عبد الأمير علي الهمّاشي
نقل لنا المؤرخون ورواة السيرة الحسينية جواباً للإمام الحسين بن علي (عليه السلام) مع الصحابي عبد الله بن عباس (حبر الأمة).
بعد نقاش طويل عن أسباب الخروج ولِمَ الخروج مع النساء والأطفال ؟
فجاء الجواب ليكون ختاماً لهذا النقاش: ((شاء الله أن يراهن سبايا)).
وتدُلُنا النقاشات والمحاورات التي جرت مع الإمام الحسين (عليه السلام) إنّ الاُمة الإسلامية قد دبّت فيها روح الاسترخاء واللامبالاة، بما جرى ويجري للاُمة مقابل روح الحسين(عليه السلام) روح الثورة والاستشهاد والتفاني، وشعور بالهمّ الإسلامي، والتفكّر في مصير الاُمة هذا أولاً.
وثانياً: نرى أنّ الصحابة حاولوا تصوير الأمر _من خلال المحاورات والمناقشات_ وكأنه نزاع شخصي والأمر لا يعدو البيتين العلوي والأموي ،ويؤدون دور الناصح تارة، والمشفق تارة اُخرى، لما سيأول إليه الأمر إذا ما خرج الحسين(عليه السلام) وأصر على مواصلة المشوار .
ثالثا: إنّ الاُمة الإسلامية وكبار الصحابة آنذاك لا تنظر إلى الحسين (عليه السلام) كإمام وحارس للشريعة الإسلامية _كما ننظر نحن أبناء المذهب الجعفري_ وكأن الحديث الشريف قد تم طمسه أو تناسته الأمة، الذي قاله الرسول الكريم: ((الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا)) وكأن الابتعاد عن مركز الخلافة بالنسبة لأهل البيت(عليه السلام) قد أصبح أمراً مسلّماً لديهم ، والخلافة لا ترتبط بمن يجسّد الرسالة الإسلامية ومن تسبق إليه البيعة فقد وِكِل الأمر إليه!! ، أمّا الحسين (عليه السلام) فقد قال قولــه: ((مثلي لا يُبايع مثلَه..)).
وبعد هذه المقدمة نتساءل :هل أراد الله سبحانه وتعالى أن يراهنّ سبايا ؟
أو لنصوغ عبارة وسؤالاً بطريقة اُخرى عن الجواب المجمل للإمام الحسين(عليه السلام)، ما الحكمة في الأمر ألا يكفي أن يُنحر الحسين وأولاده وإخوته وصحبه لتُسبى النساءُ من أهل البيت وفيهن مَن لم يُرَ ظلُها في حياة أبيها كزينب الكبرى أخت الحسين وابنة فاطمة وعلي(عليها السلام)؟
وقبل الإجابة عن هذا التساؤل، نعود للمحاورة حيث لم ينقل لنا المؤرخون أيّ جواب أو تعليق من إبن عباس وسلّم بالأمر وكأنه فهم مراد الحسين(عليه السلام) ، أو إنّه لم يجد ما يقوله بعد ذلك .
ولن ندخل في ما فكّر به، ونكتفي بهذين الاحتمالين ، إمّا إنّه فهم مراد الحسين(عليه السلام) وإمّا إنّه لم يجد جواباً .
ولنعود لنتأمل في المقولة للإجابة على التساؤل أو ما الحكمة ولِمَ ((شاء الله أن يراهن سبايا))؟
وكمؤمنين نعتقد أنّ الله سبحانه وتعالى له حكمة في كل قضية وفي كل حكم والحسين(عليه السلام) امتثل لهذا الأمر الإلهي.
فالقضية إذن ليست رغبة شخصية بقدر ما هو أمر إلهي، والإمام الحسين(عليه السلام) يمتثل لهذا الأمر، ولم تحدثنا السيرة عن معارضة أو عن نقاش جرى بين الإمام الحسين (عليه السلام) وبين النسوة، وبينه وبين أزواج النساء، كتسليم مطلق مما يدل على أنّه ولي الأمر المفترض الطاعة والحارس الأمين للشريعة على خلاف النظرة الأخرى التي لا ترى فيه سوى أنّه حفيد النبي محمد( صلى الله عليه وعلى آله).
فالأمر لا يعني أن القضية هي رغبة للسبي فقط، ولكن ما بعد السبي ، وتفاعلات السبي، التي ستكون المحرك للثورة والفصل الثاني.
لهذا سيستمر بسبب هذا السبي حتى ما شاء الله ((كد كيدك واسع سعيك فوالله لن تمحوَ ذكرنا...)).
واصطحاب النساء والأطفال، ليست مغامرة أو نشوة القائد الذي لا يدرك عواقب هذا الأمر الخطير مع قوم لا يردعهم أي رادع ولا يراعون حرمات الله: ((كونوا عُرباّ كما تزعمون)) فحتى القيم العربية ليست لها مكان في تفكير هؤلاء الذين سيُجابههم الإمام الحسين(عليه السلام) وصحبه وأهل بيته!!.
والله الذي أمر بهذا كفيل بحمايتهن وحفظهن حتى يبلغ الله أمراً كان مفعولا.
لقد استطاعت الأسيرات أن يطوقن السجّانين بخطب جعلت منهم أسرى لا يستطعون فعل أي شيء مقابل ما قامت به السبايا، لقد تحول السبي إلى لعنات تصب فوق رؤوس الجلادين ، ولم يدر بخلد المعسكر الأموي أن يتحول هذا السبي إلى سيف من نوع آخر يقلب كفّة الصراع ويحوّله إلى نصر سياسي.
لقد كان الفتح للسبايا اللاتي كلّما دخلن مجلساً لأحد الطغاة أو إلى مدينة مررن بها إلاّ وتمّ لهنّ نصراً وانحنت لهنّ أعناق الرجال بمنطق عقيلتهن وقدوتهن زينب الكبرى(عليها السلام).
ولكننا اليوم لا نرى في مسيرة السبايا إلا دموع نساء يولولن على القتلى، ويندبن حظهن بما جرى عليهن، وكأنهنّ جئن إلى أرض المعركة دون إرادتهن.
ونسينا الدور العظيم والقوة التي أظهرتها زينب(عليها السلام) والنساء في أرض الطف، وفي الكوفة، وفي مجلس ابن زياد، ومجلس يزيد، وفي المدن التي مررن بها.
لنعش القوة والصبر الذي عاشته زينب(عليه السلام) وبقية النسوة اللاتي:(( شاء الله أن يراهنّ سبايا)) فحققن ما لم يتحقق في أرض المعركة، وتنتصر المبادئ والقيم ولتعود إلى الأمة جذوة الإيمان، ولتحيى فيهم روح الثورة والاستشهاد.
أما أن نستدّر عطف المستمع ليذرف الدموع لننال بها بركة ومثوبة نتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى فهو ليس كل المطلوب،
فلا تكفي أن أستدر عاطفة وأذرف دمعة مع ما لها من الأجر والثواب وإنما أعيش ما أراده الإمام الحسين(عليه السلام) وصحبه وأهل بيته (عليهم السلام).
فقد تغسل الدموع ما تغسله، ولنخطو الخطوة التالية لنكون مع الحسين(عليه السلام)، ولكي لا تسبى حرائر الحسين(عليه السلام) مرة اُخرى.