عربي
Friday 3rd of May 2024
0
نفر 0

تاريخ الثورة -4

لم يمت ولا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وارجلهم ممن ارجف بموته : لا أسمع رجلاً يقول مات رسول الله الا ضربته بسيفي.
والتفت الانظار الى مصدر الصوت ليعرفوا القائل فوجدوا عمر ابن الخطاب قد وقف خطيباً بين الناس وهو يجلجل برأيه في شدة لا تقبل نزاعاً وشاعت الحياة في الناس من جديد فتكلموا وتحدثوا في كلام عمر والتف بعضهم حوله.
واكبر الظن ان قوله وقع من أكثرهم موقع الاستغراب والتكذيب وحاول جماعة منهم ان يجادلوه في رأيه ولكنه بقي شديداً في قوله ثابتاً عليه والنا

س يتكاثرون حوله ويتكلمون في شأنه ويعجبون لحاله حتى جاء أبو بكر وكان حين توفي النبي في منزله بالسنح والتفت الى الناس وقال من كان يعبد محمداً فانه قد مات ومن كان يعبدالله فانه حي لا يموت قال الله تعالى ( انك ميت وانهم ميتون ) وقال ( أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ) ولما سمع عمر ذلك اذعن واعترف بموت رسول الله (ص) وقال كأني ما سمعتها ـ يعني الآية.
ونحن لا نرى في هذه القصة ما يراه كثير من الباحثين من أن الخليفة كان بطل ذلك الظرف العجيب. والرجل الذي تهيأت له معدات الخلافة بحكم موقفه من رأي عمر لأن المسألة ليست من الأهمية بهذا الحد ولم يحدثنا التاريخ عن شخص واحد انتصر لعمر في رأيه فلم يكن الا رأياً شخصياً لا خطر له ولا شأن للقضاء عليه.
وقد يكون من حق البحث ان الاحظ ان شرح الخليفة لحقيقة الحال في خطابه الذي وجهه الى الناس كان شرحاً باهتاً في غير حد لا يبدو عليه من مشاعر المسلمين المتحرقة في ذلك اليوم شيء ، بل لم يزد في بيان الفاجعة الكبرى على ان قال ان من كان يعبد محمداً فان محمداً قد مات


وقد كان الموقف يتطلب من أبي بكر اذا كان يريد ان يقدم في نفسه زعيماً لتلك الساعة تأبيناً للفقيد الاعظم يتفق مع العواطف المتدفقة بالذكريات والحسرات يومئذ.
ومن الذي كان يعبد سيد الموحدين حتى يقول من كان يعبد محمداً فانه قد مات وهل كان في كلام عمر معنى يدل على انه كان يعبد رسول الله (ص) أو كانت قد سرت موجة من الارتداد والالحاد في ذلك المجتمع المؤمن الذي كان يعتصر دموعه من ذكرياته وصبره وتماسكه من عقيدته حتى يعلن لهم ان الدين ليس محدوداً بحياة رسول الله لأنه ليس بالاله المعبود.
اذن فلم يكن لكلام أبي بكر الذي خاطب به الناس صلة بموقفهم ولا علاقة برأي عمر ولا انسجام مع عواطف المسلمين في ذلك اليوم وشؤونهم وقد سبقه به غيره ممن حاول مناقشة الفاروق كما سيأتي.
وكان يعاصر هذا الاجتماع الذي تكلمنا عنه اجتماع آخر للانصار عقدوه في سقيفة بني ساعدة برئاسة سعد بن عبادة زعيم الخزرج ودعاهم فيه الى اعطائه الرئاسة والخلافة فأجابوه ثم ترادوا الكلام فقالوا فان أبى المهاجرون وقالوا نحن أولياؤه وعترته فقال قوم من الانصار نقول منا أمير ومنكم أمير فقال سعد فهذا اول الوهن وسمع عمر الخبر فأتى منزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفيه أبو بكر فارسل اليه ان اخرج الي فارسل اني مشغول فارسل اليه عمر ان اخرج فقد حدث امر لابد ان تحضره فخرج فأعلمه الخبر فمضيا مسرعين نحوهم ومعهما أبو عبيدة فتكلم أبو بكر فذكر قرب المهاجرين من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنهم أولياؤه وعترته ، ثم قال نحن الامراء وأنتم الوزراء لا نفتات عليكم بمشورة ولا نقضي دونكم الامور ، فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال : يا معشر الانصار املكوا عليكم أمركم فان الناس في ظلكم ولن


( 52 )


يجترىء مجترىء على خلافكم ولا يصدر أحد الا عن رأيكم أنتم أهل العزة والمنعة وأولوا العدد والكثرة وذووا البأس والنجدة وانما ينظر الناس ما تصنعون فلا تختلفوا فتفسد عليكم اموركم فان أبى هؤلاء الا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير فقال عمر هيهات لا يجتمع سيفان في غمد والله لا ترضى العرب ان تؤمركم ونبيها من غيركم ولا تمتنع العرب ان تولي أمرها من كانت النبوة منهم من ينازعنا سلطان محمّد ونحن اولياؤه وعشيرته ، فقال الحباب بن منذر يا معشر الانصار املكوا ايديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الامر فان أبوا عليكم فاجلوهم من هذه البلاد وانتم احق بهذا الاُمر منهم فانه بأسيافكم دان الناس بهذا الدين أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أنا أبو شبل في عرينة الاسد والله ان شئتم لنعيدها جذعة فقال عمر اذن يقتلك الله ، قال بل اياك يقتل فقال أبو عبيدة يا معشر الانصار انكم اول من نصر فلا تكونوا أول من بدل وغير ، فقام بشير بن سعد والد النعمان بن بشير فقال : يا معشر الانصار الا ان محمداً من قريش وقومه أولى به وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الاُمر فقال أبو بكر هذا عمر وأبو عبيدة بايعوا أيهما شئتم فقالا والله لا نتولى هذا الاُمر عليك وأنت أفضل المهاجرين وخليفة رسول الله (ص) في الصلاة وهي أفضل الدين أبسط يدك فلما بسط يده ليبايعان سبقهما بشير من سعد فبايعه فناداه الحباب ابن المنذر يا بشير غفتك غفاق أنفست على ابن عمك الامارة ، فقال أسيد ابن خضير رئيس الأوس لأصحابه والله لئن لم تبايعوا ليكونن للخزرج عليكم الفضيلة أبداً ، وبايعوا أبا بكر واقبل الناس يبايعونه من كل جانب(1).
ونلاحظ في هذه القصة ان عمر هو الذي سمع بقصة السقيفة
____________
(1) الجزء الأول من شرح النهج ص127 ـ 128 .


( 53 )


واجتماع الانصار فيها واخبر ابا بكر بذلك ومادمنا نعلم ان الوحي لم ينزل عليه بذلك النبأ فلابد انه ترك البيت النبوي بعد ان جاء أبو بكر واقنعه بوفاة النبي فلماذا ترك البيت ولما اختص أبا بكر بنبأ السقيفة الى كثير من هذه النقاط التي لا نجد لها تفسيراً معقولاً أولى من ان يكون في الامر اتفاق سابق بين أبي بكر وعمر وأبي عبيدة على خطة معينة في موضوع الخلافة وهذا التقدير التاريخي قد نجد له شواهد عديدة تجيز لنا افتراضه.
الاول : تخصيص عمر لأبي بكر بنبأ السقيفة كما سبق واصراره على استدعائه بعد اعتذاره بانه مشغول حتى اشار الى الغرض ولمح اليه خرج مسرعاً وذهبا على عجل الى السقيفة ، وكان من الممكن ان يطلب غيره من أعلام المهاجرين بعد اعتذاره عن المجييء ، فهذا الحرص لا يمكن ان نفسره بالصداقة التي كانت بينهما ، لأن المسألة لم تكن مسألة صداقة ولم يكن أمر منازعة الانصار يتوقف على أن يجد عمر صديقاً له بل على أن يستعين بمن يوافقه في أحقية المهاجرين أياً كان.
ولا ننسى ان نلاحظ انه أرسل رسولاً الى أبي بكر ، ولم يذهب بنفسه ليخبره بالخبر خوفاً من انتشاره في البيت تسامع الهاشميين أو غير الهاشميين به وقد طلب من الرسول في المرة الثانية ان يخبره بحدوث أمر لابد ان يحضره ونحن لا نرى حضور أبي بكر لازماً في ذلك الموضوع الا اذا كانت المسألة مسألة خاصة وكان الهدف تنفيذ خطة متفق عليها سابقاً.
الثاني : موقف عمر من مسألة وفاة النبي (ص) وادعاؤه انه لم يمت ولا يستقيم في تفسيره ان نقول ان عمر ارتبك في ساعة الفاجعة وفقد صوابه وادعى ما ادعى . لأن حياة عمر كلها تدل على انه ليس من هذا الطراز وخصوصاً موقفه الذي وقفه في السقيفة بعد تلك القصة مباشرة


( 54 )


فالذي تؤثر المصيبة عليه الى حد تفقده صوابه لا يقف بعدها بساعة يحاجج ويجادل ويقاوم ويناضل.
ونحن نعلم أيضاً ان عمر لم يكن يرى ذلك الرأي الذي أعلنه في تلك الساعة الحرجة قبل ذلك بأيام أو بساعات حينما اشتد برسول الله (ص) المرض واراد ان يكتب كتاباً لا يضل الناس بعده فعارضه عمر وقال ان كتاب الله يكفينا وان النبي يهجر او قد غلب عليه الوجع كما في صحاح السنة فكان يؤمن بأن رسول الله يموت وان مرضه قد يؤدي الى موته والا لما اعترض عليه.
وقد جاء في تاريخ ابن كثير ان عمر بن زائدة قرأ الآية التي قرأها أبو بكر على عمر قبل ان يتلوها أبو بكر فلم يقتنع عمر وانما قبل كلام أبي بكر خاصة واقتنع به.
فما يكون تفسير هذا كله اذا لم يكن تفسيره ان عمر شاء ان يشيع الاضطراب بمقالته بين الناس لينصرفوا اليها وتتجه الافكار نحوها تفنيداً أو تأييداً مادام أبو بكر غائباً لئلا يتم في امر الخلافة شيء ويحدث أمر لابد ان يحضره أبو بكر ـ على حد تعبيره ـ وبعد ان أقبل أبو بكر اطمأن باله وامن من تمام البيعة للبيت الهاشمي مادام للمعارضة صوت في الميدان وانصرف الى تلقط الاخبار حادساً بما سيقع فظفر بخبر ما كان يتوقعه .
الثالث : شكل الحكومة التي تمخضت عنها السقيفة ، فقد تولى أبو بكر الخلافة وأبو عبيدة المال وعمر القضاء(1) وفي مصطلحنا اليوم ان الاول تولى السياسة العليا والثاني تولى السياسة الاقتصادية والثالث تولى السلطات القضائية وهي الوظائف الرئيسية في مناهج الحكم
____________
(1) راجع الجزء الثاني من تاريخ ابن الاثير صفحة 161.


( 55 )


الاسلامي وتقسيم المراكز الحيوية في الحكومة الاسلامية يومئذ بهذا الاسلوب على الثلاثة الذين قاموا بدورهم المعروف في سقيفة بني ساعدة لا يأني بالصدفة على الأكثر ولا يكون مرتجلا.
الرابع : قول عمر حين حضرته الوفاة لو كان أبو عبيدة حياً لوليته(1).
وليست كفاءة أبي عبيدة هي التي أوحت الى عمر بهذا التمني لأنه كان يعتقد أهلية علي للخلافة ومع ذلك لم يشأ أن يتحمل أمر الأمة حياً وميتاً(2).
وليست أمانة أبي عبيدة التي شهد له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بها ـ بزعم الفاروق ـ هي السبب في ذلك ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يخصه بالاطراء ، بل كان في رجالات المسلمين يومئذ من ظفر باكثر من ذلك من ألوان الثناء النبوي كما تقرر ذلك صحاح السنة والشيعة.
الخامس : اتهام الزهراء للحاكمين بالحزبية السياسية ، كما سنرى في الفصل الآتي.
السادس : قول أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ للفاروق ( رضي الله عنه ) : احلب يا عمر حلباً لك شطره أشدد له اليوم أمره ليرد عليك غداً(3).
ومن الواضح انه يلمح الى تفاهم بين الشخصين على المعونة المتبادلة واتفاق سابق على خطة معينة والا فلم يكن يوم السقيفة نفسه ليتسع لتلك المحاسبات السياسية التي تجعل لعمر شطرا من الحلب.
____________
(1) شرح النهج ج1 ص64.
(2)
الانساب للبلاذري ج5 ص16.
(3)
ج2 ص5 من شرح النهج.


( 56 )


السابع : ما جاء في كتاب معاوية بن أبي سفيان الى محمّد بن أبي بكر ( رضوان الله عليه ) في اتهام أبيه وعمر بالاتفاق على غصب الحق العلوي والتنظيم السري لخطوط الحملة على الامام اذ قال له فيما قال : فقد كنا وأبوك نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه لازماً لنا مبروراً علينا فلما اختار الله لنبيه ( عليه الصلاة والسلام ) ما عنده واتم وعده واظهر دعوته فابلج حجته وقبضه إليه ( صلوات الله عليه ) كان أبوك والفاروق أول من ابتزه حقه وخالفه على أمره على ذلك اتفقا واتسقا ثم انهما دعواه الى بيعتهما فابطا عنهما وتلكأ عليهما فهما به الهموم وأراد به العظيم(1).
ونحن نلاحظ بوضوح عطفه طلب أبي بكر وعمر (رض) للبيعة من الامام بثم على كلمتي اتفقا واتسقا. وهو قد يشعر بأن الحركة كانت منظمه بتنظيم سابق وان الاتفاق على الظفر بالخلافة كان سابقاً على الايجابيات السياسية التي قاما بها في ذلك اليوم.
ولا أريد أن أتوسع في دراسة هذه الناحية التاريخية أكثر من هذا ولكن هل لي أن الاحظ على ضوء ذلك التقدير التاريخي ان الخليفة لم يكن زاهداً في الحكم كما صوره كثير من الباحثين بل قد نجد في نفس المداورة التي قام بها الخليفة في السقيفة دليلاً على تطلعه للأمر فإنه بعد أن أعلن الشروط الاساسية للخليفة شاء ان يحصر المسألة فيه فتوصل الى ذلك بأن ردد الأمر بين صاحبيه الذين لن يتقدما عليه وكانت النتيجة الطبيعية لهذا الترديد ان يتعين وحده للامر.
فهذا الاسراع الملحوظ من الخليفة الى تطبيق تلك الصورة التي قدمها للخليفة الشرعي في رأيه على صاحبيه خاصة الذي لم يكن يؤدي الا اليه كان معناه أنه أراد أن يسلب الخلافة من الانصار ويقرها في شخصه في آن واحد ولذا لم يبد تردداً أو ما يشبه التردد لما عرض الأمر
____________
(1) مروج الذهب ج2 ص315.


( 57 )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مصرع طلحة :
البيعة
آية الابرار:
التشيع العقيدي .
ثقات الإسلام
حديثٌ حول صوم الجوارح
بلال ، حضرت فاطمہ (س ) کي نظر ميں
عبد المطلب بن هاشم جد النبي (ص) وكبير قريش
رسالة فی معنی المولى
خطبة الإمام الحسين ( عليه السلام ) الأولى يوم ...

 
user comment