البداء :
( فهيمة حسن علي السبع . البحرين . 20 سنة . طالبة متوسّطة )
السؤال : ما هو البداء ؟ وما الفرق بينه وبين النسخ ؟
الجواب : إنّ البداء في اللغة هو الظهور بعد الخفاء ، والمقصود منه عند الشيعة : ما يظهر للناس متأخّراً عمّا كانوا يرونه ، أو يتصوّرونه سابقاً .
وهذا المعنى لا إشكال فيه من جهة الإمكان والوقوع ، إذ لا يوجد في الالتزام به أيّ محذور عقلي ، مضافاً إلى وقوعه في موارد متّفق عليها ، مثل رفع العذاب عن قوم يونس بعدما أُخبروا بنزوله ، أو تبديل ذبح إبراهيم لابنه إسماعيل (عليهما السلام) بفداء بعدما تحقّق عنده ذبحه أوّلاً ، وغيرها .
هذا ، وقد نصّ القرآن الكريم بجواز هذا المعنى ووقوعه : { يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } (1) .
وعلى هذا لا مجال لما ينسبونه إلى الشيعة من الاعتقاد بوقوع الجهل في علم الله تعالى ـ تعالى الله عمّا يصفون ـ فإنّ الشيعة براء ممّا يتفوّهون به ، بل الأمر كما ذكرنا ليس فيه أيّ إيهام أو إبهام ، وهو واضح كلّ الوضوح لمن له أدنى تأمّل في المسألة .
ثمّ إنّ الفرق بين البداء والنسخ هو في متعلّقهما ـ بعد الاشتراك في أصل الفكرة ـ وتوضيحه : أنّ البداء يقع في التكوينيّات ، أي في الحوادث والوقائع
____________
1- الرعد : 39 .
|
الصفحة 8 |
|
الملموسة، والخارجية التي وقعت أو سوف تقع ، ولا دخل له بالجانب التشريعيّ ، أي لا يرتبط بوظائف المكلّفين ؛ في حين أنّ النسخ هو الحكم الإلهيّ التشريعيّ بحذف وظيفة عملية ، أو تبديلها بوظيفة أُخرى لمصلحة يراها الباري عزّ وجلّ ، ولا صلة له بالحوادث والوقائع ، بل يرتبط بتحديد وظائف العباد من حيث العمل والتكليف .
( علي . الكويت . ... )
حصوله في الإمامين العسكريّ والكاظم :
السؤال : هناك روايات تنصّ على أسماء الأئمّة جميعهم ، فهل هذه الروايات تتعارض مع مسألة البداء التي حصلت للإمام الحسن العسكريّ حين قال له الإمام الهادي(عليه السلام) : ( يا بني أحدث لله شكراً ، فقد أحدث الله فيك أمراً ) (1)، حيث لو كان أسماء الأئمّة معروفة فما هو موقع البداء بتعين الإمام العسكريّ (عليه السلام) إماماً ، مع شهرة القول بإمامة محمّد ابن الإمام الهادي (عليه السلام) .
ولكم جزيل الشكر .
الجواب : نشير إلى عدّة نقاط لها صلة بالموضوع ، قد ترفع الإبهام عن المسألة :
1ـ إنّ البداء بأيّ تفسير مقبول يجب أن لا يعارض العلم الأزليّ لله تعالى ، وهذا شيء لا مناص منه ، ومتّفق عليه .
2ـ معنى البداء ـ على التحقيق ـ هو إظهار شيءٍ في عالم التكوين من جانب الله عزّ وجلّ ، كان مكتوماً على الناس ، فهم كانوا لا يرونه أو يرون خلافه، فبإظهاره تعالى يظهر عندهم ، ففي الواقع البداء هو إظهار من قبل الله ـ على لسان المعصومين (عليهم السلام) ـ وظهور عند الناس ، فله وجهان باعتبارين ،
____________
1- كشف الغمّة 3 / 201 .
|
الصفحة 9 |
|
ونظرتين مختلفتين فلا تنافي بينهما .
3ـ إنّ النصوص الواردة في أسماء الأئمّة المعصومين الاثني عشر (عليهم السلام) هي بحدّ الاستفاضة أو التواتر ، وكلّها متّفقة في العدد والأسامي ، وعليه فكلّ ما يُوهم خلاف ذلك ، إمّا مردود سنداً ، وإمّا ممنوع ومخدوش من باب الدلالة .
4ـ إنّ الرواية التي تتحدّث عن طروّ البداء في شأن الإمام العسكريّ (عليه السلام) ـ مع غضّ النظر عن البحث السندي فيها ـ ليس فيها ما ينافي القواعد التي ذكرناها ، بل فيها تلويح بأنّ الناس كانوا يرون الإمامة بعد الإمام الهادي (عليه السلام) في ابنه الأكبر السيّد محمّد سبع الدجيل ، وثمّ بعد وفاته صرّح الإمام الهادي (عليه السلام) بخطأ ما ذهبوا إليه ، بعد ما تبيّن عندهم أيضاً ذلك .
والذي يدلّ على ما قلنا أنّه لا يوجد أيّ تصريح من الإمام الهادي (عليه السلام) ، أو آبائه بإمامة السيّد محمّد ، حتّى يفرض تبديل كلامهم (عليهم السلام) حينئذٍ ، بل إنّ الشيعة ومن منطلق ارتكازاتهم الموجودة ، كانوا يعتقدون بإمامة الولد الأكبر ، ولكنّ الله تعالى ومن منطلق علمه الأزليّ ، ووجود المصالح الإلهيّة كان لا يرى ذلك ، وفي نفس الوقت المصلحة العليا تقتضي أن لا يصرّح بهذا الموضوع قبل وفاة السيّد محمّد .
ثمّ هذه المصلحة قد تكون هي بيان مقام السيّد محمّد وعظمته عند الشيعة، حتّى يعرفونه بحدّ معرفتهم عن الإمام (عليه السلام) ، أو أنّ المصلحة كانت في إخضاع الشيعة للاختبار الإلهيّ في طاعتها وولائها لله عزّ وجلّ ، والأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، أو غير ذلك .
وأخيراً : لابأس أن نشير إلى ورود رواية بنفس المضمون في شأن الإمام الكاظم (عليه السلام) ، لتدلّ على حدوث البداء له بالنسبة إلى أخيه الأكبر إسماعيل .
والبحث في هذه الرواية كسابقتها .
وبالجملة فالاعتقاد والالتزام بالبداء لا يناقض الأُمور الحتمية واليقينية كما ذكرنا .
|
الصفحة 10 |
|
( مفيد أبو جهاد . السعودية . ... )
السؤال : ما البداء ؟ وما وجهة نظر الشيعة فيه ؟
الجواب : البداء في اللغة : الظهور بعد الخفاء .
والبداء في الاصطلاح : ظهور شيء بعدما كان خافياً على الناس .
والشيعة الإمامية تعتقد بالبداء ، وأنّه من المسلّمات ، وقد حثّت روايات أهل البيت (عليهم السلام) على الاعتقاد به ، وهي روايات كثيرة منها :
1ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) : ( ما عُظّم الله بمثل البداء ) (1) .
2 ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) : ( لو علم الناس ما في البداء من الأجر ، ما فتروا عن الكلام فيه ) (2) .
3 ـ قال الإمام الباقر أو الإمام الصادق (عليهما السلام) : ( ما عبد الله بشيء مثل البداء ) (3) .
هذا إجمالاً ، وأمّا تفصيلاً :
فقد تعرّض المخالفون إلى مسألة البداء من دون مراجعة إلى كتب الشيعة ، فاتهموا الشيعة بأنّهم يقولون بالبداء بمعنى الجهل على الله تعالى ـ والعياذ بالله ـ .
والواقع أنّ منكري البداء اختلقوا من عند أنفسهم للبداء معنى ، وجعلوا يردّدون به على الشيعة ، غافلين عن أنّ أتباع أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) براء من ذلك المعنى ، براءة الذئب من دم يوسف (عليه السلام) .
ولتوضيح الحقيقة نقول : كما قلنا فإنّ معنى البداء في اللغة هو : الظهور
____________
1- الكافي 1 / 146 .
2- المصدر السابق 1 / 148 .
3- المصدر السابق 1 / 146 .
|
الصفحة 11 |
|
بعد الخفاء ، والدليل عليه بعض الآيات المباركة من قبيل :
1 ـ قوله تعالى : { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا } (1) أي ظهر لهم ما كان خافياً عليهم من سيئات ما كسبوا .
2 ـ قوله تعالى : { ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ } (2) .
وهذا المعنى من البداء يحصل للإنسان فقط ، ولا يحصل في حقّ الله عزّ وجلّ ، لأنّه يلزم الجهل عليه ، وقد اتفقت الشيعة الإمامية على أنّه تعالى لا يجهل شيئاً ، بل هو عالم بالحوادث كلّها ، غابرها وحاضرها ومستقبلها ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فلا يتصوّر فيه الظهور بعد الخفاء ، ولا العلم بعد الجهل ، بل الأشياء دقيقها وجليلها حاضرة لديه .
ويدلّ على ذلك قوله تعالى : { إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء } (3) ، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( كلّ سرّ عندك علانية ، وكلّ غيب عندك شهادة ) (4) ، مضافاً إلى البراهين العقلية المقرّرة في محلّها .
وأمّا البداء في الاصطلاح فيمكن نسبته إلى الله تعالى ، ولا يلزم منه الجهل ، فعندما يقال : بدا لله تعالى بمعنى أظهر ما كان خافياً على الناس لا خافياً عليه ، لأنّ الآيات والأحاديث دلّت على أنّ مصير العباد يتغيّر بحسب أفعالهم وصلاح أعمالهم ، من الصدقة ، والإحسان ، وصلة الأرحام ، وبرّ الوالدين ، والاستغفار والتوبة ، وشكر النعمة ، وأداء حقّها ، إلى غير ذلك من الأُمور التي تغيّر المصير وتبدّل القضاء ، وتفرّج الهموم والغموم ، وتزيد في الأرزاق والأمطار ، والأعمار والآجال ، كما أنّ لمحرّم الأعمال وسيئها تأثيراً
____________
1- الزمر : 48 .
2- يوسف : 35 .
3- آل عمران : 5 .
4- شرح نهج البلاغة 7 / 194 .
|
الصفحة 12 |
|
في تغيير مصيرهم بعكس ذلك .
ويدلّ على هذا التغيير من الآيات قوله تعالى : { إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (1) .
ومن الأحاديث الشريفة :
1ـ قول الإمام الكاظم (عليه السلام) : ( عليكم بالدعاء ؛ فإنّ الدعاء لله ، والطلب إلى الله يردّ البلاء ، وقد قدّر وقضى ولم يبق إلاّ إمضاؤه ، فإذا دُعي الله وسُئل صرف البلاء صرفه ) (2) .
2ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته : ( أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء ) ، فقام إليه عبد الله بن الكوّاء اليشكريّ فقال : يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجّل الفناء ؟ فقال : ( نعم ، ويلك قطيعة الرحم ... ) (3) .
3ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) : ( إنّ الدعاء ليردّ القضاء ، وإنّ المؤمن ليذنب فيحرم بذنبه الرزق ) (4) .
4ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( والاستغفار يزيد في الرزق ) (5) .
إذاً تغيّر مصير العباد له أثر في مسألة البداء ، ولتوضيح ذلك نقول :
المقدّرات الإلهيّة على قسمين :
1ـ مقدّر محتوم لا يتغيّر ، وهو موجود في اللوح المحفوظ ، وعبّرت الآية المباركة عنه بأُمّ الكتاب { يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } (6)
____________
1- الرعد : 11 ، والآيات التالية : الأعراف : 96 ، إبراهيم : 7 ، نوح : 10 ـ 12 ، الصافّات : 143 ـ 146 ، يونس : 98 ، الأنبياء : 76 و 83 و 88 ، الطلاق : 2 ـ 3 ، الأنفال : 33 و 53 .
2- الكافي 2 / 470 .
3- المصدر السابق 2 / 347 .
4- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 135 .
5- الخصال : 505 .
6- الرعد : 39 .
|
الصفحة 13 |
|
، وهذا القسم لا بداء فيه ولا تغيّر .
2ـ مقدّر معلّق قابل للتغيير غير محتوم ، موجود في لوح المحو والإثبات ، وأشارت الآية السابقة إليه { يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } ، فراجعوا تفاسير الفريقين في تفسير هذه الآية المباركة الدالّة على وجود هذا القسم من المقدّرات ، التي يتصوّر فيه البداء .
إذاً المراد من البداء هو تغيير المقدّر بالأعمال الصالحة أو الطالحة ، ولا يخفى هنا أنّ الله سبحانه يعلم كلا التقديرين .
والخلاصة : البداء إذا نُسب إلى الله سبحانه فهو بداء منه ، وإذا نُسب إلى الناس فهو بداء لهم ، فالبداء من الله هو إظهار ما خفي على الناس ، والبداء من الناس بمعنى ظهور ما خفي لهم ، وهذا هو الحقّ القراح لا يرتاب فيه أحد .
( أفراح الموسويّ . الكويت . ... )