السؤال: إنّ أبا بكر لم يؤذن لحضور جنازة فاطمة (عليها السلام) ، ليس لأنّه منع من ذلك ، ولكن لأنّ الإمام علي (عليه السلام) ظنّ أنّ أبا بكر كان يعلم ، لأنّ أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر كانت قد ساعدت على غسل فاطمة (عليها السلام) ، فكيف ترجع إلى بيتها ولا تخبر أبا بكر ؟ هذا ما قاله لي أحد أهل السنّة ، فما هو الجواب ؟
الجواب : ظنّ الإمام علي (عليه السلام) لا يكون دليلاً ، على عدم خروج أبي بكر ، والأصل الذي ذكره لا أصل له ، والصحيح عندنا أنّ أبا بكر منع من الحضور على جنازتها (عليها السلام) بوصية منها .
فقد نقل ابن فتال النيسابوري وصيّتها (عليها السلام) لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، حيث قالت : "
1- خصائص الأئمّة : 74 .
2-
|
الصفحة 173 |
|
أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني ، وأخذوا حقّي ، فإنّهم أعدائي وأعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأن لا يصلّي عليّ أحد منهم ، ولا من اتباعهم ، وادفني في الليل ، إذا هدأت العيون ونامت الأبصار " .
" ثمّ توفّيت ... واجتمع الناس فجلسوا ، وهم يرجون وينظرون أن تخرج الجنازة ، فيصلّون عليها ، وخرج أبو ذر فقال : انصرفوا فإنّ ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخّر إخراجها في هذه العشية ، فقام الناس وانصرفوا ، فلمّا أن هدأت العيون ، ومضى من الليل ، أخرجها علي والحسن والحسين (عليهم السلام) ، وعمّار والمقداد ، وعقيل والزبير ، وأبو ذر وسلمان وبريدة ، ونفر من بني هاشم وخواصّه ، صلّوا عليها ودفنوها في جوف الليل ، وسوّى علي حواليها قبوراً مزوّرة مقدار سبعة حتّى لا يعرف قبرها ... " (1) .
قال الأصبغ بن نباتة : سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن علّة دفن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال (عليه السلام) : " إنّها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها " (2) .
ويؤيّد هذا ما رواه الصنعاني عن عائشة : " إنّ علياً دفن فاطمة ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر " (3) .
وما رواه ابن شبة النميري عن عائشة : " إنّ علياً (رضي الله عنه) دفن فاطمة ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر " (4) .
ولا يخفى أنّ الإمام علي (عليه السلام) قد صلّى عليها في بيته لا في المسجد للوصية التي أوصت بها (عليها السلام) .
( حسن أحمد عبد الرزاق . البحرين ... )
____________
1- روضة الواعظين : 151 .
2- المصدر السابق : 153 .
3- المصنّف للصنعاني 3 / 521 .
4- تاريخ المدينة 1 / 110 .
|
الصفحة 174 |
|
السؤال: هل إنّ أبا بكر كان عادلاً في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟ وفي زمان خلافته ؟
الجواب : إنّ عدالة الصحابي أو عدمها تتبع أعماله وتصرّفاته في حياته ، فلا أصل في المقام لعدالة الصحابة بدون قيد أو شرط ، بل يدخل جميعهم في دائرة التعديل والتجريح .
ثمّ إنّ تصرّفات كلّ شخص وتقلّباته في مختلف شؤون حياته خير دليل على الحكم عليه ، وفي مورد السؤال نذكر لك سيئةً واحدة على سبيل المثال لا الحصر تكفي في معرفة الرجل ، وهي شربه للخمر بعد تحريمها (1) .
نعم ، قد حاول البعض تبرير هذا العمل بأنّه كان قبل نزول التحريم .
ولكن يردّه أوّلاً : إنّ التحقيق يدلّنا على أنّ التحريم قد نزل قبله بمدّة ، فإنّ عملية شرب الخمر قد حصلت في عام الفتح سنة ثمانية من الهجرة باتفاق أهل الحديث والسير ، والتحريم قد نزل : إمّا في أوائل البعثة أو الهجرة (2) ، وإمّا في سنة أربع من الهجرة (3) ، وإمّا في سنة ست من الهجرة (4) .
وأمّا القول بنزول التحريم في سنة الفتح ، عام ثمانية من الهجرة يوم الشرب المذكور ، فلا يدعمه على قول البعض إلاّ حديث أحمد ، الذي جاء فيه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أعرض على شخص كان بصدد إهداء الخمر أو بيعه (5) .
وقصارى ما يستفاد من هذا الحديث أنّ التحريم بلغ هذا الرجل عام الفتح ، لا أنّ التحريم قد نزل فيه ، فلا يعارض الأقوال التي تصرّح بنزول التحريم
____________
1- فتح الباري 10 / 31 ، عمدة القاري 21 / 251 ، وغيرهما .
2- تاريخ بغداد 8 / 353 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 63 ، المصنّف لابن أبي شيبة 5 / 509 و 8 / 351 ، الجامع الصغير 1 / 433 .
3- فتح الباري 10 / 25 .
4- نفس المصدر السابق .
5- مسند أحمد 1 / 230 .
|
الصفحة 175 |
|
قبله ، خصوصاً أنّ الرجل المذكور على ما في حديث أحمد كان من أعراب البوادي ، فيحتمل قوياً عدم وصول التحريم إليه .
ثانياً : إنّ ذيل رواية شرب الخمر المذكورة خير شاهد على نزول التحريم قبل تلك الواقعة ، إذ جاء فيه أنّ الأمر قد بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقام يجر إزاره حتّى دخل عليهم مغضباً ، وهمّ أن يضرب بعضهم .
وهنا نتساءل : بأنّ التحريم لو لم يسبق هذه الواقعة فما هو معنى غضب الرسول (صلى الله عليه وآله) في المسألة ؟ إذ لو كان مباحاً لم يتأثّر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بهذا الشكل .
وبالجملة ، فلا ينبغي التأمّل في صدق ارتكاب الفواحش والموبقات بالنسبة إليه في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) .
وأمّا بعد حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) ، فمخالفته الوصية بإمامة وخلافة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لهو دليل واضح لانحراف الشخص وعدوله عن الخطّ المستقيم ، ومن ثمّ زلّة لا تغتفر ، أضف إلى ذلك مبادرته وتأييده الاعتداء على بيت الزهراء (عليها السلام) ، وضربها وكسر ضلعها ، وإسقاط جنينها ، خير شاهد على فسق الرجل ، ممّا أدّى ذلك إلى غضب فاطمة (عليها السلام) عليه بصريح البخاري وغيره (1) .
فمن مجموع هذه الموارد وموارد أُخرى لم يسعنا التطرّق إليها في هذا المختصر لا يبقى لدينا أيّ شكّ أو ريب في ثبوت عدم عدالته .
( محمّد علي الشحي . الإمارات . سنّي . 18 سنة . طالب جامعي )
السؤال: فيمن نزلت الآية: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } ؟
الجواب : إنّ الآيتين في مجال بيان نتيجة التقوى ، ومزاولتها في اجتناب النار وعذابها ، فهي مطلقة بمنطوقها ، وإن اختلفت الآراء في تأويلها وتطبيقها .
____________
1- صحيح البخاري 8 / 3 .
|
الصفحة 176 |
|
أمّا أهل السنّة فعلى رأيين في شأن نزولها ، إذ أكثرهم يرى أنّها نزلت في أبي بكر ، وبعضهم يصرّح بأنّ مورد نزولها كان أبا الدحداح (1) .
وأمّا الشيعة ، فلا ترى صحّة نزولها في حقّ أبي بكر لما يلي :
أوّلاً : إنّ الروايات المزعومة متعارضة مع الأحاديث الواردة التي تقول : بأنّها نزلت في حقّ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، أو أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أو حتّى التي تشير بأنّ شأن النزول كان في مورد أبي الدحداح .
ثانياً : إنّ القول بثروة أبي بكر قول بلا دليل ، بل تردّه القرائن والأدلّة الحافّة بالموضوع ، فمثلاً أنّ أباه أبا قحافة كان فقيراً مدقعاً سيئ الحال (2) فهل يعقل وجود هذه الحالة مع ثراء الابن ؟ أليس الأولى للولد أن يكون بارّاً لأبيه قبل الآخرين ؟!
وقد ورد في مصادرهم المعتبرة ما ينقض دعواهم غناء أبي بكر ، فعن أبي هريرة قال : " خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال : " ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة " ؟ قالا : الجوع يا رسول الله .
قال : " وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما ، قوموا " ، فقاموا معه ... " (3) .
وهذه الرواية واضحة أنّها بعد فتح الفتوح لأنّ الراوي أبو هريرة أسلم بعد فتح خيبر ، وهي تبطل دعواهم أنّ أبا بكر كان ينفق على مسطح بن أثاثة
____________
1- الجامع لأحكام القرآن 20 / 90 .
2- شرح نهج البلاغة 13 / 270 .
3- صحيح مسلم 6 / 116 ، وأغرب ما في الباب أنّ النووي في شرحه لمسلم 13 / 212 ، لمّا التفت للتناقض الموجود بين غناء أبي بكر وهذه الرواية الواضحة في فقره ، فلذلك حاول لَي عنقها وتفسيرها بأبعد ما يكون فقال : وأمّا قولهما : أخرجنا الجوع ، وقوله (صلى الله عليه وآله) : " وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما " ، فمعناه : أنّهما لما كانا عليه من مراقبة الله تعالى ، ولزوم طاعته والاشتغال به ، فعرض لهما هذا الجوع الذي يزعجهما ويقلقلهما ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة ، وتمام التلذّذ بها سعياً في إزالته بالخروج في طلب سبب مباح يدفعانه به ، وهذا من أكمل الطاعات وأبلغ أنواع المراقبات .
|
الصفحة 177 |
|
وقطعها بعد حادثة الأفك ، ثمّ رجع إليها .
وأيضاً فإنّ التقوّل بإغناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بماله زخرف وباطل ، لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد استغنى بماله ، ومال كفيله وعمّه أبي طالب ، ومال خديجة (عليها السلام) في مكّة ، ولمّا هاجر إلى المدينة ، فتحت عليه الفتوح والغنائم ، ففي أيّ مقطع من الزمن كان (صلى الله عليه وآله) يحتاج إلى ثروة أبي بكر ؟!
ولعلّ لتكلّف هذه المحاولات في شأن النزول المزعوم ، تردّد الآلوسي في تتمّة كلامه في قبول استدلال ابن أبي حاتم ، على ردّ قول الشيعة في هذا المجال ، إذ قال أخيراً : " ... وأطال الكلام ابن أبي حاتم في ذلك وأتى بما لا يخلو عن قيل وقال " (1) .
( ... الجزائر . سنّي . 25 سنة )
السؤال: قرأت كثيراً عن ذمّكم ، بل وتكفيركم للخليفة أبي بكر .
أتساءل فقط بيني وبين نفسي ، هل يعقل أن يتحوّل ناصر الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وأوّل رجل أسلم في التاريخ ، ولو عدّدت مناقبه على قلّة اطلاعي ما انتهيت ... إلى رجل يسلب حقّاً من حقوق آل البيت ؟
لعمري لولا أبا بكر لهلكت الأُمّة بعد رسولنا (صلى الله عليه وآله) ، أنا والله أعلم لا أظنّ أنّ الأُمور تسير بعبثية مطلقة ، أن يسخّر الله رجلاً لنصرة الإسلام ، ثمّ يتنافس على الدنيا ومتعها ؟ لا ، بل ويسلب حقّاً من حقوق آل البيت ؟
هذه بعض من تساؤلاتي أرجو أن تأخذ بعين الاعتبار ، بصّرنا الله بعيوبنا ، وهدانا لنعمل كما عمل صحابة الصادق المصدّق لنصرة دين الله ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
الجواب : في بادئ الأمر نحن لا نذمّ أبا بكر ، أو نتجاوز عليه بغير حقّ ، وإنّما
____________
1- روح المعاني 15 / 371 .