عربي
Sunday 28th of April 2024
0
نفر 0

عظمة المرأة في قاموس الوحي

عظمة المرأة في قاموس الوحي :
يتضح من هذا التقييم أن عظمة المرأة كانت موجودة في قاموس الوحي قبل نزول القرآن ايضاً ، ولا تختص بالقرآن ، بل إنها طرحت في الإنجيل والتوراة وصحف إبراهيم أيضاً ، فالتكلم مع الملائكة وتلقي بشارتهم ، وطرح الكلام عليهم ، وسماع كلامهم ، كل هذه هي حالات كانت المرأة مساهمة كالرجل في جميع ميادينها . وإذا كان أبو نبي تكلم مع الملائكة ، فإن أم النبي تحادثت معهم أيضاً . لذا نرى أنه تعالى عندما يذكر النساء في القرآن ، يعد أم مريم أو نفس مريم جزءاً من آل عمران ويجعلها في زمرة الأصفياء . قال تعالى في القرآن :
____________
(1) سورة هود ، الآية : 71 .
(2) سورة هود ، الآيتين : 72 ـ 73 .


(156)


( ان الله أصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) (1) . والمقصود من عمران هذا هو عمران أبو مريم ، وليس عمران أبو موسى ، لأن عمران أبا موسى لم يرد اسمه في القرآن ، أساساً . ثم قال الله تعالى : ( إذ قالت امرأة عمران ربّ اني نذرت لك ما في بطني محرراً ) (2) . إن الله تعالى عرف هاتين الإمرأتين بعنوان صفوة الناس في العالم . وفي نهج البلاغة نقرأ ان أمير المؤمنين عليه السلام قال بشأن فاطمة الزهراء عليها السلام .
« قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري » (3) .
فالإمام يذكرها بعنوان صفية أي هي صفوة الله ، مريم هي صفوة الله أيضاً ؛ وأم مريم هي صفوة الله حسب الظاهر أيضاً ، لأن آل ، يعني أهل ، وأم مريم كانت أهل عمران ، أي ان عمران الذي هو أبو مريم يعدّ رأس سلسلة هذه الأسرة ، ويقال للمنسوبين لهذه الأسرة آل عمران ؛ فكلتا الامرأتين مصطفاة لله .
____________
(1) سورة آل عمران ، الآيتين : 33 ـ 34 .
(2) سورة آل عمران ، الآية : 35 .
(3) نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح الخطبة 202 .

المرأة في العرفان


(158)

 


(159)

معنى الخلافة الإلهية

طرح في البحوث المتقدمة بحث قصير حول الخلافة الإلهية واتضح ان الخلافة متعلقة بمقام الإنسانية وليست متعلقة بشخص او صنف خاص ، أي أن آدم عليه السلام لم يكن بشخصه خليفة الله ، بل إن مقام الإنسانية هو خليفة الله ، لذا فان المقام الكامل للخلافة الإلهية متوفر في الأنبياء وأولياء الله خاصة العترة الطاهرة عليهم السلام ، وكما ان هذا المقام لا يختص بشخص فإنه لا ينحصر أيضاً بصنف ، لأنه للإنسانية ، والإنسانية منزهة عن الذكورة والأنوثة .
يلزم في بداية هذا البحث تقديم توضيح أكثر حول معنى الخلافة الإلهية .
ان معنى الخليفة هو الذي يظهر من ( خلف ) وفي غيبة ( المستخلف عنه ) ، أي أن شخصاً غائب في مكان أو زمان معين ، فيملأ آخر ذلك الفراغ ، في ذلك الزمان أو ذلك المكان ، ويتولى عمل المستخلف بشكل مؤقت ، وهذا الأمر جائز في حالة الكائن المحدود الذي هو موجود في مكان وغير


(160)


موجود في أماكن أخرى ، أو موجود في زمان وغير موجود في أزمنه أخرى ، أو موجود في مرتبة ولا يوجد في مراتب أخرى ، لأنه يوجد بشأن مثل هذا الكائن فرض الغيبة والشهادة ، والحضور والغياب ، ويجوز أيضاً قبلو الخلافة ، وأما إذا كان الموجود حاضراً في كل مكان وشاهداً في كل زمان ، وهو مع الجميع في كل المراتب الوجودية ، وفي كل الحالات ( وهو معكم أين ما كنتم ) (1) ، هذا الموجود ليس له غيبة لأنه حاضر دائماً ، وعندما لا تكون له غيبة لا يحتاج إلى خلافة أيضاً ، بناء على هذا يجب ان يلحظ معنى أدق بشأن خلافة هذا الموجود ، وهو أن الشخص يمكن ان يكون خليفته إذا كان آيته الكبرى كما ان المستخلف عنه ليس له حضور وغياب ، وهو حاضر دائماً ، وليس له غيبة وشهادة بل هو ( على كل شيء شهيد ) (2) ، أي لا يكون لدى الخليفة بدوره ، غيبة وشهادة ، أو حضور وغياب ويكون في جميع الظروف ومع جميع الناس ، ولا يصل إلى هذا المقام إلا الإنسان الكامل .
الإنسان الكامل ، آية الله الكبرى :
الإنسان الكامل هو ذلك الموجود الذي هو آية كبرى لله ، ولأنه آية كبرى لله . فهو مظهر ( والظاهر ) (3) في مظاهر العالم ، ومظهر ( والباطن ) (4) في غير عالم الظاهر ، وله حضور مع الأوراح وحاضر مع الأبدان .
ولأمير المؤمنين عليه السلام كلام رفيع بشأن أصل الخلافة ، حيث قال في
____________
(1) سورة الحديد ، الآية : 4 .
(2) سورة الحج ، الآية : 17 .
(3) سورة الحديد ، الآية : 3 .
(4) سورة الحديد ، الآية : 3 .


(161)


أحد الأدعية :
( اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الحضر ، ولا يجمعهما غيرك ؛ لأن المستصحب لا يكون مستخلفاً ، والمستخلف لا يكون مستصحباً ) (1) .
هذا الموجود يتطلب خليفة هكذا ، أي أنه إذا بلغ كائن كمال القرب لله ، يصبح آية كبرى لله ، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال :
« مالله آية أكبر مني » (2) .
ولأن العترة الطاهرة عليهم السلام هم نور واحد ، وكلامهم كلهم هو انه ( مالله آية أكبر مني ) ، فهؤلاء أقرب إلى الله من سائر الكائنات قطعاً ، ولما كانوا أقرب إلى الله ، تظهر الأوصاف الإلهية فيهم أكثر من الآخرين أيضاً ، وتلك الجامعية التي لديهم يفتقدها الآخرون ، ولما كان هؤلاء جامعي الحضور والغياب والظاهر والباطن . استطاعوا ان يكونوا خليفة الله ، يكونوا خليفة الله في زمان غيبتنا ، وفي مكان غيبتنا ، وفي زمان حضورنا وظهورنا ، عندما نكون موجودون ، فهم معنا أيضاً ومصاحبون حاضرون ، وعندما نكون غير موجودين فهم خليفتنا ؛ لأنهم خليفة الله الذي ( هو الباطن ) . إذا وصل شخص إلى هذا المقام لا يقوم بشيء عدا الخير ، ورؤيته محيطة وسعيه غير محدود ، ومثل هذا الموجود يمكن ان يكون خليفة الله .
إذا حلل هذا المعنى يتضح ان الذكورة والأنوثة ليست لها فيه دور أساساً ؛ لأن ما هو غائب مع حفظ حال الحضور ، ومع حفظ حال الغيبة ، أي ظاهر وباطن هي روح الإنسان وليس البدن . فالبدن إذا كان حاضراً في
____________
(1) نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح ، الخطبة 46 ص 86 .
(2) بحار الأنوار ، ج 36 ، ص 1 .


(162)


مكان ، فهو ليس حاضراً في مكان آخر ، وإذا كان له حضور في زمان ، يمكن ان لا يكون له حضور في زمان آخر .
عندما يخبر الله تعالى عن الناس يقول بانهم كلهم مجاري فيض ، وان ما تقوم به أيديهم من أعمال يقوم بها الله في الحقيقة ، غاية الأمر أنهم مجرى فيض وخليفة لله ، وتولوا رسالته ، مع هذا الفرق وهو انه تعالى لا يرى ، ولكن مظاهره مرئية .

المسكين رسول الله :
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب نهج البلاغة انه قال :
« إن المسكين رسول الله » (1) .
هذا الكلام هو من أجل تعريفنا بأصل عام ، فالإمام علي عليه السلام يقول : إن السائل من أهل المسكنة والحاجة إذا جاءكم ، فهو رسول الله إليكم ، وان الله أرسله ، غاية الأمر إن الإنسان العادي الذي ليس لديه رؤية توحيدية ، والمحروم والغافل عن الشهود الافعالية للتوحيد ، يظن ان السائل جاء لطلب شيء لكي يرفع حاجته المادية ، غافلاً عن أن هذا السائل جاء من مكان بعيد ، ومعه رسالة الله ، والله تعالى أعطاه مأمورية ، في أن يطلب شيئاً منكم أنتم المتمكنين ، ويأخذ حقهُ المسلم ، ولم يأت حتى تعطوه شيئاً من حقكم .
قال تعالى :
( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) (2) .
للشخص الذي لديه قدرة السؤال ، أو ليس لديه قدرة السؤال ، حق
____________
(1) نهج البلاغة ، الفيض ، الحكمة 296 .
(2) سورة الذاريات ، الآية : 19 .


(163)


معلوم ومسلم ، وحقه المسلم موجود في مال المستطيعين ، وإذا لم يعط شخص هذا الحق يعيش عيشة غاصبة ( وفي أموالهم حق ) ، هذا الموضوع طرح في قسمين من الآيات ، حيث جاء في أحد الأقسام ( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) وجاء في القسم الآخر :
( في أموالهم حق معلوم ) (1) .
من ناحية أخرى قال تعالى لصاحب الحق بأن يذهب ويقول عن الله بأن يعطوه حقه .
لذا على أساس ما جاء في ذلك الحديث ، ان الشخص السائل يعد رسول الله . ويجب ان يتعامل الإنسان مع السائلين بهذه الرؤية التوحيدية ، ويسعى لأن يكون الشيء الذي يعطيه للسائل من أطهر أمواله .
( انفقوا من طيبات ما كسبتم ) (2) .
ويسعى أيضاً أن يعطي ذلك المال باخلاص واحترام ، وليس بالمن والأذى .
( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) (3) .
يعطي بدون من وأذى ، وكذلك بأدب واحترام ، ويكون شاكراً لله لتأديته الحق الإلهي ، ويكون شاكراً لأن جاءه رسول الله ، لذا أمر الأئمة عليهم السلام بإعانة المسكين ، وقاموا أيضاً بهذا العمل ، لذا ورد في الروايات أن الأئمة المعصومين عليهم السلام كانوا يضعون أحياناً أيديهم فوق رؤوسهم بعد إعطاه مال إلى مسكين ، ويمسحون عيونهم بأيديهم أحياناً ،
____________
(1) سورة المعارج ، الآية : 24 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 267 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 264 .


(164)


يقبلون أيديهم أحياناً ، ويشمونها أحياناً (1) ويقولون : إن أيديهم هذه لاقت محمد يد رسول الله .
إن الملائكة ليست فقط وحدها « مدبرات أمر » (2) بل الناس أيضاً يقولون الخلافة الإلهية في كل مكان ، غاية الأمر إن الإنسان الأكمل له خلافة ، والإنسان المتوسط نصيبه خلافة وسطى ، والإنسان النازل حصته مرحلة خلافة نازلة .
بناء على هذا فإن الإنسان ما دام يسير في مسير الفضيلة والحق فهو خليفة الله ، وعندما يسير في مسير الضلالة فهو تحت ولاية الشيطان .
( كتب عليه أنه من تولاه فانه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ) (3) .
ورغم ان الشيطان نفسه هو تحت ولاية الاسم المضل للحق ، ولكن الناس الفاسقين هم تحت ولاية الشيطان ، حيث يذكرهم الله سبحانه بعنوان ( مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير ) (4) أو بعنوان ( اتخذوا ...بشياطين أولياء ) (5) وأمثال ذلك ، وبهذا المعنى يبين أيضاً أن مسألة الخلافة في كل الأقسام الثلاثة العالي والمتوسط والداني منزهة عن الذكورة والأنوثة .

النساء وبلوغ مقام الخلافة الإلهية :
سؤال آخر يطرح في هذا المجال ، وهو أنه إذا كان الإنسان هو خليفة ومقام الإنسانية هذا منزه عن الذكورة والأنوثة فلماذا بلغ رجال كثيرون
____________
(1) وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 303 .
(2) (
فالمدبرات أمرا ) سورة النازعات ، الآية : 5 .
(3) سورة الحج ، الآية : 4 .
(4) (
مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير ) سورة الحديد ، الآية : 15 .
(5) سورة الأعراف ، الآية : 30 .


(165)


هذا المقام ، ولكن من بين النساء هناك فقط أربع نساء بلغن هذا المقام ؟ جواب هذا السؤال هو :
أولاً : هناك كثيرون من النساء اللواتي لم تسجل فضائلهن في التاريخ .
وثانياً : إن هذه النساء الاربع لا تدل على الحصر .
ثالثاً : إذا كان لدى المجتمع نضج أكثر فانه يسعى لوضع إمكانات الرقي والسعادة تحت تصرف كلا الصنفين ، وإذا كان المجتمع متأخراً ، فيجب عدم كتابة هذا ( التحجر الفكري للمجتمع ) على الدين ؛ لأن الدين فتح الطريق لكلا الصنفين ، ولم يشترط الذكورة لأي كمال ، يمنعه بالأنوثة ، والاشتراط بالذكورة والأنوثة يتعلق بالأعمال التنفيذية ، والاسئلة المتعلقة بالأقسام التنفيذية ستطرح في البحوث الفقهية ، كما سيطرح كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة ، وتبين إن شاء الله الأجوبة المناسبة لهذا القسم من الأسئلة في فصل ( البحث الفقهي ) .
ولكن حيث نحن الآن في بحث عرفاني مرتبط بـ ( بحث قرآني ) فالمطروح هو مسألة الخلافة وسائر الكمالات الإنسانية ، وأن ليس في أي منها دور للمرأة والرجل .

الذكورة والأنوثة في المعاد :
المسألة الأخرى هي ان القرآن كما بدأ الكلام في محور الخلافة في بدء حدوث الإنسان ، والخلافة ليس فيها امرأة ورجل ، في نهاية الحدوث ، وفي نهاية العالم أيضاً ، حين يطرح مسألة المعاد ، ومسألة مواقف القيامة ، ومسألة البرزخ والحشر ، ومسألة السؤال والجواب والكتاب ووزن الأعمال ، والعبور على الصراط والكوثر وأمثالها لا يفرق أبداً بين المرأة والرجل ، وفي جميع هذه المسائل تستوي المرأة والرجل .


(166)


وقد ورد في بعض رواياتنا أن أهل الجنة يقولون :
« يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة عليها السلام بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم » (1) .
غضوا أبصاركم ، لا من أجل أنكم من غير المحارم ، فلا يسمح لكم حين عبور فاطمة عليها السلام برويتها ، الكلام هناك ليس عن التكليف ، أو عن الحرمة والحلية أو الجواز وعدم الجواز ، بل إن هذا هو أمر تكويني ، أي ان هذه المرأة حين تعبر وهي بتلك العظمة فان أهل المحشرلا يستطيعون رؤيتها ، لذا يقال : « يا أهل المحشر غضوا أبصاركم » ، لأن فاطمة الزهراء عليها السلام تريد العبور .
ثم جاء في الرواية ان على رأس فاطمة عباءة تصل إلى أيادي جميع أهل المحشر ويستطيعون الأستفادة من خيوط هذه العباءة العظيمة ، وهذا ليس بمعنى أن العباءة نسجت بخيوط صوف أو قطن وأمثال ذلك ، وتضعها الزهراء عليها السلام على رأسها وتمر بمثل هذا الثوب العريض ، بل إن غطاء الرحمة واسع ومقام الولاية الشامخ واسع . هؤلاء مظهر ( ورحمتي وسعت كل شيء ) (2) ووسعة تلك الرحمة تصل إلى أيدي الجميع ، وإلا فان هذه العباءة ليست من صوف أو قطن أو امثال ذلك ، رغم أنهم تكلموا بلساننا وتكلموا معنا بهذا الكلام ، لكن المقصود من ذلك هو غطاء الرحمة الذي يكون بوسعة جميع أهل المحشر .
بناء على هذا ، هناك نساء كثيرات وصلن إلى هذا المقام وكانت هناك نماذج بارزة بينهن أيضاً .
____________
(1) بحار الأنوار ، ج 43 ، ص 221 الحديث 4 .
(2) سورة الأعراف ، الآية : 156 .


(167)

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

بدءاً بالطفولة كيف نبني الشخصية المتوازنة ...
المرجع جوادي الآملي: المشاركة في مسيرات يوم ...
الأسرار بين الزوجين .. متى تصبح مشكلة
الاحتلال يمنع دخول وخروج المصلين من المسجد ...
المرجع الشبيري الزنجاني يشيد بدور علماء جبل عامل ...
الألفة والحبّ
إرضاء الغریزة الجنسیة
الرعية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك ...
في العيد (العودة إلى الفطرة)
ماهي أسباب الخجل الجنسي بين الزوجين؟

 
user comment