أعطى الله جل وعز النبي محمدا صلی الله عليه وآۀه وسلم وصفاً ومنصباً ، المعلم هو لقب عام ، أما الوصف الذي يعطى لذلك المعلم ، فانه يحدد تعليمه وفرعه التدريسي ، أي أن الشخص الذي يعطي الدرس الرياضي هو معلم ، والشخص الذي يدرس الهندسة ، هو معلم ، والشخص الذي يدرس الطب ، هو معلم والشخص الذي يدرس الأدبيات هو معلم والشخص الذي يدرس الفقه والفلسفة والعرفان هو معلم ، ولكن هذا هو لقب عام لا يحدد فرعه التخصصي .
الله تعالى جعلنا أمة الحبيب ، وعرّف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوصفه حبيب الله ، وقد عرفه الله تعالى بوصفه معلم المجتمعات البشرية وقال :
( ويعلمهم الكتاب والحكمة ) (1) .
ولكن إذا قيل : إن المهندس يدرس يعني يعطي درس هندسة . وإذا قيل الأديب يدرس ، يعني يعطي درس الأدبيات .
ورغم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو معلم الكتاب والحكمة ، ولكن هذا التعليم هو لقب عام ، حيث ان جميع الأنبياء لديهم ذلك اللقب . اللقب الاختصاصي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يبين فرعه التخصصي ، هو المحبة . فهو حبيب الله ، وعندما يقال : إن حبيب الله يدرس ، يعني يعطي درس المحبة ، وعندما يقال ان رسول الله هو معلمكم وحبيبكم يعني يعطي درس المحبة .
محبة الحق ومحبة الباطل :
كما ان القراءة قسمان : خطأ وصحيح ، والأديب الماهر هو الذي يسطيع تشخيص القراءة الخطأ من القراءة الصحيحة ، وكما ان العلاج قسمان : خطأ وباطل وصحيح وحق ، والطبيب الحاذق هو الذي يميز الخطأ من الصحيح ، وكذلك بقية الفروع التخصصية ، كذلك المحبة أيضاً ، هناك محبة باطلة ومحبة حقة ، عندما يكون الحبيب معلم الكتاب والحكمة ، يعطي درس المحبة ، وعمله هو ان يفصل المحبة الباطلة عن المحبة الحقة وعندما يفصل المحبة الباطلة عن المحبة الحقة فان الشخص الذي وعاء قبوله لمحبة أكثر من الآخرين سوف يكون في ذلك الصف التخصصي أكثر جدية في عمله من الآخرين ويعتبر حب الزوج والابن والمال أداة وليس طريق الكمال ، لذا يقول الله تعالى :
( تحبون العاجلة ) (2)
( وتحبون المال حباً جمّاً ) (3) .
يقول تعالى : إن هذه الأنواع من المحبة لا تدخل إلى قلوبكم وان هذه الأنواع من المحبة الصقوها بالطين وليس بالقلب ؛ لأنها أدوات عمل وإذا دخلت إلى القلب تستولي عليه .
بناء على هذا عندما يتعرف الإنسان على هذه العلوم ، يفهم أن المال هو شيء جيد ، ولكنه جيد للبدن ، الحيوان شيء جيد لكنه جيد للبدن ، لذا يصبح صاحب قلب ، وعند ذلك يصبح سائراً باتجاه كثير من أنواع المحبة الصادقة . فأنتم قليلاً ما تلاحظون دعاء ليس فيه درس محبة ، غاية الأمر ان المحبة من كثرة ما هي مليحة ولطيفة ورقيقة لا تقال للجميع وفي كل مكان ، ولا تقرا في أذان الجميع ، لان تشخيص المحبة الصادقة من المحبة الكاذبة ، هو عمل الناس العقلاء .
في دعاء كميل تلاحظون انه عندما تمت تصفية الماضي والمستقبل وطهر الإنسان نفسه وطلب المغفرة وغفرت جميع ذنوبه ، عند ذلك يدعو الله :
« واجعل قلبي بحبك متيماً » (4) .
وجملة ( قلبي بحبك متيماً ) هذه هي ( واسطة العقد ) لدعاء كميل ، وتعدّ من غرر جمل دعاء كميل ، أو عندما تقرؤون دعاء أبي حمزة الثمالي في أسحار شهر رمضان ، يقول هذه الجملة :
( اللهم املأ قلبي حباً لك وخشية منك و ... شوقاً إليك ) (5) .
عندما يتضح لماذا يقول الإمام السجاد عليه السلام في بداية مناجاة المحبين :
( من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلاً ، ومن الذي آنس بقربك فابتغى عنك حولاً ) (6) .
درس المحبة هذا ، يعطيه لنا ذلك الحبيب ، وذلك الحبيب ، هو معلم الكتاب والحكمة ، ولكن لمن يعطي درس المحبة ؟ درس المحبة هذا ، لا يفيد الأشخاص القساة والمتظاهرين بالقوة ، هنا يشترى القلب المنكر والبدن المتعب ، وإذا استطاع شخص ان يكون أكثر رقة في قسم القلب ، يؤثر فيه كلام المحبة أكثر ويجب عدم القول انه لأن وزن مخ المرأة أو حجم مخ المراة هو أقل ، فإنها أكثر تأخراً عن الرجل في طريق السير والسلوك أو في طريق الكمال الإنساني وبقية الطرق الإلهية ، إن طريق القلب إذا لم يكن أقوى من طريق العقل فهو بمستواه ، وطريق القلب يتطلب رقة ومحبة وعاطفة ، وأمثال ذلك .
فالشخص الذي يبكي متأخراً قليلاً ما ينجح في درس المحبة ، والشخص البكاء هو أكثر رقة في القلب ، وإذا استطاع فصل العاطفة الحيوانية عن المحبة الإنسانية ، ودخل إلى حدود المحبة وتخلص من شر ضعف النفس ولم يضع ضعف النفس بدل الرأفة خطأ ، عند ذلك يصبح الطريق ممهداً له لدخول درس المحبة ، ويستطيع كل منهم أن يكون مظهر اسم من أسماء الله .
غاية الأمر إن مجموعة بذلك الشكل ومجموعة بهذا الشكل ، حتى يصلوا إلى ذلك المقام الرفيع حيث الكلام هناك هو عن توازن الاسماء وليس ترجيح اسم على اسم آخر . الإنسان الذي يصل إلى مظهر الاسم الأعظم لديه جميع الاسماء متساوية ، فهو يصل إلى العدالة الكبرى ، وفي العدالة الكبرى كل القوى متوازنة .
العدالة الصغرى ، الوسطى والكبرى :
في الفقه طرحت ( العدالة الصغرى ) ، وفي الفلسفة ذكرت ( العدالة الوسطى ) ، و( العدالة الكبرى ) مطروحة في العرفان .
إذا وصل الإنسان إلى تلك العدالة الكبرى ، يوازن جميع القوى الإدراكية والتحريكية وجميع قوى جذبه ودفعه ويصل إلى محل يصبح فيه مظهراً تاماً للاسماء الحسنى ويكون في النواة المركزية للعدل .
في العدالة الصغرى المطروحة في الفقه ، عندما يؤدي الإنسان الأعمال الواجبة ويتجنب الحرام فهو عادل وان كان جباناً ولم يكن سخي الطبع وشجاعاً ، فعندما يؤدي الواجب ولا يقوم بعمل حرام ، فهذا المقدار كافٍ في عدالته . أما في الفقه الأوسط والعدالة الوسطى فهو ليس عادلاً ؛
لأنه لم يوازن حتى الآن بعض القوى ، وإذا وازن هذه القوى يكون عادلاً ومتوازناً في العدالة الوسطى ، ولكن مظهريته ليست متساوية تجاه جميع الاسماء ، وهذا الشخص ليس عادلاً في الفقه الأكبر ، أي العرفان . العادل هو الشخص الذي يكون مظهر جميع الاسماء الحسنى ، وينفذ كل اسم في محله على أساس الصواب . والإنسان الكامل يتمثل في الرجال باسم علي بن أبي طالب عليه السلام ، وفي النساء بعنوان فاطمة الزهراء عليها السلام .
فيتضح ما هو معنى الخلافة في هؤلاء ، ما هو معنى العدالة والرأفة والرحمة والمحبة في هؤلاء ثم لا بد للرجال أخيراً من نشر دروس المحبة أكثر من الدروس الأخرى ؛ لأن الله تعالى قال :
( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) (7) .
أي ان هذا النبي الحبيب هو حلقة ارتباط بين المحب والمحبوب ، وإذا كنتم متبعين حبيب الله فهو يعطي درس المحبة وأنتم تصلون من مرحلة محب الله إلى مرحلة محبوب الله .
بناء على هذا إذا لم يكن للمرأة دور في بعض الأعمال التنفيذية ، فهي ليست معفوة بشكل عام ـ ترك لا إلى بدل ـ ، بل ترك إلى بدل . أي إذا لم تعمل المرأة عملاً ما فهي تتولى ما يعادله في قسم آخر ، وكما أن المجتمع يحتاج إلى قوة ، فهو يحتاج إلى محبة أيضاً . والمجتمع لا يتقدم بالشدة والعنف مثلما يتقدم بالمحبة واللين ، كما ان رسول الله كان موصوفاً بهذا الوصف ، وكان نجاحه في هذه الناحية أيضاً :
( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) (8) .
إن درس المحبة هذا إذا لم تكن النساء أفضل من الرجال في تعلمه ، فهن لسن أقل منهم ، وإذا لم تكن النساء أفضل من الرجال في إدراك الأدعية المتضمنة للمحبة الصادقة ، فهن لا يفهمن أقل من الرجال ، وإذا لم يكن حب الله وخلقه عند النساء أفضل من الرجال ، فهو ليس أقل .
لو بحثنا عن الكمال في الاسماء الإلهية الحسنى لرأينا ان الاسماء الإلهية الحسنى تقسم إلى قسمين : الجلال والجمال ، الجذب والدفع ، المحبة والقوة ، الإرادة والكراهة أو المحبة والعداوة ، وكل منها يكون مظهر اسم من الاسماء الخاصة لله في العالم ، والذين يصلون إلى المقصد يكونون مظهر الاسم الأعظم .
العلوم الأداتية والأصالية :
العلم من حيث انه علم ليس مطلوباً بالذات ، وليس لدينا أي علم يكون هدفاً وكمالاً ذاتاً ـ سواء العلم العملي أو العلم النظري ـ بل أن العلم هو دائماً مقدمة العمل ، والعمل يتعلق بالقلب لا بالعقل ، وطريق القلب إذا لم يكن للنساء أكثر من الرجال فهو ليس أقل بالتأكيد . مع هذا قسم العلماء العلوم إلى علوم أداتية وعلوم أصالية .
العلوم الاداتية هي كالأدبيات التي هي من العلوم الاعتبارية وليس أكثر من انها أداة ـ لأنها للتدريس والكتابة فقط وليست مطلوبة بالذات ـ أو مثل علم المنطق حيث يتعلم الإنسان المسائل المنطقية حتى يفكر بشكل صحيح . العمل الذي يقوم به المنطق للتفكير يشبه العمل الذي تقوم به الادبيات للتلفظ ، المتكلم أو الكاتب يجب أن يكون مراقباً لسانه وقلمه ، والمفكر يجب أن يكون مراقباً ذهنه . مثل هذه العلوم سواء الاعتبارية أو غير الاعتبارية ليست أكثر من أدوات .
إن تعلم علم الفقه والحقوق والأخلاق والسياسة ( التي هي من قبيل العلوم الإنسانية ) فهوليس مقدمة العمل . وان الفقه ليس مطلوباً ذاتاً من ناحية أنه علم بالحلال والحرام ، بل هو مطلوب لتجنب الحرام ، وامتثال الواجب ، وأمثال ذلك ، والإنسان يصبح فقيهاً عندما يعمل بأحكام الله ، وكذلك علم الأخلاق ليس مطلوب ذاتاً ، والإنسان يصبح عالماً بجميع الاخلاق حتى يتخلق في ظل علم الأخلاق .
المصادر :
1- سورة البقرة ، الآية : 129 .
2- سورة القيامة ، الآية : 20 .
3- سورة الفجر ، الآية : 20 .
4- دعاء كميل ، مفاتيح الجنان .
5- دعاء أبي حمزة الثمالي ، مفاتيح الجنان .
6- مناجاة المحبين ، مفاتيح الجنان .
7- سورة آل عمران ، الآية : 31 .
8- سورة آل عمران ، الآية : 159 .