لقد وردت لفظة «أهل البيت » مرّتين في القرآن الكريم.
قال سبحانه حاكياً عن لسان الرسل: (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أمرِ اللّهِ رَحمةُ اللّهِ وبَركاتُهُ عَلَيْكُمْ أهلَ البَيْتِ إنّهُ حَمِيدٌ مَجِيد ) .(1)
وقال تعالى :(وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَّ تَبَرُّجَ الجاهِلِيَّةِ الاَُولى وأقِمْنَ الصلاةَ وآتِينَ الزكاةَ واطِعْنَّ اللّهَ ورَسُولَهُ إنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ). (2)
فالآية الاَُولى تخاطب أهل بيت خليل اللّه عند ما جاءتهم الرسل فبشّـروا امرأته بإسحاق ومن وراء إسحاق بيعقوب.
ولمّا كانت هذه البشارة على خلاف السنن الكونية حيث كان الخليل شيخاً وزوجته طاعنة في السن، فلذلك تعجبت وقالت مخاطبة الرسل: (يا وَيْلَتي ءَأَلِدُ وأنَا عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً إنّ هَذا لَشَيْءٌ عَجِيب ) (3) فوافاها
1 . هود: 73 .
2 . الاَحزاب: 33 .
3 . هود: 72.
[ 8 ]
الجواب من جانب الرسل الذين كانوا ملائكة وتمثّلوا بصورة الاِنسان، قائلين: (أتعجبين من أمر اللّه رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت انّه حميد مجيد ) .
وأمّا الآية الثانية فقد وردت في ثنايا الآيات التي نزلت في شأن نساء النبي ص بدعوتهنّإلى التخلّـي عن الدنيا والتحلي بالتقوى إلى غير ذلك من الوصايا التي وردت ضمن آيات.(1)
والمهم في هذا المقام هو معرفة أهل البيت في الآية الثانية وما هي سماتهم وحقوقهم في الذكر الحكيم؟
فهناك مباحث ثلاثة:
من هم أهل البيت (عليهم السلام) ؟
و ماهي سماتهم؟
وماهي حقوقهم؟
وها نحن نقوم بدراسة هذه المواضيع في فصول ثلاثة مستمدين من اللّه العون والتوفيق.
1 . انظر سورة الاَحزاب، الآيات : 28 ـ 34.
[ 9 ]
الفصل الاَوَّل : من هم أهل البيت (عليهم السلام)
إنّ المعروف بين المفسرين والمحدّثين، هو انّ المراد من أهل البيت في الآية المباركة، العترة الطاهرة الذين عرّفهم الرسول ص في حديث الثقلين، وقال: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه، وعترتي».
غير انّ تحقيق مفاد الآية وتبيين المراد من أهل البيت فيها وانطباقها على حديث الثقلين يستدعي البحث في موردين:
أ. أهل البيت لغة وعرفاً.
ب. أهل البيت في الآية المباركة.
وإليك الكلام فيهما واحداً تلو الآخر .
* * *
[ 10 ]
أ. أهل البيت لغة وعرفاً:
هذا اللفظ مركب من كلمتين ولكل مفهوم، ويمكن تحديد مفهوم «الاَهل» من موارد استعماله فيقال:
1. أهل الاَمر والنهي. 2. أهل الاِنجيل. 3. أهل الكتاب. 4. أهل الاِسلام. 5. أهل الرجل. 6. أهل الماء.
وهذه الموارد توقفنا على أنّ كلمة «أهل» تستعمل مضافاً فيمن كان له علاقة قوية بمن أُضيف إليه، فأهل الاَمر والنهي هم الذين يمارسون الحكم والبعث والزجر، وأهل الاِنجيل هم الذين لهم اعتقاد به كأهل الكتاب وأهل الاِسلام.
وقد اتفقت كلمة أهل اللغة على أنّ الاَهل والآل كلمتان بمعنى واحد، قال ابن منظور: آل الرجل: أهله، وآل اللّه وآل رسوله: أولياوَه، أصلها أهل ثم أُبدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل، فلمّـا توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفاً، كما قالوا: آدم وآخر، وفي الفعل آمن وآزر .
وقد أنشأ عبد المطلب عند هجوم ابرهة على مكة المكرمة، وقد أخذ حلقة باب الكعبة وقال:
وانصر على آل الصليب *** وعابديه اليوم آلك
وعلى ما ذكرنا، فهذا اللفظ إذا أُضيف إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضاف إليه، فأهل الرجل مثلاً هم أخص الناس به، وأهل المسجد، المتردّدون كثيراً إليه، وأهل الغابة القاطنون فيها ... فإذا لاحظنا موارد
[ 11 ]
استعمال هذه الكلمة لا نتردّد في شمولها للزوجة والاَولاد، بل وغيرهم ممّن تربطهم رابطة خاصة بالبيت من غير فرق بين الاَولاد والاَزواج، ولاَجل ذلك ترى أنّه سبحانه يطلقه على زوجة إبراهيم كما عرفت في الآية.
هذا هو حق الكلام في تحديد مفهوم هذه الكلمة، ولنأت ببعض نصوص أئمّة اللغة.
قال ابن منظور: أهل البيت سكانه، وأهل الرجل أخص الناس به، وأهل بيت النبي : أزواجه وبناته وصهره، أعني: علياً (عليه السلام) ، وقيل: نساء النبي والرجال الذين هم آله . (1)
فلقد أحسن الرجل في تحديد المفهوم أوّلاً ، وتوضيح معناه في القرآن الكريم ثانياً، كما أشار بقوله: «قيل» إلى ضعف القول الآخر، لاَنّه نسبه إلى القيل.
وقال ابن فارس ناقلاً عن الخليل بن أحمد: أهل الرجل: زوجه، والتأهّل، التزوّج، وأهل الرجل: أخص الناس به، وأهل البيت: سكّانه، وأهل الاِسلام: من يدين به. (2)
وقال الراغب في «مفرداته»: أهل الرجل من يجمعه وإيّاهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد، فأهل الرجل في الاَصل من يجمعه وإيّاهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل: أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإيّاهم النسب وتعورف في أُسرة النبي عليه الصلاة والسلام مطلقاً إذا قيل أهل البيت. (3)
وقال الفيروز آبادي: أهل الاَمر : ولاته، وللبيت سكّانه، وللمذهب من يدين به، وللرجل زوجته كأهله، وللنبي أزواجه وبناته وصهره علي ـ رضي اللّه
1 . لسان العرب: 11|29، مادة «أهل».
2 . معجم مقاييس اللغة: 1|150.
3 . المفردات: 29.
[ 12 ]
تعالى عنه ـ أو نساوَه والرجال الذين هم آله . (1)
هذه الكلمات ونظائرها بين أعلام أهل اللغة كلّها تعرب عن أنّ مفهوم أهل البيت في اللغة هم الذين لهم صلة وطيدة بالبيت، وأهل الرجل من له صلة به بنسب أو سبب أو غيرهما.
هذا هو الحق الذي لامرية فيه والعجب من إحسان إلهي ظهير الذي ينقل هذه النصوص من أئمّة اللغة وغيرهما ثم يستظهر انّ أهل البيت يطلق أصلاً على الاَزواج خاصة، ثم يستعمل في الاَولاد والاَقارب تجوّزاً، ثم يقول: هذا ما يثبت من القرآن الكريم كما وردت هذه اللفظة في قصة إبراهيم بالبشرى، فقال اللّه عزّ وجلّ في سياق الكلام: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَـقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (2) وقال: فاستعمل اللّه عزّ وجلّ هذه اللفظة على لسان ملائكته في زوجة إبراهيم (عليه السلام) لا غير، وهكذا قال اللّه عزّ وجلّ في كلامه المحكم في قصة موسى عليه الصلاة والسلام : (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الاَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لاَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً ) (3) ، فالمراد من الاَهل زوجة موسى (عليه السلام) ، وهي بنت شعيب. (4)
نحن نسأل الكاتب من أين استظهر من كلمات أهل اللغة انّ «الاَهل» تطلق
1 . القاموس المحيط: 3|331.
2 . هود: 73.
3 . القصص: 30.
4 . الشيعة وأهل البيت: 16 ـ 17.
[ 13 ]
أصلاً على الاَزواج خاصة، ثم تستعمل في الاَولاد تجوّزاً ؟!
أليس قد تقدّم لنا كلام ابن منظور: أهل الرجل: أخص الناس به؟ ! أليس الاَولاد أخص الناس بالرجل؟ ومن فسره بقوله: أهل الرجل زوجه لا يريد اختصاصه بالزوج، بل يشير إلى أحد موارد استعماله، ولاَجل ذلك يستدركه ويصرح بقوله: أهل الرجل: أخص الناس به.
ثم نسأله عن دلالة الآيتين على اختصاص الاَهل بالاَزواج وهل في منطق اللغة والاَدب جعل الاستعمال دليلاً على الانحصار ؟ فلا شك انّ الاَهل في الآيتين أُطلق على الزوجة، وليس الاِطلاق دليلاً على الانحصار، على أنه أُطلق في قصة الخليل وأُريد الزوجة والزوج معاً، أي نفس الخليل بشهادة قوله تعالى: (عليكم أهل البيت ) والاِتيان بضمير الجمع المذكر، وإرادة واحد منهما وحمل الخطاب العام على التعظيم، لا وجه له في المقام.
وحصيلة الكلام: انّ مراجعة كتب اللغة، وموارد استعمال الكلمة في الكتاب والسنّة تعرب عن أنّ مفهوم «الاَهل» هو المعنى العام وهو يشمل كل من له صلة بالرجل والبيت صلة وطيدة موَكدة من نسب أو سبب أو غير ذلك، من غير فرق بين الزوجة والاَولاد وغيرهم، وانّ تخصيصها بالزوجة قسوة على الحق، كما أنّ تخصيصها لغة بالاَولاد وإخراج الاَزواج يخالف نصوص القرآن واستعمالها كما عرفت في الآيات الماضية.
هذا هو الحق في تحديد المفهوم، فهلّم معي نبحث عما هو المراد من هذا المفهوم في الآية الكريمة، وهل أُريد منه كل من انتمى إلى البيت من أزواج وأولاد أو أنّ هناك قرائن خاصة على أنّ المقصود قسم من المنتمين إليه؟ وليس هذا بشيء غريب، لاَنّ المفهوم العام قد يطلق ويراد منه جميع الاَصناف
[ 14 ]
والاَقسام كما يطلق ويراد منه حسب القرائن بعضهم، وقد عرفت أنّ المراد من الاَهل في قصة موسى زوجته وفي قصة إبراهيم زوجته، وعلى هذا لا شك في شمول كلمة أهل البيت للزوجة والاَولاد وغيرهما إلاّ أن تقوم قرائن على أنّ المراد صنف خاص، والمدّعى انّه قد قامت القراأهل البيت في الآية المباركة؟:
اختلف المفسرون في بيان ما هو المراد من «أهل البيت» في الآية المباركة على أقوال، غير انّ العبرة بقولين، والاَقوال الاَُخر شاذة لا يعبأ بها، وانّما اختلقت لحل الاِشكالات الواردة على القول الثاني كما سيوافيك بيانها في آخر البحث.
1. المراد بنت النبي وصهره وولداهما الحسن والحسين (عليهم السلام) .
2. نساء النبي «(صلى الله عليه وآله وسلم) . (1)
ولا بد من إمعان النظر في تعيين المراد بعد قابلية اللفظ لشمول كلتا الطائفتين، فيقول: إنّ هناك قرائن تدل بوضوح على أنّ المراد من هذه الكلمة جماعة خاصة منتمين إلى البيت النبوي بوشائج خاصة لا كل المنتمين إليه، وإليك تلك القرائن:
1 . وهناك أقوال أُخر شاذة جداً ستوافيك في مختتم البحث.
ئن على إرادة صنف خاص منهم، وتتبيّـن في البحث الآتي: