* محمد حسين فضل الله
عندما ينشب الخلاف بين الطرفين يسعى الأهل إلى الصلح بينهما. وهذا ما تدعو إليه الآية الكريمة: (وإن خفتم شقاقَ بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) سورة النساء/ الآية 35.
يكون الطلاق حلاً في الحالات التي تتحول فيها الحياة الزوجية، بين الزوجين، إلى مشاكل لا تنتهي، بحيث يصبح الواقع بمثابة جحيم لا يطاق، لا يشعر فيه الزوجان بالسلام الروحي والحياتي في علاقاتهما أحدهما مع الآخر. وفي الوقت نفسه، يمكن أن ينعكس هذا الشقاق على سلامة النمو الطبيعي للأولاد، بحيث أنه يدمر نفسيتهم وروحيتهم، أو قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية من خلال علاقة الزوجة بعائلتها وعلاقة الزوج بعائلته، الأمر الذي يعني أن استمرار العلاقة بمشاكلها قد يؤدي إلى فتنة عمياء بين العائلتين وما إلى ذلك. إن الله جعل الزواج قائماً على المودة والرحمة، فإذا تحولت المودة والرحمة إلى حالة بغض وبغضاء وقسوة، ولم نستطع السيطرة على هذا الواقع بتحويله إلى واقع أفضل، وغدا من الممكن أن تمتد العلاقة الزوجية على أساس أن تتحول إلى جو لا بد أن يعصى الله فيه بحيث تعصي الزوجة ربها في علاقتها بزوجها، ويعصي الزوج ربه في علاقته بزوجته، عند ذلك يجب الطلاق.
الحوار أمر طبيعي بين كلّ إنسان يعيش علاقةً مع إنسان آخر، لا سيما في العلاقة الزوجية التي لا تترك تأثيراتها السلبية والإيجابية على الزوجين فحسب، بل تمتد إلى الأولاد وإلى المجتمع من حولهما. من الطبيعي أن يكون الحوار هو الأساس بين الزوجين. وهذا ما يعبر عنه القرآن الكريم بقوله: (ادفع بالتي هي أحسن)، بمعنى أن الانسان يحاول أن يتخيل الوسائل الكفيلة بحل المشكلة بتوضيح الجوانب الغامضة فيها، إذا كان الغموض هو الذي يؤدي إلى سوء الفهم أو سوء التفاهم، أو بحل العقد الموجودة في داخلها إذا كانت هناك عقد قابلة للحل.
من الطبيعي أن الاسلام لا يشجع على الطلاق، كما لا يشجع على إنهاء أية علاقة حتى على مستوى علاقات الصداقة بين إنسان وآخر إلا بعد استنفاد كافة الوسائل الكفيلة بإيجاد الركائز التي تحفظ هذه العلاقة وتعطيها الانفتاح على كل القضايا الانسانية التي تؤكد امتدادها في ما هو خير الانسان. لذلك لا بد من أن يتعلم الزوجان لغة الحوار قبل أن يدخلا الحياة الزوجية. ينبغي لأهل الزوجة وأهل الزوج أن يربيا ابنتهما أو ولدهما على كيفية القيام بالواجبات الزوجية، ليس على مستوى الخدمات أو ما إلى ذلك فحسب، بل لا بد من أن يربياهما على كيفية إدارة الحياة الزوجية من خلال التفاهم المشترك، ومن خلال الحوار، وبالدفع بالتي هي أحسن وما إلى ذلك. ولا بد من أن يربى الزوج على أساس أن يكون الانسان زوجاً لانسان آخر، وأنه بالزواج يفتقد حريته الفردية ويصبح إنساناً يرتبط بانسان آخر في كل حياته. ومن الطبيعي أن يبحث عن الوسائل التي تحفظ هذا الارتباط تماماً كما هو الارتباط بين أعضاء الجسد الواحد.
من الطبيعي ألا تخضع العلاقة الزوجية، كما كل العلاقات الانسانية، لضوابط مادية، لأن الانسان يستطيع أن يتلاعب بهذه الضوابط. ولذلك فنحن نلاحظ، مثلاً، أن كثيراً من الأهل، أو من الزوجات، يحاولون أن يضبطوا استمرار العلاقة الزوجية بزيادة المهر، بحيث يقف الزوج، عندما يريد الطلاق حائراً أمام المهر الكبير الذي لا يستطيع أن يدفعه، فيمنعه ذلك من الطلاق.. وفي مثل هذه الحالة نلاحظ أن الزوج يحاول، عندما لا يكون صاحب دين وأخلاق أن يضطهد زوجته إلى درجة تصبح فيها مستعدةً للتنازل عن هذا المهر وعن أكثر منه. لذلك، فنحن نعتقد أن الضوابط المادية لا يمكن أن تنتج علاقةً إنسانيةً، ولا يمكن، أيضاً، أن تؤدي إلى استمرار علاقة إنسانية، فالضوابط الأساسية هي الشخصية الانسانية التي يملك الانسان في داخلها الأخلاق والتدين ومراقبة الله سبحانه وتعالى، بحيث يمنعه ذلك من أن يتصرف تصرفاً مسيئاً. لهذا فإنني أتصور أن الزوجة لا تشعر بالسعادة أو بالراحة مع الزوج عندما يفقد مشاعره الحقيقية الانسانية نحوها. ولذلك فإن الطلاق يكون حلاً لمشكلتها الجديدة، كما هو حل لمشكلته في هذا المجال. من الطبيعي أن يقال أمام هذا الكلام إذا كانت المسألة من جانب الزوج، فماذا عن الزوجة عندما لا تطيق الرجل؟ وكيف يمكن أن تتخلص منه في هذا المجال؟
في مثل هذه الحالة، جعل الشارع للزوجة الحق في أن تطلب الطلاق، كما أن لها الحق في أن تأخذ العصمة بيدها عند الزواج، عندما يوافق الزوج على أن تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها، كما هو رأي بعض المراجع في عصرنا الحاضر. وقد يكون ذلك من الناحية الشكلية، عندما تكون العصمة بيدها.
وقد يقال: هذا أمر على خلاف الشرع، لأن الشارع جعل العصمة بيد الزوج، وقد يقال: هذا شرط مخالف للكتاب والسنة. لكن عندما يكون الشرط أن تكون وكيلة عن الزوج في طلاق نفسها، في هذا المجال تستطيع أن تطلق نفسها عندما تفقد الشعور بالحاجة إلى الاستمرار والامتداد معه، لأنه ربما كانت مشكلة المرأة في الطلاق غير متمثلة في الحالتين: الانسانية والعاطفية بل من الناحية الاقتصادية، لأن الغالب أن المرأة التي لا تعمل والتي لا تجد ظروفاً طبيعية للحياة الكريمة أن تفقد بالزواج عنصر الأمان في حياتها الاقتصادية.
ونعتقد، بغية حلّ تلك المشكلات، أن للمرأة، ولكل إنسان، الحق في أن يحصل على عناصر القوة في شخصيته التي تبعده عن الانسحاق أمام الظروف الطارئة. لذلك فنحن نرى أنه من الضروري للمرأة، كما للرجل، أن يكون لكل واحد منهما مهنة أو خبرة أو موقع في الحياة يستطيع من خلاله أن يواجه كل الحالات الطارئة التي تجعله في حاجة إلى الآخرين. إن الناس تستعبدهم حاجاتهم، والله يريد للناس أن يكونوا أحراراً. ولذلك يريد لهم أن يعيشوا الحرية في حاجاتهم حتى يعيشوا الحرية في إنسانيتهم.