2 - الفتنة
فتنة: تعبير قرآني يدلّ، حين يسند إلى اللّه تعالى ويصدر عنه، تارة على الإختبار والإمتحان الرّبّاني بالنّعمة، ومن هذا ما ورد في قوله تعالى:
«واعلَمُوا أنَّما أموالُكُم وأولادُكُم فِتنة وأنَّ اللّه عِندهُ أجر عظيم»1
أو يدلّ في موارد أخرى على الإختبار والإمتحان الرّبّاني بالمصاعب والشدائد، ومن هذا ما ورد في قوله تعالى:
«أحسِبَ النَّاسُ أن يُتركُوا أن يقُولُوا آمنَّا وهُم لا يُفتنُون. ولقد فتنَّا الّذِين مِن قبلِهم فليعلمَنَّ اللّه الذِينَ صدقُوا وليعلمَنَّ الكاذِبِين»2
وهذه الفتن ذات وظيفة تربوية تعزز صلابة المؤمنين، وترفع درجة وعيهم، وتميز عنهم الدّخلاء والمنافقين.
هذا التعبير القرآني ذو المضمون التربوي الإيجابي، غدا عند الإمام عليّ مصطلحاً سياسيّاً - تاريخيّاً ذا مدلولات متنوعة يتّصل بالحركة التّاريخيّة للمجتمعات في الحاضر وفي المستقبل.
وهو ذو مدلول سلبي بالنّسبة إلى حركة التّقدّم النّبويّة.
إنّ الفتنة عند الإمام - باعتبارها ظاهرة سياسيّة - معوّق لحركة التّقدّم، ونكسة في
_________________
(1) سورة الأنفال (مدنية - 8) الآية: 28 - ووردت آية أخرى مماثلة في سورة التّغابن _مدنيّة - 64) الآية: 15.
(2) سورة العنكبوت (مكيّة - 29) الآية: 2 - 3.
154
سير حركة النبوّة، وهي، والحال هذه، ليست من صنع اللّه تعالى، وإنّما هي من صنع البشر.
*
قسّم الإمام الفتنة إلى قسمين:
أحدهما: الفتنة بالمعنى القرآني التّربوي، واعتبر أنّ الفتنة بهذا المعنى ذات دور إيجابي، بشرط أن تكون استجابة الإنسان لها بروح إيماني ملتزم، ووعي أخلاقي مسؤول، ولذا فلا معنى للإستعاذة باللّه من الفتنة بهذا المعنى فإنّ ذلك سخف، لأنّها تلازم طبيعة الحياة ووجود الإنسان، فلا توجد حياة مكتملة دون أن توجد معها فتنة بهذا المعنى.
وثانيهما: الفتنة باعتبارها ظاهرة سياسيّة، وهذه هي الفتنة التي يحذر منها ويستعاذ منها، وهي الّتي أعطاها الإمام في تعليمه الفكري مدلولاتها السّياسية - التّاريخية. وسمّاها (مضلات الفتن).
وقد شرح الإمام ذلك بقوله:
«لا يقُولَنَّ أحدُكُم: اللّهُم إنَّي أعُوذُ بِك من الفتنَةِ، لأنَّهُ ليس أحَد إلا وهُو مُشتمِل على فِتنةٍ، ولكِن من استعاذ فليستعِذ من مُضلاتِ الفِتنِ، فإن اللّه سُبحانهُ يقُولُ: (واعلمُوا أَنما أموالُكُم وأولادُكُم فِتنة) ومعنى ذلِك أنَّهُ سُبحانَهُ يختبِرُ عِبادَهُ بِالأَموالِ والأولادِ لَيتَبيَّنَ السَّاخِطَ لِرِزقِهِ والرَّاضيَ بقِسمِهِ، وإن كان سُبحانهُ أعلمَ بِهم مِن أنفُسِهِم، ولكِن لِتظهرَ الأفعالُ التِي بِها يُستَحقُّ الثَّوابُ والعِقابُ، لأنَّ بعضهُم يُحِبُّ الذُّكُورَ وبكرَهُ الإناثَ، وبعضهُم يُحِبُّ تثمِير المالِ ويكرهُ انثِلامَ الحاِلِ»1.
*
وليس من أهداف هذه الدّراسة البحث عن الفتنة باعتبارها مصطلحاً تربويّاً، وإنّما الهدف منها هو البحث عن الفتنة باعتبارها مصطلحاً سياسيّاً - تاريخياً، فلنرَ فيما يأتي تقسيم الإمام لها باعتبارها ظاهرة سياسيّة، وتحليله لآليّة حركتها: كيف تبدأ
_________________
(1) نهج البلاغة - باب الحكم - رقم النّص: 93.
155
وتنمو وتنتشر، وتوجيهه في شأن الموقف الّذي ينبغي اتخاذه حين تقع. ولنرَ دور عليّ في مواجهة الفتنة الّتي بدأت طلائعها في عهده، وأخيراً رؤيته لفتنة بني أميّة بعده.
*
يبدو من تحليل النصوص الّتي اشتمل عليها نهج البلاغة بشأن الفتنة والمقارنة بينها أنّ ثمَّة ثلاثة أنواع من الفتن:
1 - الفتنة الشّاملة.
2 - الفتنة العارضة.
3 - الفتنة الغالبة.
وهذه التّسميات وضعناها نحن، ولم ترد في كلمات الإمام عليّ، على ضوء ما لاحظناه عن اتساع المساحة الفكريّة الّتي تطبعها الفتنة بطابعها، وتؤثّر بالتّالي على الوضعيّة السّياسيّة والعلاقات الإجتماعيّة والإنسانيّة داخل المجتمع.
أ - الفتنة الشّاملة
تكون الفتنة شاملة حين تكون نظاماً فكريّاً يسود مجتمعاً من المجتمعات ذات الحضارة أو البدويّة - الرّعويّة، فالحضارة التي تقوم الحياة فيها على قيم الضّلال في الفكر والأخلاق والضّياع، وتنبني مؤسساتها السّياسيّة والإجتماعية على الإعتبارات الّتي تنشأ من هذه القيم، وتحكم المجتمع السّياسي فيها علاقات فاسدة... هذه الحضارة تكون فتنة شاملة تصل إلى كلّ إنسان، وتنشر ظلالها خارج حدودها. إنّها الجاهلية قديمها وحديثها في ذلك سواء.
وكذا الحال فيما إذا كان نظام فكري كهذا يكوّن روح وعقل مجتمع بدوي - رعوي، لم يبلغ مرحلة الحضارة ذات الإنجازات في مجال التّعامل مع الطّبيعة والمؤسّسات التّنظيميّة.
وقد صور الإمام عليه السّلام هذه الفتنة الشّاملة في حديثه عن حال العالم، والعرب بوجه خاص - قبل بعثة رسول اللّه (ص) قال:
156
«... وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عبدُهُ ورَسُولُهُ، أرسلَهُ بالدِّينِ المشهُورِ، والعلَمِ المَأثُورِ، والكِتابِ المسطُورِ... والنّاسُ في فتنٍ انجذَمَ1 فِيها حبلُ الدِّينِ، وتزعزعَت سوارِي اليِقين2 واختَلَف النَّجرُ3 وتشتَّتَ الأمرُ، وضاقَ المخرجُ، وعمِي المصدرُ، فالهُدى خامِل، والعمى شامِل. عُصِي الرَّحمانُ، ونُصِرَ الشَّيطانُ، وخُذِلَ الإيمانُ فانهارت دعائمُهُ وتنَكَّرت معالِمُهُ، ودرسَت سُبُلُهُ4 وعفَت شُرُكُهُ5، أطاعُوا الشَّيطانَ فسلكُوا مسالِكَهُ ووردُوا مناهِلَهُ6، بِهِم سارَت أعلامُهُ وقامَ لِواؤُهُ، في فِتَنٍ داستهُم بِأخفافِها ووطِئتهُم بِأظلافِها7 وقامَت على سنابِكِها8، فهُم فيها تائهُونَ حائروُن جاهِلُون مفتُونُونَ، في خيرِ دارٍ وشّرِّ جِيرانٍ. نومُهُم سُهُود، وكُحلُهُم دُمُوع، بِأرضٍ عالِمها مُلجَم، وجاهِلُها مُكرَم»9.
في هذا النّصّ فصّل الإمام عليّ نظرته إلى نموذج من نماذج الفتنة باعتبارها ظاهرة سياسيّة لمجتمع ما.
والسّمات الّتي تميّز الفتنة الشّمالة فيما يفيده هذا النّصّ هي:
1 - مجتمع لا يحكمه نظام أخلاقي، وخالٍ من الحياة الرّوحيّة السّليمة. وهذا لا ينفي أن يتمتع المجتمع المذكور بنظام سياسي.
وهذه السّمة يدلّ عليها قول الإمام «انجذم فيها حبل الدّين» فالمجتمع منقطع الصّلة بالوحي، ومن ثمّ فهو لا يتمتع بنظام روحي وأخلاقي.
2 - مجتمع تسيطر على أفراده وفئاته روح الشّك. ويتبع فيه - في مجال القيم - المقياس الذّاتي، لأنّه لا يتمتع بمقياس موضوعي نتيجة لخلوّه من النّظام الأخلاقي والحياة الرّوحيّة.
_________________
(1) انجذم: انقطع.
(2) السّواري: جمع سارية، وهي الدّعامة.
(3) النّجر: الأصل.
(4) درست: انطمست.
(5) عفت شركه: عفت: انمحت، وشركه جمع شراك: الطّريق.
(6) المناهل: جمع منهل، هو مورد النّهر.
(7) الخف للبعير: والظلف للبقر والشّاء: كالقدم للإنسان.
(8) السّنابك جمع سنبك: طرف الحافر.
(9) نهج البلاغة، الخطبة رقم: 2.
157
وهذه السّمة الثّانية يدلّ عليها قول الإمام في النّصّ الآنف «تزعزعت فيها سواري اليقين».
3 - مجتمع منقسم على نفسه إلى شيع وأحزاب، تمزقه الصّراعات والنّزاعات وتجعله خالياً من روح التّضامن والتّكافل. ومن ثم فلا توجّه حركته آمال متحدة وهدف أخلاقي كبير، وإنّما توجّهه الرّغبات الفرديّة والفئويّة بسبب عدم وجود نظام أخلاقي من جهة، وانتشار روح الشّك واتباع المقياس الذّاتي في القيم من جهة أخرى.
وهذه السّمة يدلّ عليها قول الإمام «واختلف النّجر، وتشتّت الأمر، وضاق المخرج وعَمي المصدر...».
هذه هي السّمات الّتي تميّز الفتنة الشّاملة، وتطبع المجتمعات المفتونة بطابعها. وما جاء من أوصاف للمجتمع في الفقرات التالية من النّصّ الآنف هي نتائج لهذه السّمات الثّلاث الكبرى: فقدان النّطام الأخلاقي والحياة الروحيّة / شيوع روح الشّك واتباع المقياس الذّاتي في القيم / الإنقسامات الطبقيّة والفئويّة والعائليّة، وعدم وجود هدف عظيم ونبيل يوجّه حركة المجتمع التاريخيّة.
هذه هي الفتنة الشّاملة.
وتسميتنا لهذه الفتنة ب(الشّاملة) ناشئ من ملاحظة أنّها مستوعبة لكلّ المجتمع بحيث لا يخلو منها أيّ مستوى من مستوياته وأي مظهر من مظاهر الحياة فيه، فهي روحه وعقله: روحه الملهمة، وعقله الموجّه.
ب - الفتنة العارضة
الفتنة العارضة: عثرة تعترض سير المجتمع أثناء حركته التّقدّميّة فتشيع الحيرة والإلتباس في بعض المواقف، وتعرّض بعض الأشخاص القياديّين وبعض فئات المجتمع لاختبارات حرجة، وتحفّز بعض القيم القديمة للتّعبير عن نفسها، ولكن قوّة اندفاع المجتمع في حركته التّقدّميّة، وقوّة المبادئ الّتي تحكم سيره في قلوب وعقول أفراده - تحول بين الفتنة وبين أن تنتشر وتتعمق وتضرب بجذورها في ثنايا المجتمع، فسرعان ما ينكشف وجه الحقّ فيها، وتذبل حركتها، ويخفت صوت الدّاعين إليها بين
158
الناس، بل يغدون موضعاً للنقد والتّجريح، وتجف الرّوافد الرّجعيّة الّتي تمدّها بالحياة والحركة، ويتعافى المجتمع من نكسته، ويخرج من التّجربة أكثر وعياً ويقظةً.
وقد مرّت على المسلمين في عهد رسول اللّه (ص) بعض الفتن العارضة الّتي تجاوزوها، بتوجيه رسول اللّه (ص)، بنجاح، وخرجوا منها دون أن تؤثّر على حركة المجتمع الإسلامي المندفعة إلى الأمام.
ولعلّ أشدّ هذه الفتن العارضة الّتي واجهت المجتمع الإسلامي في عهد النّبي (ص) خطورة كانت فتنة الإفك، في سنة ست للهجرة، في أعقاب غزو رسول اللّه (ص) والمسلمين لبني المصطلق من خزاعة.
وقبل الإفك ما حدث أثناء العودة من الغزوة المذكورة، حين أدّى تزاحم على الماء في بعض منازل الطّريق بين أجير لعمر بن الخطاب من بني غفار اسمه (جهجاه)، وبين أحد حلفاء الخزرج واسمه (سنان بن وبر الجهني)، واقتتلا، فصرخ حليف الخزرج: «يا معشر الأنصار» وصرخ أجير عمر بن الخطاب «يا معشر المهاجرين». ونشط المنافقون، وعلى رأسهم (عبد اللّه بن أبي سلول)، لاستغلال التّوتّر الّذي ولّده هذا النّزاع البسيط بين المهاجرين والأنصار، وهدّد ابن أبي سلول بأنهم إذا عادوا الى المدينة (ليُخرِجنَّ الأعزُّ مِنها الأذلَّ)، وكادت الفتنة أن تجرف كثيرين...
ولكن حكمة رسول اللّه (ص) قضت على الفتنة في مهدها.
وأنزل اللّه في شأن هذه الفتنة الصّغيرة العارضة سورة المنافقين (رقم 63 في المصحف) فضح فيها نوايا المنافقين وأساليبهم، وجعل منها درساً تربويّاً إيمانيّاً وسياسيّاً للمسلمين عمّق وعيهم، وزاد يقظتهم، وعزّز صلابتهم أمام أساليب النّفاق.
أمّا فتنة الإفك فكانت أشد خطورة وأوسع انتشاراً.
لقد كانت مرتعاً خصباً للمنافقين يوهنون من خلالها مقام رسول اللّه (ص)، ويشوّهون سمعته، ويلقون ظلالاً من الرّيبة على طهارة بيته، في مجتمع يقوم على قيم صارمة فيما يتعلق بالطّهارة الجنسيّة، بما يؤدّي إليه الهمس الخفي في شأن كهذا في مجتمع كهذا من سخريات وظنون والاشاعات تضعف التّأثير النّفسي لتوجيهات رسول اللّه (ص).
159
وما هو أشد خطورة في دسّ المنافقين واستغلالهم للإمكانات الّتي يتيحها الإفك، هو أنّ الفتنة أدّت إلى تصدّع تلاحم المسلمين أنفسهم، حيث استغل زعماء قبيلة الأوس تورّط بعض أفراد قبيلة الخزرج في إشاعة الحديث عن الإفك، للتّعبير عن أحقاد قبلية جاهليّة تحت ستار الغيرة على رسول اللّه (ص)، والتّمسك بأهداب الدّين.
فقال رئيس الأوس (أسيد بن حضير) مخاطباً رسول اللّه (ص) حين وجه عتاباً رقيقاً للّذين روّجوا الإشاعة الكاذبة، دون أن يسمّي أحداً:
«يا رسول اللّه: إن يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا بأمرك، فو اللّه إنّهم لأهل أن تضرب أعناقهم».
فقال سعد بن عبادة زعيم الخزرج رادّاً عليه:
«كذبت لعمر اللّه، لا تضرب أعناقهم. أما واللّه ما قلت هذه المقالة إلا أنّك عرفت أنّهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا...».
فقال أسيد بن حضير:
«كذبت لعمر اللّه، ولكنّك منافق تجادل عن المنافقين...».
وتساور النّاس1 حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شرّ2.
وهكذا وجدت القيم الجاهلية القديمة متنفساً تعبّر به عن نفسها من خلال هذه الفتنة متستّرة بشعارات إسلاميّة.
ولكن حكمة رسول اللّه (ص)، ووعي المجتمع، ورسوخ المبادئ والقيم الإسلاميّة في نفوس النّخبة حصرت الفتنة في نطاق ضيّق، وحالت دون تأثير في إحداث تفاعلات سيّئة بالنّسبة إلى حركة التّقدم النّبويّة. وجاء الوحي بعد ذلك فقضى على الفتنة، حيث أنزل اللّه تعالى في هذا الشّأن سورة النّور (السّورة رقم 24 في المصحف) وجعل منها درساً تربويّاً، ومناسبة لسنّ تشريعات تتعلق بالعلاقات بين الجنسين
_________________
(1) تساور النّاس: قام بعضهم إلى بعض ليتقاتلوا.
(2) تراجع سيرة ابن هشام بتحقيق مصطفى السّقا ورفيقيه (الطّبعة الثّانية) 1375 هجري = 1955 م / القسم الثّاني - ص: 289 - 307.
160
داخل المجتمع الإسلامي، في نطاق الزّوجية - من حيث العلاقات الزّوجيّة وغيرها - وخارج الحياة الزّوجيّة.
*
هذان نموذجان للفتنة العارضة في المجتمع الإسلامي في عهد رسول اللّه (ص) وقد واجه المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرّسول (ص) فتنة عارضة ذات طابع سياسي محض هي فتنة السّقيفة.
وقد بدأت هذه الفتنة حين تجاوز بعض كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وصية رسول اللّه (ص) بإسناد الخلافة بعده إلى الإمام علي بن أبي طالب، لأنّه كان الشّخصيّة الإسلامية الوحيدة الّتي تجمّعت فيها المواهب والمؤهلات الّتي جعلتها قادرة على قيادة الأمّة الإسلاميّة بعد وفاة رسول اللّه (ص).
وقد حسم النّزاع على منصب الخلافة بين المهاجرين والأنصار، في سقيفة بني ساعدة1، بمعزل عن الإمام علي بن أبي طالب، لمصلحة قبيلة قريش، بمبايعة الخليفة الأوّل (أبي بكر) على أثر مناورات سياسيّة استخدم فيها منطق قبلي، وكادت تؤدّي إلى انشقاق خطير داخل المجتمع الإسلامي الوليد2.
وقد كان العامل الأكبر والأبعد أثراً في التّغلّب على فتنة السّقيفة وآثارها الخطيرة هو موقف علي بن أبي طالب.
فقد كان الإمام علي بمؤهلاته المتفوقة بشكل مطلق على نخبة الصحابة، وبمواهبه النادرة الفريدة، وبالنّصّ عليه من رسول اللّه (ص) خليفة من بعده... كان لذلك كلّه رجل الشرعية الإسلاميّة الأصيل.
وكان هذا الوضع الحقوقي المؤاتي بالنّسبة إليه يخوّله حق المعارضة، ونقض القرار والإنجاز الّذي اتخذ خارج الشّرعية في اجتماع السّقيفة، سعياً وراء حقه في تسلّم السّلطة.
_________________