عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

الملحمة الأخلاقية للسيدة الزهراء في التأريخ

 

الملحمة الأخلاقية للسيدة الزهراء في التأريخ

ما أكثر الأشخاص الذين يولدون ثم يموتون ويرحلون من دون أن يبقى لهم اسم وذكر وسرعان ما ينسون ليكونوا من سكان الوادي ... وادي النسيان، وقد تجد أناساً يظهرون كما تظهر النجوم في السماء فإذا هم من الخالدين، وهم أما أن يكونوا خالدين بوجود تاريخي مادي عيني أو وجود تاريخي فعلي سلوكي أو وجود تاريخي نظري.

والوجود التاريخي المادي يتحقق عبر الأجيال التي تنبثق عنهم في التوالد في  أولاد وأحفاد وأضرحة وشواهد في قبور ولحود كما هو الحال في الآثار الغنية لفنانين راحلين.

أما الوجود والحضور التاريخي الفعلي السلوكي فربما كان ايجابياً وربما كان سلبياً من خلال التقاليد والعادات والسلوكيات المتراكمة التي يؤسس لها شخص ما ويروج لها وفي الأدبيات الدينية يطلق على ذلك اصطلاح السنّة وجمعها سنن.

والوجود والحضور التاريخي النظري يتحقق من خلال شخصيات رفيعة ومعارف إنسانية نبيلة تستمر مع حركة الأجيال المؤمنة ومن خلال هذه الأبعاد الثلاثة يتحقق الخلود للبشر، ولقد كانت الزهراء مثالاً تحققت فيه كل هذه الأبعاد الثلاثة التي هي عناصر في خلود الإنسان.

1 ـ إن الحضور المادي للسيدة فاطمة الزهراء يتجلى في هذه الذرية فهي اليوم أم لما يناهز الخمسين مليون إنسان وهذه ظاهرة فريدة لم تتوفر ولن تتوفر لأية امرأة في تاريخ الإنسان على الإطلاق.

وبالرغم من غياب قبرها فإن حضورها المدهش يتضاءل أمامه


حضور أية شخصية لها قبر وضريح فهي أكثر حضوراً من سعدي وحافظ وابن سينا، وشاه جهان ونور جهان في تاج محل الذي هو من عجائب الدنيا السبع.

ثم يتجلى هذا الحضور في مظهر آخر عندما نجد في التاريخ دولة كبرى تتألق في شمال أفريقيا هي الدولة الفاطمية ثم نراها تتجلى في ملحمة ناصر خسرو الخالدة فاطمي ... فاطمي ... فاطمي.

ثم نرى عباس محمود العقاد بتدوين كتابه الموانع، >فاطمة والفاطميون، حيث يتطرق إلى تاريخ الدولة الفاطمية.

ثم نراها تتألق وتزهو من خلال أكبر جامعة في العالم؛ حيث الجامع الأزهر الذي أسسه الفاطميون في مصر وهو اليوم أكبر مركز ديني سني على الإطلاق.

2 ـ البعد النظري.

ويشكل الحضور لهذه السيدة الكبرى ظاهرة مدهشة حيث يتجلى في أمرين:

الأول: الإرث المعرفي للزهراء÷ الذي وصل إلينا.

الثاني: الحشد الكبير من الدراسات والبحوث والكتابات التي كان محورها الأساس شخصية السيدة فاطمة÷ إذ تعبر الدراسات والبحوث عن الزهراء÷ حدود الزمان والمكان والانتماء الديني والمذهبي فلقد شدّت إليها الباحثين بتحقيقاتهم والأدباء بروائعهم والفنانين بريشتهم والشعراء بعبقريتهم.

ولقد أجرى مؤلف كتاب فاطمة الزهراء([1]) دراسة حول ما ألف، وكتب عن السيدة الزهراء في سالف الزمان فأشار إلى 44 مخطوطة ينتمي مؤلفوها إلى مذاهب مختلفة كما أشار إلى (29) مطبوع وهو غيض من فيض مما كتب حولها÷.

وهذا الكتاب يعود تاريخه إلى سنة 1400 هـ 1980م وخلال هذه الأعوام المنصرمة ألف عن الزهراء العشرات، بل المئات من الكتب بل أن المؤلف أشار إلى ثلاثمئة مؤلف.

في سنة 1387 هـ. ق أجرت مكتبة العلمين العامة في النجف الأشرف مسابقة ورصدت ثلاثة جوائز قيمة للفائزين الثلاثة الأوائل وكانت المسابقة حول أفضل كتاب عن الزهراء وقد حصل على الجائزة الأولى سليمان كتاني عن كتابه الرائع: (فاطمة وتر في غمد) أما الجائزة الثانية فقد كانت من نصيب الشهيد عبدالزهراء عثمان محمد عن كتابه فاطمة الزهراء بنت محمد وكانت الجائزة الثالثة من نصيب السيد فاضل الميلاني الحسني عن كتابه فاطمة الزهراء أم أبيها.

وكان المستشرق الفرنسي الكبير ماسينيون قد جمع ملايين الكتابات والملاحظات وعدة من اللغات المختلفة مما كتب وسطر عن السيدة فاطمة الزهراء هادفاً إلى إخراج ذلك في أكبر أثر حول شخصية الزهراء، وبعد وفاته تصدّى لتنظيم ما جمعه المستشرق بعض خبراء الدراسات الإسلامية من الفرنسيين.

ويبرز الفيلسوف المعاصر هنري كوربان كإنسان هام في شخصية الزهراء ويتجلى ذلك في كتابه الشهير أرض الملكوت فلقد تحدث عنها الفيلسوف مجسداً إيمانه العميق بالزهراء.

إن هذا المجد الرفيع والمكانة الشامخة للزهراء قد تألق في ظروف مصيرية فلقد وعت الحياة وتحملت مسؤوليتها الإنسانية والأخلاقية وهي لا تزال طفلة صغيرة مع أنها قد رحلت وهي في عمر الربيع ومقتبل العمر ولكنها تركت وراءها عطراً فواحاً ملأ فضاء الدنيا وسار التاريخ كما تركت وراءها إرثاً خالداً وكان خطابها التاريخي في سنة 11هـ يشكل إنتاجاً ثقافياً فريداً من نوعه بعد غياب النبي’.

3 ـ البعد الفعلي.

كانت الزهراء وبالرغم من أنها قد توفيت وهي في الثامنة عشرة من ربيع العمر إلاّ أنها كانت سيدة تمثل النموذج والمثال ليس لبني جنسها وإنما لكل الإنسانية، وقد جاء في الأثر عن الإمام المهدي# قوله: >وفي ابنة رسول الله’ لي أسوة حسنة<([2]).

ومن هنا فهي أسوة وقدوة للأجيال في تجربتها الإنسانية وشخصيتها الأخلاقية.

يقول علماء الإجتماع: >إن أزمة جيل الشباب في بلدان العالم الثالث تكمن في غياب القدوة والمثال، وهنا تبرز شخصية الزهراء÷ لتكون في طليعة الشخصيات التي يمكن أساساً حلّ أزمة الشباب المسلم في عصرنا الحاضر.

ونحاول في هذه السطور إلقاء بعض الأضواء على مواقفها وأبعاد شخصيتها الإنسانية.

مرارة الحياة

في تفسير الثعلبي عن جعفر بن محمد الصادق‘ وتفسير القشيري عن جابر بن عبدالله الأنصاري إن النبي’ دخل بيت فاطمة فرآها وعليها كساء من أجلّة الإبل (خشن) وهي تطحن بيدها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله’ وقال: يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: يا رسول الله الحمد لله على نعمائه، والشكر لله على آلائه فانزل الله عز وجل {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى}([3])([4]).

الإنفاق في سبيل الله

روي إن إعرابياً جاء إلى النبي’ فأسلم وطلب من النبي أن يزوّده ولم يكن مع النبي بشيء فالتفت’ إلى أصحابه فقال: من يزوّد الإعرابي واضمن له على الله عزّ وجل زاد التقوى، فوثب الله سلمان الفارسي فقال: فداك أبي وأمي وما زاد التقوى؟ قال’: > يا سلمان إذا كان آخر يوم من الدنيا لقنك الله عز وجل قول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن أنت قلتها لقيتني ولقيتك وإن أنت لم تقلها لم تلقني ولم ألقك أبداً<.

فمضى سلمان حتى طاف تسعة أبيات من بيوت رسول الله’ فلم يجد عندهن شيئاً، فلما أن ولّى راجعاً نظر إلى حجرة فاطمة÷ فقال: >إن يكن خير فمن منزل فاطمة بنت محمد’، فقرع الباب فأجابته من وراء الباب: من بالباب؟ فقال لها: أنا سلمان فقالت له: يا سلمان وما تشاء؟ فشرح قصّة الإعرابي. قالت له: يا سلمان والذي بعث محمداً’ بالحق نبياً إن لنا ثلاثاً ما طعمنا، وإن الحسن والحسين قد اضطربا علي من شدّة الجوع، ثم رقدا كأنهما فرخان منتوفان ولكن لا أردّ الخير إذا نزل الخير ببابي.

يا سلمان خذ درعي هذا ثم امض به إلى شمعون اليهودي وقل له: تقول لك فاطمة بنت محمد: أقرضني عليه صاعاً من تمر وصاعاً من شعير أردّه عليك إنشاء الله تعالى.

فأخذ سلمان الدرع ثم أتى به إلى شمعون اليهودي فقال له: يا شمعون هذا درع فاطمة بنت محمد’ تقول لك أقرضني عليه صاعاً من تمر وصاعاً من شعير أردّه عليك إن شاء الله.

فأخذ شمعون الدرع ثم جعل يقلّبه في كفه وعيناه تذرفان بالدموع وهو يقول: يا سلمان هذا هو الزهد في الدنيا الذي أخبرنا به موسى بن عمران في التوراة، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فأسلم وحسن إسلامه ثم دفع شمعون إلى سلمان صاعاً من تمر وصاعاً من شعير فأتى به سلمان إلى فاطمة فطحنته بيدها واختبزته خبزاً ثم أتت به إلى سلمان فقالت: خذه وأمض به إلى النبي’: فقال لها سلمان: يا فاطمة خذي منه قرصاً تعللين به الحسن والحسين، فقالت: يا سلمان هذا شيء أمضيناه لله عزّ وجلّ لسنا نأخذ منه شيئاً<([5]).

وزارتها امرأة عجوز، وسألتها عن الصلاة فرأت الزهراء÷ تجيب بوجه منطلق وكانت العجوز ما أنفكت تسأل وتسأل وفاطمة÷ تجيب بوجه مشرق حتى استحت المرأة العجوز وقالت: لقد أثقلت عليك يا بنت رسول الله فقالت فاطمة÷: بل سلي ما تشائين، إنما مثل ذلك مثل أمرئ قيل له أحمل هذا الحمل ولك مئة ألف دينار؟ فهل يثقل عليه ذلك؟ قالت العجوز: لا؛ فقالت فاطمة÷: فسؤالك >لي يثيبني الله على جوابه من الثواب أضعاف ما ذكرت لك وقد سمعت رسول الله’ يقول إن العلماء يحشرون أمام الله عزّ وجلّ فيثيبهم الله على قدر عملهم وهدايتهم للناس([6]).

الجار ثم الدار

واستيقظ سيدنا الحسن× وكان صبياً فرأى أمه واقفة في محرابها وكانت ليلة جمعة وهي تعبد الله راكعة ساجدة وتدعو لجيرانها فلم تدع أحداً ألا ذكرته ولم تذكر نفسها حتى طلع الفجر فقلت (الحسن المجتبى) يا أماه ألا تدعين لنفسك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار.

وكانت السيدة الزهراء تهتم بتربية ولديها فتجهزهم ثم ترسلهم إلى النبي’ لتعلم القرآن([7]).

تشرب القرآن

وكانت السيدة فاطمة الزهراء لا تجد أنساً مثلما تجده في تلاوة آيات القرآن الكريم، جاء في الأثر أن رسول الله’ بعث سلمان إلى فاطمة قال سلمان: فوقفت بالباب وقفة حتى سلمتُ، فسمعتُ فاطمة تقرأ القرآن من جوّ أو الرحى تدور من برّ أو وما عندما أنيس، فأخبرت رسول الله’ بذلك فتبسم’ وقال يا سلمان أن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً<([8]).

القلادة المباركة

وروى جابر بن عبدالله الأنصاري قال: صلى بنا رسول الله’ صلاة العصر فلمّا انفتل جلس في قبلته والنّاس حوله، فبيناهم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل قد تهلّل وأخلق وهو لا يكاد يتمالك كبراً وضعفاً، فأقبل عليه رسول الله’ يستحثّه الخبر فقال الشيخ: يا نبيَّ الله أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني، وفقير فارشني.

فقال’: >ما أجد لك شيئاً ولكنَّ الدالَّ على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل من يحبُّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة، وكان بيتها ملاصق بيت رسول الله’ الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه، وقال: يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة، فانطلق الأعرابيُّ مع بلال، فلمّا وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل، بيت النبوّة! ومختلف الملائكة، ومهبط جبرائيل الرُّوح الأمين بالتنزيل، من عند ربِّ العالمين فقالت فاطمة: وعليك السّلام فمن أنت يا هذا؟ قال: شيخ من العرب أقبلت على أبيك سيّد البشر مهاجراً من شقّة وأنا يا بنت محمّد عاري ا لجسد، جائع الكبد فواسيني يرحمك الله، وكان لفاطمة وعليّ في تلك الحال ورسول الله’ ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول الله’ ذلك من شأنهما.

فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن والحسين فقالت: خذ هذا أيُّها الطارق! فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه، قال الأعرابي: يا بنت محمّد شكوت إليك الجوع فناولتني جلد كبش ما أنا صانع به مع ما أجد من السّغب.

قال: فعمدت لمّا سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمِّها حمزة بن عبدالمطّلب، فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي فقالت: خذه وبعه فعسى الله أن يعوّضك به ما هو خير منه، فأخذ الأعرابيُّ العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله والنبيُّ’ جالس في أصحابه، فقال: يا رسول الله أعطتني فاطمة [بنت محمّد] هذا العقد فقالت: بعه فعسى الله أن يصنع لك.

قال: فبكى النبيُّ’ وقال: وكيف لا يصنع الله لك وقد أعطتكه فاطمة بنت محمّد سيّدة بنات آدم.

فقام عمّار بن ياسر رحمة الله عليه فقال: يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد؟ قال: اشتره يا عمّار فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم الله بالنّار، فقال عمّار: بِكَمْ العقد يا أعرابيُّ؟ قال: بشبعة من الخبز واللّحم، وبردة يمانيّة أستر بها عورتي وأُصلّي فيها لربي، ودينار يبلغني إلى أهلي، وكان عمّار قد باع سهمه الذي نفله رسول الله’ من خيبر ولم يبق منه شيئاً فقال: لك عشرون ديناراً ومأتا درهم هجريّة وبردة يمانيّة وراحلتي تبلّغك أهلك وشبعك من خبز البرِّ واللّحم.

فقال الأعرابيُّ: ما أسخاك بالمال أيُّها الرَّجل، وانطلق به عمّار فوفّاه ما ضمن له.

وعاد الأعرابيُّ إلى رسول الله’، فقال له رسول الله’: أشبعت واكتسيت؟ قال الأعرابيُّ: نعم واستغنيت بأبي أنت وأُمّي، قال: فاجز فاطمة بصنيعها فقال الأعرابيُّ: اللّهم إنَّك إله ما استحدثناك، ولا إله لنا نعبده سواك وأنت رازقنا على كلّ الجهات اللّهمَّ أعط فاطمة ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت.

فأمّن النبيُّ’ على دعائه وأقبل على أصحابه فقال: إنَّ الله قد أعطى فاطمة في الدُّنيا ذلك: أنا أبوها وما أحد من العالمين مثلي، وعليٌّ بعلها ولولا عليٌّ ما كان لفاطمة كفو أبداً، وأعطاها الحسن والحسين وما للعالمين مثلهما سيّدا شباب أسباط الأنبياء وسيّدا شباب أهل الجنّة ـ وكان بازائه المقداد وعمّار وسلمان ـ فقال: وأزيدكم؟ قالوا: نعم يا رسول الله.

قال: أتاني الرُّوح يعني جبرئيل× أنّها إذا هي قبضت ودفنت يسألها الملكان في قبرها: من ربُّك؟ فتقول: الله ربّي، فيقولن: فمن نبيّك؟ فتقول: أبي، فيقولان: فمن وليّك فتقول: هذا القائم على شفير قبري عليُّ بن أبي طالب×.

ألا وأزيدكم من فضلها: إنَّ الله قد وكّل بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها وهم معها في حياتها وعند قبرها وعند موتها يكثرون الصّلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.

فمن زارني بعد وفاتي فكأنّما زارني في حياتي. ومن زار فاطمة فكأنّما زارني، ومن زار عليَّ بن أبي طالب فكأنّما زار فاطمة، ومن زار الحسن والحسين فكأنّما زار علياً، ومن زار ذريّتهما فكأنّما زارهما.

فعمد عمّار إلى العقد، فطيّبه بالمسك، ولفّه في بردة يمانيّة، وكان له عبد اسمه سهم ابتاعه من ذلك السّهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك وقال له: خذه هذا العقد فادفعه إلى رسول الله’ وأنت له، فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول الله’ وأخبره بقول عمّار، فقال النبيُّ: انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد وأنت لها، فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله’ فأخذت فاطمة÷ العقد وأعتقت المملوك، فضحك الغلام، فقالت: ما يضحكك يا غلام؟ فقال: أضحكني عظم بركة هذا العقد، أشبع جائعاً، وكسى عرياناً وأغنى فقيراً، وأعتقد عبداً، ورجع إلى ربِّه (صاحبه)([9]).

أوقافها

وقد أوقفت السيدة الزهراء سبعة بساتين على بني هاشم وبني عبدالمطلب وجعلت علياً وصياً على ذلك وبعد علي أبنها الحسن وبعد الحسن أبنها الحسين، وهكذا إلى الأكبر من ولده وهذه البساتين هي: العوان، الدلال البرقة، المثبب الحسنى، الصافية وما لأم إبراهيم([10]).

قالوا فيها

سئلت السيدة عائشة: أي الناس أحب لرسول الله’؟

قالت: فاطمة.

فقيل: ومن الرجال؟

قالت: زوجها إن كان ما علمت صواماً قواماً([11]).

وقالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله’ من فاطمة وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها وكذلك كانت تضع هي.

وقالت أيضاً: ما رأيت أحداً أفضل من فاطمة غير أبيها.

وقالت أيضاً: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها([12]).

وقال أبو نعيم الأصبهاني في السيدة الزهراء÷: من ناسكات الأصفياء وصفيات الأتقياء فاطمة (رضى الله عنها). السيد البتول، البضعة الشبيهة بالرسول كانت عن الدنيا ومتعتها عازفة وبغوامض عيوب الدنيا وآفاقاها عارفة([13]).

وقال علي بن محمد الجزري (ابن الأثير): كانت أحب الناس إلى رسول الله’ ... وانقطع نسل رسول الله’ إلاّ منها وقال زين العرب: سميت فاطمة بتولاً لانقطاعها عن نساء الأمة فضلاً وديناً وحسباً.

وقال ابن أبي الحديد: وأكرم رسول الله’ فاطمة إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنون وأكثر من أكرم الرجال لبناتهم حتى خرج بها من حدّ حب الآباء للأولاد، فقال بمحضر الخاص والعام مراراً لا مرّة واحدة وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد: أنها سيدة نساء العالمين وأنها عديلة مريم بنت عمران، وأنها إذا مرت في الموقف (يوم القيامة) نادى مناد من جهة العرش: يا أهل الموقف غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد .... وكم قال’: >يؤذيني ما يؤذيها ويغضبني ما يغضبها وأنها بضعة مني يريبني ما رابها<([14]) .

وقال علي بن الصباغ المالكي: >ثالثة الشمس والقمر بنت خير البشر الطاهرة الميلاد السيدة بإجماع أهل السداد<([15])

وقال شمس الدين الذهبي: >كان النبي’ يحبها ويكرمها ويسر إليها ومناقبها غزيرة وكانت صابرة، دينة، خيرة قانعة، شاكرة لله<([16]).

وقال أحمد الشرباصي: >فاطمة البتول الزهراء بنت رسول الله’ وأحب الناس إليه وأفضل نساء الدنيا وسيدة نساء ال جنة في الآخرة<([17]).

وقال الدكتور علي إبراهيم حسن: >وحياة فاطمة هي صفحة فذة من صفحات التاريخ تلمس فيها ألوان العظمة، فهي ليست كبلقيس أو كيلوباترا استمدت كل منهما عظمتها عن عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر ... لكننا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلى العالم وحولها هالة من الحكمة والجلال، حكمة ليس مرجعها الكتب والفلاسفة والعلماء، وإنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات والمفاجآت، وجلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء وإنّما من صميم النفس.

وقال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي:

إنها÷ قد خصت بفضل سجايا منقوص عليها بانفرادها، وفضلت بخصائص مزايا صرّح اللفظ النبوي بإيرادها، وميزت بصفات شرف تتنافس الأنفس النفيسة في آحادها([18]).

وقال سليمان الكتاني: فاطمة الزهراء هذه مثال المرأة التي يريدها الله وقطعة من الإسلام المجسّد في محمد وقدوة في حياتها للمرأة المسلمة وللإنسان المؤمن في كل زمان ومكان.

إن معرفة فاطمة فصل من كتاب الرسالة الإلهية ودراسة حياتها محاولة لفقه الإسلام وذخيرة قيمة للإنسان المعاصر. فاطمة الزهراء([19]).



([1]) علي محمد علي الدخيل.

([2]) بحار الأنوار: 53/178 باب 31، ح9.

([3]) سورة الضحى: الآية 5.

([4]) المناقب: 3/342؛ بحار الأنوار: باب 4، ح8.

([5]) رياحين الشريعة: 1/130؛ بحار الأنوار: 43/71 باب 3ح 61.

([6]) المحجة البيضاء: 1/30.

([7]) مسند أحمد بن حنبل: 1/236.

([8]) فاطمة الزهراء أم أبيها.

([9]) بشارة المصطفى: 137؛ بحار الأنوار: 43/56 باب 3 ح5.

([10]) أعلام النساء: علي محمد علي دخيل نقلاً عن أعيان الشيعة: 2/488؛ الكافي: 7/48.

([11]) أسد الغابة: 5/552.

([12]) سير أعلام النبلاء<2/92.

([13])  حلية الأولياء 2/39.

([14]) شرح نهج البلاغة 9/939.

([15]) الفصول المهمة/128.

([16]) سيرة النبلاء 2/88.

([17]) نفحات من سيرة السيدة زينب/7.

([18]) مطالب السؤول/20.

([19]) وتفر في غمد/17 ـ 18.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...
صدق الحدیث
السيد الشاه عبدالعظيم الحسني رضوان الله عليه
كلمات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) القصار

 
user comment