بعض الاوصاف العلمية للملائكة :
من بين الأوصاف العلمية للملائكة هي انه كما ان الملائكة شاهدون بوحدانية الله ، كذلك هم شاهدون برسالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، لذا نقرأ في القرآن الكريم :
( لكن الله يشهد بما أنزل إليك انزله بعلمه والملائكة يشهدون ) (3) .
وهذه الصفة العالية ـ أي الشهادة برسالة خاتم الأنبياء ـ ثابتة للناس أيضاً . قال تعالى في نهاية سورة الرعد :
( ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) (4) . وجملة ( من عنده علم الكتاب ) طبقت على أمير المؤمنين عليه السلام .
بناء على هذا ، فان الإنسان يشهد بالشيء يشهد به الملائكة .
____________
(1) سورة الزخرف ، الآية : 19 .
(2) سورة النجم ، الآية : 27 .
(3) سورة النساء ، الآية : 166
(4) سورة الرعد ، الآية : 43 .
( 90 )
وجميع المكلفين ، نساء ورجالاً يشهدون بوحدانية الله تعالى ورسالة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في جميع الصلوات وآذان وإقامة الصلوات . هذه الشهادة بالرسالة ـ في مدخل الصلاة ـ باسم ( الآذان والإقامة ) وفي ( التشهد ) هي الطريق العلمي للملائكة .
التولي والتبري :
من الأوصاف العلمية اللملائكة : ( التولي والتبري ) . وقد مر في ذيل الآية 4 من سورة التحريم جزء من تولي الملائكة ، وفي هذا القسم نذكر بعضاً من ذلك . قال تعالى :
( ان الله وملائكته يصلون على النبي ) .
ثم قال :
( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) (1) .
الله سبحانه يصلي على النبي ، وكذلك الملائكة يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك المؤمنون نساءً ورجالاً مكلفون بالصلاة على النبي ، في الصلاة وغير الصلاة .
بناء على هذا فان الصلاة والتسليم وهما عمل الملائكة ، موضع أمر الناس أيضاً . ان شهادة الملائكة بوحدانية الله والرسالة هو أمر علمي والصلاة أمر عملي ، فالناس يشاركون الملائكة في أمر علمي وأمر عملي أيضاً .
وكما ان التبري إلى جانب التولي يعد من فرائضنا الدينية ، وكما ان الصلاة والصوم واجبان ، فإن تولي أولياء الله والتبري من أعداء الله واجبان على جميع المكلفين ، وكما أن الملائكة لهم تولٍ كذلك لهم تبري ، وفي
____________
(1) سورة الاحزاب ، الآية : 56 .
( 91 )
مسألة تبري الملائكة قال القرآن الكريم :
( ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) (1) .
وكلمة ( ناس ) في الآية لا تختص بالرجل ، لعنة الناس على الكافرين ، كذلك لعنة الملائكة على الكافرين .
الملائكة سفراء الله :
ان مجموع الأوصاف العلمية التي يعود بعضها إلى الشهادة بالوحدانية وبعضها إلى الشهادة بالرسالة ، والأوصاف العملية التي يعود بعضها إلى التولي وبعضها إلى التبري أصبحت عاملاً لأن يطرح الملائكة بصفة سفراء كرام الله ، قال تعالى :
( بأيدي سفرة * كرامٍ بررة ) (2) .
أي أن كتاب دعوتي هذا وصلكم بواسطة سفرة كرام ، أي انه تعالى لم يرسل سفيراً صغيراً ، بل سفيراً مكرماً ، وقال : فيها كتب قيمة ، صحف مطهرة وقيمة ( بأيدي سفرة * كرام بررة ) ، أرسل بواسطة الملك المكرم ، رسالة كرامة ، ولذا أصبح الإنسان كريماً :
( ولقد كرمنا بني آدم ) (3) .
كرامة الملائكة :
التعبير في القرآن الكريم عن الملائكة هو انهم عباد مكرمون :
( وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 161 .
(2) سورة عبس ، الآيتين : 15 ـ 16 .
(3) سورة الاسراء ، الآية : 70 .
(92)
بالقول وهم بأمره يعملون ) (1) نفس التعبير عن العباد الصالحين في سورة الفرقان ، موجودة بشأن الملائكة في هذا الجزء من القرآن ، في سورة الفرقان يذكر العباد الصالحين بصفة عباد الرحمن :
( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) (2) .
كلمة ( عباد الرحمن ) هذه من أبرز الأوصاف التي اختارها الله للناس الشرفاء ، ونفس هذا اللقب الشريف اطلقه على الملائكة وقال :
( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ) .
عباد الرحمن ليسوا رجالاً ولا إناثاً ، الملائكة هم عباد الرحمن كما ان سائر الناس الصالحين هم عباد الرحمن . لذا قال تعالى :
( ان الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى * وما لهم به من علم ان يتبعون إلا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئاً ) (3) .
إن كلام الذين يقولون بأنوثة الملائكة ليس علمياً ، بل قائم على الظن ، والمظنة لا تفيد في الرؤية الكونية والمسائل الاساسية ولا تحل محل العلم . يمكن ان يكون دليل الحجية في المسائل العملية والفرعية مظنة ، تحل المظنة مكان العلم ، وتعمل المظنة عمل اليقين ، ولكن لا تستطيع المظنة ان تفعل شيئاً في الرؤية الكونية والمسائل الأساسية .
خلاصة البحث :
أ ـ ان الله تعالى مدح الناس بالكرامة التي هي صفة الملائكة ودعاهم
____________
(1) سورة الأنبياء ، الآيتين : 26 ـ 27 .
(2) سورة الفرقان ، الآية : 63 .
(3) سورة النجم ، الآيتين : 27 ـ 28 .
(93)
إلى تلك الكرامة ، وهذا دليل على ان ما بينه الله في القرآن بشأن الملائكة قرره أيضاً للناس الصالحين ـ سواء كانت كمالات علمية أو كمالات عملية ـ .
ب ـ الملائكة لا هم مذكر ولا مؤنث ، فالذي يسلك طريق الملك لا هو مذكر ولا مؤنث ، والإنسان هو الذي يسير في طريق الملائكة والإنسان لا هو رجل ولا امراة ، لأن إنسانية الإنسان هي بروحه . والروح منزهة عن الذكورة ومبرئة من الأنوثة .
ج ـ الذين كان لديهم توهم أنوثة الملائكة ، قال تعالى ان توهمهم ناشىء من عدم الإيمان ، لأنه لم يخلق الله الملائكة إناثاً ولم يكن أولئك شاهدين خلق الملائكة .
د ـ سنلاحظ ان الله تعالى يقسم بخلق المرأة والرجل ، ويعطي للمخلوقات والخلق قيمة وفي هذه الناحية ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل .
ذكر شواهد قرآنية (2) :
خلق الإنسان وخلافته :
يحلل الله تعالى مسألة الإنسان إلى أصل هي الروح ، وإلى فرع هو الجسم ويسند هذا الفرع إلى الطين والتراب والطبيعة والمادة .
( إني خالق بشراً من طين ) (1) .
ويسند ذلك الأصل إليه ويقول :
( ونفخت فيه من روحي ) (2) .
____________
(1) سورة ص ، الآية : 71 .
(2) سورة الحجر ، الآية : 29 .
(94)
وفي سورة المؤمنون حين تصل مسألة الجنين إلى النهاية ويقطع الطفل المراحل الجنينية يقول تعالى :
( ثم أنشأناه خلقاً أخر ) (1) .
أعطيناه الروح ، أي الروح تأتي عندما تكون مسألة المرأة والرجل قد انتهت ، أي بعد :
( فكسونا العظام لحماً ) (2) .
عندما قام المصور بالتصوير وانتهت مسألة الذكورة والأنوثة ، قال : ( ثم أنشأناه خلقاً آخر ) ، وذلك الخلق الآخر ليس مكوناً ذكور وإناث .
في سورة القيامة نقرأ آية تشير بشكل كامل إلى أن ارتباط الذكورة والأنوثة يعود إلى الطبيعة والمادة لا إلى الروح . قال تعالى :
( ألم يك نطفة من منّي يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوّى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى )(3) هذه الآية تشير إلى ان الوالدين لا يقومان إلا بالإمناء ، وما يسمى بالخلق هو من الله .
في هذه الآية يقول تعالى بأن المذكر والمؤنث يعود إلى ( منّي يمنى ) لا إلى ( نفخت فيه من روحي ) كيفية الصورة مختلفة ، مسألة المذكر والمؤنث هي من العلقة وما بعد ذلك ، ومسألة الذكور والإناث مطروحة في نظام البدن . وبعد ان تنتهي مسألة الذكور والإناث ، يأتي عند ذلك دور الروح ، وسواء فسرت الروح على أساس ، ما يعين ان ( الأرواح جنود مجندة ) حيث يقول البعض ان الارواح هي قبل الأبدان ، أو على أساس ان
____________
(1) سورة المؤمنون ، الآية : 14 .
(2) المصدر السابق .
(3) سورة القيامة ، الآيات : 37 ـ 39 .
(95)
الروح المجردة تحدث متزامنة مع كمال البدن ، أو على أساس ثالث . فعلى أيّ حال فإن الروح هي بعد حدوث الذكورة والأنوثة ، أي أنه بعد أن يعبر البدن مرحلة المذكر والمؤنث ، عند ذلك حديث الروح ، وهذا يجب تبيينه في الفصل الثاني والثالث بالاستعانة بالفصل الأول .
ولأن الله تعالى يعتبر عمل الوالدين الإمناء وعمله الخلق ، لذا يثمن عمله ويقسم في جملة واحدة وسياق واحد بخلق المرأة والرجل ويعطي هذه الخلقة حرمة ويقول :
( والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى ) (1) .
عندما يقسم بالليل ويقسم بالنهار في حالتيهما المتنوعتين ، يقسم أيضاً بخلق المرأة والرجل لأن كلمة ( ما ) في ( وما خلق الذكر والأنثى ) هي مصدرية ، الخلق هو موضع القسم ، وليس المخلوق ، والله لا يقسم بالمرأة والرجل ، بل يقسم بخلق المرأة والرجل وهو فعله ، ولو لم يكن الاثنان محترمين ، لما أقسم بخلقهما .
الزوج والزوجة في القرآن :
كلمة زوج وزوجة متقابلتان في التعابير العرفية ، ولكن القرآن الكريم كما يرى الرجل زوجاً يرى المرأة كذلك . يعد المرأة زوجاً ، فكلمة زوجة أو زوجات لم تستعمل في القرآن ، بل يستعمل أزواج . المرأة زوج كما ان الرجل زوج ويعبر بأن الله خلق آدم . وخلق زوجه من تلك النفس .
( وخلق منها زوجها ) (2) .
____________
(1) سورة الليل ، الآيات : 1 ـ 3 .
(2) سورة النساء ، آية : 1 .
(96)
ولأن الزوج هو الشيء الذي يصبح الواحد بواسطته اثنين . فحين يرد كلام عن المرأة والرجل ، يقول :
( فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ) .
أو يذكر نساء الجنة بصفة ( أزواج ) مطهرة . لا ( زوجات ) . وكما ان الرجل هو زوج المرأة ، فالمرأة أيضاً هي زوج الرجل ، أحياناً يرد الكلام عن الزوج والزوجة لرفع الالتباس والتكلم على أساس المعايير الأدبية والدراسية ، وإلا فتعبير القرآن الكريم بشأن المرأة والرجل متساوٍ .