اختصاص بعض الآيات بهم :
السؤال : وفّقكم الله وأطال في عمركم في خدمة أهل البيت (عليهم السلام) .
هناك آيات قرآنية عديدة فسّرها الأئمّة (عليهم السلام) بهم ، كأن يقولوا مثلاً : فينا نزلت ، أو في أمير المؤمنين من هذه الآيات ، قوله تعالى : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } ، وقوله تعالى : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } ، وقوله تعالى : { وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } .
____________
1- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 650 .
|
الصفحة 436 |
|
فهل نستفيد من هذه الروايات اختصاص هذه الآيات وغيرها بهم ؟ أم في كونهم مصداق أعلى لهذه الآيات ، ولكنّها تشمل غيرهم أيضاً ؟ وما هو الدليل ؟ وفّقكم الله بحقّ محمّد وآل محمّد .
الجواب : إذا أخذ قوله تعالى : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ ... } (1) نفسه مع قطع النظر عن المورد ، ومن شأن القرآن ذلك ـ ومن المعلوم أنّ المورد لا يخصصّ بنفسه ـ كان القول عامّاً ، من حيث السائل والمسؤول عنه ، والمسؤول منه ظاهراً ، فالسائل كلّ من يمكن أن يجهل شيئاً من المعارف الحقيقيّة والمسائل من المكلّفين ، والمسؤول عنه جميع المعارف والمسائل التي يمكن أن يجهله جاهل .
وأمّا المسؤول منه ، فإنّه وإن كان بحسب المفهوم عامّاً ، فهو بحسب المصداق خاصّ ، وهم أهل البيت (عليهم السلام) ، وذلك أنّ المراد بالذكر إن كان هو النبيّ (صلى الله عليه وآله) كما في آية الطلاق فهم أهل الذكر ، وإن كان هو القرآن كما في آية الزخرف فهو ذكر للنبيّ (صلى الله عليه وآله) ولقومه ، فأهل البيت خاصة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقد قارنهم (صلى الله عليه وآله) بالقرآن ، وأمر الناس بالتمسّك بهم في حديث الثقلين المتواتر (2) .
وقد وردت من الأحاديث عنهم(عليهم السلام) توضّح أنّهم هم أهل الذكر ، وهم قومه، وهم المسؤولون ، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْر ... } ، قال : " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الذكر أنا ، والأئمّة أهل الذكر " (3) .
وقوله عزّ وجلّ : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } (4) ، قال الإمام الباقر (عليه السلام) : " نحن قومه ، ونحن المسؤولون " (5) .
وأمّا قوله تعالى : { أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ... } (6) ، فالمراد بأُولي الأمر هم الأئمّة من آل محمّد (عليهم السلام) ، لأنّ الله أوجب طاعتهم بالإطلاق ، كما أوجب طاعته وطاعة رسوله ، ولا يجوز أن يوجب الله طاعة أحد على الإطلاق إلاّ من ثبتت عصمته ، وعلم أنّ باطنه كظاهره ، وأمن من الغلط ، وليس ذلك بحاصل للأمراء والعلماء ، كما قيل : جلّ الله أن يأمر بطاعة من
____________
1- النحل : 43 .
2- أُنظر : الميزان في تفسير القرآن 12 / 284 .
3- الكافي 1 / 210 .
4- الزخرف : 43 .
5- الكافي 1 / 210 .
6- النساء : 59 .
|
الصفحة 437 |
|
يعصيه ، أو بالانقياد للمختلفين في القول والعمل ، لأنّه محال أن يطاع المختلفون ، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه (1) .
أمّا قوله تعالى : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } (2) ، فالآية تدلّ على أنّ الأرض لا تخلو من هاد يهدي الناس إلى الحقّ ، إمّا نبيّ منذر ، وإمّا غيره ، يهدي بأمر الله ، وقد وردت روايات تشير إلى أنّ المنذر هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والهادي هو علي (عليه السلام) ، ومعنى ذلك أنّ مصداق المنذر هو النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ومصداق الهادي هو علي (عليه السلام) أو الإمام (3) .
وأمّا قوله تعالى : { وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } (4) ، فالمراد من مفهوم الصادقين كما وضّحه القرآن في سورة الحشر الآية الثامنة ، بأنّهم المؤمنون المحرومون ، الذين استقاموا وثبتوا رغم كلّ المشاكل ، وأخرجوا من ديارهم وأموالهم ، ولم يكن لهم هدف وغاية سوى رضى الله ، ونصرة رسوله (صلى الله عليه وآله) ، وهذا المفهوم واسع .
إلاّ أنّ المستفاد من الروايات الكثيرة : أنّ المراد من هذا المفهوم هنا هم المعصومون فقط ، ففي رواية : أنّ سلمان سأل عن تلك الآية فقال : يا رسول الله عامّة هذه الآية أم خاصّة ؟ فقال : " أمّا المأمورون فعامّة المؤمنين أُمروا بذلك ، وأمّا الصادقون فخاصّة لأخي علي والأوصياء من بعده إلى يوم القيامة " (5) .
( تركي عبد الله سعيد . السعودية . سنّي . 23 سنة . بكالوريوس )
لا تعارض في أفعالهم ومواقفهم :
السؤال : سؤالي هو إلى العلماء المحترمين : علي اتّقى ظلم أبي بكر وعمر وعثمان على حسب كلامكم ، ولكنّه تقاتل مع معاوية ، والحسن رجع واتّقى معاوية ، والحسين لم يرض بحكم يزيد ؟
أنا كمسلم عادي ، ومأمور باتباع أهل البيت ، وهم حجّة عليّ ، كيف أفهم مواقفهم بحيث لا يكون فيها تعارض ، لأنّ في ظاهرها تعارض كامل ؟
____________
1- أُنظر : مجمع البيان 3 / 114 .
2- الرعد : 7 .
3- أُنظر : الميزان في تفسير القرآن 11 / 327 .
4- التوبة : 119 .
5- كمال الدين وتمام النعمة : 278 .
|
الصفحة 438 |
|
الجواب : لا يوجد تعارض في أفعال أهل البيت (عليهم السلام) ، لما ثبت عندنا من عصمتهم وتكامل علمهم ، ولكن فهم مواقف أهل البيت (عليهم السلام) يحتاج إلى اطلاع شامل ، وموضوعيّ للمرحلة التي عاشها كلّ إمام منهم .
فالظرف الذي قاتل فيه أمير المؤمنين(عليه السلام) معاوية يختلف عن الظرف الذي صالح فيه الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية ، وكذلك محاربة الحسين (عليه السلام) ليزيد واتباعه ، فللظروف دخلها الكبير في هذه المواقف ، وهذا يحتاج إلى مراجعة كتب العلماء والمحقّقين الذين تناولوا تلك الفترات .
أمّا الموقف الشرعيّ لأهل البيت (عليهم السلام) تجاه هؤلاء الأشخاص الذين حاربوهم أو صالحوهم فهو واحد لا يتغيّر ، وقد نطق بمضمونه النبيّ(صلى الله عليه وآله) في حديثه : " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " (1) .
وقد علمنا وقف هذا السياق أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قاتل المشركين ، ثمّ صالحهم ، ثمّ دخل عليهم شاهراً سيفه في فتحه لمكّة ، ولا يعني هذا أنّ هناك تناقضاً في أفعال النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ حاشاه ـ إنّما لكلّ ظرف خصوصياته ودوافعه .
( نوفل . المغرب . 26 سنة )
الكتب التاريخية المؤلّفة حولهم :
السؤال : ما هو أوثق مرجع تاريخي لمدرسة أهل البيت ؟ وشكراً جزيلاً .
الجواب : إنّ كان من حيث سيرة وتاريخ الأئمّة (عليهم السلام) ، فبالإمكان مراجعة كتاب " الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد " للشيخ المفيد ، و " إعلام الورى بأعلام الهدى " للشيخ الطبرسيّ .
أمّا إذا كان المراد من كتب التاريخ التي تعنى بالتاريخ العامّ ، فإنّها كما تعرف كانت تكتب تقرّباً إلى الملوك والسلاطين ، فتذهب بمذاهبهم ، وتورد ما يوافق أفكارهم وغاياتهم ، ولم يكن للشيعة يوماً حكومة إلاّ في فترات قصيرة لم يتسنّ كتابة هكذا تاريخ فيها ، وإن كان هناك بعض الكتب فإنها ذهبت مع ما
____________
1- ينابيع المودة 3 / 372 .
|
الصفحة 439 |
|
ذهب من كتب الشيعة نتيجة القمع والملاحقة ، تستطيع أن تعرفها لو راجعت كتب التراجم .
نعم كتب اليعقوبيّ والمسعوديّ اللذين يعتبران من الشيعة كتب في التاريخ العامّ للدول والملوك ، ولكن كتبوا في زمن تسلّط مخالفيهم ، فشابها الكثير من التقية وعدم التصريح ، والاكتفاء بالأحداث العامّة وتواريخ الوقائع .
( أبو جعفر . الكويت . ... )