إعداد ونشر
مركز الإمام الخميني الثقافي
بسم الله الرحمن الرحيم
الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر.
فقيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟
قال: جهاد النفس[1].
في وصية أمير المؤمنين ومولى الموحدين (عليه السلام) لولده وشيعته..
والله الله في الجهاد للأنفس، فهي أعدى العدو لكم إنه تبارك وتعالى يقول: إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي[2] [3].
الإمام الخميني (قدس سره): هدف الإسلام هو تربيتنا، وإذا لم نتبعه بكافة أبعاده، فلن نتربى ولا ينبغي لكم أيها الشبان الأعزاء الغفلة عن الجوانب المعنوية، وهي من الجهاد الأكبر بسبب انشغالكم الآن بالعلوم الطبيعية أو أشكال النشاطات الجهادية الواجبة حالياً وهذا الأمر يصدق علينا جميعاً[4] إن من أسمى وأرفع العلوم التي ينبغي أن تكون ذات صبغة عامة هي العلوم المعنوية الإسلامية كعلم الأخلاق وعلم تهذيب النفس والسير والسلوك إلى الله، فإنها تمثّل الجهاد الأكبر رزقنا الله ذلك وإياكم[5].
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين محال معرفة الله ومعادن حكمة الله.
وبعد..
أخي القارئ بي يديك كتاب صغير الحجم، حوى بين دفتيه كبرى التعاليم الإلهية، وأسس الإسلام في جهاد النفس البشرية ويمتاز بجانبين، الأهمية البالغة للموضوع نفسه حيث هو غاية البعثة إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فيكم، وكونه قراءة في فكر الإمام الخميني (قدس سره) بما يحمل من تجسيد لتلك التعاليم، وفهم صحيح ميزانه الصفاء والنقاء.
طالعنا به بإشراقةٍ نرى فيها وجه مولانا بقية الله الأعظم وخاطبنا بصوت سمعنا به من صروح النبوة والولاية نداءات أئمتنا الأبرار (عليه السلام).
فكفانا أن نقرأ شرحه قبل أن نعبر حبره الذي ظلّ يغترف من الغيب مدداً قبل أن يكون مداداً.
فإلى عشاق المعرفة الإلهية، وعشّاق الخميني.. العازمين على السفر.. والتائقين إلى اللقاء.. نقدّم هذا العمل المتواضع.. راجين من الله تعالى القبول وأن تبلغ هذه الصفحات غايتها وهي تفوح بشذى الهداية والولاية لكل ذوق سلم وحاسة صحيحة.
مركز الإمام الخميني الثقافي
كلمة لا بد منها:
تمثل هذه العجالة خلاصة الركائز والخطوط العامة التي يراها الإمام (قدس سره) في جهاد النفس لأنها دراسة فكرية وليست تفصيلية لكشف النقاب عن كل ما تعرض له في بحوثه العرفانية والأخلاقية الشريفة ضرورة أن بعضها صعب المنال وأن يحويها مقال بهذا الإيجاز، لكن في الوقت نفسه هي كافية لمعرفة منهجية وثوابته في هذا الطريق.
مركز الإمام الخميني الثقافي
الفصل الأول
حقيقة جهاد النفس
1ـ أهمية جهاد النفس
2ـ ما هو جهاد النفس
3ـ غاية جهاد النفس
4ـ ساحة جهاد النفس
5ـ أطراف الصراع في جهاد النفس
6ـ ضرورة الجهادين: الأكبر والأصغر
1ـ أهمية جهاد النفس:
يقول الإمام (قدس سره): إن العلم وتهذيب النفس هما اللذان يوصلان الإنسان إلى مرتبة الإنسانية.. عليكم أن تصلحوا أنفسكم لتتمكنوا من القيام ولا يكون الإصلاح إلا بأتباع أحكام الله[6].
هنا يتضح جانبان:
الأول: أن الوصول إلى الهدف المقدس والمقصود الإلهي الذي يتمثّل بالعبودية الحقّة لا يمكن دون عملية المجاهدة، شرط أن تكون مقرونة بالعلم حيث إن كلاً منهما ضرورة للآخر، والعلم أصل كل خير[7]، ولا ينال ما عند الله إلا بالعمل[8].
والثاني: إن من أعظم معوّقات عملية الإصلاح الكبرى في المجتمع، عدم تهذيب النفوس، بل لا يمكن البدء إلا من عندها قبل الانتقال إلى الميادين العامة والانطلاق من خلالها كما عبّر نفسه (قدس سره) في أكثر من خطاب قائلاً: إن ما هو ضروري بالنسبة إلينا جميعاً هو أن نبدأ بإصلاح أنفسنا وعدم الاقتناع بإصلاح الظاهر وحده، بل السعي للبدء بإصلاح قلوبنا وعقولنا والإصرار على أن يكون غدنا خيراً من يومنا، على المرء أن يبدأ بإصلاح نفسه والسعي لجعل عقائده وأخلاقه وأعماله مطابقة للإسلام[9] لذلك من الطبيعي جداً أن نشاهد ما نشاهده من المفاسد العامة وبصمات الفشل والخسران طالماً أن الإنسان قد خسر في معركة الذات وصراعها مع العدو الذي بين جنبيه.
لذلك حظيت مسألة جهاد النفس بأهمية بالغة في الكتاب الكريم والسنّة الشريفة، فأما الكتاب الكريم:
أ ـ ومما نزل في ذلك حاكياً عن جزاء التزكية والمجاهدة قوله تعالى: {ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكّى}[10].
وبعد أحد عشر قسماً قوله عزّ من قائل: {... ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها}[11].
وما كان ذلك ليتم لولا فضل الله سبحانه: {ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ولكن الله يزكّي من يشاء والله سميع عليم}[12].
ويذكّرنا الإمام (قدس سره) بهذا الفضل الإلهي وهو يوصي ولده ويوصينا كذلك: إعلم أنه ليس لأي موجود من الموجودات بدءً من غيب عوالم الجبروت وإلى ما فوقها أو تحتها شيء من القدرة أو العلم أو الفضيلة وكل ما فيها من ذلك إنما هو منه جلّ وعلا[13].
ب ـ وأما السنّة الشريفة:
فقد جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه رآى بعض أصحابه منصرفاً من بعث بعثه وقد انصرف بشعثه وغبار سفره وسلاحه عليه يريد منزله فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): انصرفت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، فقال له: أو جهاد فوق الجهاد بالسيف؟! قال (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم جهاد المرء نفسه[14].
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه[15].
وهو سبب السعادة كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): اعلموا أن الجهاد الأكبر جهاد النفس فاشتغلوا بجهاد أنفسكم تسعدوا[16] ومثلها العديد من الأحاديث الموجودة بهذا الصدد.
2ـ ما هو جهاد النفس؟
في اللغة: الجهاد على وزن فعال مأخوذ من الجهد بالضم وهو المشقّة البالغة، والجهد بالفتح الأرض الصلبة، وبالفتح والضم: الطاقة ومنه قوله تعالى: {والذين لا يجدون إلا جهدهم}[17] [18]، والظاهر أن جميع هذه المعاني ترجع إلى أصل واحد وهو الشدة إما في ذات الشيء أو في التعامل معه ومعالجته، كما يظهر أنه موضوع في أصل اللغة لمطلق بذل الجهد بدنياً كان أو نفسياً أو عقلياً أو مالياً في مجال الخير أو في مجال الشر، فهو حقيقة لغوية في هذا المعنى العام الجامع وليس في خصوص بذل الجهد لمخالفة الهوى دون غيره.
وعند أهل المعرفة: عبارة عن تزكية النفس بترويضها على الطاعات ومخالفة نوازعها الشريرة وأهوائها.
وعن الإمام (قدس سره): عبارة عن انتصار الإنسان على قواه الظاهرية وجعلها مؤتمرة بأمر الخالق، وتطهير المملكة من دنس وجود قوى الشيطان وجنود[19].
وهو لا يختلف مع التعريف السابق إلا بالإجمال والتفصيل وكونه أكثر عقلاً بينما بالنسبة للتعريف اللغوي فهو أخص كما أنه خاص بمملكة الظاهر.
3ـ غاية جهاد النفس:
إن ما تقدم من التأكيد والتشديد على جهاد النفس يكشف أن هناك غاية متوقفة على ذلك ولا يمكن بلوغها دونه ألا وهي السعادة السرمدية يقول (قدس سره): إن الإنسان إذا فكر لحظة واحدة، عرف أن الهدف من هذه النعم هو شيء آخر وإن الغاية من هذا الخلق أسمى وأعظم، وأن هذه الحياة الحيوانية ليست هي الغاية بحدّ ذاتها وأن على الإنسان العاقل أن يفكر بنفسه وأن يترحم على حاله ونفسه المسكينة ويخاطبها قائلاً: أيتها النفس الشقية التي قضيت سني عمرك الطويلة في الشهوات ولم يكن نصيبك سوى الحسرة والندامة ابحثي عن الرحمة واستحي من مالك الملوك وسيري قليلاً في طريق الهدف الأساسي المؤدي إلى حياة الخلد والسعادة السرمدية ولا تبيعي تلك السعادة بشهوات أيام قليلة قانية[20].
ويمكن أن نعود إلى تعبير آخر له (قدس سره) في رسم الغاية حيث يعتبرها التحرّر لكن على غير اصطلاح الساسة بل على معقد أهل القلوب وبذلك يوصي ابنه قائلاً: تحرّر من حبّ النفس والعجب فهما إرث الشيطان، فبالعجب وحب النفس تمرّد على أمر الله بالخضوع لولي الله وصفيّه جلّ وعلا، واعلم أن جميع ما يحل ببني آدم من مصائب ناشئ من هذا الإرث الشيطاني فهو أصل الفتنة وربما تشير الآية الكريمة {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}[21] في بعض مراحلها إلى الجهاد الأكبر.
وقتال أساس الفتنة وهو الشيطان وجنوده، ولهؤلاء فروع وجذور في أعماق قلوب بني الإنسان كافة، وعلى كل إنسان أن يجاهد {حتى لا تكون فتنة} داخل نفسه وخارجها، فإذا حقّق هذا الجهاد النصر، صلحت الأمور كافة وصلح الجميع[22].
4ـ ساحة جهاد النفس:
إن ساحة الجهاد الأصغر محدودة في بقعة الحرب وخاضعة لموازين مكانية وزمانية وشرائط خاصة وهي ليست دائمية على الإطلاق، أما ساحة الجهاد الأكبر إضافة إلى شمولها لما تقدم هي أوسع وأصعب وأهم كيف لا؟! وهي الإنسان الذي قيل فيه:
أتحسب أنك جرم صغير وفيك أنطوى العالم الأكبر
بكل ما يحمل من أبعاد في مملكة الباطل ومملكة الظاهر اللتين سيأتي الحديث عنهما في فصل مستقل يقول (قدس سره): هناك دائماً جدال ونزاع بين هذين المعسكرين (معسكر العقل ومعسكر الجهل) والإنسان هو ساحة حربهما، فإذا تغلبت جنود الرحمن كان من أهل السعادة والرحمة وانخرط في سلك الملائكة وحشر في أسرة الأنبياء والأولياء والصالحين وأما إذا تغلب جنود الشياطين ومعسكر الجهل كان الإنسان من أهل الشقاء والغضب (مغضوب لله سبحانه) وحشر في زمرة الشياطين والكفار والمحرومين[23] ولا يتوهم أن هذا الصراع حينما يشبّ في جانب يخلو منه آخر وإنما قد يكون وهو كذلك في غالب الأحيان ـ وفي جوانب عديدة في آن واحد حيث يجري في التعامل مع الذات والناس والخالق تعالى كما أنه ينبسط في سائر تقلبات العيش من الصناعات والتجارات والاجتماعيات وما شابهها.
ومن وضوح اتساع ميدان المجاهد إلى هذا الحد الكبير يتضح أنه لا مبرر لما التزم به بعض أهل الرياضات الروحية من الانعزال والهجران وهم مطالبون كغيرهم بعمران الأرض وممارسة الحياة على أساس التفاعل والتعارف كما في قوله تعالى: {يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأثنى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم}[24].
والقيام بسائر الوظائف الشرعية العامة التي تفوق بالأهمية والأولوية وظائفهم الخاصة.
ويعبّر الإمام (قدس سره) عن انزعاجه من تلك الفئة قائلاً: لقد عانى قلب أبيكم الشيخ بسبب هذه المجموعة المتحجرة ما لم يعانه أبداً من ضغوط ومتاعب الآخرين.
لقد وجهت للإسلام ضربة من قبل المتدينيين القشريين لم توجّه مثلها من قبل أيّة طبقة أخرى والمثال الواضح على ذلك مظلومية وغربة أمير المؤمنين (عليه السلام) الواضحة في التاريخ[25].
5ـ أطراف الصراع في جهاد النفس:
لقد آن الآوان للتعرف في هذه الحرب الضارية على أطراف الصراع ومن يقف خلفهم في إدارة المعركة حيث يوجد معسكران يقود العقل جنود الأول ويقود الجهل جنود الثاني ونحن مأمورون بالتعرّف على ذلك من مولانا الصادق (عليه السلام) حيث يقول: اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا قال سماعة: فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرّفتنا، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له: أدبر فأدبر ثم قال له: أقبل فأقبل فقال قال الله تعالى: خلقتك خلقاً عظيماً وكرّمتك على جميع خلقي، قال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً، فقال له: أدبر فأدبر ثم قال له: أقبل فلم يقبل فقال له: استكبرت فلعنه[26].
يقول (قدس سره): فيعلم من هذا أن معرفة (القائدين) العقل والجعل وجنودهما مقدمة للهداية وهذه الهداية إما إلى كيفية استكمال النفوس وتنزيهها وتصفيتها وهي أيضاً مقدمة إليه أو هداية مطلقة أي هداية إلى معرفة الله وهي أسّ الأسس، ولذلك فهذه المعرفة هي نتيجة معرفة العقل والجهل وجنودهما لأنه ما لم تحصل المعرفة بمهلكات النفس ومنجياتها وطرق التخلي عنها والتحلي بها، فلن يحصل للنفس تصفية وتنزيه وتحلية وتكميل، وما لم يحصل للنفس صفاء باطني ولم تصل إلى الكمالات المتوسطة فلن تكون مورداً لتجلي الأسماء والصفات والمعرفة الحقيقية ولن تصل إلى كمال المعرفة، بل إن جميع الأعمال الصورية والأخلاق النفسية مقدمة للمعارف الإلهية وهي أيضاً مقدمة لحقيقة التوحيد والتفريد الذي هو الغاية القصوى للسير الإنساني ومنتهى السلوك العرفاني[27] بهذا البيان النوراني كشف الإمام (قدس سره) عن ضرورة معرفة القيادة والجنود لكونها مقدمة لا يسوغ تفويتها وإلا لم نبلغ الهداية التي هي المرام، وأما جذب الجنود للنفس نبّه إليه قائلاً: ولكل من المقامات والدرجات جنود رحمانية وعقلانية تجذب النفس نحو الملكوت الأعلى وتدعوها إلى السعادة، وجنود شيطانية وجهلانية تجذب النفس نحو الملكوت السفلي وتدعوها للشقاء[28].
6ـ ضرورة الجهادين:
ما من أحد يقرأ في فقه الإمام (قدس سره) أو أخلاقه أو سياسته أو سيرة حياته إلا وتسطع أمام عينيه تلك الشمس المشرقة التي ينعم الأبرار بدفئها ويهتدون إلى سبيل الحق بنورها داعية إلى الحضور في ساحة الجهادين الأكبر والأصغر معاً وما ذلك إلا لأجل ما عرّفنا أئمتنا (عليهم السلام) من أن التخلي أو الزهد بأحدهما لا يبقى وجوداً للآخر، فمن يجبن عن خوض معارك الإسلام ضدّ الباطل وهو غير مستعد للنرول إلى الميدان في صراع العد والظاهر هو مطرود ومحروم من ساحة الجهاد الأكبر وعاجز عن مناهضة العدو الباطن لأن من يعجز عن حرب العدو الأصغر هو عاجز لا محالة عن حرب العدو الأكبر، وهؤلاء أئمتنا (عليهم السلام) بدءً من جدهم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) مع ما هم عليه من المقام الذي لا يبلغه أحد غيرهم، لم يزهدوا في النزول إلى ميدان القتال بل حذّروا من تركه كما جاء عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاً في نفسه وفقراً في معيشته ومحقاً في دينه، إن الله تبارك وتعالى أعزّ أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها[29] وعن أمير المؤمن (عليه السلام): فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء وديّث بالصّغار والقماءة وضرب على قلبه بالإسهاب وأديل الحق منه بتضييع الجهاد[30].
فالراغب عن الجهاد الأصغر لابس لثواب الذل وما حق لدينه فكيف يعدّ من أهل المجاهدة والتزكية؟!
يقول الإمام (قدس سره) في مقام حديثه عن المجاهدين في جبهات الدفاع: لقد طوى هؤلاء في ليلة واحدة طريق مئة سنة وقد وصلت أيديهم بشكل مباغت إلى كل ما يتمناه العرفاء والشعراء من العرفاء في سنوات متمادية نقلوا العشق للقاء الله من الشعار إلى العمل وثبتوا آمال الشهادة من خلال أعمالهم في جبهات الدفاع عن الإسلام العزيز[31] فالنتيجة: أنه لا غنى لأحد الجهادين عن الآخر بمعنى أن العاجز عن إقناع نفسه وتوطيده على تحمل المكاره في مواجهة جيوش الأعداء هو عاجز لا محالة عن الانتصار في معركة كبح جماح النفس ويؤكد ضرورتهما معاً خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للذين قضوا الجهاد الأصغر بأنه بقي عليهم الجهاد الأكبر أي أنه واجب عليهم لا يحق لهم تركه، وللذين لم يقضوا الجهاد الأصغر سواء كانوا منشغلين: بالتزكية والأوراد والمجاهدات أو لا بأن الله تعالى ألبسهم ثوب الذل ومحقاً في دينهم.. لأنهم تخلوا عما هو مطلوب منهم فنهج الإسلام قائم على العمل في شتى الميادين التي يفرضها التكليف الإلهي وليس في الاعتزاز والانزواء بدعوى تصفية النفس والانشغال بها عن غيرها وإن كان تخصيص بعض الأوقات للاختلاء بالله تعالى أمراً لابد منه كصلاة الليل والاستغفار بالأسحار.
وهذا ما دأب عليه الإمام (قدس سره) حتى أنفاسه الأخيرة وهو على فراش الموت.
الفصل الثاني
حقيقة النفس
1ـ معرفة النفس
2ـ مقامات النفس
3ـ مملكة الظاهر ومملكة الباطن
4ـ استئصال القوى أم تطويعها
1ـ معرفة النفس:
حينما نقف مع صفحات العرفان للإمام الخميني (قدس سره) في كل مقالاته نجده يقدّم الحديث عن النفس ومعرفتها قبل أن يشرق نور بيانه في سائر المطالب الإلهية من قلم الحقيقة مغترفاً حبر الإسلام المحمدي الأصيل من وراء الغيب، فوق الشمس وبأنامل ذهبية رسمت السبيل القويم إلى الغاية القصوى، فلماذا هذا التقديم يا ترى؟!
إن هذا التقديم ضرورة لا غنى عنها، ذلك أن معرفة النفس أول الطريق ونقطة الانطلاق إلى معرفة الحق تعالى فقد روي أن إحدى زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سألته: متى يعرف الإنسان ربه؟ فقال: إذا عرف نفسه[32] وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه [33] وهي أنفع المعارف فكيف لا تكون مقدمة على غيرها وهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: معرفة النفس أعرف المعارف[34] ولولاها لم يكن للإنسان معرفة ربّه بل الجهل بها مع طلبه أو ادعاء معرفته مدعاة لتعجب الأنبياء والأولياء كما عن إمام السالكين والعارفين أمير المؤمنين (عليه السلام): عجبت لمن يجهل نفسه كيف يعرف ربه[35].
لذلك بدأ الإمام (قدس سره) بتعريف النفس الإنسانية وبيان مقاماتها ومدارجها[36] [37].
قبل الحديث عن مخاطر الطريق والسبيل إلى الأمن منها.
وهنا تجدر الإشارة إلى حديث النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لرجل أسمه مجاشع، فقال: يا رسول الله، كيف الطريق إلى معرفة الحق؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): معرفة النفس.
فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى موافقة الحق؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): مخالفة النفس.
فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى رضي الحق؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): سخط النفس.
فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى وصل الحق؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): هجر النفس.
فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى طاعة الحق؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): عصيان النفس.
فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى ذكر الحق؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): نسيان النفس.
فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى قرب الحق؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): التباعد من النفس.
فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى أنس الحق؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الوحشة من النفس.
فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى ذلك؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الاستعانة بالحق على النفس[38].
بهذا تتضح السلسلة الجهادية التي على رأسها معرفة النفس لأن من جهلها جهل الحق تعالى.
2ـ مقامات النفس:
إن النفس الإنسانية درجات ومقامات مختلفة بحسب الاعتبار الذي يعود إليه كل تقسيم ذكرها الإمام (قدس سره) غير أنه اعتمد في بيانه النوراني على التقسيم إلى مملكة الظاهر ومملكة الباطن.
يقول (قدس سره): إن لنفس الإنسان التي هي من عالم الغيب والملكوت مقامات ودرجات قسموها بصورة عامة إلى سبعة أقسام حيناً وإلى أربعة أقسام حيناً ثانياً، وإلى ثلاثة أقسام حيناً ثالثاً، وإلى قسمين حيناً رابعاً ولكل من المقامات والدرجات جنود رحمانية وعقلانية.. وجنود شيطانية وجهلانية[39].
وفي موضع آخر من كلامه (قدس سره) يذكر ما عدّه أهل المعرفة منها بشيء من التفصيل موضحاً:
التقسيم الأول:
إن للإنسان مقامين: الأول: مقام الدنيا والشهادة والثاني: مقام الآخرة والغيب، فأحدهما ظلّ الرحمن والآخر ظلّ الرحيم.
التقسيم الثاني:
إن له ثلاثة مقامات: الأول: مقام الملك والدنيا، والثاني: مقام البرزخ، والثالث: مقام العقل والآخرة.
التقسيم الثالث:
إن له أربعة مقامات: الملك، والملكوت، والجبروت، واللاهوت. وهناك تقسيمات أخرى صعبة المنال في هذا المقال[40].
3ـ مملكة الظاهر ومملكة الباطن:
ما من شك أن الذي يؤكد عليه الإمام (قدس سره) هو أن تكون المجاهدة ليست في مقام الظاهر وحسب بل تعم الباطن لأن المطلوب فيها الانقياد التام والخضوع الكامل لكافة مراتب الإنسان الباطنية إضافة إلى الظاهرية وإلا إذا لم تكن المراتب بأجمعها منقادة لا يمكن أن تتحقق العبودية الحقه؛ ضرورة أن العبد الحقيقي هو الذي يطيع مولاه بكل وجوده وطالماً كان قادراً على ذلك ومختاراً يمكنه إخضاع المملكتين للحق تعالى فإن ترك مرتبة منها لن يصل إلى رتبة العبودية الصادقة، مع الاعترافات بأن ذلك لا يحصل بشكل دفعي ومرة واحدة وإنما يحتاج الوصول إلى مقام الطاعة الكاملة والخضوع التام إلى التدريج شيئاً فشيئاً فيكون انقياد الظاهر مقدمة مساعدة على انقياد الباطن ليصل الإنسان في النهاية إلى كمال الانقياد لنفسه ويكتب عبداً حقيقياً فمن هنا تبرز العلاقة بين الجانبين بشكل ضروري.
أ ـ يقول (قدس سره) في بيان المقام الأول للنفس: إن مقام النفس الأول ومنزلها الأدنى والأسفل، هو منزل الملك والظاهر وعالمهما، وفي هذا المقام تتألق الأشعة والأنوار الغيبية في هذا الجسد المادي والهيكل الظاهري وتمنحه الحياة العرضية، وتجهز فيه الجيوش فتكون ساحة معركة النفس وجهادها نفس هذا الجسد، وجنودها هي قواها الظاهرية التي وجدت في الأقاليم الملكية السبعة وهي: الأذن والعين واللسان والبطن والفرج واليد والرجل[41].
ب ـ والمقام الثاني: مملكتها الباطنية ونشأتها الملكوتية، وفيها تكون جنود النفس أكثر وأهم مما في مملكة الظاهر، والصراع والنزاع فيها بين الجنود الرحمانية والشيطانية أعظم والغلبة والانتصار فيها أشد وأهم، بل وإن ما في مملكة الظاهر قد تنزّل من هناك وتظهر في عالم الملك، وإذا تغلب أي من الجند الرحماني أو الشيطاني في تلك المملكة، يتغلب أيضاً في هذه المملكة، وجهاد النفس في هذا المقام مهم للغاية، عند المشايخ العظام من أهل السلوك والأخلاق، بل ويمكن اعتبار هذا المقام منبع جميع السعادات والتعاسات والدرجات والدركات[42].
والمستفاد من كلامه (قدس سره) أمور:
الأول: عمق العلاقة بين الظاهر والباطن وتوقف المجاهدة الموصلة إلى الكمال عليهما بحيث يجب عليه السيطرة على قواه الظاهرية كاللسان واليد وسائر جوارحه وكذلك على قواه الباطنية كالشهوة والغضب وغيرهما وأن عزل إحدى المملكتين عن ساحة الجهاد أمر يستحيل معه الوصول إلى الانقياد الكامل والعبودية، فلا يكفي في جهاد النفس أن يمتنع عن القيام بالأمور المحرمة مع حديث النفس بها واحتلالها حيّزاً من التفكير لأن من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه فينبغي الانتهاء عن الحرام في مملكة الظاهر ومقام البدن كما ينبغي الانتهاء عن التفكير بالحرام في مملكة الباطن والنفس.
الثاني: أهمية جنود الباطن لأن صراع القوى الظاهرية منشأه الباطن وعليه يدور الانتصار أو الهزيمة، فإذا انتصر باطن الإنسان انتصر ظاهره وإذا انهزم باطنه فإنه ينهزم ظاهره أيضاً وهنا تجدر الإشارة إلى الطهارة الباطنية لأهل البيت (عليهم السلام) والتي أثبتتها آية التطهير حيث هي منشأ عصمتهم إذ لا يمكن أن يصدر منهم (عليهم السلام) أي عمل غير طاهر بعد ثبوت تلك الطهارة لهم كما أنها كانت السبب في وجود حقيقة القرآن عندهم (عليهم السلام) بقوله تعالى: {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المطهرّون}[43].
وأما من كان باطنه خبيثاً فلابد أن تكون أعماله خبيثة وإن ظهرت بثوب العباد فلا تكون إلا لغرض الرياء والسمعة قال تعالى: {قل كل يعمل على شاكلته}[44]، ذلك أن السريرة الكريهة لن تفوح منها رائحة العطر والشذى.
الثالث: أن الهزيمة في مقام الباطن تعني الهلاك الدائم وعدم شمول الشفاعة له، وتتم فيما يحتل جنود الشيطان قلب المؤمن الذي هو عرش الرحمن لأنه فطره على توحيده ومعرفته {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}[45] ويكون احتلال الشيطان وغصبه لهذا القلب خسارة الإنسان الكبرى التي ليس فوقها خسارة على الإطلاق يقول الإمام (قدس سره) محذراً ومنبهاً إلى هذا الأمر الخطير الكبير: يجب على الإنسان الالتفات كثيراً إلى نفسه في هذا الجهاد فمن الممكن لا سمح الله أن تسفر هزيمة الجنود الرحمانية في تلك المملكة وتركها خالية للغاصبين والمحتلين من جنود الشيطان، عن الهلاك الدائم للإنسان، بالصورة التي يستحيل معها تلافي الخسارة، ولا تشمله شفاعة الشافعين، وينظر إليه أرحم الراحمين أيضاً يعين الغضب والسخط ـ نعوذ بالله من ذلك ـ بل ويصبح شفعاءه خصماءه وويل لمن كان شفيعه خصمه[46].
4ـ استئصال القوى أم تطويعها:
إن سائر قوى الظاهر أو الباطن مشتركة في الانتماء والانطواء تحت أحد المعسكرين وليس بالإمكان من وجهة نظر الإمام (قدس سره) تصنيف بعض القوى في معسكر واحد على نحو الدوام، فمن الخطأ بمكان أن يقال أن الشهوة لا تكون إلا في عداد جنود الشيطان ويستحيل كونها من جنود الرحمن وكذلك الجوارح في مقام البدن، بل الضابط في كونها إلهية أو شيطانية هو انقيادها وخضوعها لحكم العقل حتى تدخل في معسكره أو تمرّدها ورفضها لتصبح في معسكر الجهل والشيطان.
يقول الإمام (قدس سره): إن الوهم والغضب والشهوة يمكن أن تكون من الجنود الرحمانية وتؤدي إلى سعادة الإنسان وتوفيقه إذا سلّمتها للعقل السليم وللأنبياء العظام، ومن الممكن أن تكون من الجنود الشيطانية إذا تركتها وشأنها وأطلقت العنان للوهم ليتحكم في القوتين الأخريين: الغضب والشهوة[47].
لذلك يبدو واضحاً أنه ليس المطلوب في تهذيب النفس وترويضها القضاء على الشهوة وقتلها أو نكران الحاجات الجسدية لأن الإسلام لم يدع إلى ذلك ولم يكن الأنبياء (عليهم السلام) كذلك بل المطلوب هو السيطرة على الشهوة لتؤدي دورها في ظلّ الدستور الإلهي.
يقول (قدس سره): لم يعد خافياً أن أياً من الأنبياء العظام (عليه السلام) لم يكبتوا الشهوة والغضب والوهم بصورة مطلقة، ولم يقل حتى الآن أي داعٍ إلى الله بأن الشهوة يمكن أن تقتل بصورة عامة، وأن يخمد أوار الغضب بصورة كاملة وأن يترك تدبير الوهم، بل قالوا: يجب السيطرة عليها حتى تؤدي واجبها في ظل ميزان العقل والدستور الإلهي.
... لقد جاء الأنبياء (عليهم السلام) وأتوا بقوانين وأنزلت عليهم الكتب السماوية، من أجل الحيلولة دون الانفلات والإفراط في الطبائع[48].
بل إن الإمام (قدس سره) ذكر للقوة الشهوية ثمرات وأفرد لها فصلاً مستقلاً كاشفاً النقاب عن دخالتها في كثير من الخيرات ما دامت في حدود الاعتدال.
يقول (قدس سره): لو لم تكن في الإنسان هذه القوة (الشهوة) لكان مصيره إلى الفناء والزوال سريعاً بسبب محللات داخلية وخارجية وعدم تحصيل بدل ما يتحلل، بحيث أن تحصيل السعادة الأبدية لا يتحقق بدون البقاء في عالم الدنيا والإقامة في نشأة الطبيعة، فسعادة الإنسان الأبدية وحياته الملكوتية الشريفة مرهونتان بنعمة هذه القوة الشريفة.
ولهذه القوة أيضاً دخل تام في تشكيل العائلة الشريفة ونظام المدينة الفاضلة وتربية النفوس الناقصة[49].
الفصل الثالث
أركان جهاد النفس
1ـ الركن الأول: القران الكريم
2ـ الركن الثاني: المعصومون (عليهم السلام)
3ـ الركن الثالث: العلم
4ـ الركن الرابع: التمسك بظاهر الشريعة
يعتبر الإمام الخميني (قدس سره) أن هناك أصولاً في عملية الجهاد الأكبر يجب بناؤه عيها وهي بمثابة الأركان للصلاة ومسلّمات العقيدة وضروراتها للشريعة وفي حال فقد واحد منها كان السير في الاتجاه المعاكس وعلى غير طريق الهداية على غرار كم من رجل يسير إلى حتفه بقدميه، أو كما نزل من الذكر الحكيم: {الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}[50].
1ـ الركن الأول: القرآن الكريم
حيث لا يمكن بحال من الأحوال بلوغ مقام من المقامات مع هجران الكاتب الكريم أو مخالفة أوامره ونواهيه فلو لم يكن العمل في عملية تهذيب النفس ينهل من المعين القرآني العذب لا يمكن أن تقوم لجهاد النفس قائمة أو يؤمل الخير في الطريق.
يقول (قدس سره): فوظيفة السالك إلى الله أن يعرض نفسه على القرآن الشريف فكما أن الميزان في صحة الحديث أو عدم صحته واعتباره أو عدم اعتباره يكون بعد عرضه على كتاب الله فما خالف كتاب الله فهو باطل وزخرف، كذلك الميزان في الاستقامة والاعوجاج والشقاء والسعادة هو أن يكون مستقيماً وصحيحاً في كتاب الله... كذلك جميع معارفه وأحوال قلبه وأعمال الباطن والظاهر لابد أن يطبقها على كتاب الله[51].. فالقرآن الكريم كتاب معرفة الله وطريق السلوك إليه تعالى.. وإن من أعظم وأسمى معاجزه هي هذه المسائل العرفانية العظيمة التي لم تكن معروفة لدى فلاسفة اليونان[52].. إننا لو أنفقنا أعمارنا بتمامها في سجدة شكر واحدة على أن القرآن كتابنا لما وفينا هذه النعمة حقها من الشكر[53].
إيقاظ:
... لابد من الإلتفات إلى أن العرض على القرآن الكريم لا يتسنى لكل أحد فلا يصح لنا أن نستقل بما تفهمه عقولنا القاصرة من القرآن لنثبت صحة أعمالنا بل لابد من الرجوع من صحة ذلك إلى أهل العلم والمعرفة بمضامين الكتاب والأحكام الشرعية.
2ـ الركن الثاني: المعصومون (عليهم السلام)
فإن من تمسك بغيرهم ضلّ عن سواء السبيل وليس الواجب هنا خصوص الانتساب إليهم بالموالاة بل معرفتهم ومودتهم ومراعاة رضاهم وسخطهم وبذل قصارى الجهود في خدمتهم وعدم مخالفة سنتهم القولية والفعلية، والاعتماد على مناجاتهم وزياراتهم صلوات الله عليهم أجمعين، وعلى ذلك ما لم يكن السالك من أهل ولايتهم لا يمكنه الفلاح والنجاح بل هو مارق زاهق كما في الزيارة الجامعة: فالراغب عنكم مارق واللازم لكم لاحق والمقصرّ في حقكم زاهق والحق معكم وفيكم ومنكم وإليكم[54].
وكيف يحاد عنهم وهم: محال معرفة الله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحفظة سر الله وحملة كتاب الله... والأدلاء على مرضاة الله[55].
يقول (قدس سره): مفتاح الدائرة ومختمها ومؤخر السلسلة ومقدمها محمد صلى الله عليه وآله المصطفون من الله الذين بهم فتح الله وبمعرفتهم عرف الله، الأسباب المتصلة بين سماء الإلهية وأراضي الخلقية الظاهر فيهم الولاية والباطن فيهم النبوة والرسالة[56].
وعن أهمية أدعيتهم (عليهم السلام) يقول (قدس سره): إن الأدعية والمناجاة التي وصلتنا عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) هي أعظم أدلة إلى معرفة الله جل وعلا وأسمى مفاتيح العبودية وأرفع رابطة بين الحق والخلق كما أنها تشتمل في طياتها على المعارف الإلهية وتمثلّ أيضاً وسيلة ابتكرها أهل بيت الوحي للأنس بالله جلّت عظمته، فضلاً عن أنها تمثل نموذجاً لحال أصحاب القلوب وأرباب السلوك.
إننا لو أمضينا أعمارنا بتمامها نقدم الشكر على أن هؤلاء الأحرار والواصلين إلى الحق هم أئمتنا ومرشدون لما وفينا[57]...
وهم (عليهم السلام) ليسوا الأدلاء على الطريق فقط بل يقودون طالب الحقيقة إلى الحق جلّ شأنه ويصلونه إلى الهدف[58].
3ـ الركن الثالث: العلم
وهو الذي يستتبع العمل ومقدمة له حيث يرى الإمام (قدس سره) أن المنهج القويم في الجهاد الأكبر مركب من الجانبين: العلمي والعملي على طبق ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام): يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة[59].
يقول (قدس سره): إن جميع العلوم الشرعية مقدمة لمعرفة الله تبارك وتعالى ولحصول حقيقة التوحيد في القلب التي هي صبغة الله {من أحسن من الله صبغة}[60] غاية الأمر أن بعضها مقدمة قريبة وبعضها مقدمة بعيدة وبعضها مقدمة بواسطة... وهكذا العلم بالمنجيات والمهلكات في علم الأخلاق مقدمة لتهذيب النفوس وهو بدوره مقدمة لحصول الحقائق والمعارف ولياقة النفس لتجلّي التوحيد وهذا عند أهله من الوضوح بمكان[61].
ثم ينبّه (قدس سره) على أن العلم سيف ذو حدين والمطلوب سمو الهدف فيه قائلاً: إن كان الهدف من طلب العلوم وتدارسها ومنها علم العرفان والتوحيد هو تكديس بعض الاصطلاحات.. فإنها تذهب بالسالك بعيداً عن الهدف فضلاً عن أنها لا تقربه إليه العلم هو الحجاب الأكبر وإن كان العشق الإلهي وطلب رضاه يشكل الدافع لطلب العلم وهو نادر الحصول فسوف يضحي العلم مشعل طريق ومصباح هداية العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء ولتحصيل جانب من ذلك لا بد من تهذيب النفس وتطهير القلب ممن سواه[62].
4ـ الركن الرابع: التمسك بظاهر الشريعة
والمقصود هنا أن كل طريقة لا توافق الشريعة في ظاهرها وأحكامها بادعاء الوصول إلى الأسرار والاستغناء عن الوظائف العبادية من خلال الاكتفاء بمقام الباطن كما يفعله بعض أهل التصوّف، ليس من السلوك الإنساني في شيء ضرورة أنه لا يوجد وراء شريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) شريعة أو طريقة يمكن اعتمادها والركون إليها وإن كثر المدّعون من أهل الرياضات الروحية وأمعنوا في جهالاتهم، فإن الحق أن السبيل الوحيد للحصول على أسرار العبادات هو حفظ ظواهرها بلا تحجر وجمود، لأن ترك الظاهر انحراف عن الصراط المستقيم، والتحجر على الظاهر سبب الخمول يقول الإمام (قدس سره): إن الطريقة والحقيقة لا تحصلان إلا من طريق الشريعة، فإن الظاهر طريق الباطن، بل يفهم منه أن الظاهر غير منفك عن الباطن، فمن رأى أن الباطن لم يحصل مع الأعمال الظاهرة وأتباع التكاليف الإلهية فليعلم أنه لم يقم على الظاهر على ما هو عليه، ومن أراد أن يصل إلى الباطن من غير طريق الظاهر كبعض عوام الصوفية فهو على غير بيّنة من ربّه[63].
ويقول (قدس سره) أيضاً: إن طي أي طريق في المعارف الإلهية لا يمكن إلا بالبدء بظاهر الشريعة وما لم يتأدب الإنسان بآداب الشريعة الحقة لا يحصل له شيء من حقيقة الأخلاق الحسنة، كما لا يمكن أن يتجلى في قلبه نور المعرفة وتنكشف له العلوم الباطنية وأسرار الشريعة وبعد انكشاف لحقيقة ظهور أنوار المعارف في قلبه لابد من الاستمرار في التأدب بالآداب الشرعية الظاهرية أيضاً[64].
وهل هناك من هو أفضل وأكمل من خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته (عليهم السلام) ومع ذلك لم تكن الآداب الظاهرية موضوعة عنهم فكيف غيرهم؟!
فالنتيجة أن الالتزام بظاهر الشريعة ركن ركين في طريق جهاد النفس من البداية إلى بلوغ الغاية القصوى والحلول في رتبة الكمال.
إيقاظ: دائمية الجهاد:
ومن هنا نفهم أن المجاهدة دائمية لا تتوقف، ومما ذكره (قدس سره) مشيراً إلى هذا الدوام: إن أولياء الله لم يخلدوا إلى الراحة أبداً وكانوا دائمي الخوف من هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر[65].. ولابد للسالك أن لا يقنع في حال من الحالات بالمقام الذي هو فيه[66].. عليه أن يواظب بكمال المواظبة والدقة على حاله كطبيب رفيق ورقيب شفيق[67]..
الفصل الرابع
وسائل جهاد النفس
1ـ الوسيلة الأولى: التفكر
2ـ الوسيلة الثانية: العزم
3ـ الوسيلة الثالثة: المشارطة
4ـ الوسيلة الرابعة: المراقبة
5ـ الوسيلة الخامسة: المحاسبة
6ـ الوسيلة السادسة: التذكر
7ـ الوسيلة السابعة: السيطرة على الخيال
8ـ الوسيلة الثامنة: المقارنة
9ـ الوسيلة التاسعة: المخالفة
إن في كل عملية جهادية مجموعة من الوسائل يعتمد عليها في تحقيق الأهداف التي من أجلها كان القتال وهكذا في ميدان النفس، فما هي تلك الوسائل التي يراها الإمام (قدس سره) لازمة في الجهاد الأكبر في عالميه الظاهري والباطني؟ أما في مقام الظاهر فهي:
1ـ الوسيلة الأولى: التفكير
أ ـ معناه: يقول (قدس سره): التفكّر إعمال الفكر، وهو ترتيب الأمور المعلومة للوصول إلى النتائج المجهولة.. ومعلوم أن مطلوبات القلب هي المعارف، ولهذا فإن المراد بالتفكّر.. وهو المعنى الخاص الذي يعود إلى القلوب وحياتها[68].
ب ـ أهميته: إن أول شرط مجاهدة النفس والسير باتجاه الحق تعالى هو التفكّر[69].. وهو مفتاح أبواب المعارف وخزائن الكمالات والعلوم وهو مقدمة لازمة وحتمية للسلوك الإنساني وله في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة تعظيم بليغ وتمجيد كامل.. عن الإمام الصادق (عليه السلام): أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وقدرته[70].. وفي حديث غيره: إن تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة[71].
ج ـ درجاته: إن للتفكر درجات ومراتب ولكل مرتبة نتيجة أو نتائج وسوف نتناول بعضها:
الأول: هو التفكر في الحق تعالى، وأسمائه وصفاته وكمالاته ونتيجة ذلك هو العلم بوجوده وبأنواع تجلياته التي منها الأعيان الواقعية والمظاهر الخارجية وهذا أفضل مراتب التفكر[72].
الثاني: التفكر في روائع الصنع وإتقانه ودقائق الخلق[73] ونتيجة هذا التفكر هي معرفة المبدأ الكامل والصانع الحكيم.
والثالث: التفكر في أحوال النفس الذي يؤدي إلى نتائج كثيرة ومعارف عديدة[74]..
د ـ كيفيته: أن يفكر الإنسان بعض الوقت في أن مولاه الذي خلقه في هذه الدنيا، ووفرّ له كل أسباب الدعة والراحة، ووهبه جسماً سليماً وقوى ذات منافع تحيّر ألباب الجميع، والذي رعاه وهيأ له كل هذه السعة.. وأرسل جميع هؤلاء الأنبياء.. وهذا المولى ماذا يستحق منا؟ وما هو واجبنا تجاه مالك الملوك هذا؟ أهل إن وجود جميع هذه النعم هو فقط لأجل هذه الحياة الحيوانية.. أو أن هناك هدفاً وغاية أخرى[75]؟
2ـ الوسيلة الثانية: العزم
أ ـ معناه: يقول (قدس سره): يقول أحد مشايخنا أطال الله عمره: إن العزم هو جوهر الإنسانية، ومعيار ميزة الإنسان، وإن اختلاف درجات الإنسان باختلاف درجات عزمه..، وهو توطين النفس على ترك المعاصي وأداء الواجبات[76]..
ب ـ أهميته: هو أفضل الزاد كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): وإن أفضل زاد الراحل إليك عزم إرادة يختارك بها[77].
ج ـ كيفيته: أن يتخذ قراراً بذلك ويتدارك ما فاته في أيام حياته، وبالتالي يسعى على أن يجعل من ظاهره إنساناً عاقلاً وشرعياً بحيث يحكم العقل والشرع حسب الظاهر بأن هذا إنسان[78].
د ـ عاقبة تركه: هي فقدان الهيئة الإنسانية من خلال التجرؤ على المعاصي الذي أدّى إلى فقده يقول (قدس سره): إذا رحلت من هذه الدنيا دون أن يتحقق فيك العزم على ترك المحرمات، فأنت إنسان صوري، بلا لب ولن تحشر في ذلك العالم عالم الآخرة على هيئة إنسان، لأن ذلك العالم هو محل كشف الباطن وظهور السريرة، وأن التجرؤ على المعاصي يفقد الإنسان تدريجياً العزم ويختطف منه هذا الجوهر الشريف[79].
3ـ الوسيلة الثالثة: المشارطة
وهي أن يشارط الإنسان نفسه على ما تفعله وما تتركه يقول (قدس سره): فالمشارط هو الذي يشارط نفسه في أول يومه على أن لا يرتكب اليوم أي عمل يخالف أوامر الله ويتخذ قراراً بذلك ويعزم عليه[80] ويشجّع (قدس سره) على هذا الأمر العلمي من خلال بيان سهولته قائلاً: وواضح أن ترك ما يخالف أوامر الله، ليوم واحد، أمر يسير للغاية ويمكن للإنسان بكل سهولة أن يلتزم به، فاعزم وشارط وجرّب وانظر كيف أن الأمر سهل يسير[81].
ويحذّر (قدس سره) من تدخل الشيطان لأجل منعنا من هذه الوسيلة الجهادية (المشارطة) حيث يقول: ومن الممكن أن يصور لك إبليس اللعين وجنده أن الأمر صعب وعسير.. فالعنه قلباً وواقعاً، وأخرج الأوهام من قلبك[82].
4ـ الوسيلة الرابع: المراقبة
وهي أن يراقب الإنسان نفسه عند الخوض في الأعمال وسائر شؤونه طوال مدة المشارطة يومية كانت أو شهرية حتى لا يقع في نقض ما عاهد ومخالفة ما شارط، جاء في الحديث: إنما يسكن جنات عدن الذين إذا هموا بالمعاصي ذكروا عظمتي فراقبوني[83].
وهنا كذلك يحاول اللعين منعنا عن الوفاء بالشرط، فالواجب ردّه بالقول: إني اشترطت على نفسي أن لا أقوم في هذا اليوم وهو يوم واحد بأي عمل يخالف أمر الله تعالى وهي ولي نعمتي طول عمري.. وعليه فليس من اللائق أن لا أفي بشرط بسيط كهذا[84]..
وهي لا تتعارض مع القيام بالأعمال كالكسب والسفر والدراسة وسائر الوظائف.
5ـ الوسيلة الخامسة: المحاسبة
وهي: أن تحاسب نفسك لترى هل أدّيت ما اشترطت على نفسك مع الله، ولم تخن وليّ نعمتك في هذه المعاملة الجزئية؟ إذا كنت قد وفيت حقاً، فاشكر الله على هذا التوفيق... وإذا حدث لا سمح الله في أثناء المحاسبة تهاون وفتور تجاه ما اشترطت على نفسك، فاستغفر الله وأطلب العفو منه وأعزم على الوفاء بكل شجاعة بالمشارطة غداً[85] ومما تقدم يتضح الربط بين المشارطة والمراقبة والمحاسبة وهناك المعاتبة والمعاقبة في حال عدم الوفاء لم يتعرض إليهما الإمام (قدس سره) في بحثه الشريف غير أن جملة من العلماء وتعرّضوا لهما كالفيض الكاشاني وغيره.
6ـ الوسيلة السادسة: التذكر
يقول (قدس سره): ومن الأمور التي تعين الإنسان وبصورة كاملة في مجاهدته.. التذكر، وبذكره نختم الحديث عن هذا المقام[86].. أي المقام الذي اختص بالقوى الظاهرية السبعة (الأذن والعين والسلطان والبطن والفرج واليد والرجل) لذلك يكون ما ذكره (قدس سره) فيما بعد من وسائل الباطن.
والذكرى هي عبارة عن ذكر الله تعالى ونعمائه التي تلطف بها على الإنسان[87] وهنا ينبغي الإشارة إلى أمور:
أ ـ الأول: فضل الذكر
عن الباقر (عليه السلام): مكتوب في التوراة التي لم تغير أن موسى (عليه السلام) سأل ربه فقال: يا رب أقريب أنت مني فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى أنا جليس من ذكرني، فقال موسى (عليه السلام): فمن في سترك يوم لا ستر إلا سترك فقال: الذين يذكرونني فأذكرهم ويتحابون فيَّ فأحبهم[88]..
يقول (قدس سره): وقليلاً ما تجد موضوعاً يشتمل على أحاديث كثيرة مثل موضوع الذكر[89].
ب ـ الثاني: أن الذكر على قسمين: لساني وقلبي
وباعتبار آخر ثلاثة أقسام: تذكر الآيات الإلهية، وتذكر الأسماء والصفات وتذكر الذات عن اسمه[90].
ج ـ الثالث: إن أفضل وأكمل مراتب الذكر كافة هو الذكر الساري في نشآت مراتب الإنسانية والجاري على ظاهر الإنسان وباطنه، سرّه وعلنه[91].
د ـ الرابع: أن التذكر من نتائج التفكر ولهذا يعتبرون مقام التفكر مقدماً على مقام التذكر.. إذ أن التفكر طلب للمحبوب والتذكر حصول للمطلوب[92] وأما وسائل الجهاد في مقام الباطن فتبدأ من الآتي..
7ـ الوسيلة السابعة: السيطرة على الخيال
وتعتبر الشرط الأول في مقام الباطن والمقامات الأخرى عند الإمام (قدس سره) كما اعتبر التفكر الشرط الأول في مقام الظاهر.
يقول (قدس سره): إن الشرط الأول في هذا المقام والمقامات الأخرى.. هو إمساك طائر الخيال لأن هذا الخيال طائر محلّق يستقر في كل آن على غصن ويجلب الكثير من الشقاء وإنه من إحدى وسائل الشيطان[93].. على الإنسان المجاهد الذي نهض لإصلاح نفسه.. أن يمنع من التحليق في الخيالات الفاسدة والباطلة، والمعاصي والشيطنة وأن يوجه خياله دائماً نحو الأمور الشريفة[94]، ثمّ يشير (قدس سره) إلى الطريقة الناجحة التي يمكن من خلالها معالجة هذه المشكلة مستنكراً على الذين ادعوا استحالة هذا الأمر، ومبّنياً أن ذلك ممكن لكن لا بدفعة واحدة وإنما بشكل تدريجي خصوصاً في الصلاة التي هي عمود الدين فيقول (قدس سره): هذا الأمر لا بد أن يكون بكمال التدريج والتأني والصبر والتأمل، فيمكن أن يحبس الخيال في أول الأمر في عشر من الصلاة ويحصل حضور القلب في عشر منها.. وشيئاً فشيئاً يتغلب على شيطان الوهم والخيال بحيث يكون في أكثر حال الصلاة زمام الاختيار بيده[95].
8ـ الوسيلة الثامنة: المقارنة
وهي أن يقارن الإنسان العاقل بين منافع ومضارّ كل واحدة من الأخلاق الفاسدة والملكات الرذيلة.. وبين منافع ومضار كل واحدة من الأخلاق الحسنة والفضائل والملكات الفاضلة.. ليرى على أي واحدة منها يصح الإقدام ويحسن العمل[96]؟! ثمّ يرشد (قدس سره) إلى الدواء النافع لمعالجة المفاسد الأخلاقية من خلال الوسيلة الآتية.
9ـ الوسيلة التاسعة: المخالفة
يقول (قدس سره): وأفضل علاج لدفع هذه المفاسد الأخلاقية هو ما ذكره علماء الأخلاق وأهل السلوك، وهو أن تأخذ كل واحدة من الملكات القبيحة التي تراها في نفسك وتنهض بعزم على مخالفة النفس إلى أمد، وتعمل عكس ما ترجوه وتطلبه منك تلك الملكة الرذيلة..
فمثلاً من الأخلاق الذميمة التي تسبّب هلاك الإنسان، وتوجب ضغطة القبر، وتعذب الإنسان في كلا الدارين سوء الخلق مع أهل الدار والجيران أو الزملاء في العمل أو أهل السوق والمحلة، فإذا كان الإنسان المجاهد يفكر في السمو والترفع، عليه عندما يعترضه أمر غير مرغوب فيه حيث تتوهج فيه نار الغضب لتحرق الباطن، وتدعوه إلى الفحش والسيء من القول، عليه أن يعمل بخلاف النفس، وأن يتذكر سوء عاقبة هذا الخلق ونتيجته القبيحة، ويبدي بالمقابل مرونة، ويلعن الشيطان في الباطن ويستعيذ بالله منه[97].
ثم بعد ذلك تعرض (قدس سره) بيان حقيقة الرياء والعجب والعلاج العلمي والعملي لهما في بحثه الشريف والتنبيه من مخاطر الطريق وما يعرض للمجاهد من أحوال وما يواجهه من عقبات تحول بينه وبين الحق جلّ وعلا.
الخاتمة
نماذج من سلوك الإمام (قدس سره)
1ـ مع القرآن الكريم
2ـ مع أمير المؤمنين (عليه السلام)
3ـ مع أهل البيت (عليهم السلام)
4ـ مع الجيران
5ـ مع عائلته
6ـ مع صلاة الليل
7ـ دقة النظام
8ـ احترام القانون
9ـ الحفاظ على المال العام
10ـ وصايا إلى العلماء
1ـ مع القرآن الكريم:
يقول أحد المقرّبين منه (قدس سره) كان يقرأ القرآن بعد صلاة الفجر وقبل صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقلّما اتفق أن زرناه في هذه الأوقات دون أن نراه مستغرقاً بتلاوة القرآن الكريم[98] كان يقرأ يومياً عشرة أجزاء من القرآن وهذا يعني أنه كان يختم القرآن كل ثلاثة أيام[99].
2ـ مع أمير المؤمنين (عليه السلام):
عكف الإمام (قدس سره) في النجف الأشرف لأربعة عشر عاماً على زيارة مقام أمير المؤمنين (عليه السلام) في كل ليلة من أيام السنة وكان ذلك بعد انقضاء ثلاث ساعات من غروب الشمس.
ولم يره أحد يعبر مرةً في حرم الأمير (عليه السلام) من الجهة الموازية للرأس الشريف تعظيماً لقداسة مقام الولاية الكبرى، بل كان يعبر من جهة قدميه صلوات الله عليه[100].
3ـ مع أهل البيت (عليه السلام):
لم يكن الغذاء اليومي لجسده حاملاً الروح القدسية المشرقة أكثر ضرورة من الزيارة الجامعة الكبرى لأهل العصمة (عليهم السلام) حيث لم يتركها يوماً في حياته المباركة وكانت غذاءه إلى أن التحق بالملكوت الأعلى[101].
4ـ مع الجيران:
عندما كان (قدس سره) في باريس وصادفت ذكرى ولادة السيد المسيح (عليه السلام) أوصانا أن نوزع الحلوى والتحف الإيرانية على الجيران.. الذين حضروا في اليوم التالي يحملون باقات الورد ويعربون عن شكرهم للإمام (قدس سره)[102].
5ـ مع عائلته:
كان (قدس سره) يعامل زوجته باحترام كبير، ولا يجلس على مائدة الطعام ريثما تحضر[103].
وإذا كثر ضيوفه يدخل إلى المطبخ قائلاً: إن عملكم اليوم كثير جئت لمساعدتكم[104].
6ـ صلاة الليل:
لا يعلم أحد ما تمثلّه صلاة الليل بالنسبة لأهميتها في حياته (قدس سره) لذلك حرص على عدم تركها طيلة حياته الشريفة يقول أحد المقربين منه: في الليلة التي غادرنا فيها باريس إلى طهران أخلد جميع ركاب الطائرة إلى النوم إلاّ الإمام، فكان منشغلاً بصلاة الليل[105].
7ـ دقة النظام:
قلّما تجد شخصية في المستوى الذي كان عليه (عليه السلام) من النظام واحترام الوقت حتى أصبح المحيطون به يعرفون ساعات الليل والنهار من خلال برنامجه اليومي وكذلك جيرانه يضبطون ساعاتهم عند رؤيته خارجاً من داره أو عائداً إليها.
ولم يحصل أي تغيير على برنامجه اليومي في التدريس والمطالعة عندما وصله خبر استشهاد نجله السيد مصطفى[106].
8ـ احترام القانون:
أثناء وجوده (قدس سره) في باريس دعاه الأخوة إلى طعام حيث ذبحوا خروفاً في مكان إقامته، والقانون يمنع ذبح الحيوان خارج المسلخ فقال: إنني لا أتناول من هذا اللحم طالماً كان ذبحه خرقاً للقانون، بالرغم من أن النظام في ذلك المكان لم يكن إسلامياً[107].
9ـ الحفاظ على المال العام:
كان إذا بعث رسالة لبعض المعاملين معه من المسؤولين كتب في ذيلها ملاحظة: بإمكانكم أن تستفيدوا من هذه الورقة أي لا ترموها طالما هناك إمكانية للكتابة عليها.
وإما في استعمال الهاتف فكان يقول لولده السيد أحمد: لا يحق لك أن تتصل بطهران أو أي مكان آخر إلا إذا كانت المكالمة خاصة بالثورة كأن يراد نقل منشور أو بيان[108].
10ـ وصاياه إلى العلماء:
حيث كان يرى أن العلماء (وكان يحلو له أن يسميهم الروحانيين) هم المشرفون على علمية الجهاد الأكبر عند الناس لذا وجه لهم خطاباً خاصاً يذكرهم بهذا الأمر وخطورته وهو المطبوع تحت عنوان الجهاد الأكبر.
من دعاء الإمام (قدس سره)
نسأله تعالى أن يوفق شباب المسلمين وجامعييهم بالخصوص، ويوفق المسلمين عموماً لبناء أنفسهم وتهذيبها وتزكيتها وأن يوفق الجميع لليقظة واجتناب الخمول والتحجر والكسل حتى يتفاعلوا مع تعليم الإسلام الجهادية والتغييرية[109].
ولذا فقد حق لهذا الإمام (قدس سره) المجاهد الأكبر أن يختم حياته بوصية تعبر عن ما وصل إليه نتيجة جهاده لنفسه من طمأنينة نفس قائلاً في ختامها: بفؤاد هادئ وقلب مطمئن وروح مسرورة وضمير آمل بفضل الله استأذن الأخوات والإخوة وأسافر نحو المقر الأبدي....
الفهرست
المقدمة
كلمة لا بد منها
الفصل الأول: حقيقة جهاد النفس
1ـ أهمية جهاد النفس
2ـ ما هو جهاد النفس
3ـ غاية جهاد النفس
4ـ ساحة جهاد النفس
5ـ أطراف الصراع في جهاد النفس
6ـ ضرورة الجهادين: الأكبر والأصغر
الفصل الثاني: حقيقة النفس
1ـ معرفة النفس
2ـ مقامات النفس
3ـ مملكة الظاهر ومملكة الباطن
4ـ استئصال القوى أم تطويعها
الفصل الثالث: أركان جهاد النفس
1ـ الركن الأول: القرآن الكريم
2ـ الركن الثاني: المعصومون (عليهم السلام)
3ـ الركن الثالث: العلم
4ـ الركن الرابع: التمسك بظاهر الشريعة
الفصل الرابع: جهاد النفس
1ـ الوسيلة الأولى: التفكر
2ـ الوسيلة الثانية: العزم
3ـ الوسيلة الثالثة: المشارطة
4ـ الوسيلة الرابعة: المراقبة
5ـ الوسيلة الخامسة: المحاسبة
6ـ الوسيلة السادسة: التذكر
7ـ الوسيلة السابعة: السيطرة على الخيال
8ـ الوسيلة الثامنة: المقارنة
9ـ الوسيلة التاسعة: المخالفة
خاتمة: نماذج من سلوك الإمام (قدس سره)
1ـ مع القرآن الكريم
2ـ مع أمير المؤمنين (عليه السلام)
3ـ مع أهل البيت (عليهم السلام)
4ـ مع الجيران
5ـ مع عائلته
6ـ صلاة لليل
7ـ دقة النظام
8ـ احترام القانون
9ـ الحفاظ على المال العام
10ـ وصايا إلى العلماء
[1] فروع الكافي ـ كتاب الجهاد ـ باب وجوب الجهاد حديث 3.
[2] سورة يوسف، الآية / 53.
[3] ينابيع الحكمة ج1، ص443.
[4] الكوثر، ج2، ص257، خطاب رقم 48.
[5] الكلمات القصار، ص81.
[6] الكلمات القصار ص82.
[7] كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في غرر الحكم، ص20.
[8] كما عن الباقر (عليه السلام) في الوسائل، ج1، ص69.
[9] الكلمات القصار، ص81.
[10] سورة طه، الآيتين /75ـ76.
[11] سورة الشمس، الآيات / 1ـ10.
[12] سورة النور، الآية/ 21.
[13] وصايا عرفانية، ص49.
[14] ميزان الحكمة، حديث 2743.
[15] م. ن. حديث 2745.
[16] م. ن. حديث 2748.
[17] سورة التوبة، الآية / 79.
[18] مقاييس اللغة، ج1، ص468ـ487.
[19] الأربعون حديثاً، ص32.
[20] م.ن. ص33.
[21] سورة البقرة، الآية / 193.
[22] محضر الحق، ص85.
[23] الأربعون حديثاً، ص31.
[24] سورة الحجرات، الآية / 12.
[25] الكلمات القصار، ص266.
[26] جنود العقل والجهل، ص13.
[27] المقالة الخامسة من جنود العقل والجهل، ص45.
[28] الأربعون حديثاً، ص31.
[29] ميزان الحكمة، الحديث 2709.
[30] م.ن، الحديث 2710.
[31] بقية الله، العدد 127، ص23.
[32] عيون مسائل النفس، ص1.
[33] رسالة الولاية، ص39.
[34] الغرر والدرر، حديث 51.
[35] ميزان الحكمة، باب النفس.
[36] الأربعون حديثاً، ص30 ـ سرّ الصلاة، ص51.
[37] الآداب المعنوية للصلاة، ص35.
[38] ينابيع الحكمة ج1، ص443.
[39] الأربعون حديثاً، ص31.
[40] راجع سر الصلاة، ص51ـ 53.
[41] الأربعون حديثاً، ص32.
[42] م.ن، ص39.
[43] سورة الواقعة، الآيات / 77ـ79.
[44] سورة الإسراء، الآية / 84.
[45] سورة الروم، الآية / 30.
[46] الأربعون حديثاً، ص40.
[47] م. ن، ص44.
[48] الأربعون حديثاً، ص40.
[49] جنود العقل والجهل، ص277.
[50] سورة الكهف، آية / 103.
[51] الآداب المعنوية للصلاة.
[52] تجليات رحمانية، ص16.
[53] م. ن، ص18.
[54] الزيارة الجامعة ـ مفاتيح الجنان.
[55] الزيارة الجامعة ـ مفاتيح الجنان.
[56] شرح دعاء السحر، ص18. س
[57] تجليات رحمانية، ص19.
[58] رسائل في العرفان ـ خمرة العشق، ص11.
[59] تحف العقول، ص119.
[60] سورة البقرة، الآية / 138.
[61] جنود العقل والجهل، ص10.
[62] رسائل في العرفان ـ خمرة العشق، ص3.
[63] تعليقة الإمام (قدس سره) على شرح فصوص الحكم ـ ... الأيوبي، ص201.
[64] الأربعون حديثاً، ص35.
[65] م. ن، ص188.
[66] الآداب المعنوية للصلاة، ص43.
[67] م. ن، ص55.
[68] الأربعون حديثاً، ص233.
[69] م. ن، ص32.
[70] أصول الكافي ج2، كتاب الإيمان والكفر باب التفكر، ح3.
[71] الأربعون حديثاً، ص235.
[72] الأربعون حديثاً، ص235.
[73] م. ن، ص241.
[74] م. ن، ص244.
[75] م. ن، ص33.
[76] م.ن، ص34.
[77] مفاتيح الجنان ـ أعمال اليوم السابع والعشرين من شهر رجب.
[78] الأربعون حديثاً، ص34.
[79] م. ن، ص35.
[80] م. ن، ص36.
[81] م. ن، ص36.
[82] م. ن.
[83] جامع السعادات، ج3، ص96.
[84] الأربعون حديثاً، ص36.
[85] م. ن، ص37.
[86] م. ن.
[87] م. ن.
[88] أصول الكافي ج2، كتاب الدعاء باب ما يجب من ذكر الله في كل مجلس حديث 4.
[89] الأربعون حديثاً، ص342.
[90] م. ن، ص338.
[91] م. ن، ص341.
[92] م. ن، ص339.
[93] م. ن، ص45.
[94] م. ن.
[95] الآداب المعنوية للصلاة ص96.
[96] الأربعون حديثاً، ص46.
[97] م. ن، ص53.
[98] نور الهدى، ص59.
[99] الإمام قدوة، ص83.
[100] في ظلال الشمس، ص20.
[101] الشمس الساطعة، ص21.
[102] نور الهدى، ص58.
[103] م. ن، ص57.
[104] م. ن، ص61.
[105] م. ن، ص56.
[106] م. ن.
[107] م. ن، ص61.
[108] الإمام قدوة، ص85.
[109] الجهاد الأكبر، ص82.
source : http://imam-khomeini.com/ShowItem.aspx?id=11494&cat=0&lang=ar