مات سنة 352 وكان تولده سنة 318 ودفن في جوار الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في مقابر قريش.
[ 142 ]
وأول أمي أوتي المعجز في شعره نصر بن أحمد الخبز ارزي أبو القاسم الشاعر المشهور بالغزل الذي طبقت الدنيا شهرته، وله في كل كتب التراجم والتواريخ ترجمة وذكره في اليتيمة. وذكر من شعره جملة قال: وكان شيعياً، وذكر ابن خلكان أنه توفى سنة 317 سبع عشرة وثلثمائة، وأمي آخر منهم يعرف بالخباز البلدي يكنى أبا بكر محمد بن أحمد بن حمدان الشاعر المشهور عده الثعالبي في اليتيمة من حسنات الدنيا. قال: ومن عجيب أمره أنه كان أمياً وشعره كله ملح وتحف وغرر وطرف و لا تخلو مقطوعة من معنى حسن أو مثل سائر وكان حافظاً للقرآن مقتبساً منه في شعره. إلى أن قال: وكان يتشيع ويتمثل في شعره بمذهبه وذكر جملا من شعره في ذلك. وأول الفاتحين باباً للتورية والاستخدام بتلك السهولة والانسجام هو علاء الدين الوداعي الكندي علي بن المظفر بن ابراهيم بن عمر بن زيد صاحب التذكرة الشهيرة بالتذكرة الكندية في خمسين مجلداً في عدة فنون كما في نسمة السحر فيمن تشيع وشعر، ونقل ما ذكره الشيخ تقي الدين ابن حجة في كشف اللثام عن التورية والاستخدام، وما أخذه ابن نباتة من شعر الشيخ علاء الدين الوداعي المذكور. ثم قال: ومحاسن الشيخ علاء الدين تحتمل مجلداً، وبالجملة ابن نباتة المشهور كان عيالا عليه وله في فوات الوفيات ترجمة حسنة ذكرتها في الأصل ونص فيها على تشيعه.
[ 143 ]
وكذلك الحافظ الذهبي مات سنة ست عشرة وسبعمائة والذي لم يوجد قبله بمائتي سنة من يضاهيه بنص ابن خلكان هو سبط ابن التعاويذي الشاعر المشهور أبو الفرج محمد بن عبيد اللّه عبد اللّه الكاتب. قال ابن خلكان كان شاعر وقته جمع شعره بين جزالة الألفاظ وعذوبتها ورقة المعاني ودقتها، وفيما أعتقد أنه لم يوجد قبله بمائتي سنة من يضاهيه. قال صاحب «نسمة السحر»: وقفت على ديوانه وهو حقيق بما أطراه ابن خلكان، وكان من كبار الشيعة. قال السمعاني: سألته عن مولده فقال سنة 476 بالكرخ، وتوفى في جمادي الأولى سنة 553. ومثله الشريف أبو الحسن على الحماني الكوفي ابن الشريف الشاعر محمد بن جعفر الشاعر ابن محمد الشريف الشاعر ابن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه السلام، ذكره في نسمة السحر وأطراه. وقال ياقوت: كان في العلوية من الشهرة في الشعر والأدب والطبع كعبد اللّه بن المعتز في العباسية، وكان يقول أنا شاعر وأبي شاعر وجدي شاعر إلى أبي طالب. قلت: كان أشعر شعراء عصر المتوكل العباسي بشهادة الإمام أبي الحسن الهادي ابن الرضا عليهم السلام في حديث حكاه البيهقي في باب «محاسن الافتخار» بالنبي وآله في كتاب «المحاسن والمساوي» وذكرته في الأصل وذكرت قطعة من شعره وهو من شعراء «اليتيمة والأغاني» وأورد له أبوتمام في الحماسة وذكره السيد المرتضى في كتاب المشفي وذكر جملة من شعره.
[ 144 ]
ومن شعرائهم الهاشميين الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب ذكره السيد المدني في الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة وفي نسمة السحر فيمن تشيع وشعر وترجمه أبو الفرج في الأغاني ترجمة حسنة. ومن شعراء قريش الشيعة كما في الحصون المنيعة أبو دهبل الجمحي وهب بن ربيعة ذكره ابن قتيبة في كتاب «الشعر والشعراء» وذكره المرتضى في أماليه، وذكره الزبير بن بكار وهو ممن اختاره أبو تمام في ديوان الحماسة وقد ذكرت له في الأصل بعض الشعر في رثاء أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام ولهؤلاء وجماعات أخر من شعراء الشيعة تراجم مفصلة في الأصل.